يوسف عبيد المحيميد: شاعر الخلافة الإسلامية

عمر العبسو

(1350ـ 1427هـ / 1931ـ 2006 م)

حياته، وشعره

هو الشاعر الإسلامي المعاصر يوسف بن عبيد إبراهيم المحيميد.

أولاً: حياته:

مولده، ونشأته:

في منبج موئل الشعر والشعراء، بلد البحتري و دوقلة المنبجي، وأبي فراس الحمداني قديماً، وعمر أبي ريشة، وعبد الله عيسى السلامة، ومحمد منلا غزيل حديثاً، ولد شاعرنا الكبير، في هذه المدينة العريقة التي فتحها أبو عبيدة عامر بن الجراح -رضي الله عنه-، بعد أن كانت محكومة للرومان، وكانت تدعى أيام الرومان، بالمدينة المقدسة .

إنه شاعر الكلمة المؤمنة والموقف الجريء، شاعر الملاحم، شاعر القصيدة السياسية، شاعر الخلافة الإسلامية، وأحد عمالقة الشعر الإسلامي في سورية والوطن العربي، إنه عاشق الشمس والضياء والفجر والنور .. وشمسه التي لا تغيب هي الإسلام، الشاعر الذي لم يوف حقه ..

الأستاذ الشيخ الشاعر الأديب أبو ضياء يوسف بن عبيد بن محيميد بن إبراهيم المنبجي الحلبي، ولد، رحمه الله، في قرية (عين النخيل ) الواقعة على ضفاف الفرات، والتي تبعد عن مدينة منبج مسافة ( 4 ) كم، وذلك في خريف عام 1931 م ،.. وفي قريته نشأ، وترعرع في كنف والده الحاج عبيد الذي كان يعمل في الزراعة، وأما أمه فهي الحاجة (نزهة البكور) التي ولدت في عين النخيل في ريف منبج عام 1914م، وكانت الخلافة العثمانية وارفة الظلال إلا أنها لم تبصرها وذلك لأن الإسلام قد مزّقت دولته وعمرها يكاد يكون ست سنوات فقط.

ومع ذلك كانت تتصرف، وكأنها وريثة ذاك الإرث العظيم من عزّة الإسلام وعزيمة المسلمات، وإنك إن سمعت سيرتها لا تخالها إلا من عصر التابعين، فقد أدركت مهمة المرأة المسلمة في الحياة بينما بنات جيلها تغطُّ في سبات عميق.

إنها نشأت في بيئة تحبّ العلم، فتأثرت من سماع حوارات أعمامها في فترات صباها، فأحبت العلم والثقافة، وأجلّت العلماء والمثقفين، وظهر ذلك جلياً في تربية أولادها، حيث حرصت على تعليم ولدها يوسف القرآن، ثم أخذته إلى منبج لتحصيل العلم، ثم أرسلته إلى حلب.

وكانت الحاجة أم يوسف تعمل في الأرض بكل نشاط وقوة وهمة لتوفر نفقات دراسة ابنها الذي لم يخيب أمل والدته به، فأنهى دراسته فيها، ولما رأت فيه بوادر النبوغ أصرّت على ذهابه إلى الحجاز لإتمام دراسته فيها.

وعندما اعتقل يوسف عبيد عام 1966م، وأودع سجن الحسكة لمدة عامين. عانت والدته كثيراً من هذا الأمر ابنها السجين ، فكانت تذهب من مدينتها إلى الحسكة رغم مشقة الطريق وصعوبة المواصلات لرؤية ابنها السجين، وكانت تحمل له نشرات حزب التحرير كيلا ينقطع عما يصدره الحزب، وكانت تبدع في تهريب النشرات، وكتب حزب التحرير تحت ثيابها تارة وبين أغراضها تارة أخرى.

وعندما اعتقل الأستاذ يوسف عبيد عام 1973م، ودخل سجن الحلبوني بدمشق، ذهبت الحاجة نزهة بكور إلى دمشق وجلست أمام فرع المخابرات لرؤية ابنها فطردت وضربت وأهينت، ولكنها أصرت أن لا تغادر المكان حتى ترى ابنها، وتحملت مشقة السفر من منبج إلى دمشق كل 15 يوم لرؤية ابنها لمدة لا تتعدى نصف ساعة.

وفي عام 2000م اعتقل يوسف عبيد لدى المخابرات الجوية في دمشق لمدة عشرين يوماً مع أخيه وابنه ضياء، ثم أطلق سراحه لوحده، وبعد /5/ أيام توفيت والدته الحاجة نزهة عن عمر يناهز / 86/ عاماً.

وتنتمي الأسرة إلى قبيلة البو سلطان، وهي بطن من بطون ( البقارة ) القبيلة العربية المشهورة التي تنتشر في العديد من البلدان في سورية، والعراق، والسعودية، وتركيا، والسودان ..

تعلم القرآن الكريم في الكتاب، وهو في السابعة من عمره، وذلك في عام ( 1939 م).

مرضه الذي أودى ببصره:

وقد فقد بصره في خريف عام ( 1942 م ) على أثر إصابته بالجدري، وكان سنه وقتذاك إحدى عشرة سنة، فعوضه الله عن فقد بصره، بحافظة عجيبة، إذ أنه حفظ كتاب الله عن ظهر قلب، في مدة لا تزيد عن أربعة أشهر، موزعة على ثلاث سنوات، بين عامي ( 1947 / 1950 م )..

وكان يحفظ في الأسبوع الواحد، حوالي جزئين من القرآن الكريم. فأتم حفظ القرآن، وكان عمره لم يتجاوز الثامنة عشرة سنة.

وكان شيخه في تحفيظ القرآن الكريم، وقواعد اللغة العربية، هو الشيخ فخر الدين صادق، الكردي.

كما حفظ بعض القصائد والأناشيد، لأمير الشعراء أحمد شوقي، وشاعر النيل حافظ إبراهيم، وشاعر الشام شفيق جبري .. وغيرهم، رحمهم الله تعالى .

دراسته، ومراحل تعليمه:

لم يدرس شاعرنا المرحلة الابتدائية، بل كان يجتمع ببعض زملائه الذين كانوا يدرسون الابتدائية في منبج، ويستفيد منهم، وكان قد طلب من شيخه الذي أقرأه القرآن الكريم، أن يقرأ عليه كتاب القواعد، الذي كان مقرراً آنذاك في الصف الرابع الابتدائي، فحفظ قواعد اللغة العربية، واستفاد منها سنين طويلة.

وبدأ دراسته للعلوم الشرعية والعربية، عند مفتي منبج الشيخ الفقيه جمعة بن العالم الكبير مصطفى أبو زلام، في صيف عام 1953 م .. في حجرته، في الجامع الكبير بمنبج.

ثم دخل المدرسة الشعبانية بحلب، بواسطة الشيخ جمعة أبو زلام، مفتي منبج، وكان سنه إذ ذاك اثنين وعشرين عاماً .. وقد وجد متاعب كثيرة، حتى قبل في تلك المدرسة، وذلك نظراً لكبر سنه، وذهاب بصره، وقد اعتبروه أنه يحمل الابتدائية، ووضعوه في الصف الثاني، ولم يدرس الصف الأول، نظراً لقوته في قواعد اللغة العربية.

وتلقى العلوم الشرعية والعربية، على يد الشيخ العلامة عبد الله سراج الدين، رحمه الله تعالى، وعلماء حلب في المدرسة الشعبانية، لمدة خمس سنوات ( 1953 / 1959 م).

شيوخه، وأساتيذه:

-      وأبرز شيوخه في المدرسة الشعبانية بحلب، هم:

1-العلامة الشيخ المحدث عبد الله سراج الدين الحسيني: درس عليه التفسير .

2- والشيخ الأديب الشاعر الفقيه بكري رجب البابي الحلبي: درس عليه العقيدة

3-والعلامة الفقيه محمد الملاح: ودرس عليهم الفقه الحنفي .

4-والشيخ العلامة اللغوي عبد الرحمن زين العابدين: ودرس عليه النحو والصرف والعقيدة.

5-وكذلك درس النحو والعقيدة على الشيخ محمد أبي الخير زين العابدين:

6-والشيخ سامي بصمه جي: درس عليه كذلك النحو والصرف والعقيدة.

7-والشيخ الجليل محمد أبو الخير زين العابدين: ودرس عليه العقيدة والتفسير .

8-والشيخ حامد هلال: ودرس عليه الأدب العربي .

9-والعلامة الشيخ المعمر أحمد القلاش: ودرس عليه البلاغة والعروض .

10-والشيخ عبد الوهاب التونجي: قاضي حلب الممتاز، ودرس عليه قانون الأحوال الشخصية.

11-والشيخ محمد نجيب خياطة: فرضي حلب وشيخ قرائها، ودرس عليه الفرائض والقرآن والتجويد.

12-والشيخ محمد أديب حسون: ودرس عليه الأخلاق والسيرة النبوية .

13-ومن شيوخه أيضاً، الشيخ العلامة الفقيه اللغوي محمد أسعد عبه جي، مفتي حلب.

14- والشيخ الفقيه محمد الغشيم.

15- والشيخ الفاضل عبد الوهاب سكر، وغيرهم.

16-كما حضر دروسَ ومجالس في الحديث عند الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني، مع مخالفته لبعض آرائه.

17-ودرس المنطق على الشيخ أمين الله عيروض.

18-والشيخ طاهر خير الله.

رحلته إلى الحجاز لطلب العلم:

ولما رأت والدته الحاجة ( أم يوسف) بوادر النبوغ على ولدها أصرت على ذهابه إلى الحجاز لإتمام الدراسة حيث التحق بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، عن طريق الشيخ محمد نسيب الرفاعي، وكان اسمها آنذاك ( الإدارة العامة للمعاهد والكليات)، وتخرج منها في عام ( 1964 م ) .. حاملاً إجازتها، بعد أن أمضى فيها مدة خمس سنوات، لأنه كان قد تخلف في السنة الرابعة الأخيرة، عن حضور الامتحان للدور الثاني، وكان خلال دراسته الجامعية في السعودية، مقيماً فيها، إلا أنه كان يعود إلى سورية في فصل الصيف، لرؤية أهله.

ويذكر المهندس هشام البابا: رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سورية أن الشيخ يوسف قد تخرج من جامعة الإمام بالرياض عام 1963م، وهو سبق قلم والصواب ما أثبتناه آنفاً.

ومن شيوخه في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض:

1-الشيخ العلامة الفقيه عبد العزيز بن عبد الله بن باز، مفتي المملكة السابق، رحمه الله، ( ودرس عليه الفقه الحنبلي، والفرائض ).

2- والشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم، ( رئيس الكلية آنذاك، وشقيق المفتي ) .

3- وشقيقه العلامة الشيخ الفقيه محمد بن إبراهيم آل الشيخ، مفتي المملكة آنذاك، ( درس عليه العقيدة والفقه الحنبلي ) .

4- والشيخ صالح بن علي الناصر ( درس عليه الفقه الحنبلي ).

5- والشيخ حمود العقلة ( ودرس عليه العقيدة )، وهؤلاء كلهم من السعودية .

6-والدكتور محمد سليمان الأشقر: شقيق الشيخ عمر الأشقر من فلسطين.

7- والدكتور عبد الرؤوف اللبدي: من فلسطين.

8- والأستاذ عبد اللطيف سرحان.

9- وأحمد أبو طالب من مصر.

10- وكذلك الدكتور مصطفى سعيد الخن من سورية، ودرس عليهم ( النحو واللغة العربية).

11-والدكتور علي عبد الواحد وافي من مصر ( ودرس عليه علم النفس والاجتماع والتربية).

12-وكان يحضر دروس ومحاضرات العلامة الفقيه الأديب الكبير الشيخ علي الطنطاوي، رحمه الله.

لقاءاته:

والتقى أثناء دراسته في الرياض، بالشيخ المجاهد الحاج أمين الحسيني، مفتي فلسطين والشيخ العلامة الجليل أبي الحسن علي الحسني الندوي الهندي .

والعلامة الكبير أبي الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية بباكستان .. والعلامة الشيخ المجاهد محمد محمود الصواف.

وكانت تجري بينه وبينهم مناقشات وحوارات فكرية وأدبية، حول الإسلام، ومستقبل الدعوة الإسلامية.

أقرانه، وأصدقاؤه:

وكان من جملة أقرانه الذين ارتبط بهم بعلاقة ودية حميمة:

الشيخ الدكتور الفقيه عبد الستار أبو غدة، والشيخ الفاضل محمود الصابوني، شقيق الشيخ العلامة المفسر الفقيه محمد علي الصابوني، وشقيق شاعر طيبة، الأستاذ الشيخ محمد ضياء الدين الصابوني .. والأستاذ الشاعر الإسلامي الأديب محمد منلا غزيل ( البحتري الصغير ).

والشاعر الإسلامي مصطفى عكرمة، مكتشف بحر الصفا، والشاعر الفلسطيني أحمد فرح عقيلان، والشيخ الفقيه عبد الباسط حسون.

زواجه، وأسرته:

تزوج الشيخ يوسف عبيد بعد تخرجه من الجامعة، وذلك في عام ( 1965 م )، وأنجب تسعة أولاد، سبعة منهم ذكور أكبرهم ضياء، وبه يكنى، وابنتان. أربعة من أولاده طلاب علم، واثنان منهم، يقولان الشعر.

أعماله ومسؤولياته:

ولأن الشيخ يوسف عبيد كان ضريراً لذا لم يعمل في الوظائف الحكومية، فاقتصر عمله على الدعوة إلى الله عز وجل، فقد كان إماماً وخطيباً في مسجد قريته لمدة حوالي عشرين سنة، حتى عام ( 2000 م ) حسبة لله عزّ وجل، وكانت أسرته تعمل في الزراعة، وكان يشارك في المناسبات الدينية، وكان صديقه الأستاذ الشاعر الإسلامي الأديب محمد منلا غزيل، يقدمه لإلقاء كلمات في المناسبات، وكان يقرأ عند تقديمه، الآية الكريمة: ( أنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ).

أهم المؤثرات في حياته:

تركت قضية فلسطين، وسقوط الخلافة الإسلامية، ووفاة والده في عام 1957 م .. وكان طالباً في الشعبانية أثراً كبيراً على نفسيته.

كما مات له ولد في عام 1972 م، عمره أربعون شهراً، فتأثر تأثراً بالغاً، ونظم في ذلك قصيدة مؤثرة.

وكان يعيش آلام أمته، ويهتم بأمر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ومما هز الشاعر وأثر فيه أيضاً، أحداث الخليج، والبوسنة والهرسك، والشيشان، والجزائر، ومهزلة السلام .. وله قصائد تسجل تلك الأحداث الجسام في تاريخ أمتنا.

اعتقاله وسجنه:

اعتقل الشيخ يوسف عبيد في حياته ثلاث مرّات:

1-اعتقل الأستاذ يوسف عبيد في نهاية عام 1966م بسبب انضمامه إلى حزب التحرير رغم كونه ضريراً فقد أودع في سجن الحسكة لمدة عامين، لم تزره سوى أمه بين الفترة والأخرى.

2-وفي عام 1973م نظم قصيدة بعنوان ( شهر العسل) يصف فيها مهزلة حرب تشرين وزيارة كيسنجر، فجاء إليه أحد المعلمين بثياب صديق فكتب القصيدة، وذهب بها إلى المخابرات يطلعهم عليها، فاعتقل على إثر ذلك وسجن في الحلبوني بدمشق، وبعد سنة وثمانية أشهر أطلق سراحه.

3- وفي عام 2000م : اعتقل لمدة عشرين يوماً مع أخيه وابنه ضياء.

وفاته، ومراثيه:

وفي صبيحة يوم الأربعاء 24 / 10 / 1427 هـ/ الموافق 15 / 11 / 2006 م توفي الشاعر الكبير يوسف عبيد، مأسوفاً ومحزوناً عليه من كل من عرفه، أو سمع به، بعد مرض ألم به، تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته.

ورثاه الشيخ الدكتور أحمد عيسى محمد، مفتي منبج، ومدير دار الأرقم الشرعية، وصديقه الأديب الشاعر محمد منلا غزيل،.. والشاعر الخطاط عبد الجليل عليان، كما رثاه بعض أبنائه، شعراً، ونثراً، ورثاه الأديب الشاعر حسن النيفي، بقصيدة شعرية، بلغ عدد أبياتها ( 40 ) بيتاً، نقتطف منها الأبيات التالية:

آنـسـت نـاراً أم لمحت هلالا؟

أم ضاق صدرك من لظى غلوائه

مـزّقـت أستاف الدجى ببصيرة

ومـضـيـت مذهول الفؤاد أهذه

إنـي وحق من استوى في عرشه

لا الـنعميات الحمر تصبيني ولا

أنا ما خطرت على الوجود لأقتفي

عـلـيـاء إيماني ونبل مقاصدي

وعـجلت يا ربي إليك ومهجتي

يـا مـبصراً خلف الجمال جمالا

فـشـددت خلف البارقات رحالا

وهـتـكت عن مخبوئها الأغلالا

دنـيـاي؟ بـئست مرتعاً ومآلا

وبـحـق مـن قـد قدر الآجالا

أخـشـى على درن الحياة زوالا

إثـر الـضـلال مخادعاً محتالا

هـيـهـات أبـغي بعدهن نوالا

عـطـشى تروم السلسل الهطالا

ويقول:

ضاقت فجاج الأرض وهي فسيحة

وغـزلـت من حبب السنا أنشودة

ولـبست من برد الشموس مطارفاً

يا عاشق الشمس السخية هل درت

فـرجوت أحضان الشموس مجالا

عـذُبـت بـلـحـنك رقة ودلالا

فـازددت من فيض الجمال جمالا

كـيف احتضنت ضياءها المنثالا؟

إلى أن يقول:

يـا مـونـق الأفكار آثرت العلى

نلت الرضى لما طويت على اللظى

وهـتـفـت للحق المبين فعانقت

إيـهٍ نـجـيّ الـحاملين بنبضهم

مـن آثـر الـشمس استلذ لهيبها

فـسـمـوت فـكراً وائتلقت خيالا

كـفـاً فـسـابـق فـعلك الأقوالا

نـجـواك فـي عـلـيائها إقبالا

مـهـجـاً تروم من الخلود وصالا

وأخـو الـوضاعة يعشق الأوحالا

كما رثاه الأستاذ مصطفى البطران بقصيدة، قال فيها:

لـبـى النداء فدوت الأرجاء

وكـذا يـودع كـل يوم ماجد

ولـكم يفيد على البلاء تصبر

وكـذا يفيد المرء حسن طوية

وإذا أردت على الزمان تصبراً

ارغب إلى الرحمن دون تردد

واضـرع بباب لا يسد لسائل

لا لست فرداً قد رحلت و إنما

وبـكـتك عند رحيلك الأشياء

فـيـذوب عـند فراقه النبلاء

فـالـصبر عند النازلات دواء

تـخفى فيظهر حسنها الإخفاء

وتـضـوع في جنباتك الآلاء

وازهـد بـدار ليس فيها بقاء

واخفض جناحك يستجاب دعاء

رحـلـت فضائل جمة وبهاء

مقابلة مع الشاعر الإسلامي يوسف عبيد

أجراها معه الأستاذ أبو حفص

س1 – بسم الله الرحمن الرحيم، يقول الله تعالى: ( يأيها الناس إنا خلقنكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير).

فهل لكم في الحديث عن يوسف عبيد الشاعر المنبجي المسلم ؟ وتعريفنا به ؟ وأين درستم ؟

ج1 – أنا مولود في قرية عين النخيل في منبج في خريف عام 1931م . أصبت بالجدري عام 1942م بعد أن قرأت القرآن عند الكتاب ، ثم بعد ذلك حفظت القرآن غيباً خلال ( 120 ) يوماً على وجه التحديد . ثم بعد أن زدت على العشرين خطرت لي فكرة ، وهي أن أتعلم لأني كنت أتطلع إلى العلم كشخص كف بصره ، وهو يرغب في تحقيق ذاته ، وفي طلب العلم ..

وقد نشأت نشأة إسلامية والحمد لله . وكان الشيخ جمعة أبو زلام رحمه الله ، مفتي البلدة آنذاك ، هو الذي أرشدني إلى مدرسة الشعبانية ، وفي حلب هناك مدرستان : الثانوية الشرعية ( وهي مدرسة رسمية ) ، والشعبانية – أيضاً على حساب الأوقاف – ولكن شهادتها غير معترف بها كالثانوية العامة ، ولكنها مليئة بالعلوم الشرعية ، فذهبت ودرست فيها ، وأخذت الشهادة منها ، ثم بعد ذلك اتجهت إلى الرياض وأخذت الإجازة في الشريعة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .

س2 – ما عملكم الحالي ؟

ج2 – أنا لم أعمل في أي عمل وظيفي ولم أدرّس أبداً . وإنما العمل الذي أعمل به منذ 15 أو 20 سنة هو أني أصلي بالناس في المسجد هنا ( في عين النخيل ) وأخطب الجمعة بدون أجر . أما الوظيفة فلأسباب لم أمارس الوظيفة أبداً ، وإنما أعيش من عمل زراعي خلفه الوالد.

س3- ما أول عهدكم بالشعر ؟ ومتى كان ؟

ج3- الواقع أول ما قلت الشعر كان شعراً طفولياً ، قلته قبل أن أذهب إلى المدرسة أيام أحداث فلسطين ، ولكنه ذهب من ذهني كله ولو بقي لمحوته ؛ لأنه شعر لا يستحق الحياة ، وليس جديراً بالاحتفاظ به ، وإن كنت قلته في الخامسة عشرة من عمري أو السابعة عشرة ، لكنني كنت لم أمارس الثقافة بعد ولم أتلق العلم ، ثم حين ذهبت إلى الشعبانية قلت قصائد أيضاً في احتفالات المدرسة ولكنني أيضاً غير راض عنها ولم أسجلها في شعري المدون . وقد تعجب أنت كدارس حين ترى أن من أوائل قصائدي التي سجلتها ونشرت بعضها كان في عام 1960م أي كنت في الثلاثين من عمري .

في الحقيقة هذه المسألة علمتني أن الشعر موهبة فعلاً لكنه أيضاً كسب ثقافي فبدون رصيد ثقافي لا يكون الشعر شعراً .

وكم ماتت من مواهب في حقيقة الأمر وكم ذهبت وانطوت ولم تبرز للنور ؛ لأنها لم تتلق العلم الذي يفيض على هذه الموهبة من التجربة الشعرية . فأول قصائدي الآن مسجلة في بعض الدفاتر وفي المجلات وفي النشر ، وهذا هو الشعر الذي اعتبره شعراً فعلاً .

أنا أقرأ أحياناً عن بعض الشعراء أنه نظم الشعر في العاشرة أو في الخامسة عشرة ، نعم كل هذا صحيح وإن كانوا على طريق الثقافة والعلم .

ولكن أنا الآن ينبغي أن أبدأ الدراسة مثلاً في سن السابعة ، والإعدادية في سن الثانية عشرة ، ولكنني بدأت الدراسة وأنا ابن اثنتين وعشرين سنة . وفي الشعبانية اعتبروا ثقافتي وحفظي للقرآن الكريم بمثابة الشهادة الابتدائية فدخلت في الصف الثاني مباشرة وأسقطوا عني الصف الأول من الدراسة .

س4 – هل تذكر أول قصيدة قلتها ومناسبتها ؟ ومتى قيلت ؟

ج4- نعم أول قصيدة قلتها في الرياض وألقيتها في نادي الكلية وهي مسجلة في دفتري ألقيتها في نادي الكلية ، وبالمناسبة أذكر وربما هذا يفيد الدراسة أنني سلمتها للحاج أمين الحسيني – رحمه الله تعالى – بنفسه وقال : إنه سينشرها في مجلة فلسطين ولكنها لم تنشر وأظن لما فيها من نقد موجه لبعض الأوضاع السياسية في ذلك الوقت ، واسمها ( نكبة فلسطين ) .

س 5 – كيف كان شعوركم نحو أول قصيدة نشرت لك ؟

ج5- والله بطبيعة الحال كان لنا صديق يعمل في مجلة في الرياض اسمها ( راية الإسلام ) نشرت قصيدة لي وهي الآن مفقودة مني ، ومنذ سنتين بعث الملحق الثقافي في السفارة السعودية يقول : لو بعثت لنا قصيدتك ((وقفة على أطلال الدرعية )) فقلت له هي ليست لدي الآن وأحلته إلى المجلة ، فربما وجدت في أرشيف المجلة هناك أو قد تكون المجلة عند الناس وسوف تجدها هناك وهي ليست عندي الآن .

وأذكر منها بعض الأبيات :

طلل عليه سكينة ووقار وعليه من حلل الزمان فخار

يا أيها الطلل الحبيب أليس في جنبات ربعك منهم آثار ؟

علّ السعود تطلّ في غسق الدّجى فيضاء درب سراتنا وينار

وهي مؤلفة من أربعين بيتاً أو أكثر من ذلك بقليل .

س6- هل لكم كتب مطبوعة أو مقالات أو دواوين منشورة ؟

ج6- نعم أنا نشرت مقالة أدبية وبعض القصائد في السعودية ومنها قصيدة (( وقفة على أطلال الدرعية)) و((راية الإسلام )) تحية إلى المجلة . ونشرت لي قصائد كثيرة في مجلة الوعي في بيروت. .

ونشر لي ديوانان :

1- قبس من حراء : وهذا اسم لقصيدة ملحمية في الديوان ، ويضاف إليها (إيمان فاطمة يحطم كبرياء عمر ) و(في موكب الإسراء ) و( ومضات من سيوف بدر ) وقد قيلت في معركة تشرين في حقيقة الأمر بمناسبة معركة بدر في 17 رمضان بعد الحرب بأسبوع .

2- الفجر الجديد :

وهذان الديوانان نشرا لي تحت اسم يوسف إبراهيم .

س7- قرأت في المجلة العربية ع :167، س 15ذي الحجة 1411هـ / يوليو 1991م أن لك قصة نشرها النادي الأدبي في الطائف وعنوانها : اصحوا يا أطفال – ليوسف محيميد ...فما مضمون هذه القصة ؟

ج7- حدثني صديق يدرس في السعودية بهذه الحادثة والواقع أنها ليست لي مطلقاً ، وأنا استغربت جداً لأني لم أنشر في النادي الأدبي في الطائف . وقال لي ذلك الصديق : أنا آتيك بالمجلة وقد ظننت أنك لا تكتب القصة ؛ لأنه قد اطلع على شعري ، ولكنني قلت : - وأنا لا أعلم من كتب هذا – لعله خطأ وقعت به المجلة وأنا لم أنشر سوى هاتين المجموعتين فقط

س8- هل تأثرت بشاعر عربي قديم أو معاصر ، وحاولت أن تقلده في شعرك ؟

ج8- في الواقع أنا لم أتأثر بهذا المعنى الدقيق بأحد من الشعراء والأدباء ولم أحاول تقليد أحد ، ولكن الثقافة هي تأثر وتأثير لا بدّ منه ، فنحن نقرأ القصائد المختلفة ونقرأ عن أدباء العصر الجاهلي ، والأدباء الإسلاميين ، وقرأت للأدباء المعاصرين ، مثل : المنفلوطي ، والرافعي ، والأديب الإسلامي أحمد شوقي ، وشاعر الإسلام محمد إقبال ..ولكنني لم أتأثر بشاعر إلى حدّ محاولة تقليده وحذو طريقته. ..

س 9 – هل تعرضت في حياتك إلى محنة أدبية ؟ وما أصعب نقد وجه إليكم ؟

ج9- لم يوجه إلي في الحقيقة نقد صعب ؛ لأن شعري لم يتناوله النقاد بسبب عدم انتشاره كثيراً ، وقد ظهر لي هذان الديوانان ، ولا أدري ماذا قال النقاد فيهما فلأجل هذا يكون النقد بقدر النشر .

أما المحنة الأدبية فإنني لم أتعرض لها بل تعرضت لمحن سياسية واعتقالات ..

وعندما لا ينشر لي شعر أشعر أنني أعيش في محنة ...

وفي مرة من المرات مررت بأزمة أدبية فبعد وفاة الشيخ تقي الدين النبهاني – رحمه الله تعالى - طلب مني أن أقول قصيدة وأنا فوراً وعدت أنني سوف أقدمها لهم خلال أسبوع ، ولكن الشعر يهبط على الإنسان ولا يستطيع أن يقوله متى شاء فشعرت فعلاً أنني في حرج فبقيت أربعة أيام ولم أنظم بيتاً واحداً ، وبعد ذلك تدفق الشعر والحمد لله وكانت قصيدة أنا راض عنها وتعتبر من أجود قصائدي ..

التي اعتزّ بها .

س10 – هل هناك كتاباً ترك أثراً في نفسك ؟

ج10- كتب كثيرة أثرت فيّ وأولها كتاب الله عز وجلّ فأنا أردده صباح مساء وقد حفظته وجلّ ثقافتي منه ، وأي كاتب لم يقرأ القرآن ولم يتأثر به ثقافته ناقصة مريضة ..وهناك كتب التراث والسيرة وهي كتب قيمة جداً ، وهناك كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين – للندوي ، رحمه الله، وهناك كتب سيد قطب وهي كتب ممتازة ولو أننا نتحفظ على بعض ما فيها ، ولكن في الحقيقة هو صاحب قلم متدفق ، وهو أديب بارع حقاً ، وقد ظلم فعلاً ..وفي الندوة التي أدارها نعيم اليافي ( حول العنف والإرهاب ) أشار إلى هذا : فسيد قطب حوكم على تصوره ولم يقم بأي عمل إجرامي أو تخريبي ..والكتب التي تأثرت بها كثيراً هي الكتب التي أصدرها تقي الدين النبهاني وهؤلاء لمسوا المشكلة في صميمها ووضعوا الحقيقة على طريقها الصحيح ودعوا إليها ..فهو ليس مؤلفاً فقط بل صاحب كتلة وصاحب فكر سياسي وعمل سياسي وهذه الكتب كان جلّ فائدتي منها وشعري موجه إليها دائماً .

س11- يقول الأستاذ محمد منلا غزيل : يوسف عبيد شاعر الملاحم الإسلامية ؟ فما تعليقكم على هذا القول ؟

ج11- الأستاذ محمد غزيل يسمع مني عندما نلتقي ونلقي الشعر ، وأنا لي قصائد طويلة مثل : قبس من حراء ، وقصيدة حزيران الخامس التي نظمتها بعد الحرب بخمس سنوات ..ولي ملحمة النمروذ وهي مؤلفة من ثلاثة مقاطع : أ- نمروذ وعبيد : تصورت فيه النمروذ والعبيد يحنون الجباه له تعظيماً وإجلالاً

ب- إبراهيم والنمروذ : تصورت في هذا المقطع الصراع بين الحق والباطل .

ج- نهاية النمروذ .

وهذه ملحمة فنية وهي موجودة عندي وأنا لا أنفي كلام الأستاذ غزيل هذا ، فهو كما قيل : اتهام لا أنفيه وشرف لا أدعيه .. وأنا فكرت في ملحمة شعرية طويلة ولكني لم أتجرأ أن أقوم بملحمة مستقلة كاملة ؛ لأنه يدخل فيها شروط مخالفة للتصور الإسلامي عند النقاد مثل المرأة والأسطورة . وللأستاذ محمد الحسناوي قصائد في السيرة سماها ( ملحمة النور ) وهي في الواقع ليست ملحمة بالمعني الفني بل هي قصائد عادية .

س 12 – يقول الدكتور أحمد بسام ساعي في كتابه ( حركة الشعر الحديث في سورية ) ما يلي

إن هناك قمماً كثيرة بين الشعراء السوريين لم ترض أن تهبط بالشعر في رأيها إلى مستوى ( الواقعية اللغوية ) وترى أن للشعر لغته الخاصة الرفيعة التي يجب أن لا تطالها أيدي العابثين ، ويصدر أغلب هؤلاء عن مشاعر قومية عميقة تأبى على الشعر العربي الأصيل أن يتزعزع أمام موجة المذاهب الغربية أو الشرقية .

ومن أبرز هؤلاء الشعراء: يوسف العبيد المحيميد، ومحمد الفراتي، وعمر يحيى، وضياء الدين الصابوني، وعمر بهاء الدين الأميري، ومحمد المجذوب...فما قولكم في كلام الدكتور بسام ساعي هذا ؟

ج12- كلام الأستاذ بسام ساعي صحيح، وأنا أرى هذا الرأي فعلاً، وغيري من الشعراء والأدباء الإسلاميين الملتزمين ، فالكلمة يجب أن تكون مسؤولة ، ويجب أن تكون مشرقة، ومؤثرة، وعميقة، ولا تكون مؤثرة إلا إذا كانت كلمة رائعة ومسؤولة ، فالأصالة مهمة جداً في حقيقة الأمر وليست شكلية ، والقرآن قدوتنا دوماً ولماذا كان القرآن كلاماً معجزاً ؟ لأن هناك قصد إثبات التحدي وإعجاز المشركين عن أن يأتوا بمثله... فعلاً لغة الشعر والأدب يجب أن يرقى بها الإنسان إلى حيث يستطيع وفوق كل ذي علم عليم .

س 13 – ما موقف الإسلام من الشعر ؟

ج13- موقف الإسلام من الشعر قاله الله تعالى : والشعراء يتبعهم الغاوون ...فالشعر كلمة ، والكلمة في الإسلام مسؤولة ، والقرآن في الحقيقة حرف وكلمة . والكلمة هي التي تغير واقع الناس ولا يغير واقع الإنسان لا السلاح ولا القوة ولا الاستبداد، كل هذا غثاء يذهب، وإنما الكلمة هي الباقية وهي الكلمة المسؤولة الموجهة الملتزمة والشعر يجب أن يكون كذلك وأنتم تعلمون أن هناك حسان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وعبد الله بن رواحة ، وأبو سفيان بن الحارث ابن عمّ النبي – صلى الله عليه وسلم – والذي رثاه بقصيدة مؤثرة ، وأنا قلت في قصيدة لي سيبقى الشعر ما يلقي ضوءاً على ما تريد ، وهي تقع في 60 بيتاً :

ضيـاء الحـرف أقـوى من سيـاط الظـلم والظـلم

ومـن أغلال طاغية يسـوق الشـعب بالسكين كالغنم

كتاب الله حرف صاغه الرحمن في كلم ٍ ولكن ليس كالكلم ِ

فمـن عليـا بلاغته ومن آفاق عزته ومـن ينبوعه الشبم ِ

نظـمنا الشـعر قلـنا النثر لحناً سائغ الإيقـاع والنغم ِ

فمـنهجنا بيـان سرمـدي النور رغم الأعصـر الدهم

تفلّ سـواعد الفولاذ قوته ويبعث غابر الموتى من الرمم

وتصفع جبهة النمروذ حجته فيهوي صاغر الخيلاء والعظم

وفـأس أشرعت في كـف إبراهيم تحطـم جبهة الصنم ِ

س 14 – متى يكون الأدب إسلامياً ؟

ج14- الأدب الإسلامي أولاً هو الأدب الملتزم في المضمون ، أن يتحدث عن التاريخ الإسلامي وعن الفكر الإسلامي وعن الواقع الإسلامي وعن الأمة الإسلامية ، مصداقاً لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ، أضيف أنه يجب أن يكون على مستوى الشعر ، يعني هو مضمون إسلامي وفكر إسلامي لكن بشرط ألا يكون نظماً مجرداً ، طبعاً يجب أن يأتي بإبداع أعلى من الآداب الأخرى غير الإسلامية .

الأدب الإسلامي قديماً اتهم بأنه أدب المشايخ ، وأنه أدب ضعيف فيه ركود ، وهذا صحيح في الواقع إلى حدّ ما لأن هؤلاء لم يأخذوا الإسلام من منبعه الأصيل وتأثروا بالجمود الذي وسم به الفقه الإسلامي في العصور المتأخرة ألا تراه كان مشرقاً في أيامه الأولى في شعر حسان وابن رواحة وكعب بن مالك فترى ذلك الإشراق والتألق بعد ذلك الأدب الذي يذكر التاريخ مثلاً قصيدة أبي تمام من صميم الأدب الإسلامي ، جميع الشعر الذي قيل في معارك المسلمين هو شعر إسلامي .

أبو الطيب المتنبي له مثلاً في مدح بني حمدان ، صحيح أن المدح الآن وسم بالتملق ، وصحيح أنه كان يرجو النوال والصلات من سيف الدولة ، ولكنه حين نظم في تلك المعارك الرائعة جاء بالأدب الإسلامي الجميل ، ويمكن أن أذكر اليوم من هؤلاء الأدباء : الشاعر الإسلامي عبد الرحمن العشماوي الذي يمثل قمة الشعر الإسلامي الممتاز .

س 15 – من هو الشاعر الملتزم ؟

ج15- الشاعر الملتزم هو الذي يتحدث عن الإسلام بشعره وأحياناً في نثره وأحياناً في مجالسه الخاصة وفي حياته العامة وفي سلوكه . فالشاعر الملتزم هو الذي يلتزم بالمبدأ ، والمبدأ هو النظرة الشاملة عن الكون والإنسان والحياة ، والشاعر المسلم الملتزم هو الذي ينظر نظرة شاملة إلى الكون والإنسان والحياة من وجهة النظر الإسلامية ويلتزم بقضايا أمته .

س 16- هل تعتقد أن الأدب الإسلامي يمكن أن يكون أدباً عالمياً ، وما رأيك في قضية المحلية والعالمية في الأدب ؟

ج16- جميل جداً هذا الكلام ، الواقع أن الأدب الإسلامي هو أدب عالمي في حقيقته ، أما إذا قصرت به أبناؤه ، فهذا أمر آخر ؛ لأن رسالة الإسلام رسالة عالمية ، فإذا كان هناك أديب أو شاعر إسلامي فلا بدّ من أن يكون أدبه وشعره ونثره عالمياً ، إذاً على الدعاة والقادة والأدباء جميعاً مسؤولية نقل الإسلام بشكله العالمي فرسالة الإسلام لم تفرق بين قوم وقوم ولا جنس وجنس ولا محلّ وآخر، وإنما تتجه إلى الإنسان حيث كان .

وهناك إشكالية إسلامية بسيطة، نحن حين نتكلم في قصيدة إسلامية عن واقع العالم الإسلامي، نرى أنها تنضح بالغضب وفيها شظايا الغضب، وفيها الهجوم العنيف أحياناً، يقال عن هذا الشاعر أنه متطرف ومتشدد، ولكني حين أتكلم عن الواقع لا أحمل على الأشخاص والأجناس بل أحمل على الأفعال، فحين أهاجم الانجليزي ، لا لأنه إنجليزي بل لما تفعله هذه الأمة ضد المسلمين ، وعندما أتكلم عن الصليبية أريد أن أسوق إليهم تعاليم الإسلام فإذا أسلموا كانوا مثلي ...

فالأدب الإسلامي هو أدب منزه عن الأحقاد والقوميات البغيضة فهو أدب عالمي ويجب أن يكون عالمياً ...

س17- هل يتحتم علينا أن نقوم بعملية الترجمة حتى نصل إلى العالمية ؟

ج17- عملية الترجمة قد تكون وسيلة لبلوغ هذه الغاية العالمية ... وأنا قلت منذ قليل أن الأديب الملتزم هو ينطلق من نظرة شاملة عن الكون والإنسان والحياة أي أنه يحمل مبدأ إسلامياً وهو ينطلق من هذه النظرة العالمية ..

وماذا تنتظر من أمة ممزقة تتوزع إلى عشرات الدويلات المتناحرة ... بل ماذا تقول في فكر دخله شتىّ الثقافات والعقائد والمبادئ الفاسدة ...في الحقيقة مثل هذه الأمة لا تستطيع أن تفرض رأياً عالمياً أو محلياً ...

س18- ما زال الجدل محتدماً بين دعاة العامية الذين يرون أن بعض الأشكال الأدبية تتطلب بالضرورة توظيف العامية لتحقيق النجاح المطلوب أو ما يسمونه بالصدق الفني .. ويعتبرون الإصرار على اللغة الفصحى بشكل عام فيه نقص يفقد هذه الأشكال واقعيتها ويجعلها خاضعة لقيود ليست بحاجة إليها ... وبين دعاة اللغة الفصحى باعتبارها لغة القرآن دستور ملايين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ... فهل لكم أن تدلي بدلوكم في هذه المسألة ؟

ج18- دعاة العامية في الحقيقة هم دعاة تهديم . فاللغة الفصحى لغة القرآن ولغة الأمة ،ونحن بأيدينا حجة قوية وهي أن اللغة هي التي تحفظ تراث الأمة ، فإذا ربينا الأجيال على اللغة العامية وفسدت عندهم سليقة تفهم اللغة العربية نكون قد وجهنا ضربة إلى ملايين الكتب بل إلى المبدأ ذاته بل إلى تذوق القرآن

فالقرآن الكريم لدى المسلمين عقيدة جازمة بأنه كلام معجز ، فالذي لا يتذوق اللغة العربية تعال لتقول له ذلك ربما يقول إن هذا كلام غير صحيح وغير جيد ...

أظن أن دعاة العامية قالوا ذلك عن تخطيط ، وما قالوه مصادفة ، فهذا التخطيط أمر مخطط له لأنهم دعوا أيضاً إلى كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية ، وقالوا أن الأرقام والأعداد العربية أصلها أجنبي ...

س19- ما رأيكم في الأدب الصوفي ؟ وهل يمكن اعتباره شعراً وأدباً إسلامياً ؟

ج19- الأدب الصوفي يقسم إلى قسمين:

1- أدب العقيدة الصوفية المنحرفة : التي تدعو إلى وحدة الوجود والتي تعطل الأحكام الشرعية ، والمغرقة في العقائد الصوفية الباطلة والتي تدعي الغيب ، وهذا النوع من الأدب الصوفي مرفوض ، وهذه الثقافة متحدّرة من الثقافة الهندية .

2- أما أدب الأمثال والحكم والأخلاق والسلوك : فهو أدب إسلامي ، ومن الشعر الصوفي الإسلامي شعر إقبال الذي كان يدعو إلى الفاعلية متأثراً بأستاذه جلال الدين الرومي الذي نظم بالفارسية ، فإقبال يتأسى به ، وهو يدعو للجهاد ونبذ الرهبانية ، وهاهو يتصور أنه أمام معلمه الرومي يسأله أسئلة كثيرة وهو يجيب ، وزادت قصيدته على المئة بيت ومنها :

ماذا يأمل الإسلام من هذا السلوك ألكي نرض بفقرٍ أم إلى طيش الملوك

قال رومي جنة الإسلام في ظل السيوف ليس ما تطلبه الرهبان من أمن الكهوف

وأضيف أنني قلت عن إقبال في قصيدة لي: ( ريشة من جناح جبريل ) صوّرت بعض أقواله فيها :

يا عازفاً من لحون الهند نغمته من صوت عدنان حازت أكرم النسب

وساقياً أعجمي الدن خمـرته بغير كـرم الحجاز السمـح لم تطب

يزهو بصوفية العزم المجاهـد لا صـوفية الجبن والإذعان والـهرب

س20- ما موقف الشعراء الإسلاميين من الحضارة الغربية ؟

ج20- هناك مصطلحان : المدنية والحضارة .

- المدنية : بأشكالها المادية المختلفة وبجميع أقسامها العلمية نأخذها بلا تحفظ ، ونأخذها من أي مصدر جاءت ، لأن المدنية عالمية في حقيقتها ، ولأنها مستمدة من الكون وعما هو كائن في الوجود من حيوان وإنسان وجماد وذرة فهذه نأخذها بلا تحفظ .

- أما الحضارة : وهي مجموعة المفاهيم ،فالمبدأ الإسلامي ، والإنسان الإسلامي صاحب الرسالة يرفض هذه جملة وتفصيلاً ، وهذه لا تؤخذ إلا عن طريق الإسلام ، وإلا لما كان هناك التزام ،

هذا هو التصور الصحيح لهذه المسألة

س 21 – ما موقف الشعراء الإسلاميين من الوحدة الإسلامية ؟

ج 21 – الوحدة الإسلامية ضرورية جداً ، وهناك أمة التوحيد وأمة الوحدة ، فالتوحيد كلمة لا إله إلا الله تلك الكلمة الطيبة والعبادة الخالصة لله .

والوحدة وحدة الطريقة ، فالشهادتان : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله ، في الأولى وحدة العقيدة ، وفي الثانية وحدة الطريقة الموصلة إلى هذه العقيدة، فهي عقيدة وطريقة بنفس الوقت .

والأمة الإسلامية أمة واحدة بطبيعتها، وأي تجزئة لها في حقيقة الأمر تهديم لهذا الصف الإسلامي فعلى هذا الأساس يجب أن تكون هناك وحدة إسلامية لا اتحاد، ولا مؤتمرات، ولا رابطة العالم الإسلامي، ولا بأس إذا كانوا يهدفون ويدعون إلى الوحدة الإسلامية ، بشرط أولاً أن يدعوا إلى استئناف الحياة الإسلامية ، وأن يحمل الإسلام بطريقة سياسية على أساس واحد وقيادة سياسية واحدة ،

وهذا هو الطريق الصحيح ، ويجب أن تعود الوحدة الإسلامية على هذا الأساس الذي ذكرناه .

س 22 – ما موقف الشعراء الإسلاميين من الأصالة والحداثة في الأدب ؟

ج22 – هناك صراع بين دعاة الاجتهاد والتقليد ، فالاجتهاد له مكانة ويجب على المجتهدين أن يستمروا في الاجتهاد ، وإقفال باب الاجتهاد دعوة فيها سطحية وتخالف التصور الإسلامي ، فالاجتهاد يجب أن يستمر ولكن بشروطه ، ولا يستطيع كل إنسان أن يجتهد في الدين ، وهذه المعركة بين دعاة الاجتهاد والتقليد انتقلت إلى الأدب بين دعاة الأصالة والحداثة ، فالتحديث مطلوب ونحن لسنا ضد الحداثة ، ولكن نؤكد على الالتزام والمضمون في الأدب الإسلامي، ويجب أن نسير بهذا ونقتبس من الحداثة في القوالب ، والقوافي المتعددة، والتفعيلات، والأبيات لا يشترط أن تكون ذات مصراعين، ولكن الشعر له مقومات يجب الحفاظ عليها؛ يجب أن يكون للشعر موسيقا وزن وقافية ..وخيال ومعنى .

وأنا قلت الشعر الحديث، ولي قصيدة تبدو أول وهلة عاطفية وتلبس لبوساً عاطفياً ، وأنا – كما قلت لكم – ليس لي سوى الشعر السياسي الإسلامي، وأورد لكم مقطعاً من هذه القصيدة:

يهتز جفني للقاء بدمعة أندى على قلب المشوق

من قطرة السلسال من رشف الرحيق

وتشع شمس في الفؤاد المظلم

وتغرد الأشواق نشوى في دمي

وأراك مبتسم المحيا مشرق القسمات مرتفع الجبين

ما غيرتك على مدى الأيام عادية السنين

وظلام غرفتك الحزين

وسلاسل الأغلال في سجن الطغاة الظالمين

ألقاك والذكرى عروس في الخيال تتيه بالحلل الجميلة

أيام كان الحب ينفحنا بأنداء بليلة

والحب ينشر فوق مخدعنا من الأحلام أجنحة ظليلة

وينير غرفتنا ضياء من سنا الأشواق لا نخشى أفوله

ويدق شرطي على باب الحديد بكفه أزف الوداع

أزف الوداع أتسمعون

أزف الوداع لقد مضى الوقت المحدد للزيارة

هذا الذي سمحت به في السجن لائحة الإدارة

هيا إلى الغرفات مرّ الوقت وانتهت الزيارة

ويذوب كفي في يمينك عندما أزف الوداع

أزف الوداع إلى اللقاء

ونزعت كفك ثم قلت إلى اللقاء

أحسست أن القلب من جنبيّ ينزع ثم تنهمر الدماء

سيغيب عن عيني ضياك

ودقيقة تمضي ثوانيها السراع فلا أراك

وأدرت ظهرك حين غاص الجفن في الدمع المغمس في شذاك

تمضي وطرفي في وجوم الصمت متبع خطاك

ستغيب خلف الليل خلف رؤى دجاه وخافقي في الصدر محتضن رؤاك

فكما ترى هذه القصيدة – ولي قصائد كثيرة مثلها – فيها الحداثة في أبرز معانيها ولكنها مشرقة ملتزمة واضحة .

س 23 – ما سبب فقر المكتبة بالنقد الأدبي الإسلامي الحديث ؟

ج23 – المكتبة الإسلامية مفتقرة إلى الكثير الكثير ..فهي مفتقرة إلى كتب في الفكر الإسلامي، وفي السياسة الإسلامية، لولا بعض الكتاب، وبعض الكتل جزاهم الله خيراً، قاموا بهذه المهمة، وربما يكون الطريق إلى النضج قريباً أو بعيداً لا ندري، والحقيقة هناك تعتيم معرفي شديد حول انتشار الأدب والنقد الإسلامي. .

س 24- من المسؤول عن التعتيم المعرفي في نظركم ؟

ج24- المسؤولون في الدرجة الأولى هم القيادات السياسية؛ لأن القيادات السياسية هي التي توجه الإعلام إلى خدمة أغراض هذا القائد أو ذاك، وهذا الفكر الغريب أو ذاك، والإعلام هو أعظم وسيلة لنشر الكلمة والفكر، وهؤلاء القادة هم المسؤولون في الدرجة الأولى، ولكن الأمة جميعاً مسؤولة عن ذلك أيضاً؛ لأنها هي التي يجب أن تستأنف الحياة الإسلامية وأن تتجاوز هذه المصاعب مهما كانت عنيفة وقاسية، ومهما احتاجت للبذل والتضحية، ودائماً الكفاح السياسي وإعادة النهضة واستئناف الحياة الإسلامية يحتاج إلى جهد كبير جداً، وبذل دماء وتضحيات ضخمة .

س 25- يقال: إن الشعر الإسلامي شعر جامد؛ لأنه يعتمد على الوعظ، ويغلب فيه العقل على العاطفة، فما مكانة العقل والعاطفة في الشعر الإسلامي ؟

ج25- الإنسان من عقل وعاطفة فعلاً، والعقل أساس في فهم المبدأ والأحكام الشرعية، والعاطفة طاقة تحرك إلى العمل، فيجب أن يتضافر العقل والعاطفة حتى يكون الإنسان المسلم مسلماً حقاً، ملتزماً حقاً، ومن هنا ترى شعر حسان وكعب وابن رواحة يحمل هاتين السمتين العقلانية والعاطفية الجياشة، والذين وجهوا هذا النقد إلى الشعر الإسلامي وإلى بعض الشعراء المسلمين أصابوا في ذلك النقد؛ لأن هناك شعراء مسلمين حقيقة لديهم هذا الجمود، وهذه مهمة النقاد .

أما الشاعر المسلم فيجب أن يكون شعره إسلامياً ملتزماً يحمل مبدأ الرسول كاملاً بالطريقة السياسية ويجب أن يحوز على أعلى قمة من قمم الفن الشعري وأن يتحلى بأعلى عناصر الفنية .

س 26- ما تقييم الأستاذ يوسف عبيد لجهود رابطة الأدب الإسلامي العالمية ؟

ج26- جزاهم الله خيراً، أي أحد يضيف إلى نبض العالم الإسلامي نبضاً جديداً ، ولكنه في الطريق الصحيح هذا أمر جيد ، ونحن دائماً نتحفظ على مؤتمرات تكون هنا وهناك ونخشى أن تكرس واقع التجزئة ، وهم إذا انطلقوا من وحدة العالم الإسلامي ، وطالبوا باستئناف الحياة الإسلامية تحت ظلال القرآن والسنة ، والكلمة المعبرة والشعر الإسلامي الذي يخدم تلك الفكرة فهذا جهد مبارك . ولكنني أعود وأقول : إنها تبقى محاولة ما تزال محدودة ، ونية أصحابها ربما كانت حسنة ولكن المعطيات والإمكانيات محدودة .

س 27- كيف يرى الأستاذ يوسف عبيد مستقبل الأدب الإسلامي ؟

ج27- مستقبل الأدب الإسلامي مربوط بمستقبل العالم الإسلامي ومستقبل المسلمين أنفسهم ..فالمسلمون اليوم يطلبون استئناف الحياة الإسلامية وعودة النظام الإسلامي تحت ظلال الخلافة ، لا الجمهورية الإسلامية ولا غيرها ،فالإسلام هو الإسلام الشامل الكامل ويجب أن يعود إلى الحياة ..فإذا عاد الإسلام إلى الحياة عاد الأدب الإسلامي أيضاً ؛لأن الأدب الإسلامي كلمة تخدم الفكر الإسلامي . فعلى المسلمين أن يعملوا لعودة الخلافة والحياة الإسلامية .

ولقد ذكرتني بمقالة لي كتبتها منذ سنتين هي ( ماذا يطلب المسلمون اليوم ) والحقيقة أن المسلمين اليوم لهم مطلب وحيد هو استئناف الحياة الإسلامية على أساس الخلافة ، ومطلبهم وحدة العالم الإسلامي وأي منشق هو مخرب .

س 28- هناك ديوان للأمير عبد الله الفيصل عنوانه ( من وحي الحرمان ) ،فمن هو الشاعر المحروم في رأيك ؟

ج28- عبد الله الفيصل قرأت ديوانه الأول ( من وحي الحرمان ) ثم صدرت له دواوين أخرى مثل

خريف العمر ) وشعره متوسط ،ويميل إلى إرسال قصائده إلى المغنين والملحنين متأثر بالرومانسية وأدباء المهجر ، وينظم الشعر النبطي أيضاً، وشعره غزل بشكل عام ، لأنه رجل متفرغ لحياة الترف واللهو ، وهو يشعر بالغربة والضياع وانقسام النفس في هذا الديوان ..ونحن هنا لا نريد أن نفصل في أمره .

أما الشاعر المحروم فهو الذي لا ينشر شعره بين الناس؛ لأن الشاعر حين يعبر عما في نفسه ملتزماً بقضايا أمته، يريد أن ينتقل هذا الكلام إلى أكبر عدد ممكن من البشر، ولو استطاع لأسمعه إلى كافة أرجاء العالم الإسلامي حتى يؤثر تأثيره المطلوب، فالشاعر المحروم هو الذي لا ينشر شعره وأدبه لسبب مادي أو عجز أو ضغط سياسي، وهذا هو الحرمان فقط ، أما الحرمان المادي والحرمان الذي يأتي من قبل الكفاح السياسي فهذا ليس بحرمان؛ لأن المكافح راض بما يحصل له نتيجة كفاحه وأعماله .

س 29 – اذكر لنا – إذا سمحتم – بعض الشعراء المعاصرين الذين يمكن أن يمثلوا التصور الإسلامي في نتاجهم الأدبي ؟

ج29- أي نقص في التصور يكون القصور في الأدب الإسلامي، ومثلاً الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري وقف شعره للفكر والقضايا الإسلامية، وعبد الرحمن العشماوي: هو من الشعراء الممتازين إسلامياً ومحلق من الناحية الفنية ..وهناك عبد الله عيسى السلامة لولا شيء من الغموض في شعره، ومحمد منلا غزيل حين التزم بالإسلام، وانطلق في الشعر الإسلامي كان له شعر جيد، وإن كانت تغلب عليه العاطفة وأحياناً فيه شيء من السطحية ، وقد هجر الشعر أخيرا.ً

ونحن بسبب هذا التعتيم الإعلامي لا نعرف شيئاً يذكر عن الشعراء الإسلاميين في موريتانيا أو اليمن أو في شمال إفريقيا. .

س 30 – ما رأي الأستاذ يوسف عبيد في الأدب النسائي الإسلامي ؟ ولماذا غاب عن الساحة ؟

ج30- الأدب النسائي الإسلامي موجود منذ فجر التاريخ الإسلامي، فالسيدة عائشة – رضي الله عنها – كانت محدثة وبليغة في كلماتها، وهناك الخنساء، وفي العصر الحديث هناك كاتبات مسلمات مثل سمية قراعة كتبت في قمة الفكر الإسلامي (الإرادة والاختيار ).

وهناك بنت الشاطئ ..ونحن نريد من الرجال والنساء أن يشاركوا في العمل الإسلامي، وحمل المبدأ الإسلامي ومنه الأدب والشعر.

عين النخيل 8 آذار 1994م .

الشيخ الشاعر يوسف عبيد:

وكتب المهندس الداعية محمد عادل فارس – مقالة نشرها المركز الإعلامي في الخميس 12 نيسان 2007م:

كان من حظّي أن تعرَّفت بهذا الشيخ الشاعر في سجن حلب المركزي. فبعد فترة وجيزة من نقلي إلى هذا السجن، تم نقل اثنين من السجناء السياسيين، فصرنا ثلاثة في غرفة واحدة: أنا، والشيخ يوسف، وعبد العزيز ج، المحسوب على البعث العراقي.

الشيخ أبو ضياء: يوسف عبيد رجل ضرير، ضخم الجسم، خفيف الظلّ، يحفظ القرآن الكريم، ويحمل إجازة (بكالوريوس) في الشريعة، وهو شاعر مجيد، ينتمي إلى حزب التحرير. ويكاد كل شعره أن يكون شعراً ملتزماً، بل إنَّ السبب المباشر في اعتقاله كان قصيدة قالها في هجاء حافظ أسد واتهامه إياه بالخيانة.

ولا غرابة أن يكون يوسف عبيد من فحول الشعراء، فهو من قرية "عين النخيل" من أعمال منبج وما أكثر الشعراء الفحول المنبجانيين، بدءاً من البحتري، ومروراً بعمر أبي ريشة، ثم محمد منلا غزيّل وعبدالله عيسى السلامة... ولعلّ منبج قد أنجبت شعراء كُثُراً آخرين، فلست ممّن يتابع تاريخ الأدب والحركة الأدبية.

* * *

بعد حرب تشرين "التحريرية"! قام وزير خارجية الولايات المتحدة هنري كسنجر، بزيارات، وُصفت بالمكّوكيّة، بين واشنطن وتل أبيب ودمشق. وفي إحدى المرات طال الفاصل بين زيارةٍ له وأخرى، فقد أمضى مدة تزيد على الشهر في الولايات المتحدة، تزوّج حينَها من "نانسي"، وعاد إلى دمشق، في استئناف لرحلاته المكّوكية.

إلى آخر سبعين بيتاً

ويبدو أنه ألقى هذه القصيدة في عدد من السهرات والتجمعات. فاعتقلته المخابرات، وسجنته في فرع مخابرات حلب، ثم في الحلبوني، ثم كان مستقرُّه في سجن حلب المركزي.

وفي كلِّ سجن من هذه السجون كان رؤساء هذه السجون، ومحقّقوها، وسجّانوها، وسجناؤها... يُعجبون بالقصيدة، ويلتذّون بسماعها، لكنَّهم لا يجرؤُون غالباً أن يُبْدوا إعجابهم بها وبقائلها، وشماتتهم بـ "بطل الجولان" فكانوا يحتالون لسماع القصيدة مرة تلو الأخرى.

وهكذا في قصيدة جديدة، يردُّ فيها على المحقّق "الموظف".

وفي الحلبوني كذلك، كان يأتي عنصر المخابرات، من سجّانٍ أو محقّق، أو رئيس حَرَس... فيقول: هل صحيح يا أبا ضياء أنك نظمت قصيدة في هجاء الرئيس؟! فيقول: نعم. فيقول: هل يمكن أن تسمعنا إياها؟!.. فيسمعه إياها.

يذهب هذا "العنصر" ثم يعود ومعه عنصر آخر أو اثنان، ويطلب من أبي ضياء أن يُسمع القصيدة ثانية.

ثم يأتي عنصر آخر فيكرر القصة. وكلهم يبدي سروره وإعجابه! فتصوّروا.

بل إننا، في سجن حلب المركزي، شاهدنا موقفاً أعجب. ففي أمسية أحد الأيام، كان يمرّ أمام السجن قائد شرطة محافظة حلب، ومعه "النائب العام" وبدا لهما أن يزورا ذلك السجن. واستقبلهما الضابط المناوب النقيب نهاد شقيفة، وراح الثلاثة يتجولون في ردهات السجن. فلما مرّوا أمام غرفتنا توقفوا، وتعرّفوا بنا وبقضايانا, وكان منظر أبي ضياء لافتاً للانتباه، فهو سجين سياسي ضرير! سأله قائد الشرطة: ما قضيتك؟. قال: قلتُ قصيدة في هجاء الرئيس!. قال: هل تسمعنا إياها؟! قال: نعم. وبدأ ينشد قصيدته. وكنتُ أنظر في وجوه الثلاثة: النقيب والضيفين، فأرى مظاهر الفرح والإعجاب.

وبعد ذهابهم. عاد إلينا النقيب فقال: إنَّ السيد رئيس شرطة المحافظة يطلب نسخة من القصيدة!!!.

* * *

وأختم هذا الحديث عن الشاعر أبي ضياء، فأقول: لكل شاعر أبيات يقولها تندّراً وتملُّحاً، وتكون في الغالب بِنت لحظتها، وهي، وإن لم تكن في مستوى الشعر العالي الذي ينسب إليه، تعبِّر عن مشاعره العفويّة.

مرّة كان يتناقش مع أحد البعثيين، فقال البعثي: شعارنا: أمة عربية واحدة. ذات رسالة خالدة. فسأله أبو ضياء: وما تعريف الشعار؟! فارتبك. وبعد ذهابه قلت: أتسأله عن التعريف، والتعريفات يعجز عنها من هو أكثر علماً وثقافة منه، بل لعلَّ هذا "الرفيق" لا يفرِّق بين الشعير والشعار؟! فضحك وقال:

الشِّعر والشعير والشعار يحسبها سواءً الحمارُ

----------

ومرة، فقد نعليه من مكانهما. وهو يسمي النعلين "كُلاشاً" فقلت له: خُذْ أيَّ كُلاش من كلاشاتنا!

ليس رثاء:

وكتب ولده طارق يوسف عبيد تحت عنوان ( ليس رثاء):

يعز عليّ أن أعزّي أحداً بوالد أو والدة , فكيف لو عزيت وكيف إذا كان العزاء في بلد غريب وأنت لا تستطيع أن تودع الراحل الوداع الأخير حيث تتضاعف الآلام وحيث "الأخبارُ شجون , والحديثُ أحزان , والصمت سيد الموقف فهو المملوك الوحيد للإنسان في هذه الحال" .

دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفساً إذا حكم القضاء

ما يعزيني وأمي وأخوتي وأعمامي هنا هو حديث النبي- صلى الله عليه وسلم-" من ابتلي بفقد حبيبتيه فصبر فليس له جزاء إلا الجنة".

وأن عبد الله ابن أم مكتوم بشّره النبي أنه من أول الناظرين إلى وجه الله يوم القيامة جزاء على صبره على فقد بصره .

وإنا لنشهد نحن من عشنا مع الوالد ومن عرفه أنه لم يكن إلا صابراُ محتسباً لم يتذمر من القضاء – هذا أو غيره- ولو مرة واحدة . حتى أننا لإلفنا أنه لا يتذمر ولا يتضايق ولا يشتكي ولا يتحدث عن أنه لو كان مبصرا لفعل كذا – لذلك - لم نكن نشعر أنه كان فاقداً للبصر بل كان يمارس حياته بشكل اعتيادي .ساعده على تخطي هذه العقبة "زوجةٌ عظيمة " تحملت معه هموم الحياة وأعباءَها دون منّ أو تضجر حتى كبر الأولاد فساعدوا وأخص بالذكر ضياء فهو الذي رافقه وحمل معه وحمل عنه . دون أن أنسى دور والدته العظيم في الرعاية والمتابعة في التعليم وغربة الحياة الطوعية والقسرية .

مما يعزينا –نحن- أيضا أنه كان "حافظاً للقرآن " منذ الصغر واستمر الحفظ حتى آخر لحظة من حياته وذلك كله من إكرام الله . كان حافظاً له رسماً ومضموناً ما استطاع إلى ذلك سبيلاً . ومن المعروف أن حافظ القرآن لا يُكرَم يوم القيامة وحده بل يكرم الله لأجله والديه فيلبسهما تاجاً من النور فيسألان عن هذا فيقال : بحفظ ولدكما القرآن . ثم يشفع في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت لهم النار.

ليس هذا غريباً عليه – أو على طلاب العلم الصادقين- فلقد كان مثالاً لطالب العلم الصادق المحتسب الداعي إلى الله على بصيرة دون خوف أو وجل أو مجاملات اجتماعية أو غير اجتماعية . لم يداهن في دينه أحداً . في وقت " ودوا لو يدهن فيدهنون". قضى وهو ثابت على دينه لم يُزعزِع إيمانه تغيرات الزمن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .

مذ عرفناه إلى آخر ساعة هو هو .

كان "عاشقاً للشمس ". قضى عمره عاشقاً لها باحثاً عن مهرها الغالي النفيس وقد دفع من مهرها أنفس أيام عمره وشبابه واستمر العطاء إلى نهاية العمر ليقدم نورها لا لنفسه بل للدنيا كلها.

لقد كانت شمسه التي بحث وضحى من أجلها هي الإسلام . دينُ الله الباقي على الدوام . والكلمة الأخيرة من الله لأهل الأرض .

إن الشمس مصدر للدفء والحياة ورمز للسموّ والرفعة والجمال والنور والبهاء والضياء , وهو عاشق لهذه القيم كلها وهي ملخصة بكلمة واحدة هي "الإسلام".

الإسلام ... النظام الشامل للكون والإنسان والحياة .

الإسلام المنظم لحياة الإنسان الخاصة والعامة .... مع نفسه ومع ربه ومع الناس.

كان يوسف عبيد متميزاً بشعره . من الشعراء الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر المسخّرين شعرهم وأدبهم لخدمة الدعوة والإسلام من الذين ينطبق عليهم وصف آية الشعراء " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " .

كان - ككل شاعر – يحس بهواجس التمايز هذه ومن ثم جاءت قصيدة "شاعر " في ديوانه" المفضّل" عاشق الشمس تعبر عن شعوره بالتميز .ولم يكن في هذا

بدعا بين الشعراء فلقد كان أبو ريشة يحس بهذا ويعبر عنه في قصيدة "نَسر" وكذلك الشاعر الفرنسي بودلير في قصيدة "طائر القطرس"حين قال :

" كذلك الشاعر............... أشبه الأحياء بأمير الأجواء

يقتحم العواصف ولا يبالي بالرماة وهو في أوج السماء

ولكنه على الأرض غريب طريد ومعرض هوان

يمشي متعثر الخطو ...يعوقه عن المشي "جناحاه الجباران".

كان يوسف عبيد باحثاً – بكل ما أوتي – عن النور ,عاشقاً للضياء سخّر عمره وشعره وعلمه في خدمة دينه.

حين انصرف كثير من طلاب العلم – أمثالُه- يقفون على أعواد المنابر ( وأحياناً فاقدي البصر على أبوابها ) يتكسبون بعلمهم ويستجدون الناس انصرف هو ينشر العلم – حسبة - ويحارب المفسدين ويقف موقفاً صلباً من المتاجرين بالدين أو المحاربين له.

وحين انصرف كثير من الشعراء والأدباء يصرفون أدبهم وشعرهم في خدمة الظلم والظالمين والسادة والزعماء في سبيل المال والشهرة والوصول إلى الصفوف الأولى . انصرف هو إلى خدمة الدعوة مستهتراً مستهيناً بالمال والشهرة, ولو أنه دفع ثمن ذلك غالياً حيث دُفع إلى الصفوف الخلفية بعيداً عن الكاميرات والأضواء .

أعلم يقيناً واستذكر قول الله عز وجل " من جاهد فإنما يجاهد لنفسه" . ولكني أقول هذا وأذكره لأذّكر نفسي وأخوتي أولاً أن التركة التي تركها لنا والدنا يوسف عبيد " ليست بالقليلة" وأن "الإرثَ عظيم , وأن " رأسَمالنا قوي " , و"رصيدَنا كبير".ومن ثَمّ وجب علينا على الأقل المحافظة على رأس المال إن لم نبحث عن الزيادة وحري بنا فعل ذلك .

كما أذكر هذا لأذكّر الأخوة الحضور وخاصة العلماء وطلاب العلم والأدباء والشعراء والمهتمين بأمور الدعوة عامة أن " يوسف عبيد " الذي رفع الله عنه الحرج بنص القرآن رسالة لكل المبصرين أنكم تستطيعون – لو أردتم – أن تقدموا لدينكم الكثير .

وأخيراً إن يوسف عبيد لسنا - نحن أولاده أو أخوته- الذين نُعزى فيه فقط بل كل الحضور من الأقارب والمحبين والمعارف وأهل القرآن والدعاة .

أشكركم جميعاً بالشكر الجزيل على حضوركم وتعاطفكم وأدعو الله أن لا يصيبكم بمكروه وأن لا يفجعكم بعزيز وأن يتغمد أمواتكم بالرحمة والمغفرة ودخول الجنة ومرافقة الأنبياء.

-يتبع -