الإنسانية

الإنسانية

نعمان فيصل

[email protected]

الإنسانية كلمة راقية وعميقة المعاني، وهي بوصلة البشرية للرقي والارتقاء والسمو بالأخلاق والفضيلة، وهي جزء رئيس في تكوين الإنسان منذ خلقه الله وسواه، فكانت الإنسانية جوهر تكوينه وتركيبه، حيث جعلها الله في وجدانه.

ولا يمكن لكائن من كان أن يدرك أهمية الإنسانية وضرورة توفرها، والعمل على الارتقاء بها, أو أن يعي قيمتها المعنوية إلا من حرم منها نتيجة عوامل وظروف أحاطت به وحرمته قسراً من معانيها النبيلة.

ويأتي الشعب الفلسطيني في مقدمة شعوب الأرض، الذي يقدر الإنسانية ويفهمها حق الفهم؛ لأنه حرم منها أول مرة حين تآمرت عليه قوى الاستعمار؛ لالتهام ممتلكاته وخيراته، وكان وعد بلفور بمثابة البراءة الدولية الذي شكل حجر الزاوية للمشروع الصهيوني في فلسطين، حيث تعطي فلسطين صورة صحيحة عن جناية الاستعمار على الشعوب وغدر المؤامرات الدولية، ولم تكن أوضاع الشعب الفلسطيني الاجتماعية والسياسية مهيأة لإيجاد الحركة النضالية القادرة على رفع الظلم، فأشكال النضال التي مارسها الشعب بين العمل السياسي والدبلوماسي مرورا بالمقاومة السلبية ووصولاً إلى الانتفاضات الثورية العنيفة لم تكلل بالنجاح، وعلى الرغم مما حفل به نضال الشعب الفلسطيني من بطولات وتضحيات، ورغم تواصل حلقاته دونما أي انقطاع، والشعور الجارف بإنسانيته وهويته فقد فشلت حركته في جميع مراحلها الحاسمة قبل وبعد العام 1948  فأغتُصبتْ أرضه، واقتلع الشعب من ترابه الوطني وشرد هنا وهناك، وعاش حياة اللجوء والشتات والغربة، وحل محله شعب آخر، ينعم اليوم بخيرات اغتصبها ومقدرات سيطر عليها بالقوة والقهر دونما أدنى اعتبار للإنسانية.

في فلسطين تم اغتيال الإنسانية، وإهدار الكرامة، لذا فالشعب الفلسطيني ما أن بدأ يستعيد توازنه من خلال بداية نضاله ضد الظلم والاستبداد وانتهاك الإنسانية؛ حتى كان من أوائل الساعين لخدمة قضية الإنسانية؛ فالإنسانية لها معنى واحد تماماً كما للدم لون واحد، فمنذ تبلورت هوية الشعب الفلسطيني السياسية والوطنية، خاصة في ستينيات القرن الماضي، شارك الشعب الفلسطيني في رفد الإنسانية بما يستطيع ثقافياً وأيديولوجياً من خلال انضمامه لكل المؤسسات العاملة في هذا المجال، من لجان حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات، والمشاركة الفاعلة في المؤتمرات، التي تنادي ببسط الإنسانية والعمل على تقوية أواصر العلاقات الإنسانية بين الشعوب، فشارك الشعب الفلسطيني وما يزال في جميع المؤتمرات التي تعقد لنصرة قضايا الشعوب، التي مرت بمثل الظروف التي مر بها، وكان لإسهاماته علامة بارزة لأنها إسهامات صادقة ونابعة من الوجع الذي أصابه، وما يزال جراء استمرار الإنسانية المنتهكة وحقوقه الضائعة.

إن قضية الشعب الفلسطيني، هي في الأساس قضية إنسانية بحتة؛ بل إنها قضية الإنسانية جمعاء، ويتحتم على العالم انسانيا وثقافيا أن يأخذ بيد الشعب الفلسطيني، كي يتمكن من استعادة كرامته وإنسانيته، حتى تتحقق له العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة. حينها يطمئن البائسون، ويستبشر الآيسون إلى مستقبل أفضل في نظام انساني قائم على العدل والحق والمساواة.