الثامن والعشرون من أيلول

يوم اضطربت فيه المشاعر وما تزال تضطرب فيه الذكريات، مع الوحدة أو ضد نظام المكتب الثاني الذي مثله عبد الحميد السراج بالنيابة عن جمال عبد الناصر... في 1961 كان عمري أربعة عشر عاما، ويصعب عليّ أن أقول: كنت طفلا ...كنت أعيي الحدث بكل الأبعاد..فلا حزن ولا فرح، بل حزن وفرح، واختلاط واضطراب..

وكنت من قبل قد التقطت ورقة مطوية من أحد شوارع حلب، فإذا هي منشور ، لعله لأول مرة أمسك بمنشور .وقرأت عن مقتل "فرج الله الحلو" المسيحي والشيوعي اللبناني وكيف ذوبوه بالأسيد . الحكاية محكية بالتفصيل المخيف. ولاسيما بالنسبة لطفل..هذه الحكاية ظلت تؤرقني، ولاسيما بعد اعتقال أستاذنا "رزق الله دقي" ونحن نلاميذ صغار في الصف الخامس في المدرسة الهاشمية. ثم سمعنا صوته من إذاعة حلب المسائية يعلن انسحابه من الحزب الشيوعي، ثم رؤيتنا إياه بعد أيام في الصفـ ولم يبق من وزنه إلا النصف!!. كنا نرفض الشيوعية ونكره تعذيب الناس. وما زلنا...

الثامن والعشرون من أيلول / 1961 مات فيه جمال عبد الناصر موتته الأولى. الثامن والعشرون من أيلول 1970 مات فيها جمال عبد الناصر موتته الثالثة والأخيرة. يومها كنت طالبا في الجامعة في السنة الأخيرة، خلف طاولتي الصغيرة أتابع التغطية لخبر الموت. كان الخشوع في حضرة الموت المهيب هو الذي يشغلني عن حزن أو عن فرح . وما زلت أعجب من الذين يشمتون!! لا شماتة في الموت. أيها الفرحون يوم موتي كلنا سنموت.

 أما موتة جمال عبد الناصر الثانية والأخطر فقد كانت في الخامس من حزيران/ 1967.

وكلكم آتيه يوم القيامة فردا...

لا ناصر ولا مجير من الله ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 999