الدراما السورية بربرية النظام والقوة القذرة

د. سيف الدين هاشم

إن سلسلة الإبادات الجماعية للمدنيين التي أقدمت عليها حكومة الاسد هي  بالقطع واليقين ، جرائم ضد الإنسانية بإمتياز، وضد القانون الدولي الانساني ، إنها حرب على  الحياة نفسها ، فيما يتريع رأس النظام ومرتزقته على تلال  من الجماجم  في الارض الخراب ، بعد أن أحالوا  مدن وبلدات سوريا إلى أطلال خاوية ، الا من الاحزان العظيمة ، فأنا يممت  نظرك سترى   آثار الجريمة الناطقة  بأسماء القتلة  سواء في حمص وحما وحلب أو في دمشق وريفها، لذلك فإن ماحدث في بلدة العروس (الدوما) وهي تغتسل بدماء بنيها ، لن تكن آخرة المجازر ، فالفاشية  الحكومية الغارقة  بدماء السوريين لن تتوقف عن سلوكها الوحشي المفارق لكل القيم والاعراف العربية والدولية ، وهي ماضية  في نهجها الدموي الذي فاق بجرائمه كل طغاة العالم في التاريخ ، ولن يوقف تدفق هذا النزيف سوى قطع ذراع السلطة وأداتها الممثلة في حشد المليشيات الوافدة و جيوش المرتزقة الاجانب  فقد اعترف بشار الاسد في حديثه المتلفز في 26 تموز/ يوليو 2015 ، أنّ نظامه  اصبح  يعاني من “نقص في الموارد البشرية” (في الحرب الأهلية الدائرة في البلاد) ، والشيئ المثير للعجب أن يصف بشار الحراك الشعبي ضد نظامه بـــ(الحرب الاهلية) إن ردة  فعل القصر الجمهوري على مالحق بجيشه وقوات الدعم الخارجية من خسائر جسيمة  في الافراد ومعدات الموت ، ألزمته أن يقر ضمنا بالضحايا التي لحقت بمختلف القوات (الأجنبية) المساندة لقواته برعاية إيرانية.

وقد أصبح من المعروف المؤكد  وفقا لرأي المراقبين  والمنظمات الحقوقية بأن النظام وخلال النصف الاول من عام 2011   كان على وشك الإنهيار عسكريا وسياسيا ، جراء  موجات الغضب الشعبية العاصفة  التي حاصرته ، وهو يتلقى ضرباتها الموجعة  من كل الجهات وفي كل مكان ، شملت سوريا كلها ، مما أفقد النظام مراكز الاتصال والسيطر ،  فأصيب  بالعجز وفقد قدرة المناورة، وتبدت أولى علامة السقوط ، بشيوع ظاهرة التفكك في جهازه القتالي ،  حيال الزخم الشعبي المتعاظم ، مما أدى إلى قلب المعادلة العسكرية ؛ بعد أن أصبحت الجماهير هي التي تملك المبادأة ، مما أضطر القطعات العسكرية الحكومية  أن تنتقل تحت مطرقة المعارضة من حالة الهجوم إلى مرحلة الدفاع عن النفس، فتهاوت الحصون وافرغت القلاع ، ليبدأ العد التنازلي، بالتراجع يوما بعد يوم ، فيما لاحت الإشارة الثانية لنهاية قوة النظام العسكرية ، بظاهرتين متلازمتين ؛ الاولى  تسرب مئات الجنود من وحداتهم والتخلي عن مواضعهم القتالية والقاء السلاح ، أما الظاهرة الثانية فكانت إلتحاق العديد من القادة والمقاتلين بصفوف الثورة ، مما أسهم من جانب في تعزيز البناء النفسي لعموم الشعب،  وأدى من جانب ثان إلى إحكام عزلة النظام، وتلا هاتين الظاهرتين،الوقوع في دوامة المقايضات وعرض الصفقات، بعد أن قررت جماهير الشعب المضي بالثورة إلى غايتها الحقيقية وتحقيق كامل أهدافها، فرفضت عروض السلطة ، واسقطت آخر رهاناتها، فأدخلت النظام  في عنق الزجاجة ، التي اطلق عليها المراقيون ” مرحلة  لفظ الانفاس الاخيرة ” وقبيل إنقضاء نقطة الصفر الفراغية ، مابين مطلع الشمس ومغربها ، كانت ورشة لعبة المصالح الدولية والاقليمية والطائفية قد دبرت الامر بليل؛ مابين موسكو وطهران وحكام المنطقة الخضراء،  توالت فجأة الإمدادات العاجلة، بالسر والكتمان في البدء ، وبالاعلان الصريح لاحقا ، فتوافد الخبراء العسكريون الروس  والايرانيون ، لتنقض  قوات الحرس الثوري بأدواتها (قوة القدس والبسيج) فيما وضع حزب الله امكاناته الميدانية في خدمة الحاكم ضد الشعب السوري، ليكشف نفاق (سيد المقاومة) !! وأسرعت حكومة نوري المالكي الطائفية  لتضخ مليارات الدولارات  لتضعها  تحت تصرف  بشار الاسد ،  وفي الوقت عينه حركت أحزاب المنطقة  الخضراء طابور مليشياتها الطائفية صوب الشام ، وبهذه الجبهة الجديدة المجهزة بالخبرات والتقنيات والاموال و بنادق المرتزقة ، أعاد النظام المتهاوي لملمة أشلاءه المتنتاثرة ، ليبدأ صفحة الدم الكبرى، وقد زعم  القصر الجمهوري متذرعا بأنّ مشاركة طهران تقتصر على توفير “خبراء عسكريين” لا غير. فيما أعلنت ولاية الفقيه من طهران بأن المواطنين الإيرانيين الذين قتلوا في سوريا ليسوا عناصر عسكرية نُشرت هناك من قبل الحكومة، بل متطوعين لحماية مرقد السيدة زينب في دمشق.  

لكن اكاذيب الحكومة  واساطير الحلفاء  تتهاوى فورا إزاء الوقائع الميدانية التي سجلتها الذاكرة الوطنية وقوى الشعب المقاومة ، فرغم أضاليل ولاية الفقيه ومحاولة تكتمها على سقوط المئات من قتلاها، فإنها لاتعلن في العادة عن عدد الضحايا، بإستثناء القادة وحاملي الرتب العسكرية الرفيعة ، ويجري إعداد خبر الموت بعبارة ( كان في مهمة جهادية ) دون أن تحدد المكان الذي قتل فيه ؛ لكنها قد تضطر أحيانا إلى تحديد المكان  بسبب تسرب الاخبار ــــــ والثابت أن ولاية الفقيه وتحت اشراف المرشد الاعلى تقاتل الشعب السوري ، ولذلك  فإنها ووفقا للقانون الانساني تتحمل  المسؤولية الجنائية والاخلاقية وعلى خط واحد مع حلفائها   عن كل الانتهاكات البربرية من الجرائم الوحشية والابادات الجماعية، وعن كل قطرة دم تراق  وعن كل جريح وشهيد ، وتعلم طهران بأن الشعب السوري لن يتنازل عن حقوق شهدائه  الآن أو بعد حين ـ

   ومن البينات الفاضحة  على  إنخراط ايران في مقاتلة  الشعب السوري وتورطها في  جرائم حرب ضد الانسانية بالتكافل مع حلقائها الذين مازالوا حتى اللحظة الراهنة  يمارسون  عمليات التطهير الطائفي ، فإن لدى منظمات حقوق الانسان الدولية كتابا اسود معززا بالوثائق  المدونة والمرئية عن المهمات القذرة التي نفذها  الحرس الثوري منذ بداية الحراك الثوري عام 2011 وحتى اليوم ، ولدى المؤسسة العربية لحقوق الانسان ؛ معلومات مدققة عن الكيفية التي تم بها تجنيد مرتزقة من افغانستان وباكستان وإستحداث لواءين عسكريين تحت مسميات (فاطميون) و(الزينبيون) ليكونا تحت اشراف قوة المهام القذرة في فيلق القدس الايراني،  ولدى المؤسسة ايضا كافة  التفاصيل  الخاصة  بمتطلبات تشكيل هذين اللوائين ومصادر التمويل وبرامج اعداد المقاتلين اسخباريا وعسكريا ، وعن خارطة توزيعهم تحت اغطية مضللة في عموم سوريا ـ  

ومن بين الاسماء المتداولة المتعلقة بأربعة قتلى من قادة المهام القذرة (علي أصغري تقناكي) الناشط في «قوة القدس» الذي قُتل في دمشق في 28 كانون الثاني/ عام 2013.

 و”بكالي” الذي يعد القائد الإيراني الثاني الذي قتل في سوريا وتم الاعتراف به رسمياً؛ حيث سبقه حسام خوش نويس الملقب بـ “حسن شاطري”  قتل بتاريخ 14/2/2013. على طريق دمشق- الزبداني بكمين أعدته فصائل المعارضة الوطنية كان قيادياً في الحرس الثوري الإيراني، ورئيسا للهيئة الإيرانية لإعادة إعمار لبنان. ليلتحق بالشاطري قيادي آخر في الحرس الثوري الإيراني وهو العميد “حميد الطباطبائي” الذي كان برفقة الشاطري ـ   

ومن بين عناصر القوة القذرة  (عزيم فائزي) كان أول قتيل من أصل أفغاني مجند لصالح القوة القذرة  تم الإبلاغ عنه في اواخر شهر آب  2013. و(حسين عادل) باكستاني الاصل  تم الإبلاغ عنه كان الذي قُتل في دمشق في  الخامس  من شباط 2015.

أما (حزب الله) فإن زعيمه أعلن بكل وضوح بأنه سيقاتل في كل مكان في سوريا  دفاعا عن حليفه بشار، وان مصيرهما مشترك.  وقد سقط أول قتيل  للحزب  بتاريخ 10/11/2012. وهو القيادي باسل حمادة خلال اشتباك في حي الصفصافة في حمص، وفُقد وجُرح عدد من رفاقه ـ  وهو اليوم يزج بالصبية والاطقال في محرقة الموت ، لايردعه في ارتكاب هذه الجريمة  حرمة شرعة السماء ولا قوانين الارض ، ضاربا عرض الحائط بميثاق حقوق الانسان ـ

أما المليشيات الوافدة من العراق ، فكان أول إعلان صريح عن تورّطها في الصراع السوري، شيّعت جماعتا “عصائب أهل الحق” وكتائب “حزب الله العراق” المواليتان لإيران بتاريخ 6 نيسان 2013، أربعة قتلى أحدهم قيادي في المجموعة الثانية هو “أرفد محسن الحميداوي” معه “مهدي نزيه عباس، وكرار عبد الأمير الفتلاوي وكرار عبد الأمير عزيز (كلاهما من عصائب أهل الحق)”، حيث اكتفت محطة (الاتجاه) الناطقة باسم التنظيمين بنعوتهم على أنهم شهداء قضوا خلال “دفاعهم” عن مراقد شيعية في منطقة السيدة زينب في إحدى ضواحي دمشق.

ــــــ حول المآتم التي جرت في إيران، فقد قُتل 113 مواطناً إيرانياً و 121 من الرعايا الأفغان، و 20 من الرعايا الباكستانيين في المعارك التي جرت في سوريا منذ كانون الثاني/يناير 2013. (ولم يشمل هذا المسح العدد الهائل من الضحايا العراقيين واللبنانيين الشيعة )،

وطبقا لوكالة “إرنا”، فإن “حوالي 79 عنصرا من هؤلاء القتلى هم من لواء“فاطميون” الأفغاني الذي أعلن الحرس الثوري الإيراني أنه أصبح فيلقا الشهر الماضي، بعد تجنيد المزيد منهم من صفوف اللاجئين الأفغان في إيران. ووفقا لتقرير الوكالة الرسمية  الايرانية  نفسها في 28 /6 /2015  فقد تم تشييع أكثر من عشرة  عناصر من قتلى الحرس الثوري والميليشيات الأفغانية والباكستانية في سوريا، بمناطق مختلفة من إيران.  

والسلام للشهداء