لقائي مع صحفي من الداخل د. جابر قميحة

لقائي مع صحفي من الداخل د. جابر قميحة

أ.د/ جابر قميحة

أقولها بصراحة- وآمل ألا يعتبرها القارئ من قبيل التواضع- إنني لست بالشخصية التي تستأهل أن يقصدها الصحفيون سائلين ومحاورين, ولكنني «أقع» أحيانًا في يد بعضهم فأفسح صدري, وأجيب, وكثيرًا ما يكون الهاتف -علي مدي ساعة أو ساعتين- هو وسيلة الحوار.
ولكن هذا الصحفي بالذات لا أستطيع أن أخيب له طلبًا, أو أعتذر عن إرجاء إجابة عن سؤال يوجهه إليّ , وذلك لقربه النفسي مني, وكأننا كما يقول الشاعر «روحان حللنا بدنا» . وبدأ الحوار الذي أنقله بأمانة للقارئ دون زيادة أو نقص :

*- هل ستجيب علي أسئلتي بصراحة دون مواربة أو لف ودوران?

- إن شاء الله, فالصراحة - والحمد لله- من أهم طوابعي, وأنا من أحرص الناس عليها من صِغري, ودائمًا أقول لإخواني وطلابي: قل الحق, ولا تبالِ و«قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا». والحق للأسف مطموس في هذا العهد, ورحم الله شوقي إذ قال في رثاء مصطفي كامل :
شهيدَ الحق قم تره يتيما
بأرض ضُيعت فيها اليتامى

*- دكتور جابر: أراك تجنح إلي الاستطراد, فليكن كلامنا في حدود الأسئلة الموجهة... وكثيرًا ما تغلب عليك صفة الأديب!!

- معذرة ... آسف .. تفضل.

*- في آخر مقال لك قلت: وقد قال الإمام علي -كرم الله وجهه-: «ضع فخرك, واحطط كِبرك, واذكر قبرك» . وقلت : إنها نصيحة تهديها لحكام العرب والمسلمين, فهل من الممكن أن تشرح لي ماذا تعني.. وبصراحة تامة..??

- المقولة واضحة : ضع فخرك: أي اخلع عن نفسك الفخر بما صنعت, وحرصك علي أن تحمد بما فعلت.. وكذلك التكبر والغرور. وعن تذكر القبر قال أحد المتصوفة «من ذكّرني بقبري, ذكرني بربي, ومن ذكّرني بربي, فقد قتل شيطاني وأحيا قلبي, ومن أحيا قلبي رفعني إلي معايشة النبيين والصديقين والشهداء, وحسن أولئك رفيقا».

*- والشق الثاني من مقولتك... من تعنيهم بحكام أو طغاة العرب والمسلمين?.. ولكن معذرة ليكن سؤالي أكثر تحديدًا: هل السيد حسني مبارك ضمن من تقصد? أرجو الصراحة .

- سبحان الله.. أليس حاكمًا من حكام العرب? بل كان هو أول من خطر لي, وأنا أوجه هذه النصيحة العَلَوية الراقية: «ضع فخرك. واحطط كبرك. واذكر قبرك».

*- هل أطمع في شيء من التفصيل, وضرب الأمثلة?

- أنا معك... من الفخر الواضح المرفوض الذي يروج له دائمًا حملة القماقم من المنافقين والمغالطين والنفعيين... أنه صاحب الضربة الأولي في حرب أكتوبر.. وهي الضربة التي لولاها ما حقق الجيش المصري عبورًا ونصرًا..
وأنا لست رجلاً عسكريًا, أو عالمًا بفنون القتال وأسراره وتقنياته وتكتيكاته . ولكن من البدهيات التي لا تحتاج إلي شيء من ذلك أن النصر لا تحققه ضربة أولي ولا ثانية من سلاح واحد, ولكن النصر هو حصيلة تخطيط تتعاون فيه كل الأسلحة.. كل في مجاله ونطاقه ووقته المخصص . ثم بعد ذلك يصعب .. بل يستحيل «الإفراز» أي توزيع النصر «قِطَعًا» علي أطباق .. ولكن ينسب النصر لكل من ساهم فيه .
ولك أن تتصور -وأنت صحفي ضليع- أن ينهض سلاح المهندسين.. أو سلاح المدرعات.. أو المشاة.. وينسب كل سلاح النصر إليه... لأنه لولاه.. لحدث كذا.. وكذا.. أو لم يحدث كذا.. وكذا . والخلاصة أن «الفخر» بأن النصر لم تحققه إلا الضربة الطيرانية المباركية الأولي.. هذا «الفخر» لم يعد مستساغًا... ولا يليق بقائد هذه الأمة.. وإلا فماذا نقول عن أحمد بدوي «الذي لقي ربه شهيدًا.. وهو يشارك جنوده في مهماتهم العسكرية?

*- علي أية حال هذا مأخذ واحد أدخلته في باب الفخر, وأنت تأخذه علي حسني مبارك.. ومأخذ واحد ليس بالكثير.

- هناك مآخذ أخري تدخل في هذا الباب ومنها شغل الناس بالدعاية الصاخبة للانجازات المباركية: كباري.. طرق... مصانع.. وعدّوها بالعشرات.. وأحيانًا بالمئات, وما هكذا تحسب الأمور يا هؤلاء.. فهذه المشروعات والإنجازات.. يجب أن تقسم علي أربعة.. لأن المدة التي قضاها مبارك في الحكم.. كان يجب أن تكون لأربعة رؤساء لا رئيس واحد.. لكن سيادته أعلنها بصراحة.. أن ترك الحكم مسألة صعبة جدًا.. جدًا. من هنا يكون التشبث به لفترة خامسة أمراً طبيعيًا يتفق مع مزاجه السيادي.
وكم كنت أتمني أن يتحدث مبارك عن إنجاز «توشكي»... الذي يقول الخبراء «الحقيقيون» إنه امتص ثروة مصر.. وإن آثاره القاتلة البشعة ستمتد علي نحو أضري وأبشع.. للجيل القادم..

*- وذكر الموت.. أو التذكير بالموت.. ما مكانه هنا?

- يا سيدي الفاضل إن الله سبحانه وتعالي يقول (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله)... وبصراحة.. أنا لم أسمع عبارة «إن شاء الله » من مبارك ولا مرة واحدة, وهو يعرض مشروعاته المستقبلية, هوّ حر.. ولكن عليه أن يؤمن بأن لكل أجل كتابًا, وأن الله سبحانه وتعالي خاطب نبيه قائلاً: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدونّ{34} كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون [لأنبياء 34 , 35] . وقال لنبيه كذلك {إنَّك ميت وإنهم ميتون } [الزمر: 30].
وعَلي مبارك أن يؤمن أنه في «الهزيع الأخير من العمر» والأعمار طبعًا بيد الله, وأنا -وأقسم- أشفق علي هذا الرجل, وقد ظهرت «الغضون» علي وجهه, وثقلت نبرات كلماته.. وأصبحت حركاته مع تقدم سنه بطيئة, وهو في سن الشيخوخة يعاني.. ما يعاني... وكذلك ...

*- ماذا تريد أن تقول يا دكتور..? إن الرئيس يجد في نفسه القدرة علي الاستمرار... وهذا حقه.

- لا.. من قال هذا..؟. إن مبارك لا يدير مشروعًا خاصًا ولكنه يصر علي أن يدير شئون أمة, وصحته -مهما قال المنافقون- لا تتحمل ولا جزءًا من ذلك..

*- يعني....

- أرجوك اسمعني للنهاية.. إن المثل يقول: «إن في التنويع متعة.. حتي في الهموم».. ورحم الله عمر بن الخطاب الذي قال: «اللهم إن الناس قد ملّوني.. وأنا قد مللتُ الناس.. اللهم أخرجني منها كفافًا.. لا لي ولا عليَّ».. إنه عمر الذي اعترف بعدله وقوته.. وتدينه... ورعايته للأمة حتي أعداء المسلمين.
ولو كنت في مكان مبارك.. لاكتفيت... وما مددتُ.. وما ورّثت.. بل أدعو إلي تشكيل «جمعية تأسيسية» تدير مصر لمدة عام.. تضع خلاله دستورًا ديمقراطيًا متزنًا.. عادلاً يحدد الاختصاصات في دقة وصرامة... و....

*- يعني بصراحة.. لو انسحب مبارك مَن مِن هؤلاء التسعة.. يصلح لقيادة مصر?..

- آه ... جئنا «لمربط الفرس».. من قال إني وضعت في حسابي هؤلاء التسعة?!.. اسمع لقد رأيت «فيلمًا» سينمائيًا ذات مرة.. ورأيت البطل المحب يريد أن يظهر أمام صاحبته أنه قوي البنية والعضلات.. فاستأجر شابًا.. يفتعل معه «خناقة»... ويضربه المحب العاشق ضربًا مبرحًا.. وينهزم أمامه هذا الشاب «المستأجَر» الذي أخذ أجره مقدمًا.. فهؤلاء التسعة يا سيدي.. ما عدا -ربما- واحدًا أو اثنين.. مثل هذا المستأجر المدفوع الأجر.. فهؤلاء مهزومون.. مهزومون ليجعلوا.. لانتصار مبارك طعمًا.. وإلا قلٍ لي -وأنت صحفي نبيه- ما رأيك في مرشح يقول: إني سأعطي صوتي للرئيس مبارك?.. ومرشح آخر يقول: أرجو من لا يعطي صوته لمبارك أن يعطيه لي.. وزوجة مرشح ثالث تقول: لقد نصحت زوجي ألا يرشح نفسه في مواجهة الرئيس مبارك?!
يا سيدي إنها مأساة.. وإن شئت فقل إنها كوميديا.. كوميديا سوداء...

**********************

- ...ويواصل الصحفي أسئلته التي يوجهها إلي:

*. ولكن لا تنس أن تعديل الرئيس مبارك للمادة 76 مكّن هؤلاء التسعة من خوض معركة الرياسة شأنهم شأن الرئيس مبارك نفسه.

.. أضحكتني أسعدك الله.. إن صورة هذا التعديل دفعتني إلي كتابة مقال نُشر في «آفاق عربية» من بضعة أسابيع عن «جحا وبغلته».. وخلاصته أن أحدهم قال لجحا: "إن الناس يسخرون منك دائما , ويتخذونك أضحوكة أمام الصغير والكبير" . فقال له جحا «تعال إلي السوق غدًا لتري من الساخرو من المسخور منه». وفي السوق وقف جحا ومعه بغلته الشهباء, وقد علق في عنقها «فردة حذاء», ونادي بأعلي صوته: " أيها الناس, أنا أعرض بغلتي هذه للبيع بعشرة دنانير فقط ", فتزاحم عليه الناس.. كل منهم يريد أن يشتريها بهذا الثمن البخس.. وأردف حجا قائلاً: ولكن بشرط أن يشتري معها فردة الحذاء المعلقة في عنقها..» سأله الناس بلهفة: «وبكم هي»? أجاب قائلاً: «بمائة ألف دينار». فانصرف الناس جميعًا عنه. ومال جحا علي صاحب الأمس قائلاً: أرأبت كيف سخرت من هؤلاء... وخدعتهم??
فالشروط المصاحبة لتعديل المادة 76 شروط «جحوية» تعجيزية.

*. ولكن هؤلاء التسعة قبل ترشيحهم دون معوقات... وهم يقومون بالدعاية لأنفسهم كما يشاءون.

.. سيدي هذه الشروط التعجيزية موضوعة أساسًا, وأولاً وأخيرًا... لمنع الإخوان المسلمين من أن يرشَح واحد منهم..

*. ألا تجد أن في كلامك مبالغة..?

.. لا مبالغة ولا إسراف.. بل قالها الرئيس مبارك صراحة «لو طُبقت الديمقراطية كاملة لجاء الإخوان إلي الحكم, وبعدها لن يتركوا الحكم إلي الأبد».
فالرجل -وهو هنا يُشكر علي صراحته- يؤمن بينه وبين نفسه أن الإخوان يمثلون أغلبية شعبية حقيقية (لا أغلبية مزعومة مدّعاة).

*. ننتقل إلي نقطة أخري وهي برامج المرشحين.. ما رأيك فيها?

.. كلها بصفة عامة -أو أغلبها- طيبة من الناحية النظرية فقط. ولكني للحق أقول -دون مجاملة- إن برنامج مرشح الحزب الوطني محمد حسني مبارك هو أجملها, وأفخمها وأزهاها وأبلغها, ولم أقرأ برنامجًا في مستواه طيلة حياتي.

*. عجيبة.. إذن أنت تعترف أن...

.. انتظر.. انتظر يا أخي حتي أستكمل كلامي... إنه برنامج «أديب حالم واسع الخيال...»: مضاعفة المرتبات.. آلاف المصانع... القضاء علي البطالة... و...و... كل هذا يعيش في مظلة المستحيل في دولة مخنوقة بالديون الخارجية.. والديون الداخلية.. والنهب فيها شريعة, والإسراف والتبذير الشيطاني فيها طبيعة. ولكن من الممكن أن يتحقق برنامج مبارك كله.. بحذافيره.. في حياته.. إذا تحقق شرط واحد وهو أن «يُصب» في الخزانة المصرية كل احتياطي الولايات المتحدة وكذلك كل احتياطي دول الخليج من أرصدة وأموال.
فمبارك بهذا البرنامج الواعد «أديب بليغ حالم» لا يعيش الواقعية.. والمرارة.. والمشكلات والأمراض المستعصية..التي تجذرت في نخاع هذه الأمة في عهوده الأربعة.

*. لماذا أنت متشائم? من يدري...? ربما استطاع الرجل مستقبلاً أن ينفذ ما وعد به.

.. يا سيدي.. المقدمات تقود إلي نتائج تتسق معها. والواقع المرّ لا يمكن أن يكون حلوًا بالكلام المنمق المعسول. ولعلك تذكر أن «أفلاطون» رسم ملامح المدينة المثالية الفاضلة.. ومات أفلاطون وآلاف من الفلاسفة من بعده علي مدار العصور.. ولم ير أحد منهم هذه المدينة علي ساحة الواقع. والمثل العامي المصري يقول: « علي قدّ لحافك مدًّد رجليك ».

*. لنعد إلي المرشحين العشرة. فما النتيجة التي تراها لكل منهم.. لو سارت الانتخابات حرة?

.. حرّة.. أو غير حرة.. سيان.... مبارك هو الأول لأن وراءه وأمامه دعايات مكثفة علي مدي أربعة وعشرين عامًا.. وهناك عوامل أخري لا يتسع المقام لذكرها.
وأقول: لو كان أحد أعضاء الإخوان مرشحًا في مواجهته ولم يقع تزوير لرُحِّل مبارك إلي المرتبة الثانية.. أما الوضع الآن فمختلف.. وقد خاطبته في مقال سابق بقول الشاعر:
خلا لك الجوّ فبيضي واصفري
ونقِّري ما شئتِ أن تنقّري
أما الثاني فأظن أنه سيكون أيمن نور والثالث نعمان جمعة. ولا أستطيع أن أقول كلمتي في الآخرين.

*. بالمناسبة.. ما رأيك في صورة الدعاية القائمة?

.. آه .. لقد أثرت في نفسي كوامن حزن دفين. هل تعلم أن الفيلسوف الأيرلندي الساخر «جورج برناردشو» زار مصر.. وصعد درجات من الهرم الأكبر, ونظر حوله في الساحة الممتدة فرأي المصريين في «نزلة السمان» والقري التي حول الهرم يسكنون أكواخًا من الصفيح والقش. وسأله الصحفيون: ما رأيك في الأهرامات? فأجاب: لو كنت مكان الحكومة المصرية لهدمتها, وبنيت بأحجارها مساكن للآدميين بدلاً من العشش والجحور التي يعيشون فيها. فهذا هو المجد الأخلد. فالميت مات أما الحي فجدير بحياة.

*. لكن ما علاقة هذه الواقعة بالدعاية الانتخابية الحالية?

.. عفوًا.. انتظر حتي أستكمل رؤيتي.. لقد سرت في شوارع الجيزة والقاهرة.. فشاهدت غابة.. نعم غابة من اللافتات القماشية الضخمة, ويبلغ طول بعضها قرابة ثلاثين مترًا, وأغلب اللافتات من الحرير الفاخر. و99% من هذه اللافتات كُتبت عليها عبارات تأييد لمبارك, وكثير منها تتدفق بالنفاق والغلو في التقدير.. بل التقديس.. آه مئات الآلاف من أمتار النسيج الفاخر.. تذكرت «برنارد شو», وقلت في نفسي: لو وُجّهت هذه الأقمشة لكساء شعبنا المسكين العاري لكان ذلك خيرًا وأبقي.

*. ولكن ما ذنب مبارك في هذا...?

.. كل هذه اللافتات بضغط شديد من «أقطاب» المحليات والمحافظين. وكان مبارك يستطيع أن يصدر قرارًا بمنع ذلك. ولكن -بصرف النظر عن هذه الظاهرة- تبقي الدعاية المباركية هي أشحن الدعايات بالمثالب والعيوب.

*. أعتقد أن في هذا الحكم مبالغة وإسرافًا...

.. لا مبالغة ولا إسراف: فهناك افتعال التواضع والاندماج الشعبي, كما يفعل «البهوات» مرشحو المجالس النيابية. ففي أهرام 23/8/2005 نُشر أن مبارك وهو في طريقه إلي خيمة اللقاء الجماهيري في مزرعة المغربي بالنوبارية توقف أمام كوخ صغير لاحتساء كوب من الشاي مع أسرة المزارع كمال المراغي وزوجته «سناء», وأُعد الشاي علي كانون صغير.. وخرج مبارك مشَّيعًا بدعوات الفلاحين البسطاء, ونُشرت صورة الزوجين: كمال وسناء وهما في منتهي السعادة بالرئيس.

وفي أهرام 26/ 8 نكحل عيوننا بخبر نزول مبارك لاحتساء الشاي في كوخ صغير بالمنيا علي ضفاف النيل, وأعدت الشاي ربة الأسرة سعدية عبد الحكيم, وظهرت صورة مبارك مع زوجها الفلاح وهو يلقي عليه أبياتًا ترحيبية من الشعر.

وطبعًا لم يذكر الخبران شيئًا عن الأطباء الذين فحصوا الشاي قبل أن يحتسيه مبارك, ولم يظهر في الصورتين رجال الأمن الأشداء الذين يطوقون المكان في مثل هذه الحال.. إنه الافتعال الذي لا «يدخل» علي شعبنا إلا إذا كان شعبًا عبيطًا «بريالة».

*. علي أية حال.. إنهما خبران لا يستحقان منك هذا التوقف وذلك التحليل.

.. سأغض النظر عنهما» لأبرز لك -في عجالة- مظهرين خطيرين جدًا في «الدعاية المباركية» أولهما: توظيف الدين والمصطلحات الدينية في هذا السباق.. لقد نزل الأنبا شنودة وشيخ الأزهر ووزير الأوقاف بكل ثقلهم تأييدا لمبارك والدعوة -المدعمة بالدين- لتأييده, والمساجد تُتخذ الآن وسيلة من وسائل هذه الدعاية. وأنصار أهل السنة المحمدية بمحافظة البحيرة ملئوا دمنهور والقري بلافتات ضخمة كتب عليها أنهم «يبايعون مبارك أمير المؤمنين علي السمع والطاعة». وينشر (جورج باسيلي) إعلانًا مدفوع الأجر في صفحة كاملة من الأهرام يوم 22/8 نصه «مبارك شعبي مصر», وهي عبارة جاءت في الإنجيل لإيهام الناس بأن المقصود هو اسم مبارك مع أن «البركة إنما هي دعوة لشعب الله.. وشعب مصر».

وجاء في الإعلان «اختارك الله لمصر, فكيف لا نختارك نحن?»... أهكذا يكون التزييف والتزوير يا جورج?

والمظهر الثاني وهو الأخطر: إعلان بعض أسلحة الجيش صراحة تأييدها ومبايعتها لمبارك, وهو سقوط دستوري شنيع ؛ فرجال الجيش يجب أن يكونوا بمعزل عن السياسة.. لأنهم جيش الشعب لا جيش حزب أو رئيس معين.. وأسأل سؤالاً غريبًا وهو: ما موقف هذه القوات إذا لم يوفق مبارك, وجاء غيره رئيسًا?! هل يقبلون الوضع غير المتوقع وينقلون بيعتهم للرئيس الجديد? أم يتمردون وندخل في سلسلة من الانقلابات الدامية المدمرة ?

*. أعتقد أن المساحة المتاحة لك في الصحيفة لا تتسع لأكثر من ذلك. ولكني أعتب عليك لأنك لم تقدمني لقرائك.

- بل قدمتك.. وعرّفتك في كل كلمة قلتُها, ابتداء من العنوان.. فأنت صحفي من الداخل.. لا من الخارج, أي: من داخلي تمثل صورة ضميري «السائل المستفسر», وهو يجد الإجابة في صوت عقلي وقلبي. وفي أعماق كل كاتب صحفي لا يموت ولا ينام. فانفصالك عني ضرب من المستحيل .