ليست لأشبنجلر.. ولا لأراغون..

إنّها لأجدادنا السومريين العظماء

د. حسين سرمك حسن

أتذكر أنني في عام 1994 – حسبما أتذكر - كتبتُ دراسة عن قصّة قصيرة للقاصة والروائية العراقية "لطفية الدليمي" . كانت أجواء القصّة مستقاة من الثيمة المركزية لسيّدة الحكايات "ألف ليلة وليلة" ، وقد وضعتُ في بداية الدراسة – وكعادتي - أقوالاً مقتبسة لعدد من المبدعين المشهورين عن العلاقة بين الرجل والمرأة منها هذه المقولة :

(المرأة مستقبل الرجل)

وقد اختلفنا – الكاتبة وأنا -  حول من هو صاحب هذه المقولة ، حيث كان أحدنا يرى أن هذه المقولة للشاعر الفرنسي "لويس أراغون" صاحب "عيون ألزا" ،  في حين كان الآخر يرى أنها للمؤرخ والمفكر الغربي "أوزوالد أشبنجلر" أو "أشبنغلر" .

الآن يظهر شيء يكشف جانبا من جهلي وتقصيري في حق تراث وطني ، فقد أمضيت عمرا طويلا في البحث والقراءة في تراث بلادي الحضاري القديم ، ولم ألتفت لمصدر هذه المقولة التي هي من أروع واثرى المقولات والتي تحمل قدرا هائلا من "الحداثة" في النظرة إلى المرأة وتعظيم قيمتها والإعتزاز بدورها بصورة تسبق حداثة الموقف الراهن منها ، والذي جاء بعد صراعات دامية دامت لقرون طويلة .

لقد ثبت الآن أن هذه المقولة الرائعة :

(المرأة مستقبل الرجل)

ليست لأراغون ، ولا لإشبنجلر ، بل هي من ريادات الحضارة السومرية العراقية العظيمة .

يقول الأستاذ "عبد العزيز لازم" في كتابه : "أدب الحكمة والنصيحة في العراق القديم – ترجمة الحياة" الذي صدر مؤخراً :

(لكن خروج المرأة في العراق القديم إلى ساحة عمل أكبر من ساحة البيت ، إضافة إلى قيامها بالواجبات المنزلية المعتادة أيضا ، قد ساعد على تغيير نظرة العديد من الرجال تجاه المرأة . وقد رصد الحكيم السومري ذلك فأصدر الحكمة التالية بحق المرأة على لسان الرجل :

(المرأة مستقبل الرجل)

فالرجل هنا يعبّر عن شديد تعلقه بالمرأة باعتبارها إنسانة تلخّص كل مستقبله على ضوء ما ذكرناه عن دورها في حياته . بل إن صاحب القول المأثور يرصد أكثر من ذلك في حياة الرجل ، فيسجل ميل الرجل للمبالغة في العناية بها وخدمتها . فعلى لسانها ننقل المثل الذي سبق وأن تطرقنا إليه في موضع آخر من هذا الكتاب يوضح مدى استغراق المرأة في الترفيه عن نفسها بفضل استعداد الجميع لخدمتها :

(يكوّم زوجي الحبوب من أجلي

ويوزعها ابني من أجلي

هل يمكن أن يزيل زوجي العزيز العظام من السمك من أجلي ؟ )

إن مقولة (المرأة مستقبل الرجل) ليست ابتكارا غربيا اشتغل عليه عقلٌ مُبدع ونحته بصبر ، بل هي - ويا للروعة - مثل من الأمثال الشعبية السومرية العراقية القديمة السائرة التي يتداولها الناس العاديون يوميا ، والتي اشتغل عليها العقل الجمعي العراقي بتلقائيته الفريدة . فتصوّر – سيّدي القارىء - أي ثقافة حظي بها ذلك المجتمع السومري .. وأي عرفان وتكريم وامتنان أسبغ على المرأة فيه .

تحية واعتذار لأجدادانا السومريين العظماء.