لا: لمواقف الشيخ البوطي... لا : لإحراق كتب البوطي

لا: لمواقف الشيخ البوطي...

لا : لإحراق كتب البوطي

د. حمزة رستناوي

[email protected]

إن ثورات الربيع العربي الراهنة عليها ألا تكون بديلا سياسيا للسلطات العربية الاستبدادية القائمة بل و أيضاً بديلا فكريا و أخلاقياً عنها.

من هنا تبرز أهمّية تناول أخطاء و ظواهر سلبية رافقت ثورات الربيع العربي , من أعمال انتقامية تجاه بعض الأفراد , أو تخريب ممتلكات عامة ..الخ

ففي ذلك فضائل متعدّدة: فضيلة الاعتراف و  التعرّف على الخطأ , وفضيلة تصحيح الخطأ إن أمكن , و من ثمّ  العمل على عدم تكرار حدوثه.

ورد في القرآن الكريم:"أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى".

سأتناول هنا إحدى الظواهر السلبية فيما يخص الربيع السوري

حيث قام أحد طلاّبه و المتظاهرين في مدينة دير الزور في "جمعة أحفاد خالد"  22-7-2011  بإحراق كتب الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي في طقس احتفالي

رابط اليوتيوب: 

, احتجاجا على فتاوى البوطي الأخيرة المؤيدة للسلطة السورية في قمعها للمتظاهرين.

*بداية لنقيم فصل إجرائي بين شخص الكاتب و نتاجه الفكري, بحيث لا نسمح بتصعيد العنف اللفظي أو المادي تجاه شخص الكاتب , بما ينعكس على الحريّة كشرط للحياة الإنسانية , و ضمنا حرّية إبداء الرأي و الاختلاف و التعبير.

و ما لم نقم بذلك فنحن لا نعدو أن نستبدل ظلام الاستبداد بلبوس ظلامي آخر, لنختلف حول الرأي و ليس حول صاحب الرأي, فالأفكار تحاور و لا تقتل, و الكتاب يُرَدْ عليه بكتاب , و ليس عبر حرقه و منعه و مصادرته مثلاً.

*ترك البوطي لنا نتاج فكري كبير يزيد عن ستين كتابا , بالتأكيد  ليس كل هذا النتاج على سويّة واحدة , و يمتدّ هذا النتاج على حقول: الفقه و أصول الفقه و العقائد و السيرة و المذكرات و الترجمة " ترجمة لرواية مموزين عن الكردية" ..الخ

و إن كان هذا النتاج في جانب كبير منه جاء قاصرا عن معالجة قضايا العصر و متطلّبات إحياء الإنسان و الحفاظ على حقوقه و تحقيق  مقاصد الشريعة الإسلامية قبل غيرها.

أقول رغم كل ذلك فهذا لم يمنعني من الاستمتاع بقراءة كتاب له عن ابن عطاء السكندري " شرح و تحليل الحكم العطائية" , فالقضيّة نسبية بالضرورة و لا يوجد شر مطلق أو خير مطلق على هذه الأرض

و فتاوى البوطي الأخيرة بخصوص إطلاق النار على المتظاهرين , و السجود لصورة الرئيس الأسد و و تجريم المتظاهرين و ممالئة السلطة - بغض النظر عن نيّة و سريرة الرجل-   و دفاع بعضهم عنه بأنه رجل يعيش حياة زهد و تقشّف أقول ذلك ممكن , و لكن لنا من الرجل ما يعرض من مصالح في كتبه و مواقفه و فتاواه , و البحث عن سريرة الرجل غير ذو جدوى .

 أقول رغم كل الاعتراضات الجوهرية على موقف البوطي و سلبيتها  بما لا يليق برجل دين بحجم البوطي و محبة الناس له و على مدى عقود من الزمن.

و لكن هذا لا يبرر لنا و لمخالفيه إحراق كتبه , فهذه سابقة قد تُشَرْعِنْ لحرق كتب آخرين و إقصاء مضاد.

أتفهم دوافع المتظاهرين لحرق كتب البوطي و لكن لا أبررها , قد تكون الخيبة هي الدافع فالمأمول من البوطي غير هذا , و قد يكون إمعان  البوطي في تبرير ممارسات السلطة و انتهاكها لحقوق الإنسان  و قد يكون غير ذلك.

و لكن إذا كان لثورات الربيع العربي أن تؤتي ثمارها فالمطلوب منها – و بمحبّة- أن تكون تجاوزا تاريخيا لميراث حرق الكتب الذي عرفناه قديما :من حرق كتب المعتزلة و الفلاسفة و ابن رشد

و كذلك تجاوزا تاريخيا لميراث منع الكتب و تجريم اقتنائها الذي عانينا منه في تاريخنا الحديث على يد الرقيب الأمني , وديوان وزارات الإعلام.

و كذلك تجاوزا تاريخيا لميراث قتل الكاتب أو تهديده الذي عانينا منه أيضا كما في مثال:  فرج فوده –  نجيب محفوظ - سيد قمني – نصر حامد أبو زيد- محمود محمد طه-  حسين مروه - سمير القصير و غيرهم..