ورد... وشوك

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

المشهد الأول:

الأشخاص: الآغا شحروري وصديفه راجي الحجار, فتاة شابة لم تبلغ العشرين من أهالي القرية

المكان: قرية السكرية احدى قرى محافظة ادلب

الزمان: صيف عام 1995

ترفع الستارة مع موسيقا هادئة وموحية

يظهر الآغا شحروري في خريف العمر وصديقه راحي الحجار يتجاذبان أطراف الحديث

الآغا شحروري:كيف ترى الموسم هذا العام يا راجي ؟

راجي: لا بأس به يا آغا  أحسن من موسم العام الماضي

الآغا شحروري: وأنا هكذا أقول  الخمد لله ويبدو أن الفلاحين سعداء هذا العام

راجي: ولماذا لا يكونون سعداء يا آغا وأنت _ مد الله في عمرك _ تسوسهم وترعى مصالحهم وشؤونهم  !!

تخطر امامهما شابة  تمشي بمرح ويبدو من خطواتها الطفولية الفتوة والنشاط

الآغا شحروري: من هذه الشابة يا راجي ؟إني أراقبها منذ عدة أيام  وقد دخلت قلبي

راجي: سلامة قلبك يا آغا   إنها في عمر بناتك  _ ويتابع بخبث _أخشى أن تكون قد نويت نية ؟

الآغا شحروري: سألتك من هي ؟

راجي: إنها ابنة الفلاح حمود يا آغا  رجل مسكين عقد حلفا مع الفقر ولكنه راض بحياته قانع شاكر  وابنته هذه نعم التربية والأخلاق ولها أم مربية حقيقية تبذ مئة امرأة

الآغا شحروري: هل لها أخوات ؟

راجي: من ؟  الأم ؟

الآغا شحروري: لا ... البنت يا فهيم !!

راجي: لا ... إنها وحيدة  لها أخوان صغيران  مصطفى و طه

الآغا شحروري: آ.. آ..لابأس .. لا بأس ( وأخذ يحك ذقنه بيده المرتعشة )

راجي: ما بك يا آغا؟ أراك سرحت .. إلى أين وصلت !؟

الآغا :إيه .. أنت تعلم يا راجي  أني أحلت عيالي على التقاعد منذ مدة والآن أفكر أن اجدد شبابي ...

راجي: يحدث نفسه ( يا  لطيف .. نوى عليهاالآغا.. ولكنها طفلة .. طفلة ) ثم يلتفت إلى الآغا ويخاطبه : الشباب ولى ولن يعود وإذا كنت مصر على الزواج فهناك كثيرات يتمنونك  ويناسبن سنك  فقط أشر بإصبعك يا آغا ولا أحد يخلفك

الآغا: ولكن هذه الفتاة دخلت قلبي .. قلت لي ما اسمها ؟

راجي في ذهول : اسمها بهيجة  ولكنها صغيرة .. صغيرة جدا لا تناسبك

الآغا : لماذا ! ماذا ينقصني ؟ ثم أني ساتزوجها على سنة الله ورسوله  وسأقدم لها المهر الذي لا يحلم به أمثالها وسوف تصبح زوجة الآغا وأهلها الفقراء سيصبحون أنسباء الآغا

راجي : والله وكملت معك يا حمود   الله يعينك على هالوقعة

صوت موسيقى حادة  تدل على الدهشة والاستغراب ترافق الحديث السابق  وتسدل ا الستارة بهدوء ...

 

المشهد الثاني

الأشخاص : الآغا شحروري, الفلاح حمود

الآغا : يجلس وحده عند مصطبة باب المسجد  يجلس وحده عند مصطبة باب المسجد في حالة قلق كأنه ينتظر أحدا

اللأخ حمود يطلع من يمين المسجد يجد السير ذاهبا الى أرضه يلقي التحية على الآغا صباح الخير يا آغا

الآغا: صباح الخيرات يا حمود تعال .. تعال يا حمود أريد أن أحدثك حديثا

حمود باستغراب : تحدثني أنا يا آغا حاضر يتقدم حمود حتى يصل الى عند الآغا

الآغا : إجلس يا حمود استرح .. استرح

جمود: شكرا يا آغا ..  خير ان شاء الله ...  يجلس

الآغا: كيف حالك يا حمود .. كيف موسم هذا العام ؟

حمود: الحمد لله يا آغا مستورة   وموسم هذا العام لا بأس به   الحمد لله

الآغا شحروري يسأل حمود عن عياله وعن تفاصيل حياته  ويعيدالسؤال عدة مرات عن ابنته بهيجة في ظل دهشة حمود واستغرابه

حمود في سره ( هذه أول مرة يسأل الآغا مثل هذه الأسئلة   لا بد أن في الأمر سرا .. اللهم اجعله خيرا )

ألاغا : ما رأيك يا حمود أن يكون لك بيت ملك  وقطعة أرض لك تفلحها وتزرعها وتجني خيرها لك وحدك ...

( نقرات موسيقية تدل على القلق والاستغراب )

حمود : من أين يا آغا  وأنا رجل على باب الله  أعمل في أرضك  وأعيش من تعبي  وأنت تعلم ذلك !!!

ألاغا : أعلم .. أعلم  ولكن أريد أن أنتشلك من هذه الحال و... وأزيدك مبلغا من المال تستعين به .. ما قولك !؟

حمود: لا يزال في ذهوله    شكرا يا آغا شكرا   بارك الله فيك

الآغا : ولكن لي عندك طلب .. طلب واحد ( طرقات موسيقية تناسب دقات القلب    المضطرب  )

راجي بلسان متلعثم : طلب؟   عندي ؟  ما هو هذا الطلب يا آغا ؟

الآغا : بتودد .. تعلم أني أصبحت وحيدا بعد أن كبرت زوجتي وعجزت وركبها المرض وأحتاج من يؤانسني  ويعيش معي بقيةعمري لنتمتع معا بهذه الأرزاق والممتلكات  و...

راجي أصابه الدوار وقد فهم  مقصود الآغا وعرف بغيته

الآغا : ماذا قلت يا راجي ؟

 راجي : أتمنى لك التوفيق يا آغا عن إذنك تأخرت على الأرض ( يغادر وهو غير مصدق ما سمع  وتوقع مصيبة لا فكاك له منها )

يسدل الستاربمرافقة الموسيقى مع ضوء يضعف تدريجيا  .

 

 

المشهد الثالث

 

الأشخاص : بهيجة وابن  خالها اسماعيل

المكان : طريق الأرض الزراعية

 

 بهيجة تحمل صرة الطعام وكوز الماء ذاهبة الى عند أهلها في الحقل يعترضها ابن خالها اسماعيل .

اسماعيل: مرحبا يا يهيجة   كيف حالك ؟

بهيجة : أهلا ومرحبا بابن خالي   الحمد لله   كيف حالك  أنت ؟

اسماعيل : لست بخير يا بهيجة .. هل صحيح ما سمعته ؟

 بهيجة : لا تهتم يا بن خالي  فإن هذا الأمر لن يتم بإذن الله

اسماعيل : وكيف ذاك   ومن يستطيع أن يقف في وجه الآغا  !؟

بهيجة : أنا سأقف في وجهه وسافهمه أنه يمكنه أن يملك الأموال والأراضي والضياع ولكنه لا يمكنه أن يملك البشر وأرواح البشر

اسماعيل : أخشى أن أفقدك يا بنة العمة  وأنا وقفت عمري كله أفكر فيك ومن أجلك

بهيجة : وأنا لك يا بن الخال ولن أكون لغيرك ولو وقفت بوجه قوى الأرض فقر عينا ولا تبتأس

أسماعيل : أود والله لو أستيقظ من هذا الحلم المزعج وأراك لي وحدي كما تعاهدنا وتواعدنا

بهيجة : يا اسماعيل لا يمكن للخطأ أن يستمر كما لا يمكن لأحد أن يتخلص منه إلا إذا وقف في وجهه  لا بد من مواجهة الخطأ كي يزول ويتغير

أسماعيل : ولكن يا بهيجة لا يمكن للطير أن يطير وهو مقصوص الجناح  ونحن ضعفاء مقصوصي الجناح يا بهيجة

بهيجة : ثق بي يابن الخال ودعني الآن اوصل الطعام الى والدي

تمضي بينما يبقى هو وحيدا حزينا مكسور الخاطر  كاسف البال

تسدل الستارة مع موسيقى تناسب الوضع

 

المشهد الرابع

 الزمان : إحدى أمسيات الخريف

المكان : بيت الفلاح حمود

الأشخاص : شيخ القرية , مجموعة من المدعوين من أهل القرية , الآغا شحروري

 

 الآغا : أهلا وسهلا ان شاء الله نشارككم أفراحكم  شرفتم .. يا مرحبا .. يا مرحبا

أجد الوجهاء : ولكن يا آغا الأمر غريب عجيب هل فكرت بشكل جيد !؟؟

الآغا : لا غريب ولا عجيب  كل الناس أمثالي يتزوجون ..

الوجيه : ولكن .. هذه طفلة يا آغا.. أنت جاوزت السبعين _ لك طول العمر _ وهي ما زالت دون العشرين

وجيه آخر : فرق السن .. والعمر مشكلة يا آغا  والتروي والتفكير مطلوبان

الآغا: ( يخاطب شيخ القرية ) شوف شغلك يا شيخ  دعونا ننهي هذا الموضوع

الوجيه هامسا : الآغا مستزوج كأنه شاب  .. يا ترى فيه قوة على الزواج وعلى النساء بعد هذا العمر !!؟

شبخ القرية مخاطبا حمود : هل جماعتك جاهزون يا حمود ؟

حمود: نعم سيدي ... جاهزين

شيخ القرية يخرج دفترا من كمه كان قد دون فيه المعلومات اللازمة لعقد النكاح  ثم يستأذن حمود

شيخ القرية : يا حمود اسمح لنا نسمع رأي العروس

حمود : تفضل يا شيخ

 

شيخ القرية : هل تقبلين يا ابنتي الاغا شحروري زوجا لك على سنة الله ورسوله ؟

بهيجة : نعم أقبل ولكن بشرط !!

شيخ القرية : ما هو هذا الشرط يا ابنتي ؟

بهيجة : اسمحوا لي أن أذهب وأحادثه أمامكم حميعا , وأمام الحاضرين

شيخ القرية : لا بأس  تفضلي

بهيجة : دخلت على الرجال وفاجأت الجميع ثم قالت موجهة كلامها للآغا: اسمع يا عمو .. اصح يا عمو وشغل عقلك   أنا مثل أصغر بناتك يا عمو ! ( مو عيب على هالشيبة ) تفكر بواحدة مثلي !!؟ يا عمو ( أنا بدي ورد أشمو  ما بدي شوك ألمو )

 يقف الآغا مصعوقا  وكأنه أفاق من حلم مزعج ثفيل ثم يجر قدميه باتجاه الباب  خارجا كاسف البال دون أن بنبس ببنت شفة

الحضور عقدت المفاجأة ألسنتهم وأذهلتهم شجاعة بهيجة   لم يتكلم أحد منهم  كانوا جامدين كأن على رؤوسهم الطير

 شيخ القرية : استأذن  أنا لم يعد لي شغل

في هذه اللحظة يدخل اسماعيل ( مع موسيقا تصويرية مناسبة ) ويقول : لحظة يا شيخ   الآن بدأ عملك

بهيجة في فرج غامر تطلق زغرودة مدوية   وتقف الى جانب ابن خالها اسماعيل وتقول:

أنا موافقة على الزواج يا شيخ تمم العقد

اسماعيل : وأنا موافق يا شيخ

حمود: وأنا ابارك للعروسين

 الحضور في دهشة وفرح  لم يصدقوا ما حدث   ولكنهم أتموا المراسم  وفرحوا بالعروسين بطريقة تليق بهما  حتى صار هذا العرس  مثلا سائرا بين أهل القرية والفرى المجاورة والكل يردد : أنا بدي ورد أشمو  ما بدي شوك ألمو

تسدل الستارة مع دفقات من الزغاريد