الدكتور أحمد كشك بين حديث الذكرى وقضايا العصر اللغوية والأدبية

أبو الحسن الجمّال

clip_image002_0542b.jpg

 ومازلنا نتعرف إلى تجارب العلماء حتى نعطى القدوة للشباب الذين يتأثرون بدعوات اليأس والإحباط ..اليوم نذهب إلى الدكتور أحمد كشك العميد الأسبق لدار العلوم، هذا العالم المتميز فى مجاله والذى حاز قصب السبق فى العلم والإدارة محبوبا منطلبته من زملائه وأشهد أانى أجريت معه دون ترتيب لميعاد فجاءت الأسئلة تلقائية والإجابة تلقائية لأن الذى ميزها هو الصدق ..

 ولد الدكتور أحمد كشك فى مدينة السويس فى 31مارس عام 1945، حصل على ليسانس من دار العلوم عام 1970، ثم على الماجستير من الكلية ذاتها عام 1975، وحصل على الدكتوراه فى اللغة العربية وآدابها عام 1978 ثم أستاذاً مساعداً عام 1983، فأستاذاً بكلية دار العلوم عام 1990 ثم وكيلاً لدار العلوم فى 1991 ثم عميداً لكلية الدراسات العربية و الإسلامية بالفيوم فى عام 1992 ثم عميداً لكلية دار العلوم بجامعة القاهرة منذ عام 2001 وحتى عام2007، بعد ذلك عين رئيساً لقسم النحو والصرف والعروض من 2007- 2010.

 أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات منها: "اللغة والكلام : أبحاث في التداخل والتقريب"، و"القافية: تاج الإيقاع الشعري"، و"من وظائف الصوت اللغوي"، و" الزحاف والعلة"، و"النحو والسياق الصوتي"، و"النحو ودوره في الإبداع"، و"التدوير في الشعر: دراسة في النحو والمعنى والإيقاع".

(رابطة أدباء الشام) التقته لتحاوره فى أمور شتى حول النشأة، وذكرياته فى كلية دار العلوم واستجابته لدعوة العقاد بأن ينتسب لهذا المعهد العريق، فخر العلوم العربية فى الشرق، وحول النقد ومدراسه فى الوقت الحاضر وهموم اللغة العربية ومسائل أخرى سوف نتعرف إليها من خلال هذا الحوار.. وإلى نص الحوار:

1-  ماذا عن نشأتك وهل كانت لها اثر فى نشأتك الأدبية والعلمية ؟

   - هى دور مشترك ..حيث نشأت فى بيئة الكتاتيب التى كانت لها دور فى حفظى لكتاب الله تعالى وتقويم لسانى اللغوى، ثم التحقت بالأزهر الشريف بعد ذلك، ونهلت من علومه الشرعية واللغوية التى سهلت لى بعد الالتحاق بدار العلوم واستيعاب علومها.. وتخرجت منه فى مرحلتيه الإبتدائية والثانوية ..ثم قررت بعدها الالتحاق بدار العلوم...

الدوافع التى جعلتك تلتحق بدار العلوم؟

كان لى حضور بعض ندوات العقاد مع صديق العمر أبى همام الدكتور عبداللطيف عبدالحليم - رحمه الله- وهو الذى وطد صلتى بأساتذة دار العلوم الذين يحضرون ندوته، ونصحنا بالالتحاق بدار العلوم، وكان ينصح رواده من الطلبة بالالتحاق بهذا المعهد العريق عرفاناً لها وبأفضليتها فى تخريج أعلام الأدب واللغة والشعر، وكان يعتبر شعر مدرسة دار العلوم يمثل مدرسة خاصة مع التموجات الموجودة من المدرسة الرومانسية ومدرسة أبولو والمدرسة الدينية، ولكن كان يخص بيئة دار العلوم وأنها بيئة قابلة لأن تفتح أمر الشعر تفتيحاً كاملاً. وكانت الكلية فى مكانها القديم بشارع المبتديان بالسيدة زينب، وكنا نذهب إلى الكلية فى الثامنة فنظل بها إلى الساعة الثانية عشر منتصف الليل لأن المكان له روح ...وعندما نقلنا إلى دار العلوم داخل مبنى الجامعة، والجامعة نفسها مكونة إلى أقسام، ودرة الجامعة فى كليات الحقوق والآداب وإدارة الجامعة، وهذه المبانى فاكهة الجامعة، والقسم الثانى كلية العلوم وكلية التجارة، ويلى هذا كله المنطقة العشوائية وهى نهاية الجامعة وتضم كلية دار العلوم ..كانت هذه المنطقة فى الأساس دار أحداث، وحولوها إلى مبان، وكانوا يطلقون عليها المنطقة العشوائية حتى مبانيها تختلف عن الكليات الأخرى، أما المبنى القديم فحول إلى حديقة عامة بإلحاح من الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين لتخليد ذكر دار العلوم ونتمنى أن ترجع الدار إلى مكانها الأساسى ..

 وماذا عن أساتذك ورفقاء دربك؟

حظنا كان جيد فى دار العلوم وحضرنا كوكبة من أعلامها الذين تجمعوا فيها فى زمن واحد منهم: الدكاترة بدوى طبانة، وأحمد الحوفى، ومحمد غنيمى هلال، والأستاذ عمر الدسوقى، محمود قاسم، وضياء الدين الريس، وأحمد شلبى، وحلمى أحمد، وأحمد هيكل، وعبدالحكيم بلبع، و محمد فتوح أحمد شاعر الكلية. ورفقاء الدرس كان الدكتور عبداللطيف عبدالحليم وهو زميلى فى المعهد الأزهرى النموذجى بالقاهرة قبل أن ندخل دار العلوم بخمس سنوات، وكان يزاملنا أيضاً الدكتور حلمى محمد القاعود، والتحقنا أنا وأبو همام سويا بدار العلوم - كما أسلفت- وعينا سوياً معيدين أنا وهو وزميلة تسمى د.أمينة جمال الدين، الثلاثة عينا معيدين بدار العلوم ..ورغبتى كانت النقد أو علم اللغة ..

لماذا اخترت قسم النحو والصرف؟

 أساتذة علم اللغة كانوا يحجزوننى كما كانوا يقولون، "أنهى كليتك وسوف تكون معنا فى قسم علم اللغة"، ولكن لحسن حظى دخلت قسم "النحو والصرف والعروض".. زملائى تحققت رغباتهم، أما أنا فحولت إلى إشراف الأستاذ الدكتور تمام حسان، وأن أكون فى قسم النحو والصرف..

هذه سمة بينية جعلت أدرك التمازج بين العلوم ..أنا أكتب فى النحو بنظرة الأديب أو بنظرة الناقد أو بنظرة المؤرخ كل هذه العلوم هو العطاء الذى اعطيه فى قسم النحو والصرف، والذى اشرف على فى الماجستير الدكتور تمام حسان، أما فى الدكتوراه فقد اشرف على لمدة عام الدكتور تمام ثم تحول إلى الدكتور عبدالله درويش .

كيف تنظر إلى النقد ومدارسه فى الوقت الحاضر؟

هناك شراكة بين النقد الانطباعى وهذا موجود لدى مجموعة من النقاد، والنقد الأكاديمى العلمى وهو الذى يعتمد على حقائق وثوابت ..النقد الآن يعيش بين الانطباع والطرق العلمية ...ولا ضير فى استخدام المفاهيم الغربية ولكن بحساب ومن خلال وعى تام وكامل أما أن نغلق أنفسنا على الانطباعات الخارجية فهذه تسىء إلي الناقد ولا تتقدم به .

التحديات التى تواجه اللغة العربية.. كيف تراها؟

اللغة هى الدنيا بحالها، واللغة هى الحياة، ومن حكمة ربنا أن جهاز النطق به وترين صوتيين يمر من خلالها الكلام ، ولو انطبقا هذان الوتران الصوتيان يغلقا ولم يتكلم ولم يأكل الإنسان لأنهما يمر من خلالهما الأكل، فاللغة هى الوسيلة للحياة..أما التحديات فهى كبيرة لو استخدمنا اللغة الميسورة السهلة التى تعيش زمانها ولا تعقد أمرها ولا تصعب نفسها.. إذا استخدمنا هذا بعيداً عن الإغراق فى استعمال اللغات الأجنبية والإغراق فى اللغة العامية يبقى اللغة الفصحى تأخذ طريقها بإذن الله تعالى ..

كيف تعلق على استخدام وسائل الإعلام للغة العامية؟

اللغة العامية ليست غريبة وإنما هى جزء من البناء ومعظم الألفاظ العامية أصلها فصحى والمشكلة مشكلة الإعراب ..فمثلا ..(شمس الأصيل تحفة ومصورة) ..شمس الأصيل فصحى ..و(على هبوب الهوى..لما يمر عليل) استخدمها بيرم فى أغنية عامية وهى فى الأساس كلمات فصيحة..العامية التى هى قريبة من الفصحى لا تضر الفصحى وتنتشى معها وتدرك أمر سهولتها ويسرها بها..وفيه مزاوجة بين الأثنين. فالعامية تحتاج إلى سهولة الفصحى وظرفها فأنت إذا أن تضحك لم تضحك بالفصحى ...

هناك سؤال يراودنى منذ زمن ..كان الناس يذهبون فى القدم إلى البادية لتقويم لغتهم كما فعل الإمام الشافعى..اليوم يذهبون إلى عواصم الغرب.. هل هى مفارقة أم ظاهرة صحية؟

هى ظاهرة صحية ..نحن جزء من العالم ولابد من الترحال، وأن نذهب إلى أوربا وإلى ما هو أبعد من ذلك، وكان العربى البدوى الذى يقطع فى الصحراء بين الوديان والكثبان.. كانت رحلته فى الأساس موجودة وعطاء الفرس والأكاسرة لا حصر له فى البيئة العربية ..كالغساسنة والمناذرة والحيرة كلها مناطق وبيات عربية تأثرت بمؤثرات خارجية ..

هل التأثير الغربى كان له جوانب ايجابية فى اللغة العربية؟

المهم لا تضيع أمر لغتك ..يعنى أن تذهب وأنت تدرك أمر نفسك تماماً وتعترف بقيمتك ولا تذوب فى المكان الذى أنت ذاهب إليه ...وهناك تأثير غربى إيجابى ساهم بشكل كبير فى تطور علم اللغة ...

*كيف ترى المنجز اللغوى للدكتور إبراهيم أنيس؟

 - يعتبر من أعظم أساتذة علم اللغة فى مصر والعالم العربى كتب فى الأصوات وهى إحدى فروع علم اللغة، وفى الدلالة دلالة الألفاظ وكتب أيضاً فى نصوص الشعر، وله كتابه الرائد "موسيقى الشعر"، وله مخالفات والجرأة فى بعض الأحيان ولكنها جرأة بحث وهو فى هذا يشبه كتاب "فى الشعر الجاهلى" مع الفارق الذى فتح الآفاق لآلاف الكتب والأبحاث والرسائل فى الشعر الجاهلى، ولولا هذا الكتاب ما كنا طالعنا هذه البحوث القيمة.

*أمنيات على المستوى القومى والعلمى والأدبى؟

- على المستوى القومى اتمنى لمصر الأمن الأمان وان تعود لسابق عهدنا دولة قوية تتحدى الصعاب والمؤامرات التى تحاك ضدها، وأن أرى المستوى البحثى أن يكون لدينا بحثا علمياً رصيناً يراعى ضوابط العلم، لا يكون مبالغاً.

*قصتك مع تحقيق التراث العربى؟

 - حققت كتاباً واحداً، ولم أعد للتحقيق مرة أخرى وهو "رسالة الفرق الضاد والظاء" لأبى عمرو الدانى، لأن التحقيق له فن يحتاج لظروف خاصة، وليس شيئاً هيناً وهو فن قائم بذاته، وهو ليس شيئاً هينا وخبرة عالية وأن يكون المحقق واعياً بثقافات الدنيا، يعنى من يحقق كتاباً فى علم الصيدلية يجب أن يكون صيدلانياً ومعلماً بالعلم نفسه وبدقائقه..

*كتب كنت تتمنى تحقيقها؟

- كنت اتمنى أن أرزق جهد الدكتور محمود محمد الطناحى، الذى حقق "طبقات الشافعية الكبرى" مع زميله الدكتور عبدالفتاح الحلو، و"أمالى ابن الشجرى".