رسائل من أحمد الجدع (41)

رسائل من أحمد الجدع (41)

أحمد الجدع

إلى الشيخ أبي علي القالي

قالوا يا شيخنا إن الأمالي هي ما يلقيه الشيخ على تلاميذه ويناقشه معهم في الشعر والنثر ، يختار القصيدة أو النص النثري ، فيقرؤه في مجلسه ويفسره .

ولك يا أبا علي أشهر كتب الأمالي ، وهو المنسوب إليك : الأمالي لأبي علي القالي ، ومن شدة لصوق هذا الفن بك، فإن الأمالي إذا ذكرت قفز إلى الذهن أماليك ، مع أن كتب الأمالي كثيرة ومتعددة .

ولأن الأمالي مختارات شعرية في أغلبها ، فقد أحببت أن أختار لهذا الجيل الحاضر الذي انصرف عن قراءة المطولات، مختارات شعرية جعلتها مقطعات لا يزيد عدد أبياتها في الغالب على سبعة أبيات ، وأشرت إلى قائلها ومصدرها ، وعزمت أن أختار من كل عصر من عصور الأدب العربي مئة مقطوعة أو أكثر قليلاً، وقد ألفت في هذا الطريق كتابين ، الأول منهما : الأمالي في الشعر العربي الجاهلي ، وثانيهما الأمالي في الشعر العربي المعاصر ، وأسأله تعالى أن يعين على إتمام ما شرعت فيه .

وتبقى يا شيخنا أماليك ، فقد اهتم بها الدارسون والمثقفون في عصرنا ، فطبعوها وشرحوها ونشروها ، وبين يدي الآن الطبعة التي عني بها الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني ، حاكم قطر الأسبق ، وطبعه له المكتب الإسلامي في بيروت بدون تاريخ ، أما أنا فقد أضفته إلى مكتبتي سنة 1968 أو 1970 م ، أي قبل أربعين عاماً .

وطبعة الشيخ علي آل ثاني في جزأين في كتاب واحد ، وكانت توزع مجاناً .

أحب أن أختار من الجزء الثاني ما اخترته من أبيات في التحسر على من مات من الأحباب فهو كثير اللصوق بالمشاعر، وأجاده العرب إجادة عالية .

قتل مالك بن نميرة في الردة ، فبكاه أخوه متمم بن نويرة بكاءً مراً، ولا زلنا حتى يومنا هذا ، وبعد مرور ألف وأربعمائة عام ، نستحسن هذه الأبيات ونتمثل بها :

لقد لامني عند القبور على البكا
وقال: أتبكي كل قبرٍ رأيته
فقلت له: إن الشجا يبعث الشجا

 

رفيقي لتذارف الدموع السوافك
لقبر ثوى بين اللوى والدكادك
فدعني،فهذا كله قبر مالك

وقالت فاطمة بنت الأحجم بن دندنة الخزاعية ، وقد فقدت زوجها :

 

 

قد كنتَ لي جبلاً ألوذ بظله
قد كنتُ ذاتَ حَميَّة ما عشتَ لي
فاليوم أخضع للذليل وأتَّقي
وإذا دعت قُمرِيَّة شجناً لها
وأغُضُّ من بصري وأعلم أنه   

 

فتركتني أضحى بأجرد ضاحي
أمشي البراز وكنت أنت جناحي
منه وأدفع ظالمي بالراح
يوماً على فنن دعوت صباح
قد بان حدُّ فوارسي ورماحي

وهذه الأبيات تمثلت بها أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن شعر النابغة الجعدي يتحسر فيه على فقده ابنه محارب :

ألم تعلمي أني رُزئتُ مُحارباً
ومن قبله ما قد رزئت بوحوح
فتىً كملت خيراته غير أنه
فتى تمَّ فيه ما يَسُرُّ صديقه   

 

 

فما لك منه اليوم شيءٌ ولا ليا
وكان ابن أُمي والخليل المصافيا
جواد فما يُبقي من المال باقيا
على أن فيه ما يسوءُ الأعاديا

 

ولدتَ يا أبا علي كما يقول ياقوت الحموي في كتابه " معجم الأدباء " في مدينة منازجرد من ديار بكر سنة 280 هـ،ودخلت بغداد سنة 303 هـ ولك من العمر ثلاث وعشرون سنة ،ولم تحظ فيها، فارتحلت إلى الأندلس سنة 330هـ، وفيها طارت شهرتك ، وفيها أمليت أماليك ، وألفت كتبك أشهرها بعد الأمالي كتاب " البارع في اللغة " على حروف المعجم ، جمعتَ فيه كتب اللغة ، يشتمل على ثلاثة آلاف ورقة في مئة مجلد ، قال الزبيدي : ولا نعلم أحداً في المتقدمين ألف مثله .

وتوفاك الله في قرطبة بالأندلس ، واهاً على الأندلس ، وذلك سنة 356 هـ .

أما لقبك القالي فهو منسوب إلى مدينة قالي قلا إحدى مدن أرمينيا ، وقد قلت أنت عن هذه النسبة : " لما دخلت بغداد انتسبت إلى قالي قلا ، رجاء أن انتفع بذلك ، لأنها ثغر من ثغور المسلمين ، لا يزال بها المرابطون " .

وما أشهر قالي قلا إلا لأنها رباط من أربطة المجاهدين ، وكان الانتساب لها فخراً لأنها كذلك .

أبا علي إسماعيل بن القاسم القالي : جزاك الله عن العربية خيراً ، ورحمك الله رحمة واسعة ، ورحمنا معك .