حب الرمان وصل إلى الكويت!

محمد الرميحي

اهتزَّ المجتمع الكويتي عن بكرة أبيه خلال خمسين يومًا فقط مرتين بعمق وبحسرة؛ المرة الأولى في 26 يونيو (حزيران)، والمرة الثانية في 13 أغسطس (آب) 2015. المرة الأولى كان الفاعل ومجموعته من السُّنة، وكان الهدف الأعمق هو ضرب إسفين في صف المجتمع وتمزيق الوحدة الوطنية، وفشل الهدف ونجح القتل. وكان الثاني من الشيعة، خلفه، كما نشر حزب الله ومسانده الإقليمي إيران، من أجل نفس الهدف؛ شقّ الصف الوطني، وفشل الهدف وضبطت الوسيلة هذه المرة (كمٌ هائل من السلاح سُمي رمزيًا حب الرمان؛ 144 كيلوغرامًا من المتفجرات، و56 قذيفة آر بي جي، وعدد كبير من البنادق مع ذخيرتها). الفعلة في المرة الأولى من بعض السُنة، والفعلة (تخزين حب الرمان) في المرة الثانية من بعض الشيعة، كما ظهر في التسريبات الأولى. هنا يجب أن نفتح قوسين من أجل المناقشة، ليس كل السنة الكويتيين هم «داعش»، وليس كل الشيعة الكويتيين هم حزب الله المحلي أو تابعين لحزب الله اللبناني. تلك حقيقة؛ الكثرة الغالبة من الكويتيين يشجبون أي عمل إرهابي. الإرهابيون أولاً أقلية ناشزة من أهل الكويت أو محازبيهم من الخارج، وكلا الفعلين سياسي بامتياز.

هذان الملفان (اتهام طائفة، أو الحديث عن مذهبية بشكل عام) وجب أن يُغلقا ويُكتب عليهما (غير صالحين للتداول لدى العقلاء في الكويت)؛ فالجريمة شخصية، والعقوبة شخصية أيضًا. شيطنة طائفة وتعميم الموبقات حولها فيهما تصيد سياسي، كما فيه نكوص أخلاقي؛ فالإرهاب عابر للطوائف، كما أن السكوت عن فعل الإرهاب للاسترضاء أو التبرير هو جريمة أيضًا. هذه القوى الإرهابية تريد العبث أولاً بأمن الكويت، وثانيًا بأمن المنطقة. لقد كان تدفّق الكويتيين على المسجد الكبير من أجل التعزية في «الشهداء» الذين سقطوا في مسجد الإمام الصادق بعد 26 يونيو، شاهدًا على فهم عميق لأهل الكويت لما يُراد لهم من ذلك الفعل، كما أن سرعة المحاكمات للمتهمين إضافة أخرى على الأهمية التي يوليها المجتمع لتجريم الفعل. وإن استمرار التلاحم الوطني يعطّل من الوصول إلى الهدف الذي تقصده الجماعة المُفارقة. في المرة الثانية (السلاح المخزّن) أو حب الرمان، كما أشارت المراسلات بين أفراد الخلية، رغم أن كثيرين شجبوا المحاولة وشعروا بالغضب الحقيقي على من قام بالفعل ومن خطّط له، وكانت المطالبة من الجميع للدولة أن تبين للناس بشفافية ووضوح من هم القائمون على تلك الفعلة النكراء، ومن وراءها بالأسماء والتواريخ وتقديمهم سريعًا للمحاكمة، إلا أن البعض، وأقول البعض، دخل في الحالة الرمادية، وهي أن إيران أو حزب الله اللبناني ربما ليس لهما علاقة بهذه الترسانة من الأسلحة التي بثّت الرعب لكل من شاهد حجمها. إذا عطفنا ذلك على أن الدولة، ومنذ أشهر طويلة كانت تنادي الجميع، وعلى كل وسائل الإعلام وتكرارًا، بأن يسلّم من لديه سلاح غير مرخّص برخصة جارية التاريخ، للدولة، حتى لو كان سلاحًا خَرِبًا غير قابل للاستعمال، وكانت الإعلانات تُذكّر الجميع بعدد الأيام الباقية على انتهاء المهلة، رغم كل ذلك، فإن هذا المخزون الذي هو سلاح قابل للاستعمال، جعل الجميع في حالة من الرعب، فلا يحتاج إلى كثير ذكاء أنه خُزّن ليوم معلوم.

الحاجة ماسّة في هذه المرحلة بالذات، وعلى المعنيين أن ينتبهوا إلى حقيقة أن الحالة الرمادية يجب ألا تستمر. هذا أمن الوطن والمواطن، لا مساومة عليه، ولا مجاملة فيه. فحزب الله الذي رفع قبل أقل من خمسين يومًا أمينه العام يده من خلال التلفزيون محييًا القيادة الكويتية والشعب الكويتي، رافعًا يده اليمنى إلى عمامته بسلام شبه عسكري، على تكاتفهم واستنكارهم الحادث البشع الذي وقع بمسجد الإمام الصادق، ربما كان يعلم أن هناك عملية تخزين للسلاح جارية في البلد، وأن هناك مواطنين مع غيرهم يُدربون في ساحات سيطرته الخلفية، يعدّون سلاحًا خارج سلاح الدولة للانقضاض على الدولة والمواطنين من أجل تقويض نظام الدولة الوطني، وهو أمر ليس خطيرًا فقط، بل مجرّم ومُدان في الوقت نفسه. من هنا فإن الحديث عن فروقات بين تُبع حزب الله والذين قاموا بالتخزين لأهداف إجرامية، هي فروقات غير مقبولة التصديق، وخصوصًا أن تصريحات الدولة الكويتية ونتيجة التحقيقات التي سُرّبت للصحف، قد أثبتت ذلك التشبيك بين المقبوض عليهم وحزب الله، كما هو منشور. فلم يعد حزب الله في حقيقة الأمر (حزبًا مقاومًا) لإسرائيل، منذ فترة طويلة. قام أولاً بتعطيل الدولة اللبنانية بسبب الاغتيالات المتكررة على رأسها اغتيال الرئيس المرحوم رفيق الحريري، وانتهت بشنّ حرب على شعب مجاور (سوريا) يريد فقط أن يتمتع بالحرية والعيش الكريم اللذين يتمتع بهما أي مواطن يرغب بأن يعيش بكرامة، ثم تحوّل إلى العبث بأمن الدولة الوطنية في الخليج، كما تبين في حالة الكويت، وهو سيناريو عنوانه «خلق مجموعة مسلحة» داخل الدولة، مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن من أجل الإخلال بعمل الدولة أو أخذها رهينة.

لا مكان للحالة الرمادية عند تعرّض الأوطان لخطر جسيم، خاصة في بلد مثل الكويت ساحة الحريات فيه مفتوحة ومؤسسات التمثيل الشعبي نشطة؛ فرع «الإخوان المسلمين» في الكويت إبان الغزو العراقي لها؛ مال بعضهم مع التنظيم الأم، وجاء بمبررات «رمادية» لتسويغ الاحتلال، ما لبث أن قام الكويتيون بإدانة ذلك الموقف على رؤوس الأشهاد والكتابة صراحة بأن ذلك الموقف ضد الأمن الكويتي، مما جعل منتظمي الحركة يفاصلون بينهم وبين التنظيم الأم، وهو أمر مطلوب اليوم من الفريق الصغير الآخر الذي يمدّ ولاءه السياسي إلى الخارج، هو ميزان لا يقبل التطفيف، خاصة في بلد يتيح لكل أطياف مواطنيه مؤسسات سياسية تتبنّى قانونًا التعبير العلني للمواقف السياسية، وتعبّر عن الناس، مهما كان تقييم البعض لتلك المؤسسات تعبيرًا صادقًا وواضحًا.

المكان الرمادي هو الذي يوقع المجتمعات في الخسران، وإذا كان مطلوبًا من البعض أن يقبلوا الموقف الرمادي لأسباب دبلوماسية أو مواءمة سياسية. فكشف ذلك الموقف الرمادي فرض عين على من يتصدّى للحديث للناس.. من الأخبار التي نشرت في الصحف الكويتية أن الخلية قد تم تدريبها في لبنان، وأن أفرادها كانوا يسافرون إلى أوروبا ثم منها عودة إلى لبنان، هذا أنعش في ذهن الكويتيين الموجة الإرهابية التي شنّت ضدهم مسؤولين ومواطنين في الثمانيات كان أضخمها محاولة قتل أمير الكويت، وقتها المرحوم جابر الأحمد، ومن ثم قُتل مسافرون أبرياء بدم بارد نُكست جثثهم من أعلى سلم الطائرة المخطوفة، بعد اختطاف طائرات تابعة للأسطول الكويتي المدني! فعل الإرهاب واحد، وإدانته واحدة، ولا مكان للاسترضاء.

آخر الكلام:

الصراعات الداخلية الإيرانية بعد توقيع الاتفاق مع الدول الكبرى، سوف تفيض على المنطقة بحالة عدم استقرار، وعلى دول الخليج أن تفكّر استراتيجيًا لتجنّب ذلك الفيضان!! إنها مرحلة أصعب من المراحل السابقة!!

شكرا بوغانم على هذه المقالة الواضحة الصريحة التي يجب أن نؤيد ما فيها دون مواربة ودون مجاملة لأحد.

وحفظ الله الكويت وأهلها من كل شر ومكروه.

محمد الرميحي

مؤلّف وباحث وأستاذ في علم الاجتماع بجامعة الكويت