الضوابط الشرعية لسلوكيات التجار

د. حسين شحاتة

هناك ضوابط إيمانية وأخلاقية لرجل الأعمال المسلم بجانب الضوابط القانونية ، وتنبعث الأولى من عقيدته وخلقه بصفة عامة وكانت لهذه القيم الدور المؤثر الفعال فى نشر الإسلام فى كثير من دول العالم ، فكان التاجر المسلم تاجراً وداعياً إلى الإسلام من خلال قيمه وخلقه وحسن معاملاته مع الناس جميعاً ، والدافع والباعث إلى ذلك هو "مخافة الله ومرضاته" .

ومن القيم الإيمانية للتاجر المسلم:

1- الإيمان بأن المال الذي يتعامل فيه ملك لله سبحانه وتعالى ، وأن الله سوف يحاسبه يوم القيامة من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وهذا يدفع التاجر بأن يكون ماله من حلال حتى تُقبل عبادته ويستجاب لدعائه .

 2- الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى يراقبه في كل تصرفاته ما ظهر منها وما بطن ، وهذا يجعله دائماً فى حذر وخوف من الله ، فلا يغش ولا يدلس ولا ينصب على الناس ولا يأكل أموالهم بالباطل ، وهذا ما يسمى بالرقابة الذاتية .

3- الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلاّ طيباً وأن الغاية من المال والتجارة أن تعين الإنسان على عبادة الله والتقرب إليه فيحرص أن تكون تعاملاته فى الحلال الطيب ، ووفقاً للأولويات الإسلامية الضروريات والحاجات ولا يجوز الإنفاق على التحسينات إلاّ بعد استيفاء الضروريات والحاجيات .

ومن القيم الأخلاقية

 1- الصدق مع الله ومع نفسه فلا يكذب على الغير أو يحلف كذباً ولا يجعل يمين الله وسيلة للكسب .

 2- الأمانة فى معاملاته ، فلقد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم التاجر الصادق الأمين بأن يكون مع الشهداء والصالحين فى الجنة .

3- عدم المغالاة فى الربح الحلال ولا يكون مستغلاً لحاجة الناس .

4- السهولة فى المعاملات ، فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع ، سمحاً إذا اشترى ، سمحاً إّذا اقتضى" .

5-  التيسير على الناس ولا يشق عليهم .

6-  القناعة والرضا بما رزقه الله .

من سلوكيات التجار الأبرار:

في ضوء الضوابط الإيمانية والأخلاقية يكون سلوك التجار الأبرار كما يلي:

1- تحقيق النية الخالصة بأن الغاية من المعاملات الحصول على الكسب الطيب لتعمير الأرض والإنفاق على الحاجات الأصلية للإعانة على طاعة الله عز وجل ، وتجنب عبادة المال وسيطرته على القلوب .

2- الالتزام بالأخلاق والسلوك السوي في المعاملات ففي ذلك طاعة وعبادة لله وتحقيق البركات في الأرزاق .

3- اختيار النشاط المشروع في مجال الحلال والطيبات حتى ولو كان هامش الربح قليلاً .

4- حسن اختيار الشركاء والمستثمرين والعمال على أساس القيم والأخلاق فهذا مناط النجاح والأرباح.

5- إعطاء العامل حقه قبل أن يجف عرقه لتحفيزه وحثه على العمل .

6- إعطاء حق الله فى المال مثل الزكاة والصدقات حتى تتحقق البركات والنماء والطهارة.

7- إعطاء المجتمع حقه مثل الضريبة العادلة فهذا من قبيل المسئولية الاجتماعية .

8- أولوية التعامل في السلع الوطنية لدعم الاقتصاد القومي .

9- تجنب التعامل مع أعداء الدين والوطن الحربيين حتى لا تكون فتنة (المقاطعة الاقتصادية).

10- حل الخلافات عن طريق التحكيم الودي من خلال عباد الله الصالحين.

11- التصفية بالحسنى والمحافظة على الحب والأخوة في الله.

12- كثرة التوبة والاستغفار لتطهير المعاملات مما علق بها من مخالفات شرعية.

وهذه السلوكيات السوية المستقيمة للتجار تحقق لهم المقاصد الآتية:

- تحقيق الخير والبركة والنماء في الأرزاق .

- تجنب الوقوع في الحرام وبالتالي عدم ارتكاب الذنوب والمعاصي والرذائل .

- تجنب الشك والريبة بين المسلمين وتحقيق العدل بين الناس في المعاملات .

 - التأكيد على شمولية الإسلام وأنه دين عبادات وأنه منهج حياة .

- الدعوة إلى الله على بصيرة وعلم وربط الأقوال بالأفعال .

- تقديم نموذج متميز لرجل الأعمال المسلم في حلبة الحياة العملية .

-  التمكين لشرع الله أن يطبق ويسود لإنقاذ البشرية مما هي فيه من بؤس وشقاء وضنك.

سلوكيات التجار الفجار:

1- الغش: ومن صور ذلك: التدليس في صفات السلعة أو بيع سلعة منتهية الصلاحية أو تسويق سلعة تسبب أضراراً للناس، ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من غشنا فليس منّا".

2- الاحتكار: ويقصد به إخفاء السلعة وحبسها عن التداول حتى يرتفع سعرها ويستفيد التاجر من ذلك ربحاً عالياً، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "المحتكر ملعون والجالب مرزوق".

 3- الاستغلال: هناك من التجار من يستغلون حاجة الناس إلى سلعة معينة ويرفعون سعرها بدون حق أو ضرورة معتبرة شرعاً، فالمكسب من ذلك يعتبر سحتاً (حراماً) .

 4-  التطفيف في الكيل والميزان: ولقد توعد الله عز وجل هؤلاء بالعذاب الأليم فقال سبحانه وتعالى: "وَيْلٌ للْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوَهُمْ أَو وَزَنُوَهُمْ يُخْسِرُونَ". (المطففين).

 5- الحلف الكاذب واليمين الغموس: يجعل كثير من التجار الحلف وسيلة لجلب الربح وهذا محرم شرعاً وفيه محق لبركة الرزق، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "الحلف ممحقة للبركة ".

 6- الإكراه في البيع والشراء: أي استغلال الحاجة والضغط بها للشراء أو البيع.

 7- النجش: ويقصد به الزيادة المفتعلة في السعر بدون مبرر معتبر شرعاً.

8- الغبن: ويقصد به استغلال جهل الناس بالسلعة والأسواق ويظلمونهم.

9- الربا: هناك من التجار من يتعاملون بالربا أخذاً وعطاءً، ولقد وعدهم الله بالحرب.

وفى ضوء ما سبق فإن ما يقوم به بعض رجال الأعمال غير المنضبطين بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية والذين قست قلوبهم ولاسيما في وقت الأزمات : من الاحتكار والاستغلال والتطفيف والغش والتدليس وإغلاء الأسعار والتعامل في سلع انتهت صلاحيتها حرام وأن ما يكسبونه من ربح حرام: ولا يقبل لهم دعاء لأن من شروط قبوله أن يكون الكسب حلالاً ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لسعد بن معاذ : "أَطِبْ مطعمك تكن مستجاب الدعوة".

وقد يتوهم التجار الفجار الذين يخالفون شرع الله سبحانه وتعالى أنهم يربحون والحقيقة أنهم  الخاسرون لأن الله سبحانه وتعالى لا يبارك لهم في مالهم ولا في أولادهم ولا في عملهم ولا في عمرهم.

ومن مسؤولية الحكومة في الدولة الإسلامية مراقبة الأسواق ومعاقبة رجال الأعمال الذين لا يطبقون شرع الله عز وجل ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله عز وجل.

وعلى المجتمع – وفقاً لنظام الحسبة في الإسلام – أن يتصدى لهؤلاء التجار ويمنعهم عما يقومون به من معاملات مخالفة لشرع الله.