الوراقة والورّاقون

في الحضارة العربية الإسلامية

د. خير الله سعيد

بعد جهدٍ جهيد ولمدة زادت على 25 سنة من البحث والتنقيب في المصادر والموسوعات التراثية بذله الباحث د. خيرالله سعيد وبدعم من الصندوق العربي لدعم الثقافة والفنون – صدرت موسوعة ( الوراقة والوراقون في الحضارة العربية – الإسلامية) ب 6 أجزاء ضخمة ، من قبل دار الإنتشار العربي في بيروت ط1 2011م – أدناه مختصر لموضوعات الموسوعة .

إن المتواليات الحضارية لبلاد الرافدين، تستوقف الباحث، الذي يروم البحث عن التواصل الثقافي، بين حضارة سومر - القديمة - وحضارة العراق - الحديثة - والتأثير المتبادل / ثقافياً / في الوسط الاجتماعي، باعتباره الوعاء الحامل لذلك التراث السومري، والمنطلق نحو الحضارة الإسلامية ، حاملاً بطريقه، كل العلامات الدالة على النضج في المجال الثقافي، عبر الحقب التاريخية المتوالية، التي أنجبت ذلك الشعب، وأعطته هويته الثقافية، ومن ثم انطلق منها لاستكمال صيرورة البناء الحضاري، عندما استقرت الخلافة الإسلامية « في العهد العباسي في بغداد ،كعاصمة للخلافة، وكمركز ثقافي عالمي، يبدأ مرحلة جديدة من التطور والرقي في مختلف العلوم، الأمر الذي فرض قانونيته على ذلك الحامل الاجتماعي، لأن ينهض بالمسؤولية الثقافية، التي أنيطت به، بحكم التاريخ، وعليه أدرك هذا » الوسط « تلك المسؤولية، وراح يتفاعل مع حكم التاريخ ، ليربط ثقافة تلك الفترة الذهبية بما سبقها من تواريخ تمت لذات الحامل بصلة، وذلك من خلال إيجاد عملية " الوراقة " تلك المهنة الحضارية - الثقافية، والتي أوجدها - الوسط الاجتماعي - قبل أن يفرضها - الوسط الرسمي - ممثلاً بالخلافة العباسية، وهذا الأمر، يؤشر على مدى وعي » الحامل الاجتماعي « لمعنى الضرورة التاريخية في سياقها الحضاري، وبذا تكون هذه / الإلتفاتة/ بمثابة، نقلة حضارية كبرى في تاريخ الثقافة العربية - الإسلامية، إذ سن هؤلاء الوراقون « سنة » الثقافة المكتوبة بكتاب جامع لكل فن من الفنون . ومن هنا ندرك أهمية هذا الإنجاز الثقافي، بشكل عام، على صعيده العالمي، وبشكل خاص على صعيد الثقافة العربية - الإسلامية .

فمن المعلوم أن صناعة الكتابة والكتاب تعد من أهم الصناعات البشرية وأنفعها، عبر مختلف العصور، ويعتبر زمن اختراع الكتابة،هو الحد الفاصل بين العصور التاريخية وعصور ما قبل التاريخ .وليس اعتباطاً أن يجري ربط " التاريخ الثقافي " للأمم بنشوء الكتاب، فقد جرى استعمال وجود الكتابة باعتباره خطاً فاصلاً بين ما قبل التاريخ . . وضمن هذا التفاضل التاريخي، يمكن النظر إلى تاريخ العراق في هذه القضية المحورية » تاريخ الثقافة « اذ أنه يمتلك إرثاً كبيراً ، فهو مهد الحضارات الأولى ، ومبدع أولى الصيغ المتطورة للكتابة، ابتداءً »بسومر « وانتهاءً بالخلافة الإسلامية ، بغض النظر عن الإنقطاعات الثقافية . إلاّ أننا نستطيع أن نعثر على استمرارية خفية لما يمكن دعوته ب " روح الكتابة " في هذه المنطقة من العالم، وليس صدفة أن تنشأ أولى المدارس اللغوية والخطيّة العربية في الكوفة والبصرة، يمكن القول بصيغة أخرى، إن تاريخ الكتابة في العراق يتميّز بخصوصية فريدة .

وقد وجدت هذه الخصوصية انعكاساتها الكبيرة في "المرحلة العبّاسية " وهذه المرحلة، ليست وريثة الخلافة الراشدية والأموية وحسب بل، وكل تراث المنطقة الآرامي(العراقي ،الشامي، الفارسي، الهندي، اليوناني…الخ . لقد شكلت المرحلة العباسية الانعطاف الأكبر في توليف مختلف الثقافات وصهرها في بوتقة الثقافة العربية ، الأمر الذي أعطى للكتابة دورها المتميز في ترسيخ الإنجازات العلمية والأدبية ، وإعادة إنتاجها من خلال نشوء فئة متميزة في الثقافة هي فئة الوراقين .

إن نشوء هذه الفئة، يعكس في آن واحد متطلبات الثقافة وإعادة إنتاجها، إذ أنه حدد بدوره قيمتها التاريخية والعلمية من جهة، وأهميتها الأدبية والروحية والجمالية، من جهة أخرى .إن قيمتها التاريخية والعلمية، تتبلور في حفظها الإنجازات الثقافية وإيصالها لنا، ليس إبداعات الحضارة العربية – الإسلامية فقط ، وإنما أيضاً الميراث العراقي والشامي وكتابات الفلسفة الإغريقية، والأدب الهندي والفارسي .

أمّا قيمتها الروحية والأدبية والجمالية ، فتقوم في استلهامها البعد الحقيقي للثقافة العربية - الإسلامية ، باعتبارها ثقافة كلمة ، فكلمة " قرآن " لها علاقة بكلمة قراءة، » والحديث « له علاقة بالكلام . واللاهوت الإسلامي ارتبط بمفهوم الكلمة "الكلام "، والأدب، سواء في الشعر أو النثر، تفنّن بصناعة الكلمة، وكذلك الرسم والنحت والخط، وفن العمارة، مرتبط وثيق الارتباط بالكلمة العربية.

ومهنة "الوراقة "أوجدت الإحساس الفني عند الوراق، لا سيما في مسألة "الخط العربي " وتجويده، حتى أصبح مفهوم /حسن الخط / من الركائز الأساسية في عمل الوراق، الأمر الذي أفرز أنواعاً جديدة من الخطوط العربية، رافقت الوراقين في مهنتهم، ومن ثمّ برز نمط متخصص من الوراقين، استقل بفن الخط، وأصبح "الخط العربي " فناً قائماً بذاته، برز فيه أعلام مشهورون .إضافة لذلك، إن مسألة " الاستقلال الفكري " من أهم عوامل وجود مهنة الوراقة، فأغلب الوراقين كانوا من رجال الفكر والفلسفة والأدب والدين واللغة، ممّا فرض عليهم أن لا يكونوا تحت "بطانة "أحد، لذلك مالوا إلى ابتداع هذه المهنة، لحفظ كرامتهم، من ناحية، وعدم الاعتماد في المعاش على مؤسسة حكومية، إضافة إلى نشر أفكارهم بعيداً عن أيّ تأثير أيديولوجي، من أي طرف كان . ومن هنا، فإن دراسة تاريخ الخط العربي وتاريخ الوراقين أنفسهم ، لا يمتلك قيمة عالمية مجردة فحسب ، بل وعملية أيضاً، انطلاقاً من أن اللغة والكتابة هما كيانات حية . وعلى هذا الأساس، كان التفاعل الثقافي - عند الوراقين - ومهنتهم، يأخذ طابعاً تفاعلياً، بين الحِرفية والإبداع، من جهة وبين الوعي الثقافي والمسؤولية الشخصية ، من جهة أخرى.

 أن تاريخ الكلمة، هو تاريخ ثقافي، يحدد مسؤولية كل شعب من الشعوب، وهو في الوقت نفسه ، الأمانة التاريخية في وعي الباحث، لتتبع مسار الكلمة الصحيحة، عبر كل المطبات والمنعطفات، في كل مرحلة . وعلى أساس من هذه الأمانة التاريخية . إذ أن ظاهرة الوراقة والوراقين في الحضارة العربية - الإسلامية، هي واحدة من أبرز المعالم في المدنية والتحضّر التي أفرزها العصر العباسي، وبدورها هي، أفرزت تلك الفنون المتعددة، وأنبجست عن خواص ثقافية أخرى، دلت عليها بالشاهدة والمكان، والأثر والعين، منها - المكتبات - وفن الزخرفة، والترجمة، وغير ذلك من أمور إبداعات الثقافة للكلمة المكتوبة .

 أن ظاهرة الوراقة والوراقين في الحضارة العربية الإسلامية، تقابل اليوم على الصعيد المهني ب " دور النشر" والدور التاريخي الذي اضطلعوا به، وفي الوقت نفسه الإشارة إلى المراكز الحضارية الإسلامية التي تبرعمت فيها هذه الظاهرة الثقافية، بدءاً من بغداد كعاصمة للخلافة العباسية، لذلك تنطلق هذه الدراسة - الموسوعية - من بغداد إلى أن تصل إلى البقاع أو الأمصار الإسلامية ، لتؤشر بشكل إيجابي في النهوض الحضاري، و يبقى القلق المعرفي هو الخيط الرابط بين كل الوراقين،مبدعي هذا العمل الحضاري في أزمنة الصعود الحضاري الإسلامي في العصر الوسيط.

 يؤرخ موضوع الدراسة الموسوعية التي اضطلعنا بها من فترة ظهور مدينة بغداد كعاصمة للخلافة العباسية سنة 145 ه/757 م، إلى سنة سقوطها على يد المغول - التتار سنة 656 ه/ 1258 م، كمفصل رئيسي وأساسي، إلا أن مديات البحث امتدت إلى نهايات القرن 8 ه/ 14 م، حيث ظهرت هناك - في بعض الأمصار الإسلامية، الأندلس - مصر - فارس، استمرار للتعاطي مع مهنة الوراقة، رغم سقوط الدولة العباسية، وبداية النكوص الحضاري للثقافة العربية - الإسلامية .

 إن موضوعاً حضارياً - ثقافياً، كموضوع " الوراقة "أو صناعة الكتاب، هو موضوع عالمي، يخص كل شعب من الشعوب أو أمّة من الأمم، وهو في الوقت نفسه ، موضوع يخص الحضارات العالمية المختلفة .

والمتتبع للحضارات القديمة، العراقية بمراحلها السومرية والبابلية والآرامية، وكذلك المصرية والهندية والإغريقية والصينية، يتلمس تلك الكتابات، التي كانت تكتب على الطين والرقم، أو أوراق البردي والخشب، وعلى الصخور، والرقوق ولحاء الأشجار،وغيرها، بغية حفظ تراث تلك الحضارات، وهو ما وصل إلينا عبر الدراسات الآركيولوجية .

وتعد الحضارة العراقية القديمة، اول من ابدع الكتابة والكتاب، وهو الخط المسماري مع الالواح الفخارية المصنوعة من الطين. اما الحضارة المصرية فهي أقدم الحضارات التي اكتشفت ورق الكتابة من قصب البردي، والتي ما تزال آثارها قائمة حتى اليوم في مصر. اما الفينقيون في سواحل الشام في الألف الثالث قبل الميلاد، فقد توصلوا إلى إيجاد " أول أبجدية " في التاريخ أي النظام الحرفي وليس الصوري، ونشروها في كل بلدان حوض المتوسط، وحفظوها بسجلاتهم، وأودعوها في مدينتهم الخالدة " قرطاجة" .

وعندما انبثق الإسلام ، فأنه قد ورث ميراث الشاميين والعراقيين، حيث كانت(دمشق ثم بغداد) اولى العواصمه الحضارية، كذلك ميراث باقي شعوب الشرق الاوسط ناهيك عن وجود الديانات السماوية فيها من "يهودية و مسيحية " وهذه المسألة تفرض على العرب والمسلمين تحدٍ حضاري وعقائدي، يفرض وجوده بين تلك الثقافات، باعتباره ديناً جديداً، خاطب العرب بلغتهم، فقد كان "القرآن "كتاب العرب والمسلمين الأول، لذلك ارتبطت به اللغة العربية أيّما ارتباط، بحيث أصبح هذا الترابط، يشكل وحدة عضوية متكاملة لا تعرف الانفصال ولا التجزؤ، لذلك انصب اهتمام المسلمين الأوائل على جمع القرآن وتدوينه، وشكلت عظام الجمال وأوراق سعف النخيل وجلود الحيوانات والرقوق، المواد الأساسية الأولى للتدوين .

عندما أمر الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان / 23 - 31 ه / 648 - 655 م / بأن يجمع القرآن من صدور الرجال "الحفاظ " وأوكل تلك المهمة الجليلة والخطيرة إلى (زيد بن ثابت) وهو صحابي، من الرعيل الأول للمسلمين، وأول كاتب للوحي عند الرسول محمد /ص/ وبذا يكون هذا الصحابي هو أول وراق في الإسلام، يقوم بهذه المهمة، حيث قام بوضع منهج خاص لوراقة القرآن، اعتمدت الأمانة العلمية مبدأً أساسياً، ثم الوضوح في الخط، والتوقف عند الفواصل الواجب التوقف عندها، ولذلك سار كل من جاء بعده على المنوال نفسه ، من الصحابة المسلمين، الذين تفرغوا لنسخ المصاحف القرآنية .

وعندما تطور المجتمع العربي - الإسلامي، إبان الخلافة العباسية، وأصبحت بغداد عاصمة هذه الامبراطورية الشاسعة، كان من الضروري فهم الفلسفة اليونانية و أبراز الحاجة إلى وجود تراجمة من اليونانية والآرامية إلى اللغة العربية، وما رافق ذلك من تطور ثقافي، فرض وجود الوراقين ،لنسخ الكتب المترجمة، وإيجاد المتخصصين بذلك الفن . وقد لعب العراقيون الدور الاساسي في عملية التبرجمة والابداع والتأليف، واصبحت بغداد مركزاً للترجمة والوراقين.

 يعد ابن النديم ، وهو من أشهر الوراقين في العصر العباسي، أول من صنف كتاباً يتطرق لسيرة هؤلاء العلماء والأدباء والفلاسفة والمترجمين والوراقين، بكتابه الهام " الفهرست " وهذا الكتاب - الفهرست - يعد أول التفاتة ذكية في وضع المعاجم لتراجم الرجال في الثقافة العربية - الإسلامية، ثم جاء بعده ورّاق ثان اسمه "ياقوت الحموي " ليضع موسوعة أكبر وأضخم من »الفهرست « لحياة هؤلاء العلماء أسمها " معجم الأدباء "أو "إرشاد الأريب لمعرفة الأديب" وهذه الموسوعة تقع في عشرين مجلداً، ضمنها الكثير من تراجم الوراقين .

وعلى الصعيد المهني لحرفة الوراقة، كممارسة وإنتاج للإبداع، تصدى الفقيه ( الشيخ عبد الباسط بن موسى بن محمد العلموي/ توفى سنة 981 ه / 1593م ) لموضوعة منهجية الوراقة، ضمن الرؤية الإسلامية، وذلك في كتابه المعروف ب "المعيد في أدب المفيد والمستفيد" وتحديداً في الباب السادس من الكتاب، وظلت هذه المقالة من أقدم وأبرز ما كتب في الموضوع الوراقي، في الثقافة العربية - الإسلامية . ثم جاءت مقالة الباحث ( حبيب زيّات)، والتي حملت عنوان »الوراقة والوراقون في الإسلام« والمنشورة في مجلة »المشرق« البيروتية، الصادرة عام 1947م، وهي واحدة من أمتع الدراسات في هذا الموضوع، إلاّ أنها قصيرة لاتتجاوز 40 صفحة، إذ كانت بمثابة عرض مقتضب لبعض سيرة حياة الوراقين المعروفين، وبعض ما يعانونه في مهنة الوراقة .

أما على صعيد الكتاب الأجانب - غير العرب - والذين كتبوا حول صناعة الكتب والورق والمكتبات، بشكل عام، في حضارة العرب وثقافتهم، دون التوقف الدقيق لمعرفة أسرار مهنة الوراقة في الحضارة العربية - الإسلامية،

يعد كتاب »يوهانس بيدرسون« المسمى ( الكتاب العربي - منذ نشأته حتى عصر الطباعة) ترجم وطبع بدمشق 1989م، واحداً من أهم الدراسات التي استعرضت بعض أدوات الكتابة والطباعة، إلا أنه لم يتوقف مع ظاهرة الوراقة والوراقين، بشكل دقيق ، من حيث المنهج والأسلوب، وهو معذور بذلك، فربما أشكلت عليه بعض خوافي وأسرار اللغة العربية .

ثم يأتي د . ألكسندر ستيبتشيفج، أستاذ علم المكتبات والكتب في جامعة زغرب في يوغسلافيا، بكتابه الهام/ تاريخ الكتاب/ والمترجم إلى العربية في عام 1993 م، حيث ذكر في الفصل السادس - من الجزء الأول بعض مراحل الكتابة العربية، لاسيما في الأندلس، بعد فتحها في عام 711 م من قبل عبد الرحمن الداخل - أول خليفة أموي فيها، إذ سلط الضوء على ازدهار المكتبات، ومعرجاً في الوقت نفسه على / بغداد / في القرن 9 م / 3 ه ، مشيراً إلى تطور صناعة الكتاب العربي على القوالب الخشبية، لاسيما في مصر، ولو أنه اطلع على كتابي : ابن النديم وياقوت الحموي، لكان توسع كثيراً في موضوعة " الكتاب العربي " ولكنه / على ما أعتقد ، و وفق ما أخبرني به - مترجم كتابه أعلاه - د . محمد الأرناؤوط - وهو خريج يوغسلافيا، بأنه لم يعرف اللغة العربية ! وهذا الإشكال يصعب على الكثيرين إنجاز مهمتهم المعرفية بصدد صناعة الكتاب العربي .

أما المستشرقون الروس، والذين انتبهوا إلى صناعة الكتاب العربي والورق في الحضارة العربية - الإسلامية، فيسجل السبق في هذا الميدان الى " آ - غ كراتشكوفسكي " وهو مخضرم من العهدين - القيصري والسوفيتي - حيث كان أول من ترجم القرآن إلى اللغة الروسية، واهتم بالأدب العربي أيما اهتمام، وهو بهذا يكون قد فتح الباب أمام المستشرقين الروس للدخول إلى الثقافة العربية – الإسلامية . أما أهم باحث روسي من المستشرقين كتب عن الخط والمخطوطات العربية، والذي لامس بشكل قريب موضوعة الوراقة فهو البروفيسور الراحل: خاليدوف .KHALEDOF)) A . B) ) من معهد الإستشراق في سان بطرس بورغ - بمقالتيه - باللغة الروسية، الأولى بعنوان » الثقافة الكتبية « والمنشورة بكتاب " دراسات في تاريخ الثقافة العربية " والمطبوع بموسكو عام 1982 م . ومقالته الثانية، تحت عنوان » المخطوطات والكتب في الثقافة العربية . والمنشورة في كتاب » مخطوطات الكتب في ثقافة الشعوب « الصادر من معهد الإستشراق في موسكو عام 1987 م . ثم تليه المستشرقة الروسية » ي . ن ميشيرسكايا "بمقالتها "مخطوطات الكتب السورية ".

قد أوضحنا في موسوعتنا عن الوراقين "المنهج المعرفي " لفن الوراقة و أوضحنا بجلاء المراحل الزمنية لتطور هذا المنهج الدقيق بعد أن مر بثلاث مراحل تاريخية، يتوجب الإشارة إليها، وهي : أولاً ظهرت الوراقة على شكل "مجالس إملاء " حين كان الشيخ أو الأستاذ، يلقي محاضرته، ويبدأ "الوراقون - النساخ " بكتابتها مباشرة عنه، وكان هؤلاء يسمون "المستملون " ومفردها مستملي، والناتج يسمى"أمالي " كما هو معروف عن "أمالي القالي"وغيره . والمرحلة الثانية، هي مرحلة "النسخ والمقابلة " حينما أصبحت مهنة الوراقة تتطلب المطابقة الحقيقية على أصل المخطوط، وبمصادقة المؤلف والقراءة عليه، فصلاً فصلاً، وعند الانتهاء من ذلك، تؤخذ موافقته العلنية وأمام الناس وداخل المسجد، ويكلف شخصا أو أشخاصا محددين، يسميهم المؤلف ويعطيهم" الإجازة " ويشهد الناس عليه بذلك . أما المرحلة الثالثة، في مسار حركة تطور صناعة الكتاب، فإن مهنة الوراقة أوجدت في مسارها ما يعرف ب" منهج التخصص بالوراقة"وهي المرحلة الأكثر نضجاً، في العملية الإبداعية للوراقين، فقد أصبح الوراق الناسخ، يتخصص بفن من الفنون، وينسخ به فقط، كالشعر أو النثر أو اللغة أو الحديث النبوي، أو التاريخ أو الفولكلور، أو الفلسفة، أو غيرها من بقية فنون الإبداع، وقد أضيف إلى هذه المرحلة تقيدات كثيرة على الوراقين، حيث توجب على الوراق أن يكون "عالماً " بتخصصه ، أي أن يكون - ناقداً - وهنا ظهر مبدأ "الحاشية " في التوريق، لتوضيح ما يقع فيه - المؤلف - من أخطاء نحوية أو لغوية أو عروضية وصححها الوراق بيده ، وهذا إبداع ثقافي، أضفى حالة من الرقي المعرفي على تقاليد الكتابة العربية الإسلامية . إذ بهذه العملية ، حافظ الوراقون على الأمانة العلمية ، في عملية النقل من الأصل - المخطوط .

وأشتملت هذه الموسوعة على 6 أجزاء "كلها تخص الموضوع ذاته "الوراقة والوراقون "وكل جزء يتمم الآخر، وهي موزعة على النحو التالي :

الجزء الأول : حمل عنوان: الممهدات التاريخية والحضارية،والتي سبقت ظهور مهنة الوراقة الإسلامية، أي أننا توقفنا - تاريخياً - مع الحضارات القديمة على أرض الرافدين ومصر،وكانت اللحظة التاريخية، لولادة جنين حضاري من تلك المورّثات، يستفيد من ذلك الموروث، وينطلق منه، ليحقق ذاته، وكان ذلك هو العصرالعباسي في تاريخ الثقافة العربية - الإسلامية، إذ فيه شمخت الحضارة العربية - الإسلامية، كما شمخت حضارة سومر و بابل ، في تلك الأزمان الغابرة، وفي الحاضن الجغرافي نفسه ، والذي اسمه العراق . ومن هنا كانت موضوعات الجزء الأول، شبه مواصلة تاريخية لربط اللاحق بالسابق ، فكان الباب الأول يشمل الفصول التالية :

الفصل الأول : تمهيد تاريخي، تمّ فيه التطرق إلى البدايات الأولى لوعي الناس، ضمن الثقافة الإسلامية، وهم يعبرون مرحلة الجهل، ونقل الأخبار مشافهة إلى التدوين والنقل، واختراع الآليات المعرفية لحفظ تراث تلك الأمة من الضياع .أما في الفصل الثاني : فتناول كيفية إنشاء بغداد من قبل الخليفة العباسي / أبو جعفر المنصور / وأهمية وتأثير هذه المدينة في بقية المدن والأمصار الإسلامية، والفصل الثالث : يناقش - من خلال المعطيات، التطور الاقتصادي الهائل للمجتمع العباسي، وانتعاش مختلف الطبقات، وبالتالي سحب ظلال هذا الرفاه الاقتصادي على الحالة الاجتماعية ، والتي بدأت تظهر فيها، نزعات نحو الثقافة الروحية، بشكل ملفت للانتباه ، حتى صار التعليم والتثقيف، إحدى سمات " الظرف البغدادي " تلك الحالة الثقافية النادرة، والتي أغرت النساء والرجال لأن يتسابقوا للدخول في حلبتها الثقافية .والفصل الرابع : ترتسم فيه معالم ثقافية لمجتمع كامل الآهلية ، من حيث الشكل والمضمون، إذ صارت متطلبات الحياة الثقافية كضرورة حتمية، ليس فقط لصفوة المجتمع .أما الفصل الخامس :فهو يكمل مشوار التطور الثقافي - في حياة المجتمع العباسي، إذ تظهر على السطح ظاهرات علمية - ثقافية ، تتمحور حولها تيارات سياسية وثقافية، تفرض نمطاً من السلوك الاجتماعي العالي، حيث تشمخ الترجمة ويسود التفكير الاعتزالي، وتظهر المذاهب والفرق، وتبدأ الصراعات الفكرية، وكان سوق الوراقين / في جانبي بغداد - الكرخ والرصافة / مسرحاً لتلاقي تلك التيارات الفكرية، ومجلساً ينعقد لها في كل يوم، عند عتبة هذا الوراق أو دكة ذاك الناسخ، أو حلقة ذاك الفيلسوف.

أما، الباب الثاني - والذي أخذ عنوان :تطور صناعة الكتابة في بغداد والأمصار الإسلامية ،فهو يكشف لنا عن الأساليب الفنية التي بدأت تظهر عند نمط من الكتّاب أمثال - الجاحظ - والصولي وغيرهما، حيث بدأت هذه الأنماط الكتابية، تفرض قانونيتها الإبداعية في الترسّل والكتابة. أما الفصل الثاني ، فكان يحمل عنوان : مقومات الكتابة والكتّاب، وهو بمثابة، استمرار للفصل السابق - كحالة ثقافية - حدّدت لها ميزات خاصة لحامل لقب"كاتب "تلزمه التمسك بها، كعرف إبداعي - معرفي.أما الفصل الثالث، والأخير - في هذا الباب - فإنه يتحدث عن : أدوات الكتابة ،. حيث أفرزت تلك الفترة، عدة أدوات لممارسة الكتابة، يتوجب توفرها في حوزة الكاتب.

الجزء الثاني للموسوعة حمل عنوان : ظهور مهنة الوراقة .وينقسم إلى بابين رئيسين يشكلان العمود الفقري، والرافعة الأقوى لبنية العمل الموسوعي برمته، وحوله تدور بقية الأجزاء والأبواب والفصول، وهو الأكبر حجماً في العمل - بحكم طبيعة البحث المنهجي - الذي رسمناه، لإبراز هذه الظاهرة .وكان الباب الأول قد اشتمل على ( تسعة فصول ) كل فصل منها، يعالج قضية محددة، تنتمي بحلقيّتها ،إلى سلسلة طويلة من الترابط المنهجي في البحث، فكانت تلك الفصول التسعة، تعبر عن مدلولاتها ، حسب ما يلي : الفصل الأول : " تمهيدات تاريخية واقتصادية واجتماعية ، الفصل الثاني :: الورّاقون، كصنف من الأصناف الإسلامية .الفصل الثالث : تعريف معنى الوراقة والوراقين . الفصل الرابع : "منهج الوراقة في الإسلام " . الفصل الخامس : أثمان النسخ والتجليد .الفصل السادس : أصناف الوراقين . الفصل السابع : أخلاق الوراقين .الفصل الثامن : معاناة الوراقين .الفصل التاسع : الانتماءات السياسية للوراقين .في هذا الفصل، يظهر الوراقون بأنهم جزءاً هاماً من النسيج الاجتماعي - العباسي، إذ أن المذاهب والفرق الإسلامية، كانت لها اتجاهاتها الفكرية والعقدية، وكان لها - في سوق الوراقين - مروجين بين هؤلاء الوراقين، وهنا نصطدم بحقيقة تاريخية، تظهر أمامنا في "مخطوطات ذلك العصر" إذ أن عملية "التحريف والوضع " للنصوص الدينية - لاسيما في الحديث النبوي - كانت مثار جدال في ذلك الوقت، إضافة إلى بروز - نزعات عنصرية، شعوبية - أخذت تظهر في مخطوطات الوراقين . وكان للإحتراب المذهبي - ظهوره الطاغي في سلوك الوراقين السياسيين، وقد تجلّى هذا، بشكل واضح عند وراقي المعتزلة والإسماعيلية ( وإخوان الصفاء ) والمرجئة والشيعة، والسنة، والأشعرية، الأمر الذي أثار اهتمام المؤرخين الكبار، في تلك الفترة، وأشاروا إليها، لاسيما مؤرخ بغداد المشهور " الخطيب البغدادي "حيث أشار بموسوعته " تاريخ بغداد " إلى أكثر من وراق، قد قام بعملية "وضع الحديث وانتحاله "وهذه المسألة أربكت الكثير من المؤرخين والعلماء - قديماً وحديثاً - لاسيما عند الحديث حول" المذاهب الفقهية "وكذلك انسحب الأمر، على الأدب والمقولات السياسية والفلسفية.

الباب الثاني -: سوق الورّاقين .وبه ينكشف عالم الثقافة العربية - الإسلامية، على كافة الاتجاهات، والعوالم، ومنه" يصدر " الكتاب، وبه يعرف الكاتب، وفي ساحاته، تتبدى الأندية الثقافية، وتظهر مختلف الآراء السياسية والفكرية والمذهبية، ومنه تخرج "البدع والإبداعات" كافة ،ولا غرو في ذلك، إذ أن هذا المحيط الثقافي، كان له أكثر من مئة حانوت وله فرعان رئيسيان . في بغداد وحدها ، واحد في الكرخ وآخر في الرصافة - ناهيك عن بقيةالأمصار الإسلامية، وخصوصاً مدنها الرئيسية، ولكن أسواق بغداد للوراقة، هي الأعرف والأشهر، ومنها خرج المثال والتماثل، وكثير من الوراقين، تخرجوا من سوق الوراقين ببغداد، ورحلوا إلى بقية الأمصار، بكامل عدتهم الوراقية من أمثال ظفر الوراق ، الذي ذهب إلى الأندلس، وافتتح حانوتاً للوراقة هناك.ونجد مثلا أن أبا حيان التوحيدي في رسالته البغدادية المشهورة، يفاخر أهل " أصفهان " بهذه المهنة ،وهذا السوق ذاته، الذي اتخذ منه الجاحظ، ملاذاً له، وإقامة دائمة فيه، حتى عرف عنه "بأنه كان يكتري حوانيت الوراقين ويبيت فيها للنظر " وعلى هذه الأهمية، جاءت فصول هذا الباب، موزعة على النحو التالي :الفصل الأول : تعريف معنى الأسواق .

الفصل الثاني : الأسواق الإسلامية وميزاتها . الفصل الثالث : الأبعاد الهندسية والمعمارية للسوق .الفصل الرابع : موقع سوق الوراقين ببغداد .الفصل الخامس : كيفية بيع الكتب في سوق الوراقين .الفصل السادس : روّاد سوق الوراقين من العلماء والأدباء والساسة .الفصل السابع : نوادر في سوق الوراقين.الفصل الثامن : مجالس العلماء في سوق الوراقين ومناظراتهم .

أما الجزء الثالث من الموسوعة فقد حمل عنوان صناعة الورق وظهور المكتبات .

يمثل الورق باكتشافه وصناعته، قفزة حضارية واضحة المعالم ،والعباسيون الأوائل، كان طموحهم السياسي عالياً، فكانت الفتوحات الإسلامية ، مازالت تغازل أفئدتهم وعقولهم، وقد لعبت الصدفة دورها في تلك الفتوحات، إذ أسر المسلمون، على حدود الصين، بعض أهالي تلك البلاد، وأخذوهم إلى "سمرقند "وكان بين هؤلاء الأسرى من يجيد صناعة الورق فعاملوهم بالأحسان، وتعلموا منهم صناعة الورق، وأسسوا أول مصنع للورق في سمرقند ، ومن ثم أسس مصنعان للورق في بغداد عاصمة الخلافة العباسية، أيام هارون الرشيد ، ثم انتشرت صناعة الورق بعد ذلك، في بقية الأمصار الإسلامية .وموضوعة صناعة الورق - هي مدار البحث في الباب الأول - من هذا الجزء من الموسوعة، حيث اشتملت فصوله الثلاث على العناوين التالية :الفصل الأول : أهمية الورق الحضارية .الفصل الثاني : أثر الورق في تطور الثقافة العربية - الإسلامية في العصر العباسي .الفصل الثالث : أنواع الورق ومقاساته .

وقد لعبت صناعة الورق، دوراً خطيراً في تهافت الناس على الكتب وشرائها، ومن ثم برزت ظاهرة تأسيس المكتبات العامة والخاصة، في المجتمع العباسي ، حتى لقد كشفت هذه الدراسة عن وجود أكثر من ( 200 مكتبة ) بين عامة وخاصة، ويكفي أن نذكر" مكتبة الحكمة "التي تأسست في زمن الرشيد وازدهرت في زمن المأمون، ومن ثم، تكشف لك - فصول هذا الباب - عن الغنى الروحي الهائل، الذي وسم الجميع وأشتمل على :

الفصل الأول : إطلالة تاريخية على حب القراءة من أيام " سومر "إلى قيام بغداد .الفصل الثاني: الحالة الثقافية في بغداد ونشؤ المكتبات.الفصل الثالث: المكتبات الأسلامية ، كنتاج ثقافي- حضاري للورّاقين.الفصل الرابع: شغف العلماء بالكتب.الفصل الخامس: الدولة العباسية والكتاب. الفصل السادس: مكتبات المساجد ودور العبادة الأخرى.

الباب الثالث: المكتبات العباسية.وأشتمل على: الفصل الأول: مكتبات الخلفاء العباسيين .الفصل الثاني: مكتبات الوزراء العباسين.الفصل الثالث : المكتبات العامة.الفصل الرابع : مكتبات الأدباء العباسيين . أو – المكتبات الخاصة .الفصل الخامس: أثر المكتبات في المجتمع العباسي .

الباب الرابع:مكتبات الأمصار الاسلامية وأشتمل على:الفصل الأول: مكتبات بلاد الشام.الفصل الثاني: مكتبات بلاد فارس.الفصل الثالث:مكتبات مصر الفاطمية.الفصل الرابع: مكتبات بلاد الأندلس.والمتتبع هنا، يذهله وجود هذا الكم الهائل من الكتب والمكتبات، ولا أدلُ على ذلك من الحدث الكبير، عندما غزا المغول بغداد وأسقطوا الخلافة العباسية عام 656 ه / 1258 م حين رموا الكتب في نهر دجلة فأصطبغت مياهه بالحبر الأسود ! ! ناهيك عن حرائق المكتبات في – مصر والأندلس وبلاد فارس والشام – عندما تعرضت للحرق من قبل " الدول " التي جاءت بعدهم – بما فيها الحروب الصليبية- وقد ضاع الكثير من هذه الكنوز الثمينة نتيجة – أعدام الكتب- بهذه الطريقة البربرية.

الجزء الرابع : الإفرازات الحضارية للوراقين- ( ظهور الخطاطين )

الاب الأول : الخطاطون كصنف مبدع من الوراقين . وشمل الفصل الأول : " بدايات الحرف العربي في الكتابة " ،الفصل الثاني : الأسلام والحرف العربي .

الباب الثاني: الخط في العصر العبا سي وشمل الفصل الأول: ( العباسيون وتأصيل الخط العربي ) ، الفصل الثاني : " الخطاطون أسا س مهنة الوراقة"

الباب الثالث: " مدرسة بغداد للخط العربي" وشمل الفصل الأول: " الأرهاصات الأولى لهذه المدرسة"، الفصل الثاني: " ابن مقلة عميد هذه المدرسة" .، الفصل الثالث: " حياة ابن مقلة الفنية" ،الفصل الرابع : أهمية ابن مقلة" ، الفصل الخامس: أبن مقلة وتطويره وشرحة للآخرين. وأهم تلاميذه.

الباب الرابع : " استقرار قاعدة الخط العربي في بغداد" وتضمن الفصل الأول:: ابن البواب .. على هدى ابن مقلة "،الفصل الثاني: " طريقة ابن البواب في الخط"، الفصل الثالث ": " تلاميذ ابن البواب وآثاره "

 الباب الخامس: : " ياقوت المستعصمي - آخر المدرسة البغدادية في الخط العربي". وقد فصلنا هذا الباب على الفصول التالية :الفصل الأول: من هو ياقوت المستعصمي؟، الفصل الثاني: آثاره الفنية والأدبية، الفصل الثالث: المرأة والخط العربي ، الفصل الرابع: ملحق – ارجوزة الشيخ محمد بن الحسن السنجاري- المعروفة با سم" بضاعة المجوّد في الخط وأصوله" .

الباب السادس: حمل عنوان: " شخصية الحرف العربي" وقسمت فصوله على النحو التالي:الفصل الأول: التشكيل الفني للحرف العربي ،الفصل الثاني: جمالية الخط العربي في وعي المسلمين ، الفصل الثالث: الحرف العربي في فلسفة التصوف ،الفصل الرابع: الحرف العربي والفنون التشكيلية ،الفصل الخامس : كلمة في الحرف العربي حيث أوضحنا رأينا النقدي في " ظاهرة الخط العربي على طول مسيرته التاريخية

الجزء الخامس : أعلام الوراقين البغداديين .وهو مقسّم إلى بابين رئيسيين، الأول، حمل عنوان : المستملون - كصنف من علماء الحديث الوراقين . تم التطرق فيه إلى أهم الوراقين . الذين مارسوا"الإستملاء " بمجالس الإملاء وتفرغوا له، من مسوّغ ديني، أكثر من مسوغه الدنيوي، وتحديداً لموضوعات"الحديث النبوي" وجرى الترجمة لطائفة كبيرة منهم، وإبراز أهم آثارهم .

أما الباب الثاني، فقد شمل على الفصول التالية : الفصل الأول : ورّاقو الحديث ،الفصل الثاني : الوراقون العلماء ، الفصل الثالث : الوراقون الأدباء ،الفصل الرابع : الوراقون الشعراء ،الفصل الخامس : الوراقون النسّاخ ،الفصل السادس : ورّاقوا العلماء والأدباء والشعراء ،الفصل السابع : حمل عنوان : الوراقون الدلالون ، الفصل الثامن : الوراقون القضاة .الفصل التاسع : الورّاقون الفلكلوريون.الفصل العاشر : النساء الورّاقات .

الجزء السادس : ورّاقو الأمصار الإسلامية .

 إن امتداد رقعة الدولة الإسلامية في العصر العباسي، استوجب أن يكون هناك - في كل مصر - وراقون - كما هم في بغداد - عاصمة الخلافة، بغية القيام بالمهمات الثقافية لحالة العصر الناهضة، وهو ماكان فعلاً، حيث انتشر الوراقون على امتدادات جغرافية الدولة العباسية، وشكلوا نويّات أولية، حال وصولهم، حتى توسعت هذه النويّات وأصبحت أسواقاً للوراقة تضاهي أسواق بغداد، لاسيما في الأندلس، حيث وجود أسواق الوراقة في إشبيلية، يغري ورّاقو بغداد، ويرغّبهم بالمجيء إليها، وهو ما حدث فعلاً، إذ رحل من بغداد أكثر من وراق، ليقيم هناك ويفتح دكان وراقة - مثل - ظفر البغدادي وغيره، وعلى هذا المنوال الحضاري، وجدت عواصم تلك الأمصار الإسلامية ما يلبي حاجتها من الوراقين، ووجد لهم في كل مصر سوق خاص بالوراقة .

 وفي هذا العمل الموسوعي، سلطنا الضوء على حركة الوراقين الذين رحلوا من بغداد، أو قدموا إليها من تلك الأمصار، وتعلموا فن الوراقة وعادوا، بعد اكتسابهم الخبرة المهنية في سوق الوراقين ببغداد، وقد ذكرنا كل هؤلاء الوراقين - بالتفصيل، وكل حسب مصره - ولذلك جاءت فصول هذا الجزء، محصورة في باب واحد، ومقدارها خمسة فصول، على النحو التالي :

كذلك يتضمن هذا الجزء - من الموسوعة - كشافات عامة للمدن والأسماء وقائمة كبيرة للمصادر والمراجع المعتمدة في إنجاز هذه الموسوعة، بغية اكتمال البحث الأكاديمي وفق شرائطه المطلوبة علمياً في مثل هذه الأبحاث التراثية ، مضافا اليها " نماذج " من خطوط الوراقين والخطاطين ، مكتوية بأقلامهم، ومن أوثق المخطوطات العربية.