أيها الأزهريون: هيا إلى المحاكم!

«الشاطرة تغزل برجل حمار» ولا مؤاخذة. والاعتذار عائد إلى تشبيه الصحافة المطبوعة بأنها رجل – ولا مؤاخذة – حمار!

فالأزهر الشريف وإزاء التضييق الإعلامي عليه، قرر أن يستخدم جريدته في صد الهجوم على مقام الإمام الأكبر، من فضائيات هي في الأساس مسيرة لا مخيرة، فاذا بالصحيفة الورقية، تجعل من هذه الفضائيات التي ينفق عليها بسخاء، كأنها هشيم تذروه الرياح، أو كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف!

الشيخ هو من سبق له التصريح بالحصار المفروض على الأزهر، لكن أثبتت التجربة أن الأمر لا يحتاج سوى للإرادة، للتصدي للعدوان وعندما توافرت، ثبت جدوى الصحافة المطبوعة، بل هذا الاهتمام البالغ من القراء لاقتناء العدد، أكد أنه يمكن رد الاعتبار اليها، وفي ظني لو طبع من هذا العدد مليون نسخة، لنفذ من الأسواق في الساعات الأولى!

لقد كانت فرصة ليعرف الناس أن الأزهر الشريف يصدر صحيفة أسبوعية، وقد صدرت في عهد الإمام الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي، وأسسها الصحافي المرموق جمال بدوي، رئيس جريدة «الوفد» المستقيل، لكن لم يتحقق لها الذيوع والانتشار، وقد تعاقب عليها من لا نعرف من رؤساء التحرير، إلى أن ترأس تحريرها أحمد الصاوي، الذي تركت مصر وهو صحافي شاب، ولا أعرف إن كان قد تجاوز مرحلة الشباب خلال هذه السنوات، لكن المقطوع به أنه واحد من الصحافيين المهنيين، وقد ظهرت بصمته في «العدد القنبلة» والصفحة الأولى وتميزها، صياغة وإخراجاً.

في أعلى الصفحة الأولى كانت العناوين تذكر بموقف الإمام الأكبر من قضية ضرب المرأة، وهو موقف قديم عمره ثلاث سنوات وتذكير بأمنية الشيخ بأن يعيش ليرى تشريعات تحرم الضرب مطلقاً، وكيف أن ضرب الزوجات بالغ الأذى ومحظور حسب الأصل، ومن حق ولي الأمر تقييده بقانون!

وقد أدلى شيخ الأزهر بهذا الرأي في مقابلة تلفزيونية، جرى استدعاؤها في برنامج «عمرو أديب» لحاجة في نفس إبليس قضاها، واستدعى من وصفه بالباحث الإسلامي ليرد عليه، فيترك الموضوع ويهاجم الإمام، وهذا هو المطلوب، وجرى هذا في غيبة من الأزهر وشيخه، لأن الهدف هو التطاول على شيخ الأزهر بشخصه وصفته، لحسابات تخص عمرو أديب، متعدد الولاءات، ولا نعرف إن كانت حسابات خارجية أم داخلية، لكن وكما قلنا في هذه الزاوية يوم السبت الماضي، إن دخول مفتي الديار المصرية على خط الهجوم بمنشور، أقرب إلى مكايدة الضرائر، يؤكد أنها حسابات داخلية وربما توافقت الحسابات، فقد نشر على صفحة دار الإفتاء عبارة «الرجال لا يضربون النساء».

وقف مذيع وبرنامج

الأمر الآخر الذي يؤكد أن حسابات الداخل ليست بعيدة عن «وصلة الهجوم» ضد الشيخ، هو أن الهيئات الإعلامية المختصة لم تتحرك لوقف العدوان الذي يمثل خروجاً على قيم المهنة وعلى القانون، على النحو الذي جاء في حملة المواجهة التي قادتها صحيفة «صوت الأزهر».

وفي الأسبوع الماضي فقط، أوقفت الهيئة الوطنية للإعلام مذيعاً في التلفزيون المصري، لأنه هاجم النادي الأهلي، ربما أغرى الفتى أنه يشاهد إبراهيم عيسى على قناة «القاهرة والناس» يهاجمه ويهاجم جمهوره ومشجعيه، ولأن هذا الهجوم يفهم منه أن الجهات التي تدير الإعلام تقف خلفه، فقرر التطوع، ولم يفهم الفتى إن المسموح به هو التكليف وليس التطوع، لكنه يبدو أنها الرعونة لصغر سنة وقلة خبرته، وإن ذكرنا بواقعة قديمة!

لقد استباحت الصحف المصرية العقيد القذافي، وتجاوزت الأعراف المهنية في التناول، وذلك رداً هجومه على السادات وحرمه، لكن جهات التحقيق واجهت الشيخ عبد الحميد كشك بعد اعتقاله بسؤال إدانة: لماذا تهاجم الزعيم الليبي؟ وهذا ليس تناقضاً فلأن الشيخ كشك هاجمه لأسباب تخصه عندما فسر القذافي بعض آيات القرآن على هواه، ولأنه لم يهاجمه تنفيذاً لتعليمات صدرت له!

ولم يكن الغلام وحده هو من خضع لإجراء الوقف من قبل الهيئة المختصة في الأسبوع الماضي، فالمجلس الأعلى للإعلام أوقف برنامجاً على قناة «الحدث اليوم» لأنه زور مداخلة هاتفية مع الدكتور مجدي يعقوب.

ومع هذا فلم يتم اتخاذ موقف ضد التطاول على الأزهر مؤسسة وإماماً، في برنامج ارتكب حزمة من المخالفات المهنية والقانونية، وبعيداً عن الرمزية الدينية والتاريخية، فشيخ الأزهر بدرجة رئيس وزراء، بشكل يوحي بأن الهجوم عليه لم يكن بعيداً عن التوجيه الداخلي، اللهم إلا إذا كان مقر إدارة التحكم في الإعلام المصري ومؤسساته في الخارج، ليتم السكوت على هذه التجاوزات والتي أحصتها جريدة الأزهر في إثنتي عشرة مخالفة تحت عنوان صحيفة المخالفات المهنية لـ «إعلامي الترفيه» في قضية ضرب المرأة. انظر أحسن الله اليك إلى الوصف «إعلامي الترفيه» ثم أعد البصر كرتين، قد تفهم جزءاً من هذه الحملة!

وإذ نشرت الصحيفة صورة كبيرة وطولية لإعلامي الترفيه، فقد أحاطتها بالاتهامات التي ارتكبها والتي تبدأ بأنه أذاع أخباراً كاذبة عن تبني شيخ الأزهر لضرب الزوجات، وأنه روج لشائعات عن وقوف الأزهر ضد صدور قانون لمنع الضرب، وانتهاء بأنه أدار نقاشاً عن الأزهر دون وجود ممثل عنه، وأنه رفض حق الرد، واستضاف ضيفا مدانا قضائياً بوصفه خبيراً في مجال ادانته!

وهي اتهامات لو صحت – وهي صحيحة – لما كانت عقوبة وقف البرنامج وحدها تكفي، ولدخل المذيع السجن، لكن هذا التطاول يتم في حماية السلطة، ولم يكن هذا البرنامج أول البرامج التي تطاولت على مقام الإمام، فالهجوم جزء من حملة تقوم بها الأذرع الإعلامية للسيسي، الأمر الذي يحتم علينا التفكير خارج الصندوق في كيفية مواجهتها!

«كعب داير»

في منتصف الثمانينات، أصدر حزب الأحرار المصري المعارض جريدة إسلامية اسمها «النور» وقد هاجمها الكاتب والمفكر عبد الرحمن الشرقاوي في مقال له في جريدة «الأهرام» وقال إن تمويلها يتم من قبل المملكة العربية السعودية، فقرر الحزب تأديبه، بأن كلف كل أمين محافظة له برفع دعوى قضائية ضد الكاتب في المحافظة التي يتبعها الأمين، باعتبار الكاتب أساء إليه بالهجوم على الحزب واتهامه بتقاضي أموال من الخارج، ولم يكد الاجتماع ينفض حتى انزعج عبد الرحمن الشرقاوي، لأن معنى هذا أنه سترفع ضده أكثر من عشرين قضية في طول القطر المصري وعرضه، وإن تأكد من البراءة فيها فإنه الأمر يستدعي فيلقاً من المحامين يجوبون المحافظات المختلفة (كعب داير) عند نظر الدعاوى والتي لن يتم الحكم فيها من أول جلسة!

لقد جاء للحزب خاضعاً، وفي خضوعه نسي الحصانة القانونية الممنوحة للصحافي بعدم ذكر اسم مصدره، فتطوع بذلك بما يدينه مهنياً على نحو لا يفعله صحافي متدرب. واعتذر عن ما كتبه!

فماذا لو نفر الأزهريون في كل القطر المصري بدعاوى ضد كل من يتطاول على الأزهر شيخاً ومؤسسة بالباطل، فليس منطقاً أن السلطة تعقد اجتماعاً مع الجمعية العمومية للقضاة لتطلب منهم رفض هذه الدعاوى، وليس كل القضاة يعملون بتعليمات، ثم إن رفض الدعوى يلزمه حضور المتهم ومحاميه في جلسات انعقادها لطلب ذلك، لا سيما وأن هذه القضايا ستنظر أمام محاكم الجنايات، كون الشيخ موظفاً عاماً!

ولو كان هذا التناول في حدود النقد العام، ووفق ضوابطه، ويستهدف المصلحة العامة، لدافعنا عنه بأقلامنا مهما كان موقفنا السياسي، لكن الأمر زاد عن حده، ولا بد من ردعه بالقانون!

فيا أيها الأزهريون انفروا ثُباتِ أو انفروا جميعاً، لترهبوا عدو الأزهر وعدوكم، فالتاريخ لن ينصف المستضعفين!

هيا الى المحاكم!

وسوم: العدد 968