حوار مع قمر كيلاني

تشرين تحاور الأديبة قمر كيلاني
ـ أراعي في كتاباتي أن تكون لغتي بسيطة وسهلة يفهمها القارئ 
العادي ـ 
حصلت بامتياز على عدة أمراض خاصة بالشيخوخة ـ
 أنا لست يائسة من واقعنا العربي

 حوار: وليد العودة

تعتبر الأديبة «قمر كيلاني» واحدة من الكاتبات العربيات اللواتي كرسن
 للأدبوالثقافة معظم وقتهن وجهدهن لعشرات السنين وحملن هموم الأرض 
والوطن والأمةخلجات راعفة بالحب والحنين.
ولدت «قمر كيلاني» في دمشق عام 1928.. وتخرجت من جامعة
 دمشق.. كلية الآداب في الخمسينيات الأولى من القرن الماضي... 
وحصلت على شهادات في التربية «دبلوم» وفي التعليم للمرحلة الثانوية.. 
ودور المعلمين «المعهد العالي». ‏
عملت الأديبة «قمر كيلاني» في التدريس وفي دور المعلمين والمعلمات الى جانب الكتابة.. 
ثم في اللجنة الوطنية لليونسكو ومنذ عام 1976.. متفرغة للأدب.. 
كما سبق لها أن شغلت منصب رئيسة تحرير مجلة الآداب الأجنبية الصادرة عن اتحاد 
الكتاب العرب­ وكانت قبل تقاعدها عضواً في المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب. ‏
 من مؤلفاتها: التصوف الإسلامي.. دراسة 1962 أيام مغربية.. رواية 1965، عالم بلا 
حدود.. قصص 1972، بستان الكرز.. رواية 1977، حب وحرب.. رواية 1982، الدوامة.. 
رواية 1981، «حلم على جدران السجون» مجموعة قصصية 1985، أوراق مسافرة 1987.
 
‏وفي حوار خاص معها.. جرى في منزلها في دمشق سألناها بداية عن آخر أخبارها الأدبية.. فقالت: ‏
ہہ بمعنى الإبداع الأدبي.. ليس عندي أخبار سوى الرجوع المتمهل لمخطوطين قديمين.. وليس أكثر من مقالي الأسبوعي 
لصحيفة «الثورة» وحضور بعض الندوات واللقاءات الأدبية، هذا هو للأسف كل ما عندي الآن. ‏
ہ هل تكفي زاويتك الأسبوعية في الزميلة «الثورة» لتفرغي فيها كل همومك؟ ‏
ہہ بالنسبة لي­ هذا المقال الأسبوعي الذي استمر أربعين عاماً هو الوردة التي
 أغرسها في وطني.. أو الدمعة التي أذرفها أو هي الصرخة.. أو هي المناجاة. ‏
 
كل ما يحدث معي أو يستثير اهتمامي خلال الأسبوع أستطيع أن أضعه على الورق في 
هذه الزاوية الصغيرة.. فهي المتنفس لرئتين مضغوطتين ومملوءتين بالحزن والأسى. 
ولعل الناس.. وأقصد القراء والأدباء أيضاً يعرفون أين أتنقل.. وماذا أعاني عندما يقرؤون زاويتي 
لأنها صادقة فعلاً.. وما يحدث معي.. وما أحسه هو الذي ينعكس في هذه الزاوية الصغيرة. ‏
 
ہ يلاحظ في زواياك التنوع في موضوعاتها.. بين السياسي و القومي والوطني... 
وحتى الاجتماعي.. وسؤالي ما سر هذا التنوع يا تُرى؟ ‏
ہہ ما يكتب في صحيفة يومية لا يكتب في ديوان شعر ولا في مجموعة قصصية.. 
ولا حتى في رواية، أو أي جنس أدبي من أجناس الإبداع الأخرى. ‏
 
الصحافة.. لها لغتها الخاصة.. وأنا مصرة على أن تحتفظ الصحافة.. بالصحافة الأدبية 
التي فتحنا عيوننا عليها منذ النصف الثاني من القرن الماضي. ‏
 
الأديب عندما يكتب يختلف عن الصحفي... أو صاحب الريبورتاج. ‏
 
والخبر نفسه يمكن أن يمر عبر هذا الأديب فيكون كالماء المصفى. ‏
 
فالأدب شيء.. والصحافة شيء آخر.. وأنا أراعي أن تكون لغتي بسيطة.. سهلة.. 
يفهمها القارئ العادي.. فالبقال في حارتي يقرأ لي.. ويجمع لي الصحف.. وإذا رأى 
مجلة واردة له بالمصادفة وفيها شيء لي.. يحتفظ بها من أجلي.. إذاً أنا أكتب للناس عموماً.. ولا أكتب للنخبة ولا للمثقفين.. 
و لا للعاملين في الصحافة.. أنا أخاطب الناس.. وكلما كانت هذه 
اللغة بسيطة ومتنوعة.. وقادرة على أن يستوعبها الآخرون تكون سعادتي كبيرة.. ‏
ہ أيضاً يبدو من زواياك.. أنك تبتعدين عن استعمال المصطلحات الصعبة على القارئ العادي.. فهل هي مقصودة؟ ‏
 
ہہ نعم هي مقصودة... ومثلاً لما كشفت الاحداث المأساوية لسجن «أبو غريب»  في 
العراق.. تعمدت أن أشرح للقارئ.. عن معنى السادية.. ومن هو مؤسسها وما هو معناها الحقيقي.. 
وكيف جاءت في عصرها.. ومن ثم كيف تطورت.. بعبارات بسيطة.. 
وسطور قليلة.. وقد شكرني أحدهم على ذلك..
 
فالقارئ العادي لا يجوز أن أطرح بين يديه مصطلحات لا يفهمها إلا الصحفيون والأدباء والنقاد و كبار المثقفين.. 
فهو يريد أن يفهم ويتواصل.. والمصطلح النقدي والأدبي لا ينفع في الصحافة الأدبية. ‏
 
وأنا كما قلت لك أحب الصحافة الأدبية وعندما أقرأ لأحد زملائي في الصحف المحلية أو العربية.. 
أشعر بشيء من الانتعاش.. مثلي مثل أي
 قارئ عادي. وتلاحظ ويلاحظ الكثيرون أن الصفحة الأخيرة 
هي التي تقرأ قبل الصفحة الأولى لأن الخبر في الصفحة 
الأولى يكون مبثوثاً ومعروفاً.. والزمن الآن هو زمن الإسقاطات..
 أو التحليل للخبر وللحدث أكثر منه لإيراد الحدث.. لأن الحدث باللحظة والتو.. 
تستمع له وتشاهده على الشاشات.. ولكن ما صدى هذا الخبر.. وماهو الرنين الذي يتركه في 
النفس.. هذا هو المهم.. ولذلك الصفحات الثقافية تستدعي كثيراً من الاهتمام من القراء العاديين. ‏
 
ہ هل يوجد تنافس بينك و بين كتاب الزوايا في صحفنا المحلية؟ ‏
 
ہہ أبداً لا يوجد أيّ تنافس بيني و بين أي واحد من الزملاء في كتابة هذه الزوايا.. فأنا يا صديقي شجرة سنديانة 
عريقة في هذه الأرض وهذا الوطن
.. ولم أجد أي صعوبة في أن أمارس هذه الهواية في كتابة الزوايا.. فمنذ البداية 
ومنذ الستينيات تحديداً أكتب.. أي منذ أيام الوحدة بين سورية و مصر، 
ومروراً بأيام الانفصال، حيث كنت أكتب في جريدة اسمها «الرأي العام» 
وتابعت كتابة هذه الزوايا في الأيام التي عشت فيها بالمغرب حيث خصصوا لي في حينها زاوية في 
جريدة «العلم» في العاصمة الرباط.. وعموماً أنا معتادة على كتابة الزاوية الأسبوعية. ‏
 
والصحف الثلاث الرسمية الموجودة في بلدنا تفتح ذراعيها دائماً لإنتاجي بشرط أن لا أحل محل أحد.. فأنا لا أزاحم
زميلاً وزميلة.. 
هم يتركون لي الخيار كي 
أكتب في هذه الصحف المحلية.. 
وصار لي 13 عاماً متواصلة 
أنشر في صحيفة الثورة.. 
ومن قبلها في البعث.. وقبل البعث كنت أكتب في تشرين.. ثم رجعت إلى البعث واستقررت 
أخيراً في الثورة.. ‏
 
ہمتى عشت في المغرب يا ترى؟ ‏
 
ہہ كان ذلك في الستينيات.. عندما عملت في مجال التدريس وبقيت عاماً دراسياً كاملاً.. وبمجرد وصولي 
إلى المغرب عرضوا عليّ زاوية اسبوعية في جريدة «العلم»
 ‏أيضاً عندما كنت اشتغل في المنظمة العربية للتربية
 والثقافة والعلوم من خلال اللجنة الوطنية في سورية.. 
وكان هناك فكرة لالتحاقي بالجامعة العربية في تونس.. 
عرضوا عليّ زاوية اسبوعية من ضمن أشياء كثيرة قدموها لي كنوع من التشجيع. 
 
وفي القاهرة لو أردت الكتابة لكانت لي زاوية اسبوعية في صحفهم الرسمية، ولكنني أفضل أن أوقد هذه الشمعة في بلدي.. 
وفي وطني.. ومن يراها يستطيع أن ينسبني إليها.. ومن لا يراها فهو حر. ‏
 
ہ وماذا عن ذكرياتك في المغرب؟ ‏
 
ہہ لم تكن اللغة العربية متأصلة في المغرب أيام الستينيات أي خلال الفترة التي أقمت فيها 
هناك.. لكنهم أخذوا يؤسسون الجامعات واهتموا بفرع اللغة العربية.. 
وكانت عندهم مؤسسات جيدة للتعريب.. ومنها مجلة «التعريب» وخرج خلال تلك الفترة 
جيل متمكن من اللغة العربية... إضافة إلى نشأته باللغة الفرنسية.. ومن هنا نلاحظ جميعاً مذيعات من أصول مغربية 
ضليعات بلغتهم العربية.. ولا يُخطئن بها وكأنهن كنّ قد فقدن عزيزاً ثم وجدنه أمامهن.. ومن هنا باتت لغتهن العربية قوية 
جداً. ‏
 
أيضاً الصحافة في المغرب ناجحة جداً.. ومعظم الناس هناك يقرؤون الصحف وتشكل هذه الظاهرة 
جزءاً من حياتهم اليومية سواء بالعربية أو الفرنسية.. 
وبالنسبة لي.. فقد تسنى لي أن أزور معظم أجزاء المغرب.. 
ليس فقط لكوني مدّرسة.. بل لكوني أيضاً كاتبة وأديبة.. 
وألقيت هناك عدة محاضرات وحضرت الكثير من الندوات 
واللقاءات قبل تأسيس اتحاد الكتاب المغاربة..
وفوجئت حقيقة بذهنية المغاربة المتفتحة جداً.. واليقظة والمحبة للأدب.. 
وظهر منهم بعد ذلك العديد من الكتاب النوابغ.. مثل الطاهر بن جلون وغيره..
 وصار البعض منهم مشهوراً على مستوى العالم كله. ‏
 
أيضاً لاحظت هذه الظاهرة الإيجابية في الشمال الأفريقي كله.. ففي ليبيا أيضاً هناك شباب تخرجوا من الجامعات وعندهم 
حس نقدي وتفتح أدبي.. وشعرهم جميل.. 
إذاً هناك طاقات في الوطن العربي تغطي قارات.. وليس الشرق الأوسط فقط وما ننشده 
في عالمنا العربي اليوم هو الاستقرار و الأمن ونيل الحقوق. ‏
 
ہ هل تفكرين سيدة قمر بكتابة سيرتك الذاتية؟ ‏
 
ہہ ليس عندي رغبة أن أرجع حياتي إلى الوراء.. ولكن هناك مؤلفات.. ربما تصدر بعد 
رحيلي.. وفيها شيء من سيرتي الذاتية.. لكن أن أجلس.. وأبدأ بكتابة سيرتي الذاتية بمنظار الآن أراه خطأ..
وكثير من السير الذاتية وقع أصحابها في هذا الخطأ.. حيث ينظر الكاتب لنفسه ويقوّم نفسه وهو بعمر معين.. بدءاً من 
الطفولة.. 
إلى المراهقة والشباب وهكذا.. وهنا الأحكام لا تكون دقيقة.. ‏
بالنسبة لي.. لورجعت لعمر المراهقة الآن.. فسأقوم بالأعمال ذاته التي قمت بها وسأرتكب ذات الحماقات والأخطاء التي 
ارتكبتها.. ومن هنا لا يجوز أن أحاول إيجاد مبررات للأعمال التي قمت بها في أيام الشباب.. وكذلك غيري.. 
لأن المبررات جاءت الآن مع تجاوز الستين وبسنها كانت هذه الممارسات عين الصواب وعين الحقيقة وهكذا أعتقد. ‏
 
ہ كيف تقضين يومك الآن؟ ‏
 
ہہ بعد حصولي بامتياز على عدة أمراض خاصة بالشيخوخة أراعي صحتي قليلاً.. 
وأمارس طقوسي الدينية. فأصلي وأقرأ القرآن.. وأكتشف معاني جديدة.. في هذا الدين القويم 
الذي يحاربه الأعداء اليوم ويحاولون أن ينفذوا إليه. ‏
 
وأحمد الله دائماً وأبداً على اعطائه لنا نعمة الحياة.. وما علينا كبشر إلا أن نحافظ على هذه النعمة­ ونقدم لهذا 
الوطن وهذه الأمة ما نقدر على تقديمه حتى آخر لحظة في حياتنا. ‏
ہ ما رأيك بدور المثقف العربي حيال قضايا الأمة بشكل عام؟ ‏
 
ہہ المثقف العربي في العموم ملتزم من تلقاء نفسه بكل ما تعانيه هذه الأمة من مشكلات.. وتحديات..
ولكن هذا المثقف لايجد مكانه في هذه المعمعة التي تحدث حالياً 
في القتال والمواجهة مع الأعداء. فهو لا يملك السلاح.. ولا النفوذ
.. ولايملك ما يصد به عن أمته هذا العدوان الظالم عليها.. فهو حقيقة في حيرة واضطراب. ‏
 
وكما تعلم.. صوت المثقف العربي إلى جانب صوت السلاح غير مسموع.. لأن أصوات 
المدافع والطائرات والصواريخ أقوى من أصوات المثقفين.. وهذه الأصوات تطغى على 
صوت الكلمة ولكن هذا لا يمنع من أن تتفتح الرؤية خلال فترة بسيطة ويظهر بعدها المثقف على الساحة ليأخذ دوره 
الحقيقي. ‏
 
وما يعانيه المثقف العربي اليوم كثير جداً، فهو مهدد بدينه و كسب عيشه و مهدد بأطفاله، 
في البلاد التي يعيش فيها.. فانظر مثلاً إلى المثقف الفلسطيني.. 
فهو يُقتل وكذلك المثقف العراقي.. وهؤلاء يختفون عن الوجود كلياً ولا أحد يعرف أثره 
وأي مكان اتجه إليه.. فهم شردوا في بقاع العالم.. ‏
وإصلاح هذا الأمر يحتاج إلى فترة حتى نستطيع أن نلملم جراحنا من جديد. ‏
 
ہ أخيراً.. ماذا تقولين في مواجهة هذه الأمة للضغوطات الأميركية والتهديدات الإسرائيلية؟ ‏
 
ہہ مهما كان الواقع مريراً.. فأمتنا العربية لها أصالتها ولها تاريخها وعراقتها وجذورها.. وليس هنا لها 
من قوة في العالم تستطيع أن تقتلعها من جذورها أو حتى تغيّر وجهها. ‏
الصليبيون.. احتلوا هذه البلاد مدة 150 عاماً وعمروا في هذه البلاد القلاع.. وجاء ريتشارد قلب الأسد وكل أمراء 
الاقطاع في أوروبا. وتعرضت البلاد العربية إلى مجاعات وعذاب وقتل جماعي أكثر
 بكثير مما ينوبنا الآن.. ومن ثم ماذا كانت النتيجة؟ ‏
وبدورنا يجب أن تكون قناعاتنا كاملة بأن المعركة طويلة الأمد.. ونحن صامدون.. هذه قناعتي الشخصية.. 
ولا يشوب هذه القناعة شيء من اليأس على الإطلاق.. وليفعل الأعداء.. ما يشاؤون.. وعندما ننظر مثلاً إلى الجدار
 العازل الذي تقيمه الآن دولة الغدر والعدوان «إسرائيل» ماذا يؤكد لنا ذلك هو بلا شك سينعكس سلباً عليهم. 
ويشير إلى اشارة وعلامة استفهام عليهم أكثر مما هو علينا.. 
والدليل.. أن اللغة العربية يتعلمها الأميركيون في قلب أميركا الآن.. والكتب العربية تباع 
وبكثرة في وسط أوروبا.. ونسخ القرآن الكريم وصلت إلى آخر نقطة في العالم فهم يتعلمون لغتنا ولسنا نحن الذين نتعلم 
لغتهم وهم يسرقون حضارتنا وتراثنا وفولكلورنا..
 ويدّعونه لأنفسهم. ‏إذاً أنا لست يائسة أبداً وأظن الكثيرين يشاطرونني هذا الرأي. ‏