الإسلام ينبذ العصبيات

لا ينقضي العجب من مسلمين متمسكين بدينهم يعملون على الرجوع إلى العصبيات القديمة التي تناقض هذا الاسلام وهو حرب عليها من أول أيامه ، يفعلون هذا باسم الهوية وكأنهم لا يعلمون أن الاسلام هو هوية المسلم وجنسيته ، فخلافا للمسيحية فضلا عن البوذية والهندوسية ليس الاسلام  مجرد  عقيدة ذهنية أو  روحانيات وجدانية ولا حتى أخلاق و شرائع إنما هو كل هذا ، وهذا الكلّ يشكل هوية وانتماء متميزا يتجاوز الأعراق والعصبيات ومختلف الانتماءات ، فالمسلم مسلم قبل نسبه العربي أو الفارسي أو القبائلي ، وإذا وُجد في نسبه ما يناقض هُويته الاسلامية فهو يطّرحه ويستبعده ، وأما العربية فهي بالنسبة له أكبر وأكثر من مجرد وسيلة للتواصل بل هي شعيرة من شعائر الاسلام ، لا يُتلى قرآن ولا تُقام صلاة ولا يُفهم الوحي إلا بها ، فهي تستمدّ قدسيتها من نسب الاسلام الرباني ، وهي إذًا مقدمة حتى على اللغة الأم ، وهو ما فهمه المسلمون الجدد دائما فتجدهم يسارعون إلى تعلّمها وإجادتها  ، ومنهم أجدادنا البربر الذين احتضنوها وخدموها وتبنوها جملة وتفصيلا.

أيغفل مسلمون عن كلّ هذا وينتصرون للانتماء العِرقي القبلي وينضوون في سبيل ذلك تحت لواء الجاهلية الحديثة إلى جانب غلاة العلمانيين والتغريبيين المبغضين للإسلام دينا وتاريخا وحضارة ؟ قال الله تعالى : " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ... " – سورة المجادلة 22

تقع القطيعة مع الأقربين ومن يوفرون الحماية إذا انحازوا إلى المعسكر المعادي للإسلام ، هذه هي العقيدة الصحيحة وهذا مقتضى الفهم الصحيح للدين ، أما حين يجد المسلمون أنفسهم امام تحدي العلمنة والتغريب بذرائع شتى – منها إحياء هوية قديمة أبدلنا الله خيرا منها وفرض لهجة جهوية كلغة وطنية رسمية لمزاحمة العربية – ويرون طائفة منهم تتخلى عن مقتضى العقيدة الصافية وتتبنى الأطروحات الوافدة فمعنى ذلك أن حصونهم مهددة من داخلها وأن الجاهلية قد اطلت بقرنها من جديد ، فوجب التذكير بوصايا الرسول :

" ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية " – رواه مسلم ، والمقصود بالعصبية هو تغليب الانتماء العرقي والقبلي والقومي. " إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء والأجداد ( أي القدامى من غير المسلمين ) إنما هم فحم جهنم " – رواه أبو داود. " لينتهينّ أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا ( أي على غير الاسلام ) أو ليكوننّ أهون على الله من الجُعل الذي يدهده الخراء بأنفه ، إنما هو مؤمن تقي و فاجر شقي " – رواه الترمذي. " إن آل أبي طالب ليسوا بأوليائي ، إنما ولييَ الله وصالح المؤمنين ، ولكن لهم رحم أبلّها ببلاها " – متفق عليه عندما صاح الأول يا للمهاجرين وردّ الثاني يا للأنصار قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " ما بال دعوى الجاهلية ؟ ...دعوها فإنها منتنة " رواه البخاري

فأين هذا التوجيه النبوي الكريم من التفاخر بالكاهنة ويوغرطا وماسينيسا ويغمراسن ؟ الرسول يتبرأ من عمه أبي طالب الذي كفله وكان سنده المتين طول حياته لأنه مات على الكفر ، ويشدّد النهي عن التفاخر بالنسب الجاهلي لأن من تمام إسلام الناس قطع وشائج الجاهلية والاعتزاز بالدين ورموزه ومفاهيمه ، لأن الاسلام – مرة أخرى – هُوية وانتماء وجنسية يدور المسلم مع مقتضياته حيث دارت ، وهذه الحقائق هي من البديهيات ولكن الغبش الذي أصابها بفعل التغريب والغزو الفكري فرض علينا توضيح الواضحات ، لأن الانحراف أصاب الرؤية عند بعض المسلمين فتنادوا بنداءات جاء الاسلام لطمس معالمها لأنها تفرّق ولا تجمع وتُفسد ولا تُصلح ، وفي هذا السياق يندرج التقهقر إلى القوميات الضيقة والعصبيات القَبَلية وتنادى الأمازيغ بالأمازيغية والكرد بالكردية والأتراك بالطورانية والعرب بالقومية العربية ، والقضية لا تنحصر في مطالب لغوية أبدا فتلك مقدمة لإحياء النزعات القبلية على حساب وحدة الأمة ، وأكرر أنه لو تعلق الأمر بمطالبة جهة ما بتدريس لهجتها المحلية التي تعُدها لغة لكان الأمر مفهوما ، وهذا حادث  قريبا منا جغرافيا  في مقاطعة بروتاني والألزاس وغيرهما في فرنسا ، لكن هؤلاء لم يطالبوا بجعل لهجتهم لغة وطنية تفرض على أغلبية لا علاقة لها بها ، فكيف تُفرض هذه الأمازيغية المنحصرة في منطقة معينة من الجزائر على أهالي قسنطينة و وهران وعنابة وتلمسان وسطيف و معسكر و ورقلة وسعيدة  وغيرها وهي لم تكن لغتهم في يوم من الأيام ؟ إنها " لغة " لم تتبنّها أية دولة قامت في الجزائر منذ الفتح الاسلامي ، حتى تلك التي أقامها البربر مثل المرابطين ومثل الدولة الحمادية التي كان مركزها مدينة بجاية ، هذه التي يُراد لها الآن أن تكون منطقة " محرّرة " أي من الاسلام والعربية على يد غلاة البربريست الذين تسيّرهم العنصرية والإلحاد .

إن الأمازيغية قضية سياسية بامتياز تتاجر بها أطراف داخلية وخارجية – في غقلة من بعض إخواننا الطيبين المنادين بها - لا تخفى على المراقب الحصيف ، للتشويش على الهوية الجزائرية وخلق بؤر توتر تصبّ في صالح مخططات لا تجاهر بنفسها ، على رأسها التنصير الذي يتحرك بكثافة في أرجاء البلاد وخاصة في منطقة القبائل التي يتبجح فيها بالكنائس الجديدة وتحويل الشباب إلى النصرانية وانتهاك حُرمات الدين علنا وجماعيا والنكاية بالإسلام ، فما الأولوية يا تُرى ؟ الذود عن ثوابت الأمة ومقاومة التنصير الذي سيستنجد حتما يوما ما بالتدخل الخارجي من أجل " حماية حقوق الأقليةذات الدينية  " أم فرض لهجة محلية قسرا على الجزائريين ؟ وحتى على المستوى النفعي فإن هذه الأمازيغية ليست لغة المستقبل ومن الأفضل توسيع تعلّم الإنجليزية لمواكبة التطور بالإضافة إلى ترقية اللغة العربية بدل مضايقتها وتهميشها .

 

وسوم: العدد 654