الحقيقة بعيني طفل بريء

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

ليس من السهل أن تتخطى الحدود , وليس من السهل أن تقول الحقيقة في حالات كثيرة , فهنالك الكثير من المعوقات تقف أمامك سداً منيعاً , عندما تود النطق فيها , ومع مرور الوقت تتناساها ثم تنساها , وبعد ذلك تعتاد على اللامبالاة , وتجعلها أوهاماً أو أباطيل , وقد تورثها لأبنائك من بعدك , ولا ينقصك بعدها إلا القول :

(إن كنت تجلس مع مجموعة من فاقدي البصر , فاغمض عيناك حتى تصبح مثلهم )

بهذه الكلمات ابتدأت حديثها معي وعقبت قائلة :

البوعزيزي أحرق نفسه , المحامي الليبي اعتقل مدافعاً عن شهداء سجن أبو سليم , خالد سعيد قتل تحت التعذيب في مصر

أما في سورية , فكتب مجموعة من الأطفال

 (الشعب يريد اسقاط النظام ) وكانت الثورة

وأنا ساكت أنظر إليها , أحاول قراءة أفكارها من خلال تعابير وجهها , والدخول إلى أعماقها , ثم قلت لها :

مالذي ترمين إليه يافيلسوفتي الجميلة ؟

فقالت أفكر بالربيع العربي وخاصة الثورة السورية

لقد انتظر السوريون طيلة عقود , ولم يعرفوا حقيقة النظام , إلا عندما كتب أطفال درعا , في الصف الرابع  الابتدائي (الشعب يريد اسقاط النظام ) ؟؟!!!

فقلت لها : أتسمحين لي ياعزيزتي التعقيب ؟

قالت تفضل :

يروى عن أحد ملوك الشرق , أنه سمع بوجود خياط ومعه زميله , يستطيعان صنع  ثوب للملك , ومن مميزات هذا الثوب يخفي صاحبه , ويمشي بين الناس من حيث يراهم ولا يرونه , فأرسل الملك بطلبهم , وعندما حضرا بين يديه , وسألهما عن الثوب , فأقنعا الملك بقدرتهما على صناعته , في مدة زمنية محددة , جاء الملك وطلب الثوب بعد انقضاء المدة , ولكن لم يكن هناك أي ثوب تمت خياطته من قبل الخياط  , ولكنهما بحركات إيمائية , وكلمات إيحاء مقنعة للملك , في ان الثوب جاهز , ولكن لن يستطيع رؤيته , وكانت الدعاية قبلها كثيرة في أرجاء المملكة في أن الملك سيمشي بين الناس , ولن يستطيع أحداً رؤيته , بسبب هذا الثوب .

فأنزعا عن الملك ثيابه , وتركوه عارياً , وبحركات بهلوانية وإيحائية وتمثيل , أنهيا العملية بنجاح  , وقالا له يامولاي , تستطيع أن تخرج الآن على الناس , ولن يراك أحداً منهم , بسبب هذا الثوب العجيب .

خرج الملك إلى السوق وتجول بين الناس , وسأل بعضهم ...هل تراني ؟

فكان الجواب من الجميع طبعاً ...لا , ياملكنا المعظم

وأثناء مروره من أمام رجل يقف بجانب الطريق , ومعه ابنه الصغير , فقال الطفل لأبيه , إن هذا الرجل يمشي عارياً

وسمعه الناس وهتفوا مثله , وهجموا على الملك وقالوا عنه مجنون فقتلوه وتخلصوا منه .

فقالت الفيلسوفة , هذه القصة الجميلة تنطبق على حافظ الأسد ووريثه

ومن ثم سألتها ماهو وجه التشابه  بينهم ؟

فقالت :

لو رجعنا لهزيمة ال67 ولن نخوض في التفاصيل كثيراً , ولكن لنأخذ الحالة السورية فقط :

حافظ أسد كان وزيراً للدفاع , وفي مقابل صفقة باطنية مع اليهود , أمر بسحب الجيش السوري من الجولان , وتسليمه لجيش الاحتلال بدون حرب , وبعد ثلاث سنوات قام بانقلاب , وأصبح رئيساً لسورية حاكماً فردياً مطلقاً , وبعدها اشترك بحرب تشرين كتمثيلية أصبحت معروفة للجميع , وغزا لبنان , وحطم الجيش العربي فيها , وقام بتصفية فصائل المقاومة الفلسطينة في لبنان , والمقاومة اللبنانية , ولم يترك فصيلاً في لبنان إلا اعتدى عليه وجره لمجازر دموية , ووقف مع إيران ضد العراق في حربهما , وفتك بالشعب السوري فدمر مدن وأحياء , ولا يعلم إلا الله عدد ضحاياه في سورية , والرقم لايقل عن 150 ألف , بالاضافة إلى ضعف هذا العدد من المهجرين , والآلاف من السوريين والذي أمضوا في السجون أقلها عقد من الزمان ومنهم وصل إلى ثلاثة عقود , ويدعي أنه الوحيد الذي يقف ضد اسرائيل , مع أن اسرائيل لم تنصب حتى أسلاك شائكة على الحدود مع سوريا , وليس هناك حتى لغم واحد , ولم تطلق طلقة واحدة باتجاه اسرائيل , منذ عام 1974 , وحول الوطن السوري إلى حكم العصابات الأمنية , وتهريب المخدرات , وتخريب البلاد ونهب البلاد من قبل هذه العصابات , وتآمر على الدول العربية , وجعل السوري أينما ذهب يعامل معاملة ارهابي , وجعل النفوذ الايراني في سوريا ,له طرق ومسالك محمية بكل صورها وأشكالها , ومع أن إيران تحتل الأراضي العربية , ويأتي القوميون العرب مؤيدين له , بوصفه زعيم الأمة العربية بدون منازع , وهو عار تماماً , لايستره إلا الوهم .

ثم ورثه ابنه في نظام جمهوري , ولم يحد عن سياسة أبيه في البطش والفساد واستمرار الحكم العصاباتي المافيوي في سوريا , هو وأقرباؤه , وتدهورت أحوال الناس .

ثم سكتت قليلاً لتعبر عن الأسى الذي بداخلها ,وتنهدت زفيراً كاملاً مليء رئتيها , وحاولت أن تتابع ...

ولكنني قاطعتها وقلت :

لم يستطع أحداً ,من سورية كلها أن يتجاوز إرهاب الحاكم , إلا أولئك الأطفال من درعا , عندما جهروا بالحق , وقالوا هذا الحاكم كل عوراته ظاهرة ولا يسترها شيء .

بطش بهم واقتلع أظافرهم , ولكن أهل درعا الأبطال وجدوا أن كلام أطفالهم هو عين الحقيقة , وقال أهل حمص الأبية بالفعل فإن هذا الحاكم يجب خلعه واستبداله بحاكم يليق بهذا الشعب , وكانت ادلب واللاذقية , وريف دمشق وقليل من أحيائها ,وحماة وبانياس ودير الزور وعامودا, وتأخرت باقي المدن وخصوصاً حلب المدينة , وليس ريفها والسويداء وطرطوس .

فقالت : تلك المدن الثائرة رأت النور بعيني طفل , فهل ياترى حلب تحتاج , لفيلسوف أو مجنون ؟؟!!!!