الإسلام دعوة ودولة

الإسلام دعوة ودولة

رسالة إلى الشرق والغرب

محمد أفقير(صهيب)

باحث في تاريخ الإسلام

[email protected]

موضوع الدعوة والدولة يعتبر، بحق، من أهم المواضيع ذات الفائدة الكبرى في علوم الاجتماع والسياسة، وفي قضية الحوار بين الثقافات، وذلك لما في الدعوة من معان سامية ومتقدمة حضاريا، سواء في مبادئها الدينية، أو في تطبيقاتها السياسية.

 هذا الموضوع رغم فائدته القصوى أهمل إهمالا كبيرا من لدن رجال السياسة والدولة في العالم، ومن فقهاء الحقوق والقانون الدستوري المقارن، على الخصوص، إلا ما تتناوله أقلام الباحثين المستشرقين، وقد قدموا آراء ومفاهيم لا تعبر عن حقيقة دولة الدعوة، التي أسسها قائد الغر المحجلين Mohamed peace be upon him.svg. وفوق ذلك كله فإن كتاباتهم أقرب إلى روح التهجم على الدعوة منه إلى روح التواصل الحضاري مع الثقافات العالمية، والتعايش السلمي بين أصحابها، ذلك التواصل الحضاري الذي نطمح إليه في عصر تكنولوجيا الأنترنت، التي أزالت الحدود بين الشعوب، وفرضت ضرورة الحوار من أجل السلام.

 ولقد أثارت آراء الغربيين ردود فعل قوية في العالمين العربي والإسلامي، من قبل القوميين واليساريين والإسلاميين، في كتب ومقالات وندوات ولقاءات، بين مؤيد مطلق التأييد، ومعارض يعتبر آراءهم استشراقا يشوه القيم التقدمية للدعوة والدولة، ومتحفظ يوافق في جوانب ويعارض في أخرى.

 ويذكر، أن الثقافة الإسلامية لاتزال غير معروفة في الغرب بسبب القرار السياسي الغربي، الذي يرى في الإسلام عدوا وخطرا، ووظف وسائل الإعلام لترسيخ المعادلة التالية: المسلم = الإرهابي بالتالي فإن الإسلام = الإرهاب. واستصدر قانونا أصبح أشهر من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، هو "قانون مكافحة الإرهاب". وأعلن باسمه الحرب على دول عربية وإسلامية. قانون الإرهاب تلقفته كثير من الأنظمة العربية فساهمت بدورها في تشويه صورة "الرسالة الخاتمة"، وزجت بأبناء الحركة الإسلامية في السجون، من غير تمييز بين معتدل ومتطرف؛ مما أعطى صورة سيئة عن الإسلام والمسلمين. وإن مثل هاته الأحكام وذلك الواقع يستنكره كل مسلم.

 ولقد تطورت في السنين الأخيرة صور الإساءة للدعوة؛ رسومات ومقالات ومواقف سياسية تسيء لنبي الإسلام Mohamed peace be upon him.svg. وتطورت الأحداث وتسارعت وأفرزت "الربيع العربي"، الذي كشف بأن الإسلام يسكن في قلب العالم اليوم، ولا بديل عنه. ولاحت في الأفق ملامح حكومات ودول إسلامية قطرية، وربما تكون مقدمات لاتحاد فدرالي إسلامي، أو لدولة إسلامية بخليفة واحد. والمتتبع لأحداث "الربيع العربي" وللمواقف المتضاربة حول حكم الإسلاميين، والتخوفات من أفكارهم، من قبل الأحزاب الليبرالية واليسارية، ومن قبل دول الاتحاد الأوربي، والولايات المتحدة الأمريكية، والقوى "العظمى"، يدرك أهمية موضوع الدولة والسلطة والممارسة السياسية في الإسلام، ومدى الجهد اللازم لإقناع الأطراف بفكرة الدولة التقدمية التي أسسها النبي الكريم Mohamed peace be upon him.svg دون تطرف يسيء إلى التجربة السياسية النبوية ويصيب الدعوة في مقتل، أو تنازل عن الثوابت ينحرف بالدعوة إلى الإسلام السياسي الأجوف، ومدى ضرورة التنزيل الصحيح لتعاليم الدعوة؛ حيث تقف أمامنا إشكالية "فقه الواقع"، وتصورات الحركات والأحزاب الإسلامية للحكم؛ هل هو خلافة على منهاج النبوة؟ أم إمامة عظمى؟ أم حكومة دينية؟ أم حكومة مدنية؟ أم اتحاد فدرالي إسلامي؟.

 نتابع مؤخرا، منذ بداية عام 2011م، نداءات صريحة من قبل ساسة أوربيين وأمريكيين إلى نبذ الصورة البائدة الموروثة عن الحروب الصليبية، المعززة بالافتراءات على الإسلام، وفسح المجال للحوار بدل الصراع، وإعطاء الفرصة للإسلاميين الذين أفرزتهم صناديق الاقتراع، وعدم إجهاض التجربة الديمقراطية في البلدان العربية، كما أجهضت في انتخابات الجزائر في القرن الماضي، عندما فازت "جبهة الإنقاذ" بالاستحقاقات الانتخابية، وأقصيت وحرمت من حقها في تداول السلطة، ونتج عنها ما نتج من دماء وصراع. ويبدو أنهم جادين هذه المرة في الطلب، يقول البعض، اضطرارا وليس اختيارا، حينما تخلوا بتلك الطريقة عن زين العابدين بن علي، وحسني مبارك، والقذافي، وعلي صالح، وبشار الأسد. ولكن، وبالرغم من هذا الموقف الصريح نرى أن ما يحدث في دول "الربيع العربي" إلى حدود اليوم (2014م)، وما يكتب وما يعلن في هذه الأيام، في وسائل الإعلام عن الدولة والسلطة والحكم يناقض تماما الحقيقة، وما هو إلا أحد ترسبات الصورة المشوهة التي رسمها الغرب عن الثقافة الإسلامية.

(رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). البقرة:201.