حوار مع الشاعر الكردي دل ئيش

حسين أحمد

 لولا الكلاسيك لما كان هناك شيء اسمه تطوير وتحديث ..!!

أجرى الحوار: حسين أحمد

[email protected]

دل ئيش - شاعر كردي ويكتب باللغة الكردية من مواليد-  (1956) قرية (كودحى ).. ينتمي إلى جيل الثمانينات من قرن الماضي . قرأ الأدب الكردي كثيراً منذ بداياته أي منذ نعومة أظفاره وحتى الآن , تحديد قصائد ( ملاي جزيري -احمدي خاني –جكرخوين- سيداي تيريز - كلش) , وغيرهم من الشعراء, إلى جانب اهتماماته بالفلكلور والتراث الشعبي الجزراوي . اكتسب تجربة من خلال تتلمذه على يد الشاعر الكردي ( سيداي تيريز)- رحمه الله - أسلوبا, ومنهجاً وهو يعترف بانتمائه إلى هذه المدرسة الكلاسيكية, أي( التيريزية) ويعتبر نفسه من احد تلامذة الشاعر الكردي ( سيداي تيريز).

أصدر مجموعتين شعريتين باللغة الكردية الأولى بعنوان (baz u kew) والثانية (karwan) وله مخطوط ثالث  قيد الإنجاز تحت عنوان (gerra welat) , كما له مساهمات في مشاركة إحياء مناسبات وذكريات مختلفة (  قومية- وطنية- ), وعلى وجه الدقة كأعياد ( النوروز ). من هذا المنطلق كان لنا معه هذا الحوار الذي أتمنى أن ينال رضى الكل :

يقول الشاعر دل ئيش :

القصيدة لا تكتب صدفة

كيف يسمى نفســـه بالشاعر وهو جاهـــل تماماً

لست في المطلق ضد هؤلاء الذين يكتبون الشعر باللغة العربية , وهم أكراد

عليّ أن أعترف بجميل وفضـل (سيداي تيريز) رحمه الله وأسكــنه جنة الفـردوس

المشهد الشعري في الجزيرة بدأ يبشرنا بالخير . والفرق كبير بين عشر سنوات ماضية

أكتب الشعر وأهتم به  وأحبه أيضاً ؛لأنني أعتبره غذاء روحي  ولا أستطيع العيش بدونه

اجل هذا صحيح يميل أكثر الأدباء إلى كتابة الشــعر والابتعاد قليلاً عن باقي الآداب الأخرى

لحظة ولادة القصـيدة يمكن أن تأتي في أي زمان ومكان , هذا يعـني بأنه ليس لها موعد محدد

أرى أن الشعر والمطالعة متلازمان تماما لذلك لا يمكن لشاعر أن يكتب الشعر وهو يجهل المطالعة

نص الحوار :

س- حبذا لو تبين للقراء نبذة مختصرة عن حياتك الشخصية ..؟ من يكون الشاعر دل ئيش ..؟

دل ئيش : قبل أن أجيب عن أسئلتكم , أود أن أشكركم جزيل الشكر على هذا  اللقاء  ومن ثم أرجو المعذرة لأنني لا أتقن اللغة العربية بشكل جيد ولكن على قدر استطاعتي سأجيب على أسئلتكم .

اسمي فرحان جميل عبد القادر أما اسمي الفني أو الأدبي فهو ( dil es ) من مواليد (1956) , ولدت في قرية ( كودحى) التابعة لمدينة عامودا من جهة الغرب , لعائلة معروفة في الوسط الاجتماعي .. درست الابتدائية في القرية نفسها ومن ثم الإعدادية في مدينة عامودا , ومن الإعدادية إلى العمل ولسوء وضعي المادي , وثمة أسباب كثيرة فشلي في الدراسة لا أريد الخوض فيها لأنني لا أريد العذاب أكثر من ذلك .. أما كتابتي للشعر فبدأت في مطلع الثمانينات .

س- لكل شاعر بداياته ونقطة انطلاقه..؟! فماذا عن بداياتك و تحولاتك وهل جئت إلى عالم الشعر صدفة ؟

دل ئيش أخي الكريم حسين لا أعتبر نفسي شاعراً بمعنى الشاعر , رغم لديّ مجموعتين شعريتين والثالثة قيد الانجاز , ولكن بإمكاني أن أقول ..أكتب الشعر وأهتم به وأحبه أيضاً ؛لأنني أعتبره غذاء روحي , ولا أستطيع العيش بدونه ..

أما عن بدايتي فكانت في فترة الثمانينات ولكنها كانت بداية حزينة وبائسة بالنسبة لي ..كتبت الشعر وأنا لا أفهم كوامن الشعر مطلقا  ولا أجيد لغة الشعر وماهيته  ولا الأوزان, و لا حتى القافية منها , وكنت بعيدا عن القاعدة الشعرية تماماً .. لأنني بدأت أكتب وأغني مع كتاباتي بدون المعلم وبالتدريج البطيء بدأت أدرك أسلوب الشعر ومن ثم التجأت إلى بعض الشعراء ومن ثم  قراءتي لديوان ( ملا أحمدي جزيري) ,  والذي أعتبره بحراً في الأدب الكردي وأستاذاً للشعراء أجمعين ؛ حتى ان ( أحمدي خاني) شرب من مياه بحر( الجزيري) وبعدها أبدع في كتاباته ..

ولكن يا أخي الفاضل عليّ ان أعترف بجميل وفضل( سيداي تيريز) -رحمه الله وأسكنه جنة الفردوس- عليّ ؛ والذي نوّر لي الدرب لكي أشق طريقي إلى كتابة القصيدة الكلاسيكية . وبرأيي القصيدة لا تكتب عن طريق الصدفة بل عن مشاعر وأحاسيس أو من معاناة يعاني منها الكاتب أو الشاعر ...إذاً القصيدة لا تكتب صدفة .

س-  حبذا لو تبين لنا لمحة سريعة عن بنية القصيدة الكردية ,كيف تكون و من هم الشعراء الكرد الذين تأثر بهم الشاعر دل ئيش الكلاسيكين منهم والحديثين  ؟

دل ئيش:  برأيي لولا القصيدة الكلاسيكية لما وجدت القصيدة الحديثة,إذاً بنية القصيدة الحديثة هي مبنية على القصيدة الكلاسيكية ومنها أبدعت .. علماً أنني لست من كتاب الشعر الحديث ولست جنده أيضاً بل أقول للذين يكتبون الشعر الحديث: اكتبو حتى تبدعوا كما أبدع شاعرنا العظيم شاعر الحداثة ( شيركو بكس ) ومن أمثاله الآخرين.

س- على الرغم من أنك تكتب قصيدة الكلاسيك ولكن كيف تنظر إلى الحداثة الشعرية اليوم  و خاصة بدأ الكل يدلي بدلوه في هذا الخصوص , هل لك رؤية خاصة نود لو توضح  لنا رؤيتك ؟

دل ئيش : أخي العزيز حسين أحمد نظرتي إلى الحداثة الشعرية كالآخرين , لربما أختلف شيئا بسيطاً عن هؤلاء .. الحداثة شيء لا يمكن أن يقف الإنسان ضده, بل علينا جميعاً أن نكون مع الحداثة الحقيقية ... ولكن يؤسفني جدأ على هذه الحداثة المزيفة التي لا تشبه الشعر أبدأً ؛ إنما هي عبارة عن خواطر أو رصف كلمات من هنا وهناك ويقولون هذا شعر حديث . . همهم الوحيد أن تكون كتاباتهم مختلفة بالشكل والمضمون ؛ لأجل أن تتاح لهم الفرصة المناسبة بالهجوم الكاسح على الشعراء الكلاسيكيين ..لماذا هذا الهجوم يا أخي ...؟في ذات يوم قرأت لشاعرة  تؤمن بالحداثة قصيدة نثرية من قصائدها التي لم أرى لها معنى ...فسألتها عن تلك القصيدة التي لم أفهمها فقالت لي : يا أخي إنني أكتب للأجيال القادمة أي بعد مئة عام  .. فهنا علمت جيداً بأنها عاجزة عن شرح المعنى هي بذاتها .. أنني مع الحداثة الحقيقية ولو كان بإمكاني أن اكتب الشعر الحديث بشكل مقبول لكتبته , ولكن ليس بمقدوري أن أعطي حق الحدثة , لذلك لم أكتب لا عن قصد بل لأنني لا أرى نفسي في كتابة الشعر الحديث.علينا جميعاً - من نكتب الشعر الكلاسيكي والحديث-بأن نحاول جاهدين تطوير الأدب والثقافة  الكرديين, أن لا نجرح مشاعر الآخرين ..لا أن نتركهم يتخبطون في أخطائهم الأدبية , ولكن علينا أن ننقد هؤلاء الذين يسيئون إلى الأدب بأدب واحترام, وتمديد يد العون لهم لنخرجهم من عزلتهم ومختبئهم .المهم أن نكتب - كلاسيكياً أو حديثا- بشرط أن نخدم قضيتنا وأدبنا وثقافتنا ولغتنا .

س- هناك ظاهرة شعرية في الجزيرة السورية ألا وهي الشعراء الكرد الذين يكتبون بغير الكردية ، فماذا تقول عن هؤلاء ؟

دل ئيش : أخي العزيز لست في المطلق ضد هؤلاء الذين يكتبون الشعر باللغة العربية , وهم أكراد .. المهم أن يكتب لا أن يبقى مكتوف الأيدي بشرط أن يخدم قضيته الأساسية .. ولايمكن لشاعر كردي وهو يكتب أشعاره وكتاباته باللغة العربية أو بأي لغة كانت فارسية أو تركية أي بلغات شعوب المنطقة ؛لكي يعرفهم بتاريخنا وأدبنا وثقافتنا وقضيتنا بشكل مباشر بدلاً من الترجمة وتفهمهم لقضيتنا العادلة .وأيضاً يا أخي حسين عندما أخاطبك لماذا تكتب بالعربية ولا تكتب باللغة الأم ,أنني واثق جداً لو كنت تتقن اللغة الكردية جيداً أكثر من العربية لكتبت أليس كذالك ..؟

- اجل أنا مع وجهة نظرك..!

 إذاً على اللذين لا يجيدون اللغة الكردية جيداً ,أو ليس بوسعهم من خلال لغتهم الأم أن يبدعوا .. ليكتبوا بأي لغة كانت ولكن بشرط أن يخدموا القضية وهذا هو المراد .

س-  عرف الكثيرون من الأدباء الحداثة بأنه خروج عن القصيدة الكلاسيكية.

ما تعريفك أنت للحداثة الشعرية..؟

دل ئيش : الحداثة الحقيقية هي من أعماق الكلاسيك ولولا الكلاسيك لما كان هناك  شيء اسمه تطوير وتحديث ..مهما تطوّرت وأبدعت لا يعني هذا بأنك قضيت على الكلاسيك أو خرجت منه . إذاً لا مفر أينما ذهبت سوف تكون المرجعية للأساس كما يقول المثل الكردي (eger kevn. te tunebe ew. nuh. te j, tunebekevn.

س-  لحظة ولادة القصيدة كيف تتمخض عند الشاعر دل ئيش  .! وهل يفقدها أحياناً ، وهو يكتب  ..؟

دل ئيش : لحظة ولادة القصيدة يمكن أن تأتي في أي زمان ومكان , هذا يعني بأنه ليس لها موعد محدد ؛ولكن تسبقها إنذارات وإشارات توحي بها  كـ  أحاسيس ومشاعر , أو حتى من خلال  معاناة أو ضغوطات اجتماعية . بمعنى آخر لحظة الولادة لا تأتي من الفراغ المجازي  , لذلك إنها ليست إرادية أو ذاتية  بمعنى المطلق , لابد هناك كتلة من المشاعر والأحاسيس تدفع هذا المولود الجديد إلى الحياة والعالم الجديد ..

أما  أن تفقدها أحياناً فأقول أحياناً أكتبها بغزارة فائقة , وأحياناً أفقدها وهي بين يديّ والقصيدة تخاصمني تماماً ساعات و أياماً وأسابيع وحتى شهوراً .    

س-  ما هو تقييمك كشاعر لما يكتب من قصائد نثرية وتفعيلة هذه الأيام وبالأخص على صفحات المجلات الكردية ..؟

دل ئيش : الشعراء الذين يكتبون على صفحات المجلات والصحف الكردية ,وبالأخص النثرية منها لا ترتقى إلى المستوى المطلوب , ولكنها تبشر بالخير متمنياً لهم الموفقية  نحو مستقبل زاهر ونتاج أفضل ..

وأقول للذين يكتبون على صفحات المجلات والصحف أن يلفتوا انتباههم لكتاباتهم ويحسّنوها بعض الشيء ويفرّقوا بين الأولى والثانية أدبياً ويطورونها نحو الأفضل, وإتلاف الملاحظات التي يرونها لازمة بهذا الخصوص وأشكرهم جزيل الشكر لإغنائهم مجلاتنا وصحافتنا الكردية  

س-  ما علاقة المطالعة بمكونات الشاعر ..؟؟

دل ئيش : أرى أن الشعر والمطالعة متلازمان تماما لذلك لا يمكن لشاعر أن يكتب الشعر وهو يجهل المطالعة, بدون إطلاعه على الأدب والثقافة الكردية والعالمية وحتى على التاريخ والجغرافية .إذاً كيف يسمى نفسه بالشاعر وهو جاهل تماماً .. من المستحيل أن يعطي الشاعر حق الشعر بدون التزامه بالمطالعة

س- يحاول الكثير من الشعراء عرض مكنوناتهم الداخلية والانكسارات على القارئ .هل هناك سلبية في ذلك  خاصة بالنسبة للقارئ .؟؟

دل ئيش : طبيعة الشاعر تثبت ما بداخله من المكنونات , الانكسارات في شعره وفي كتاباته سواء كانت هذه المكنونات قومية – غرامية – اجتماعية – سياسية – ثقافية – مهما كانت فستبقى حسب نفسية القارئ , وما ينعكس عليه إيجاباً أو سلباً .

س-  يميل كثير من الأدباء إلى كتابة الشعر حصراً  والابتعاد عن باقي أنواع الآداب الأخرى , ما هو سبب ذلك  برأيك ..؟

دل ئيش : اجل هذا صحيح يميل أكثر الأدباء إلى كتابة الشعر والابتعاد قليلاً عن باقي الآداب الأخرى . برأيي شعبنا الكردي أكثرهم شعراء ويتقنون الشعر مشافهة , عندما تراجع التراث الكردي مع أجدادنا ترى المغنين والشعراء وحتى النساء منهم يجيدون الملاحم الشعرية والغنائية مشافهة كـ( عدولة تمر باشا ) .. إذاً هذا التأثير لا يزال قائماً هذا أولاً .. كتاب الرواية والقصة وما شابه ذلك من الكتابات الأدبية يمرون بصعوبات جمة لأن الرواية أو القصة لها الفروع الكثيرة ويلزم للكاتب الكثير من المطالعات على الثقافة الكردية منها والعالمية .. أما القصيدة فيرونها سهلة الكتابة ؛لأن تجربة أجدادنا علمتنا وسهلت لنا كتابة الشعر أكثر من الرواية وغيرها من الآداب فلذلك أكثرنا نتجنب هذه الصعوبات ونرى بأن الشعر أخف بكثير من الآداب الأخرى كالرواية والقصة والى آخره . وهناك سبب آخر منهم يحب ويبدع في القصيدة ومنهم لا يحب أن يكتب بهذا المجال فلكل إنسان هوايته الخاصة .

س-  كيف يقيم الشاعر دل ئيش  الراهن الشعري الكردي العام في ( الجزيرة ) ؟

دل ئيش : المشهد الشعري في الجزيرة بدأ يبشرنا بالخير . والفرق كبير بين عشر سنوات ماضية .والآن ونتمنى أن ينتهي هذا المشهد بنجاح أكبر .

س-  ما هو جديدك الشعري يا دل ئيش .؟؟

دل ئيش : كما قلت : لي مجموعتان شعريتان باللغة الأم وهما مطبوعتان : الأولى ( baz / kew  ) والثانية   (  karwan   ), أما جديدي فهي مجموعة أخرى بعنوان (  gerra welat  ) قيد الطبع وإن شاء الله نعمل في هذا المجال على قدر المستطاع والله الموفق .كما أشكرك اخي حسين على هذا الحوار الأدبي الذي يخدم قضيتنا وأدبنا وثقافتنا ووفقكم الله على ما تقومون به من خدمات جليلة في هذا الخصوص وشكراً ...... .

-دل ئيش –( أبو كاسر ): شاعر كلاسيكي

-له ثلاثة مجموعات شعرية :  (baz u kew (  -( karwan) – ( karwan)

-من مواليد : عامودا