في المشهد الوطني الثوري ... باختصار شديد

وإذا سمعت من يدّعي أنه صديقك، يطلق لك المواعيد، ويعلي السقوف..

فلا تجادله، ولا تحرجه، وابتسم في وجهه ما استطعت...

ثم لا تعوّل على ما قال شيئا...

وانظر في أمر يومك وغدك، وتذكر جدك الأول حين قال:

ما حك جلدك مثل ظفرك ...فتول أنت جميع أمرك

وإن قلتَ لي: واقع صعب لا أقدر عليه، فتذكر قول جدك الآخر:

إذا لم تستطع أمر ا فدعه .. وجاوزه إلى ما تستطيع

عطسة أو تشميت لعاطس في قلب الليل، تؤكد أنك موجود، وأنك لست ورقة في جيب أحد، وأنك لست في موكب أو مركب الخائبين. كفانا خيبات يا صناع الخيبات!!

وأكبر خطأ استراتيجي جر الناس إليه ، هو خطؤهم في "التعويل".. ولعل من معاني قولهم: عوّل على فلان، أنه جعل نفسه عالة عليه. وهل كانت ثورة يوما عالة ؟؟

 وكان الخطأ الأول في رفض النصيحة القديمة: بمد الرجلين على قدر الفراش. ولم يفهم الناس مع نصح الناصحين، أن المانح قد يصبح في لحظة مانعا!! وهكذا كان..

أعرف رجلا ظل ينادي منذ 2012 : "المجندون السوريون ليسوا أهدافا." ونفخة الحميّة الجاهلية ليست نفخة شرعية، ولكن هيهات..

مهنة "حفّارو القبور" بكل مظاهرها مهنة شريفة ومقدسة، ولكنها ليست استراتيجية ثورة، ولا منهج ثوار. الآن يقول لي أحدهم لم نفهم عليك!! كثيرون ممن لا يريدون الفهم لا يفهمون لأن الفهم يسبب لهم وخزا مؤلما...

مثل آخر

 جاء المحتل الروسي والإيراني إلى سورية وفي جعبة كل منهما، قوائم بنوك أهدافهم، ويتفقون ويختلفون : المساجد والمدارس والمستشفيات بما فيها محاضن الأطفال، والأسواق الشعبية والتجمعات السكنية، والكنائس أحيانا للتوظيف المعاكس...

وهذه ليست دعوة لتقليدهم في طريقة اختيار أهدافهم، وتحديد أهدافهم، فنحن خلق آخر، ولنا أهداف أخرى. بل هذه دعوة إلى ضرورة أن نفقه أولوية تحديد الأهداف ودراستها، بأبعادها الإنسانية والوطنية والسياسية. ثم السير على سكة الرشد وعلى بصيرة من الهدف الأقرب إلى الهدف الأبعد.. إلى الهدف الأخير، كما يعد المرء 1...2.. 3... أو 1... 2.. 3.. 5.. بعيدا عن كل المتاهات والملتويات...

فأين هو بنك أهداف الثورة، في أي مرحلة عشناها ونعيشها اليوم، ونبرأ إليك اللهم من الفوضى والفوضيين.. !!

في فن أو علم تقويض المجمعات أو البنايات الضخمة اليوم نتابع على الشاشات، كيف تنهار العمارة الضخمة بأصابع من الديناميت صغيرة... مشروع شبه فردي، مهندس يحدد ومنفذ ينفذ، وكل شيء يمضي بمقدار. وتحت السيطرة، والناس ينظرون، وكان هذا ممكنا، لو كان على الطاولة بعض الذين يعلمون!!

 لم يكن المشهد في سورية بحاجة إلى شعيط ومعيط ونطاط الحيط والهبرات والدهنات والشحمات..

كان هدفنا استلال رجل واحد من عمارة، وكنا نتمنى أن يتم ذلك دون تقويضها، من عمارة واحدة فقط، وأقول فقط .. وأكررها فقط.. وكنا ندعو ألا يسفك في سبيل ذلك دم رجل واحد...

 ثم أنظر حولي كيف تدمرت كل مدن وبلدات وقرى الشام الحبيب. وظل "الهدف" آمنا موفورا محميا يأمر فيطاع .. ويقولون لنا: معالي الوزير .. وسعادة السفير!!

 وسبب كل الذي نحن فيه أن أصر على تولي أمر الناس، بعض الذين لا يعلمون.. من الذين يريدون العلو في الأرض ولا نعرف عن إرادة الفساد..

وصارت الناس بين نارين أيقاومونهم أو يقاومون المفسد الكبير ؟؟

اختيار الهدف من الدائرة الأصغر، في الدائرة الأصغر، من الطريق الأقصر، وليس بالالتفاف حول سورية، من المالكية إلى بصرى الحرير كما رسم لهم أو لنا المراوغون..

وفي طبيعة اختيار الهدف المرحلي أن يكون ممكنا، وأن يكون مجديا أيضا، يقربك من الهدف الأخير خطوة، ولا يلتف حول سورية كما أراده الأشرار..

كلام كثير يجب أن يقال...

تخرج من بيتك تسعى على رزقك، فيقول لك جارك: صباح الخير، فترد عليه بأجمل، ولكن لا تفهم منها أنه أصبح وكيلا عليك !! ليس هناك في العالم طرف واحد يقبل أن يكون ظفرا للسوريين يحك جلدهم، وحين ينتظرون هذا سيكونون هم الظالمين..

وحين يمضي كلٌ إلى غايته، فعلينا – نحن السوريين- أن تكون لنا غاية نمضي إليها، ثم لا نبالي بمن عدا ومن وثب أو جلس..

يعجبنا أن يكون لنا أصدقاء، ولكن وجودنا ومشروعنا لا يجوز أن يتوقف عليهم...

وإذا كان لكل فريق في المنطقة استدارته وانعطافته... فلتكن لنا انعطافتنا، ننعطف إلى ثورتنا حدبا، عطفة أم على وحيدها...

ليكن أول أمرنا أن يخرج أحدنا بليل إلى قبر أخيه الشهيد فيناجيه!! فيسمع منه ماذا يقول...

اللهم إنك تعلم أنهم غلبونا على أمرنا، وبزّونا قرارنا، حتى صار هذا حالنا..

بعّدوا علينا الطريق، والتفوا به، وركبوا الصعب، وأكثروا من الضحايا...

ولم نملك فيهم من أمرنا شيئا، وخرجنا على متغلب لنقع في حبال آخر ، فلا حول ولا قوة لنا إلا بك..

"حتى قالت قريش إن ابن أبي طالب لا علم له بالحرب"

ولم يكن شعب على مر التاريخ أولى بالنصر من السوريين، لجزيل ما ضحوا وجميل ما قدموا...

وما تزال جذوة الثورة متقدة فلا تطفئوها بجناياتكم..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1001