إجماع مجلس الأمن على خذلان السوريين يفرض عليهم البحث عن بديل

(1) في الخذلان

بعد خمس سنوات من إدارة الظهر لمشهد الدم المراق عدوانا في سورية ، قرر الذين وسموا أنفسهم ( بأصدقاء الشعب السوري ) خذلان الشعب السوري ووأد الثورة السورية بقرار إجماعي من مجلس الأمن تم الإعلان عنه منذ يومين . يسعى قرار مجلس الأمن 2254 / 18 / 12 / 2015 بشكل واضح ومباشر إلى إعادة سورية وشعبها إلى (عُهدة ) بشار وأجهزته العسكرية والأمنية القمعية ، وعلى أيدي وكيليه روسية وإيران . إن أي كلام آخر يقال للسوريين في التعليق على قرار مجلس الأمن موضع الحديث هو من الباطل الذي لا يغني من الحق شيئا .

وددنا أن نجد في مواد البيان الخمسة عشرة مادة واحدة تنحو إلى الانتصار للشعب السوري ، أو تدافع عن حقوقه ، أو تحمي مستقبله ، أو تضمن وعدا بعدالة لضحاياه . أو تتعاطف مع تطلعاته ؛ ونرجو ممن وجد مثل هذه المادة ، ولو بنوع تأويل ، أن يضع يدنا عليها ، أو يدلنا عليها .

إن أكبر شاهد على انحياز قرار مجلس الأمن 2254 السافر إلى جانب عصابة الجريمة والقتل ، ترحيب ممثلي هذه العصابة به ، وتطبيل وسائل الإعلام الروسية والإيرانية والمعلقين باسمها له ...

ولم يكن القرار بجملته إلا أعادة صياغة لكل ما ظل يطرحه القتلة والمجرمون وداعموهم على مدى السنين الخمسة الماضية . دون أن يستطيع الذين يزعمون أنهم ( أصدقاء للشعب السورية ) أن يضيفوا كلمة واحدة على ما كان اقترحه لافروف ومن قبله جوقة الأسد في كل المحافل والمؤتمرات. إن مقولة بوتين ( سيجد بشار الأسد في الاتفاق مع كيري ما لا يعجبه ) هو من السخرية بكيري وبكل الذين وسدوا أمرهم له ، وحاشا الشعب السوري وقواه الحية الواعية أن يكونوا من هؤلاء .

• إن أخطر ما في قرار مجلس الأمن 2254 / 18 / 5 / 2015 هو تحول التأييد الضمني للمجرم على مدى السنوات الخمس الماضية بإطلاق يده في قتل السوريين وتدمير بلادهم بكل أنواع الأسلحة إلى تأييد علني صريح مؤيد ومدعوم بقرار إجماعي من مجلس الأمن الدولي . ليبقى سؤالنا الواضح والمباشر : هل احتوى البيان كلمة واحدة في إدانة المجرم صاحب الجريمة المستعلنة والموصوفة؟! وإذا كان شركاء المجرم قد تمترسوا وراء الفيتو دون إدانته ، فقد انحاز اللامبالون والمستهترون بالدم السوري إليهم على حساب قضية شعب كانت كل جريمته أنه هتف للحرية وللحياة .

• وتحت عنوان التفرغ للحرب على ( الإرهاب ) و التوحد عليها قرر المجتمع الدولي إعادة تسليم رقاب السوريين وأعراض حرائرهم لبشار الأسد وعصاباته وسط متاهة ملتوية من المقررات رسم منعرجاتها أغبياء يظنون في أنفسهم الذكاء ويقدرون في غيرهم من الناس التخلف والغباء.

• سيتساءل المنصف الذي تابع جلسة مجلس الأمن ووجد المدعو ( بشار الجعفري ) وكيل مجرم الحرب وشريكه في الجريمة متربعا على المنبر الدولي بدعوة خاصة ( متواطأ ) عليها ، عن البعد الأخلاقي لدعوة مثله إلى مثل هذا المنبر ، وعن البعد السياسي في تغييب ممثل عن نصف مليون شهيد وعشرة ملايين مشرد من السوريين لا يجدون من يدافع عن قضيتهم ببنت شفة .

• لقد سلّم الذين يسمون أنفسهم بأنهم ( أصدقاء الشعب السوري ) لبشار الأسد ومن أمامه روسية وإيران في فرض شروطهم على تسمية (الوفد المفاوض ) له . إن كل ما جرى في الرياض من تجاوز على دور ( الائتلاف الوطني ) كان وفاء للمتطلبات الأسدية التي ما فتئ يرددها الروس والإيرانيون ، ومع ذلك فإن ما جرى في الرياض لم يكن ليقنع ( صبي العالم ) المدلل وداعميه.

• ونزل الذين يسمون أنفسهم بأنهم ( أصدقاء الشعب السوري ) على شروط بشار الأسد وحليفيه الروس والإيرانيين مرة أخرى بالقبول بفرز السوريين إلى ( إرهابيين ومعتدلين ) . فبشار الأسد الذي اعتبر منذ أول يوم أن كل من قال له ( لا ) إرهابيا ولو كان تلميذا في مدرسة ابتدائية في عمر حمزة الخطيب ها هو اليوم يجد في قرار مجلس الأمن ( الإجماعي ) ما يؤيده ويدعمه ، وما يزيد عليه بترك التهديد بالتصنيف تحت هذا العنوان مفتوحا مرفوعا كالسيف المصلت فوق رؤوس المقاومين والمعارضين على السواء.

إن الوجه الآخر لعملية تصنيف الشعب السوري هذه هي أنها منحت المجرم القاتل الموثقة جريمته في قتل المعتقلين في أعماق الزنازين شهادة براءة مزورة ومؤيدة بإجماع مجلس الأمن هذه المرة .

• وفي سياق تصفية الثورة والانقلاب على الثوار لقد أعفى الذين يسمون أنفسهم بأنهم أصدقاء ( للشعب السوري ) المجرم القاتل وعصابته من المساءلة والمحاسبة ، وأغلقوا على المصابين والمنتهكين نافذة الحلم بالعدل ، وتركوا للمجرم القتل بما منحوه من حقوق البقاء فرصة للتلويح بالمزيد من الانتقام . إنه تحت العنوان الزائف ( لإرادة الشعب السوري ) التي اختطفها حافظ وبشار الأسد منذ نصف القرن وما زال يزيفها ويلعب بشار وبوتين والولي الفقيه سلّم خاذلو الشعب السوري بقرار مجلس الأمن للقاتل المستبد وداعميه من الروس والإيرانيين بحقهم بأخذ المشهد السوري إلى ما أسموه (الحكومة الانتقالية) . لقد أصبحت الشراكة مع المجرم القاتل مخرجا ومطلبا بقرار من مجلس الأمن . وبدلا من أن يسوق القرار هذا المجرم إلى محكمة الجنايات الدولية أمام ما ارتكبه بحق السوريين من جرائم موثقة ؛ فإنه يفتح الباب أمامه ليستمر في ممارسة جرائمه على السوريين من جديد .

ثم هل تساءل هؤلاء الماكرون المخادعون الممسكون بقرار مجلس الأمن أنفسهم عن أي دور يمكن أن يؤديه ( مجموعة من الأفراد ) مهما امتلكوا من صلاحيات وإمكانات حيال فريق يسيطر على كل مفاصل الدولة وإمكاناتها بما فيها أدوات الإكراه ؟!

هل تساءل هؤلاء ماذا سيفعل هذا الفريق ( المضاف ) إلى هيئة الحكومة الانتقالية أو المشتركة حيال سيطرة سلطة ظلت طوال عهدها عميقة خفية لا يملك الوزراء ولا المدراء على كثرتهم من أمرها شيئا ؟! هل سيكون رياض حجاب – مثلا - المواجه لبشار الأسد أكثر قدرة على الأداء من رياض حجاب المدعوم قبلا من بشار الأسد ؟! إن عبارة ( الصلاحيات الكاملة ) التي يرددها المرددون بكل ما فيها من رواء بلاغي لا تساوي في عالم الاستبداد شروى نقير . نقول هذا فقط عسى أن يصحو المخمورون.

• إن مؤسسات الدولة السورية عزيزة على قلب كل سوري ؛ ولكن هل يجوز أخلاقيا أو سياسيا المتاجرة بالبعد العاطفي لهذا العنوان، للتسويغ لبقاء المؤسستين الشريكتين في كل ما جرى على الأرض السورية من قتل وتدمير ؟! كيف يمكن للسوريين أن يقبلوا ببقاء مؤسسة عسكرية حرثت دباباتها ومدفعيتها وطائراتها مدنهم وقراهم وأحياءهم ؟! كيف يمكن لبشر أسوياء متحضرين أن يصدروا قرارهم موضع التعليق على أساس الإبقاء على الأوكار التي وثق فيها من سموه (بالقيصر) خمسة وخمسين ألف صوره لبشر حقيقيين يزعمون أنها أبكتهم وأوجعت ضمائرهم ؟! ترى أي دورة في حقوق الإنسان ، أو أي محاضرة في الأخلاق ستصلح من وضع هؤلاء الغيلان ...؟!

• ومع رفضنا نحن السوريين لكل المدخلات والمخرجات الطائفية وعلى كل المستويات .. نرى أنه بات من حقنا أن نعلن أنه قد أصبح من مثيرات الغثيان والقرف والاشمئزاز ومن المنبهات على رسيس عنصرية يتحكم في خلفيات الكثيرين ؛ أن أبناء الأكثرية ما زالوا منذ خمس سنوات يقتلون ويعتقلون ويدمرون ويهجرون ثم لا نزال نسمع في القرارات والبيانات والتصريحات الدولية تخوفات سخيفة غير مفهومة ولا مسوغة عن حقوق الأقليات التي لا يجاحد فيها أحد ولا يهددها أحد غير بشار الأسد وأدواته العمليين . تلك إحدى القضايا التي لم يغفل عنه قرار مجلس الأمن موضع التعليق.

• إن تحويل المعركة في سورية من معركة بين شعب مستضعف مضطهد مظلوم متطلع إلى الحرية والكرامة مع ظالم مستبد قاتل إلى معركة بين المجتمع الدولي وبين زعانف من المتطرفين والإرهابيين أوجدهم الظالم المستبد ليختبئ وراءهم ، وتقديم المعركة الثانية على الأولى؛ هو سقوط أخلاقي وسقوط سياسي وانهزام حقيقي في المعركة الأساسية مع الاستبداد المولد للفساد .

• لقد سبقت القوى الوطنية السورية أن قالت كلمتها حاسمة جازمة صريحة واضحة في إيمانها بالحل السياسي وفي دعوتها إليه ، وتمسكها به على أساس وثيقة المبادئ الخمسة . إسقاط نظام بشار الأسد بكل رموزه وأركانه ورحيل كل المجرمين وعلى رأسهم بشار الأسد إلى ساحة العدالة . ولا بد من تفكيك المؤسستين الشريكتين في مشروع القتل مع إيماننا المطلق بفردية التبعة . لا للطائفية بكل تطبيقاتها وتداعياتها . نعم لسورية دولة مدنية وطنية ديمقراطية في ظل الحكم الرشيد . ولا مساس بوحدة سورية أرضا ولا شعبا. ثم الوفاء كل الوفاء لدماء الشهداء ولتضحيات المضحين ...

• إن أي قرار أو حل أو اقتراح أو خطة طريق لا تحترم هذه المطالب الأساسية المشروعة للشعب السوري وثواره ومجاهديه مردود على صاحبه حتى يقضي الله بيننا وبين هؤلاء الظالمين المفسدين وداعميهم بالحق ...

(( وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ))

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 647