الأزمةُ السّوريّة بين المحلّيَّة والتَّصدير

د. محمد عناد سليمان

الأزمةُ السّوريّة بين المحلّيَّة والتَّصدير

د. محمد عناد سليمان

[email protected]

أضحت الأزمة السّوريّة بعد مرور عام ونصف على اندلاع ثورة الشّعب المباركة محورَ القضيّة السّياسيّة لمنطقة «الشّرق الأوسط»؛ بل قد تكون بداية للتّفكير بتشكيل شرق أوسط جديد.

فمنذ انطلاق الثّورة السّوريّة، ثورة الحرّيّة والكرامة، سارع «بشّار الأسد» المدَّعي لنفسه ولنظامه بأنّه نظام «المقاومة والممانعة»، إلى التّنبيه على قدرته على إحداث زلزال، وتسيير إعصار في المنطقة إذا ما قرّرت بعض الدّول التّدخّل في الأزمة السّوريّة وإنهاء حكمه.

فهل ما صدر عن «بشار الأسد» مجرد كلام يُقال لرفع الحالة المعنويّة للموالين له، أو ما تبقّى منهم؟ أم هو حقيقة، وأوراق اعتماد لتثبيت حكمه، وإحكام سيطرته على الأوضاع في «سوريا؟ أم هو نتيجة اتفاقات سرّيّة بين بعض الأطرف التي تتحكّم بخيوط اللّعبة في منطقة «الشّرق الأوسط»؟

لاشكّ أنّ الصّمت الدّوليّ على ما يجري في «سوريا»، هو إشارة واضحة إلى عدم وجود النّية الحقيقيّة لإنهاء نظام «بّشار الأسد»، وما نراه من تحرّكات سياسيّة بين الفينة والأخرى ما هو إلا ذرّ الرّماد في العيون؛ لأنّه لم يتجاوز حدود التّصريح هنا، والتّنديد هناك، وآلة القتل والدّمار تسير وفق خطّة ممنهجة ومسيّسة من قبل نظام «بشار الأسد».

إضافة إلى العجز الواضح والمستمرّ لدى أطياف وتكتّلات المعارضة السّوريّة في تقديم رؤية واضحة ومنهجيّة في معالجة الأزمة؛ وتقديم الضّمانات والتّفاعل الحقيقي مع الدّول التي تقوم بدور المركزيّة والمحوريّة في التّعامل مع الأزمة على المستوى الإقليميّ، وما رافق هذا العجز من التّصريحات المتناقضة لبعض المعارضين السّوريّين منفردين، أو مجتمعين ضمن تكتلاتهم.

وما جرى إبَّان الأزمة على الصعيد الإقليميّ والدّوليّ من مبادرات ومؤتمرات لم تستطع بمجملها أن توقف هذه الآلة، ولم تضعْ حدًّا للمارسات الإرهابيّة التي ترتكبها قوات «الأسد» الإجراميّة بحقّ الشّعب السّوريّ؛ بل شهدنا تصعيدًا مميّزًا وصل إلى قصف المدن والبلدات بالطّيران الحربيّ.

ولم يكن لنظام «الأسد» أن يستخدم سلاح الجوّ في قصف المدن والقرى لولا الضّعْف الكبير والظّاهر في عدم سيطرته على الأرض، وعدم قدرة كتائبه على مواجهة «الجيش الحر» الذي تنامت قدراته، وارتفعت سويّة علميّاته العسكريّة التي بدأت ترتكز على «التّكتيك» العسكريّ، وخطط عملياتيّة أفقدت النّظام كثيرًا من عتاده، وأدَّت إلى تحرير جزء كبير من الأرض السّوريّة، خاصّة في الشّمال على الحدود «السّوريّة التّركيّة».

وأدَّى أيضًا إلى القيام بعمليّات نوعيّة في أكثر أحياء «دمشق» حساسيّة، من حيث استراتيجيّتها وأهميّتها بالنّسبة إلى النّظام، والتّواجد الأمنيّ الكثيف فيها، كـ«المزة»، و«المهاجرين»، و«كفر سوسة»، وتفلّت القبضة الأمنيّة عن مثل هذه المناطق.

كلّ هذه الأمور وغيرِها كانشقاق رئيس الحكومة السّوريّة «رياض حجاب»، الذي كان بمنزلة «الشّعرة التي قصمت ظهر البعير»؛ لأنّ تشكيل هذه الحكومة التي يترأسها جاءت في ظروف عصيبة، وفي ظلّ «مؤامرة كونيّة» يتعرَّض لها النظام كما يزعم؛ بل وراح يفتخر بتشكيلها في تحدِّ صارخ منه، وإثبات على إحكام سيطرته على زمام أمور الدّولة ورجالاتها، جعلت النّظام يفكّر جديًا بتصدير الأزمة إلى دول الجوار، في محاولة منه لإعادة سيطرته السّياسية والعسكريّة على السّاحة السّوريّة، فكانت محطّته الأولى «لبنان»، التي خبرها جيّدًا، وعايشها ردْحًا من الزَّمن، يعلم خفاياها، ويشارك في صنع قرارها، ويساهم في تشكيل حكومتها، ويعرف كيفيّة التّعامل مع هذه الحكومةِ المستلبة شرعيّتها من «حزب الله»، الذي يقف صفًّا ممانعًا إلى جانبه حتى الموت؛ في معادلة واضحة مفادها: «بقاؤه من بقائه، وفناؤه من فنائه».

ولا يخفى على أحد امتداد جذور نظام «الأسد» في «لبنان» طول ثلاثين عامًا، زرع خلالها بذور الفتن، ولم يخرج منها إلا بعد أن ترك خلاياه النّائمة، والدّاعمة والمسيطرة على زمام الأمور فيه،  والتي بدأ يوقظها في مرحلة شعر أنّه من الضّروري إشعال المنطقة في حرب إقليميّة، تتنازع فيها قوى المحور على حماية المصالح، وامتداد النّفوذ، والدّفاع عن المشاريع، ولا شكّ أنّ في ذلك استمرارًا لبقائه في السّلطة، وهو الهدف المنشود والغاية المثوبة بالنّسبة إلى النّظام.

والسؤال المطروح: هل يبلغ النِّظام حدَّ الاتساع في تصدير أزمته لتشمل دولا أخرى غير «لبنان»؟ وهل سيكون لوصول رئيس وزرائه المنشقّ إلى «الأردن» دورًا في تغيير خيوط اللّعبة، ليصبح من مصدِّر للأزمة إلى مستقِبل لها في خطوة لفرض واقع جديد في المنطقة؟ ويضع خطوات عملية لإنهاء الأزمة؟ وسحب فتيل الحرب الإقليميَّة التي يسعى الّنظام جاهدًا إلى إشعالها؟