رسائل من أحمد الجدع 23

رسائل من أحمد الجدع

23

أحمد الجدع

إليك أبا طالب بن عبد المطلب :

يجهل معظم المسلمين أن اسمك عبد مناف ، وأن طالباً أكبر أبنائك كنيت به كما هي عادة العرب يكنون الرجل بأكبر أبنائه، ولا زالت هذه العادة باقية إلى اليوم .

لا أكتب هنا فضائلك ، فأشهد أن فضائلك كثيرة ، ويكفي أنك كنت الكافل لرسول الله المحامي عنه، والحديث في هذا يطول .

ومن فضائلك التي لم ينتبه إليها أحد أنك كنت أول من افتتح المدائح النبوية شعراً ، واتبعك بذلك من جاء بعدك حتى استوت المدائح النبوية فناً شعرياً مستقلاً بنفسه .

وقد كان حبك لرسول الله r لا يعدله حب أي عم لابن أخيه ، وقد رضيت أن تحاصر في شِعبك الذي يعرفه المسلمون "بشِعب أبي طالب" حتى مت فيه، وكنت من قبل ترد قريشاً عن رسول الله ، حتى ساموك العداوة ، وحاصروك، وعندما أرادوا أن يقتلوا رسول الله بأساليبهم الخبيثة رددت عليهم بمدحه وبيان فضائله .

ومما قلت في ذلك :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

يلوذ به الهلاك من آل هاشم

ونحن الصميم من ذؤابة هاشم

لعمري لقد كلفت وجداً بأحمدٍ

لقد علموا أن ابننا لا مكذب

فأصبح فينا أحمدٌ في أرومةٍ

حدبت بنفسي دونه وحميته

فأيده رب العباد بنصره

 

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

فهم عنده في رحمةٍ وفواضل

وآل قُصي في الخطوب الأوائل

وإخواته دأب المحبّ المواصل

لدينا، ولا يُعنى بقول الأباطل

تقصر عنه سورة المتطاول

ودافعت عنه بالذُّرى والكلاكل

وأظهر ديناً حقه غير باطل

والحقيقة أن هذه الأبيات من الشعر العالي ، وهي الافتتاح الذي افتتحت به المدائح النبوية لمن جاء بعدك .

وقد غدت المدائح النبوية فناً من فنون الشعر العربي ، وقد استطار ذكرها حتى غدا لها شعراء اشتهروا بها ، وحتى صار لها فروع في فنها ، ونحن لا نعرف فناً من فنون الشعر العربي له شعراء وله قصائد مثل ما نعرفه لهذا الفن الإسلامي العريق .

يا أبا طالب : إن لابنك طالب بن أبي طالب قصيدة في يوم بدر يمدح فيها رسول الله r وقد عاد طالب قبل أن يصل بدراً، ولم يشهد المعركة :

فيا أخوينا عبد شمسٍ ونوفلا

فما إن جنينا في قريش عظيمة

أخا ثقةٍ في النائبات مُرزأً

يطيف به العافون يغشون بابه

 

فداً لكما لا تبعثوا بيننا حربا

سوى أن حمينا خير من وطئ التُّربا

كريماً نثاه لا بخيلا ولا ذربا

يؤمّون بحراً لا نزورا ولا صربا

لا أريد أن أطيل فيمن مدح رسول الله من المشركين في وقت كانت الحرب بين المشركين والمسلمين على أشدها ولكني أذكر منهم أبو عزة الجمحي والأعشى ميمون بن قيس أحد أصحاب المعلقات ، وقصيدته في مدح رسول الله r مشهورة ، وكعب بن زهير بن أبي سلمى .

ثم إن المدائح النبوية استطارت، ومن أشهر ما مدح به رسول الله r قصيدة البوصيري المعروفة "بالبردة " ، وقيل إن اسمها البرأة .

يا أبا طالب : كنت باقر المدائح النبوية ، فسبقت بالأولية ، فهنيئاً لك ، ونسأل الله لك الغفران .