أنعي لكم يا أصدقائي ليرتنا السورية الشهيدة، وأي نعي ؟! وأي فقد ؟! وأي شهادة !؟

وكنا منذ انطلاق هذه الثورة المباركة وما زلنا نفتقد حامل البوصلة الحقة الذي يسمي الجميل جميلا والقبيح قبيحا . وربما كان من عوامل انتشار حركة الوضع في القرن الثاني الهجري أن المجتمع لم تكن تقبل قولا حتى في الديك الأبيض والباذنجان إلا أن تكون عليه مسحة من دين . فأكثر الكذابون والوضاعون والجهلة الوضع حتى تجرأ أحدهم فوضع حديثا في فضل كل سورة من القرآن ، زعم للترويج للقرآن ، والدعوة إلى تلاوته ..!!

تسع سنوات مرت وبوصلة هذه الثورة في مواقف مشهودة مشهورة مضطربة . أولو الرشد والأحلام والنهى صامتون أو متوارون . البوصلة تهتز وترتجف بفعل أمواج حطها سيل من عل وقل في الناس الرائد الأمين الذي يتجرأ فيقول للناس قفوا ، فيجيبه الناس : قافُ

ومن أمثال العامة من أولي الرشد في مجتمعاتنا قولهم في التثريب على الجاهل المتردد الضعيف ا الذي لا قوام له " فلان يفرح بعزاء أهله " فهذا الجاهل المغرور عندما يرى الناس يقصدونه للمواساة والعزاء بمصيبة ، يداخله الغرور والكبر والعجب والتباهي فينسى ما نزل به و بأهله وقومه ..ويفرح بأنهم قد زارهم فلان ، وقد عزاهم فلان ، وقد خرج مع جنازة أبيه إلى المقبرة الآلاف أو المئون ..وينسى أنه سيأويه الليل إلى فقد وضعف وذلة..

منذ السنين الأولى للثورة عايشنا هذا الاضطراب في البوصلة . وهذا الغبش في الرؤية. وهذا الفرح المغرور الأثيم. وكان طوفان التعجل والجهل أكبر من أن يتصدى له فرد أو أفراد من الناس . بل إن بعض أولي المآرب تاجروا في هذا الغرور ، وزاودوا عليه ، وما زالوا يزاودون ..

 ونادى من كان فيه بقية على الناس فكان الناس بين السماء السابعة والأرض السابعة يتنافسون . وأبشع ما كان في موج الضلال والإضلال ذاك أنه كان كحركة الوضع في السنين الأولى يتلبس دائما بلبوس المقدس والدين القرآن والشريعة ..!!

كثيرا ما نادى المنادي على القطان : يا قطان احترق قطنك . ولكن القطان ما زال يستعذب النوم في العسل المر أو في " المغافير " لا أحد يريد أن يقول : لا إلا أن تكون انتقادا لمطالب بالتسديد والمقاربة أو الصلاح والإصلاح ..

مواقف كبيرة تلبسها الناس بعضها بجهل وبعضها بغرور وبعضها بمكر الماكرين وبعضها بتلبيس أبالسة الجن والإنس أجمعين . فصلوا وخيطوا فلبسوا . طبخوا فأكلوا ، أقاموا أئمة زور في محاريب السياسة والثقافة فقال البعض : مقتديا الله أكبر ..

ولو أردنا أن نعرج على المفاصل الكبرى للمواقف الضالة المضللة ، التي تنبو عن أجندة هذه الثورة بأبعادها المقاصدية لمررنا من ذلك على الكثير .

وحين نكتب اليوم عن الليرة السورية الشهيدة فأنا أكتب عن واحدة من أخطر القضايا التي تندرج في هذا السياق مع الكثير ..

شخصيا ما زلت أنادي كل الأرض السورية أرضنا ..

وكل أبناء سورية شعبنا ..

وكم أعرضت عمن سخروا يوم أنشدت : الأهل أهلي والديار دياري .. وسأظل أنشد وأقول .

وهذه الليرة الشهيدة اليوم هي ليرتنا نحن وليست ليرة بشار الأسد

هي قوام عيش ...

هي وكيرة القمح المخزون لأجيالنا

أقول للذين يفرحون بانهيارها أبشروا : فإن أحدا من أبناء الأسد وأهل خاصته لن يجوع ...

أعيد عليهم

أبشروا فإن كل مدخرات بشار الأسد ورامي مخلوف وكل ضباع سورية هي بغير الليرة السورية الشهيدة التي يدوسونها اليوم على أعين الناس أجمعين ...

أقول لو أن لنا محللا اقتصاديا صادقا يكتب لنا عن أثر انهيار الليرة السورية على معاناة كل السوريين . وأؤكد كل السوريين من حوران إلى دمشق إلى حمص إلى حلب إلى اللاذقية ودير الزور ..وليس على ما يظنه البعض سوريته اليوم !!..

ملو أن لنا محللا اقتصاديا يكتب لنا عن أسباب انهيار الليرة الشهيدة بغير لغة التشفي والشماتة وإنما بلغة الحقائق التي تكشف الجريمة وتعري المجرمين .

يقولون الروسي يطبع الورق الزائف ويطالب بثمن أدوات القتل باغتصاب ما تبقى من خبز المستضعفين .. ولو كان للحجر السوري لسان لقال لبوتين وشيغو : إن عوائد مختبرات التجريب التي مارستها أكبر من كل ما استخدمت وبعت ..

وبشار الأسد بعد أن فرغ سورية من إنسانها ، ودمر كل عمرانها ، هو اليوم يعلن مصادرة جهد وعرق أبنائها إلى المئين من السنين . ويجب أن يعلم الجميع أنه حين يطبع اللصوص أمام ورقة العملة السورية ورقة بدون رصيد يكون قد قشّط الناس نصف أموالها . وعندما يطبع أمام الورقة ورقتين يكون قد قشّط الناس ثلثي أموالها . وثلثي عرقها وجهدها وأملها ..

( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ )

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 853