حول تصاعد الدعوات لضم العراق إلى منظمة التجارة العالمية 2+3

د. حسين سرمك حسن

حول تصاعد الدعوات لضم العراق إلى منظمة التجارة العالمية (القسم الثاني)

منظمة سرّية غير ديمقراطية تسحق حقوق الإنسان والبيئة والصحة والديمقراطية وتقتل الناس

# لمحة تاريخية: من اتفاقية الجات إلى منظمة التجارة العالمية

لقد ظهرت منظمة التجارة العالمية لتمثل الركن الثالث من أركان نظام بريتون وودز؛ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. تم إطلاق نقاش صحّي جدا بعد الحرب العالمية الثانية حول الحاجة إلى مؤسسات تجارة واستثمار عالمية يمكن أن تساعد في توليد العمالة الكاملة، وحماية حقوق العاملين في جميع أنحاء العالم؛ حمايتهم ضد ما كان يُشار إليه باسم "الكارتلات العالمية" - مجموعات صغيرة من الشركات التي اكتسبت قدرا كبيرا من السلطة على القطاع. تجسدت هذه الأهداف على نطاق واسع في ميثاق هافانا الذي اقترح تشكيل منظمة التجارة الدولية (ايتو). تم رفض هذه الاتفاقية من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي على أساس أن ولايتها واسعة وستقضي على السيادة الأمريكية، عدا عنصر واحد من ايتو، هو الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (الجات) General Agreement on Tariffs and Trade (GATT)، تم إنشاؤه، مع هدف أكثر ضيقا يتعلق بخفض التعريفات الجمركية على السلع و الخدمات ووضع حفنة من مبادئ التجارة كان هدفها خفض الحواجز التجارية الوطنية ووقف السياسات التجارية التنافسية التي أربكت الاقتصاد العالمي قبل الحرب العالمية الثانية.

نمت التجارة العالمية بشكل كبير في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بتوجيه من اتفاقية الجات. تم التفاوض عبر سبع جولات حول التخفيضات الجمركية بموجب معاهدة الجات – كانت الجولة النهائية هي "جولة أوروغواي" التي بدأت في عام 1986. ومنظمة التجارة العالمية، التي أنشئت في 1 يناير 1995، هي نتيجة لجولة أوروغواي لمحادثات التجارة التي عقدت بين 1986-1993 تحت رعاية الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (الجات). إن الوثيقة الختامية التي تتضمن نتائج جولة أوروغواي للمفاوضات التجارية المتعددة الأطراف صدرت في عام 1994، في مراكش. وهذه مهدت الطريق لمنظمة التجارة العالمية الجديدة، وقدم هذا الجهاز القدرة على نقض أو تقويض الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. ومثل اتفاقية الجات فإن منظمة التجارة العالمية ليست وكالة تابعة للأمم المتحدة.

وبناء على إصرار الولايات المتحدة شملت محادثات جولة أوروغواي الزراعة والخدمات للمرة الأولى. مع 147 عضوا (كما هو الحال في أبريل 2004) فرضت منظمة التجارة العالمية لعام 1993 اتفاقيات جولة أوروغواي وهي :

الاتفاق بشأن الزراعة Agreement on Agriculture (AoA)،

والاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات (الجاتس) General Agreement on Trade in Services (GATS)،

واتفاقيات حقوق الملكية الفكرية ذات الصلة بالتجارة (تربس) Trade-Related Intellectual Property Rights (TRIPs)

وتدابير الاستثمار المتصلة بالتجارة Trade-Related Investment Measures (TRIMs).

منظمة التجارة العالمية، على عكس الجات، لديها صفة رسمية لمنظمة دولية بدلا من منظمة معاهدة فضفاضة. تقدم منظمة التجارة العالمية نفسها بمثابة منتدى للأعضاء للتفاوض على تحرير التجارة. في الممارسة، المنظمة هي القوة الماحقة لتحرير التجارة؛ قوة هائلة تم التنازل عنها من قبل أعضائها، وفي بعض القضايا، تتولى دور الحكم الاقتصادي العالمي. تعزّز منظمة التجارة العالمية قضية تحرير التجارة، لصالح الجهات التي هي المستفيد الأكبر من هذا التحرير وهي الشركات العابرة للحدود الوطنية، التي تتوسط النزاعات التجارية، وتسعى للحد من الحواجز بين الدول وترعى الاتفاقات. هكذا قال مدير عام منظمة التجارة العالمية مايك مور في سياتل في عام 1999 في الاجتماع الوزاري الثالث لمنظمة التجارة العالمية. لكن منظمة التجارة العالمية هي أكثر من ذلك بكثير.

وخلافا لاتفاقيات التجارة السابقة، فإن منظمة التجارة العالمية والاتفاقات التي تقوم عليها تنتقل إلى ما هو أبعد من المسائل التجارية التقليدية مثل التعريفات وحصص الاستيراد أو المتطلبات التي تُعامل وفقها السلع الأجنبية والمحلية بصورة متساوية. مجموعة أحكام منظمة التجارة العالمية تضع قيودا على قوة قوانين الأمن الغذائي للبلدان وشمولية سياسات توسيم (تعريف) المنتجات. إنهم يمنعون الدول من حظر المنتجات المصنوعة من عمالة الأطفال. ويمكنهم حتى تنظيم الإنفاق من الضرائب المحلية بالدولار: على سبيل المثال، حظر اعتبارات حقوق الإنسان أو البيئة في قرارات المشتريات الحكومية.

# منظمة التجارة "العالمية" .. لِمن؟

تراكم لمنظمة التجارة العالمية سجلٌ دنيئ بسرعة قياسية. لقد قوّضت قرارات ملزمة من المحاكم لحماية المستهلك والبيئة في جميع أنحاء العالم. وقد استخدمت الشركات عبر الوطنية التهديد بعمل منظمة التجارة العالمية لإلغاء أو منع قواعد لا تُعد ولا تُحصى وُضعت لصالح العمال والمستهلكين والبيئة، وتعزيز حقوق الإنسان والتنمية في البلدان الأكثر فقرا في العالم. ولكن كل هذا كان متوقعا قبل أن تأتي منظمة التجارة العالمية إلى حيز التنفيذ رسميا بمدة طويلة. منذ البداية كان يُنظر إلى الجات باسم "نادي الأغنياء" وتهيمن عليه الدول الصناعية الغربية.

في حين اقتصرت في البداية على ولاية التوسع التجاري، تطورت الجات إلى مؤسسة روّجت لحقوق الشركات على حساب حقوق الإنسان وغيرها من الأولويات الاجتماعية والبيئية. في الثمانينات، والاقتصاديون والسياسيون، المدعومون من قبل ما سُمى بـ "ثورة ريغان" وسطوة تاتشر وكول في أوروبا، بدأوا يخططون لجولة جديدة من التفاوض حول الجات ولكنها مختلفة بشكل كبير هذه المرّة. كان هدفهم توسيع تخصصات الجات لربط الحكومات الموقعة على مجموعة من السياسات المتعددة الأطراف بشأن الخدمات والمشتريات الحكومية، والقطاعات الاستثمارية. وضع حدود عالمية على تنظيم الحكومة للشؤون البيئية والأمن الغذائي، ومعايير المنتجات؛ وإنشاء حماية جديدة لحقوق الملكية الفكرية الممنوحة للشركات في الدول الغنية، وأن يكون هذا الغطاء الواسع من مقاس واحد يناسب جميع القواعد القسرية التي تُفرض بقوة على كل مستوى من مستويات الحكم في كل الدول الموقعة.

عندما كان يجري التفاوض في جولة أوروغواي، حذّرت جماعات البيئية والعمال والمستهلكين بحق من أن نظام الغات، الذي كان موجودا منذ عقود، تجري إعادة صياغته بشكل كبير وموسّع بطريقة من شأنها إخضاع احتياجات المصلحة العامة الرئيسية لمصالح الشركات. رفض أنصار جولة أوروغواي ومنظمة التجارة العالمية هذه المخاوف واعتبروها تنبؤات سيئة بيوم القيامة، ووعدوا بأن منظمة التجارة العالمية لن تشكل أي تهديد للسيادة المحلية أو لصنع السياسات الديمقراطية والمساءلة. كم وعدوا بمكاسب اقتصادية هائلة في جميع أنحاء العالم، إذا ما نُفذت جولة أوروغواي: إن العجز التجاري الأمريكي سينخفض ​​بنسبة 60 مليار دولار في عشر سنوات، وإن بلدان أمريكا اللاتينية ستزدهر، وأن النمو الآسيوي سيواكب هذا الازدهار.

الآن، وبعد مرور هذه السنوات، فمن الواضح أن المكاسب الاقتصادية الموعودة لم تتحقق. لم تفشل منظمة التجارة العالمية في أن ترقى إلى مستوى وعودها فحسب، بل سبّبت الضرر – وباستمرار - للصحة، وحقوق الإنسان، وسلامة البيئة، وحتى الثقافات المحلية الأصلية.

mot8971.jpg

(عطش في الصومال)

# منظمة سرّية غير ديمقراطية تسحق حقوق الإنسان والبيئة والصحة والديمقراطية وتقتل الناس

الشركات العابرة للقوميات هي قوية (غنية) بما فيه الكفاية لممارسة تأثير كبير على منظمة التجارة العالمية. وفي حين أصبحت الشركات هي التي تتاجر بدلا من الدول، فإن منظمة التجارة العالمية تتكون من البلدان. وعليه ليس من المستغرب بعد ذلك أن تكون قراراتها عادة في صالح الشركات. وزراء الحكومات ومسؤولوها يقومون بإنجاز أعمالهم التجارية في اجتماعات منظمة التجارة العالمية تحت أنظار ممثلين عن الشركات الكبرى، الذين يمكن أن يكونوا حتى جزءا من الوفد الرسمي الحكومي. وصار من الواضح أن منظمة التجارة العالمية أما أن يتم إصلاحها بصورة جذرية أو استبدالها. وتشير القائمة القصيرة التالية كيف تختلف منظمة التجارة العالمية عن أي نوع من المنظمات الحكومية الديمقراطية التي نعرفها:

- إنها تعمل في الخفاء. والقضاة الذين يجلسون في منصات منظمة التجارة العالمية يُعيّنون ويجتمعون وراء الأبواب المغلقة. لا تسمح لأي شهود خارجيين. ولا تعرض إجراءاتها على الجمهور.

- قضاة منظمة التجارة العالمية لا يتم اختيارهم بسبب خبرتهم في الموضوع الذي يحكمون فيه، ولكن بسبب التزامهم بمبادئ التجارة الحرة.

- الحكومات فقط يمكنها رفع دعوى إلى هيئة منظمة التجارة. أما المنظمات المدنية والأفراد والحكومات المحلية فلا يمكنها ذلك.

- منظمة التجارة العالمية تسمح للدول أن تسن القوانين التي هي أضعف من المعايير العالمية ولكن ليس أقوى منها.

- لا تقدم منظمة التجارة العالمية العملية الديمقراطية من أجل التغيير. يمكن تعديلها، ولكن فقط من الداخل.

- من الناحية النظرية، تقوم ديمقراطية منظمة التجارة العالمية على اساس : "بلد عضو واحد، صوت واحد"، ولكن في الواقع لم يكن هناك تصويت في المنظمة طوال سنوات وجودها. ربما لأن الأعضاء من البلدان النامية يمكن أن يصوتوا لصالح تغيير قواعد اللعبة؟

- إن منظمة التجارة العالمية هي منظمة غير ديمقراطية في الأساس:

سياسات منظمة التجارة العالمية تؤثر في كل جوانب المجتمع وكوكب الأرض، ولكنها ليست، مؤسسة ديمقراطية شفافة. تتم كتابة قواعد منظمة التجارة العالمية لصالح الشركات من خلال سيطرتها على المفاوضات. على سبيل المثال، يحصل الممثل التجاري للولايات المتحدة على تأثير ثقيل في المفاوضات من 17 من "اللجان الاستشارية لقطاع الصناعة". أما مساهمة المواطنين أو جمعيات المستهلك، والبيئة، وحقوق الإنسان والمنظمات العمالية فيتم تجاهلها باستمرار. تُحرّم حتى الطلبات البسيطة للحصول على معلومات، وتقام الدعاوى بصورة سرية. من هم الذين انتخبوا هذه الحكومة العالمية السرية؟

- إن منظمة التجارة العالمية لن تجعلنا أكثر أمنا:

ان منظمة التجارة العالمية تريد جعلك تصدّق بأن خلق عالم "التجارة الحرة" يساهم في تعزيز التفاهم والسلام العالمي. على العكس من ذلك، فإن هيمنة الدول الغنية على التجارة الدولية لصالح مصالحها الفردية يشعل الغضب والاستياء الذي يجعلنا أقل أمنا. لبناء الأمن العالمي الحقيقي، نحن بحاجة إلى الاتفاقيات الدولية التي تحترم حقوق الشعب في النظم الديمقراطية والتجارة التي تعزز العدالة العالمية.

- تسحق منظمة التجارة العالمية العمل وحقوق الإنسان:

قواعد منظمة التجارة العالمية وضعت "حقوق" الشركات في الربح فوق حقوق الإنسان وحقوق العمل. وتشجع منظمة التجارة العالمية "السباق نحو القاع" في تخفيض الأجور وتأليب العمال ضد بعضهم البعض بدلا من تعزيز معايير العمل المعترف بها دوليا. قضت منظمة التجارة العالمية أنه من غير القانوني للحكومة حظر المنتج على أساس الطريقة التي يتم إنتاجها بها، مثل عمل الأطفال. واستبعدت أيضا أن تأخذ الحكومات في الاعتبار "القيم غير التجارية" مثل حقوق الإنسان، أو سلوك الشركات التي تتعامل مع الديكتاتوريات الشرسة مثل بورما عند اتخاذ قرارات الشراء.

- منظمة التجارة العالمية تخصخص الخدمات الأساسية:

منظمة التجارة العالمية تسعى لخصخصة الخدمات العامة الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والطاقة والمياه. الخصخصة تعني بيع الأصول العامة - مثل المعامل ومحطات الإذاعة والتلفاز أو المدارس - إلى الشركات الخاصة (الأجنبية عادة)، لتشغيلها من أجل الربح وليس من أجل الصالح العام. تتضمن الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات، أو الجاتس في منظمة التجارة العالمية قائمة من حوالي 160 من الخدمات المهدّدة بما في ذلك رعاية كبار السن ورعاية الأطفال، ومياه الصرف الصحي والقمامة وصيانة الحدائق، والاتصالات، والبناء، والخدمات المصرفية، والتأمين، والنقل، والشحن، والخدمات البريدية، والسياحة. أولئك الأقل قدرة على دفع ثمن الخدمات الحيوية - مجتمعات الفقراء والطبقة العاملة والمجتمعات المحلية من ملونين وغيرهم - هم الذين يعانون أكثر من غيرهم.

- منظمة التجارة العالمية تدمّر البيئة:

يتم استخدام منظمة التجارة العالمية من قبل الشركات لتفكيك الحماية البيئية المحلية والوطنية التي وضعت بشق الأنفس، والتي تتعرض للهجوم بحجة أنها "حواجز أمام التجارة". حكمت هيئة منظمة التجارة العالمية بأن أحكام قانون الهواء النظيف في الولايات المتحدة، والتي تطلب من المنتجين المحليين والأجانب على حد سواء انتاج بنزين نظيف، بأنه غير قانوني. أعلنت منظمة التجارة العالمية بأنه غير مشروع حكم من أحكام قانون الأنواع المهددة بالانقراض الذي يتطلب صيد الروبيان الذي يباع في الولايات المتحدة باستخدام أجهزة تسمح للسلاحف البحرية المهددة بالانقراض بالفرار. منظمة التجارة العالمية تسعى لتحرير الصناعات بما في ذلك قطع الأشجار، وصيد الأسماك، ومرافق المياه، وتوزيع الطاقة، والتي من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من استغلال هذه الموارد الطبيعية واستنفادها.

- منظمة التجارة العالمية تقتل الناس:

دفاع منظمة التجارة العالمية الشرس عن "حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة" - براءات الاختراع وحقوق المؤلف والعلامات التجارية - تأتي على حساب صحة وحياة الإنسان. منظمة التجارة العالمية تحمي "الحق في الربح" لشركات الأدوية ضد الحكومات التي تسعى لحماية صحة شعوبها من خلال توفير الأدوية المنقذة للحياة في البلدان النامية في مناطق مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يموت الآلاف كل يوم من فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. فازت البلدان النامية فوزا مهما في عام 2001 عندما أكدت على الحق في إنتاج الأدوية الجنيسة (أو استيرادها إذا كانت تفتقر إلى الطاقة الإنتاجية)، حتى تتمكن من توفير الأدوية الأساسية المنقذة لحياة لسكانها بتكلفة أقل. للأسف، في سبتمبر 2003، تم الاتفاق في منظمة التجارة العالمية على العديد من الشروط الجديدة التي من شأنها أن تجعل من الصعب على الدول إنتاج تلك العقاقير. مرة أخرى، تثبت منظمة التجارة العالمية أنها تفضل أرباح الشركات على إنقاذ الأرواح البشرية.

- منظمة التجارة العالمية تفاقم عدم المساواة:

التجارة الحرة لا تعمل لصالح غالبية دول العالم. خلال الفترة الأخيرة من النمو السريع في التجارة والاستثمار العالمي (1960-1998) تفاقم عدم المساواة بدرجة هائلة سواء على الصعيد الدولي وداخل البلدان. تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تشير إلى أن أغنى 20 في المائة من سكان العالم يستهلكون 86٪ من موارد العالم، بينما أفقر 80 في المئة يستهلكون 14٪ من موارد العالم فقط. وقد سرّعت قواعد منظمة التجارة العالمية هذه الاتجاهات من خلال فتح البلدان للاستثمار الأجنبي مما يجعل الأمر أكثر سهولة أن يذهب رأس المال إلى حيث اليد العاملة أرخص ويمكن استغلالها بسهولة ، وحيث تكون التكاليف البيئية منخفضة.

- منظمة التجارة العالمية تزيد معدلات الجوع:

لا يستطيع المزارعون إنتاج ما يكفي من الغذاء لإطعام الجميع في العالم حتى الآن بسبب سيطرة الشركات على توزيع المواد الغذائية، ولهذا يوجد نحو 800 مليون شخص في العالم يعانون من سوء التغذية المزمن. وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الغذاء هو حق من حقوق الإنسان. في البلدان النامية، ما لا يقل عن أربعة من بين كل خمسة أشخاص يكسبون رزقهم من الأرض. ولكن المبدأ الرائد في اتفاقية منظمة التجارة العالمية بشأن الزراعة هو أن قوى السوق يجب أن تسيطر على السياسات الزراعية بدلا من الالتزام الوطني بضمان الأمن الغذائي والحفاظ على دخل لائق لأسر المزارعين. وقد سمحت سياسات منظمة التجارة العالمية إغراق البلدان الفقيرة بالمواد الغذائية المدعومة بشدة والمنتجة في البلدان الصناعية، مما يقوض الإنتاج المحلي ويزيد من معدلات الجوع.

- منظمة التجارة العالمية تضر الدول الفقيرة لصالح الدول القوية الغنية:

منظمة التجارة العالمية من المفترض أن تعمل على أساس توافق الآراء، مع التساوي في سلطة اتخاذ القرار للجميع. في الواقع، اتخاذ العديد من القرارات الهامة تتم بطريقة لا يُدعى بموجبها المفاوضون من الدول الفقيرة حتى إلى الاجتماعات المغلقة . وبعد ذلك يتم الإعلان عن "الاتفاقات" في حين أن الدول الفقيرة لا تعرف حتى كيف جرت مناقشتها. العديد من البلدان لا تملك حتى الأفراد التجاريين الكافين للمشاركة في جميع المفاوضات أو حتى أن يكون لها ممثل دائم في منظمة التجارة العالمية. هذا يضر بشدة بالدول الفقيرة ويحد من تمثيل مصالحها. وبالمثل، فإن العديد من البلدان هي أفقر من أن تدافع عن أنفسها تجاه تحديات منظمة التجارة العالمية التي تفرضها الدول الغنية، فتغيّر قوانينها بدلا من الدفاع عن أنفسها.

- منظمة التجارة العالمية تقوّض عملية صنع القرار على الصعيد المحلي وتلغي السيادة الوطنية:

تطلب "الدولة الأكثر رعاية" في منظمة التجارة العالمية من جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية أن يعامل بعضهم بعضا على قدم المساواة، وأن تعامل جميع الشركات من هذه البلدان على قدم المساواة بغض النظر عن سجلها. السياسات المحلية الرامية إلى مكافأة الشركات التي توظف السكان المحليين، وتستخدم المواد المحلية، أو تتبني الممارسات السليمة بيئيا، تعتبر غير قانونية في ظل منظمة التجارة العالمية. ويحظر على البلدان النامية وضع القوانين المحلية التي وضعتها دول متقدمة قبلها، مثل حماية الصناعات الجديدة المحلية إلى أن تكون قادرة على المنافسة دوليا. والمصيبة أن العديد من البلدان النامية غيّرت قوانينها وحتى دساتيرها، تحسبا لاحتمال مواجهة أحكام ومفاوضات منظمة التجارة العالمية في المستقبل.

mot8972.jpg

(أطفال ومجارٍ في أغنى دولة في العالم هي البرازيل)

حول تصاعد الدعوات لضم العراق إلى منظمة التجارة العالمية (القسم الثالث)

قطار موت سحق 250 مليون مزارع قطن في أفريقيا

# الطريق الوعر أمام قطار الموت لمنظمة التجارة العالمية

في أواخر نوفمبر 1999، اجتمع 134 دولة أعضاء في منظمة التجارة العالمية في سياتل، واشنطن، لعقد مؤتمر قمة وزاري ثالث لتحديد الخطة المستقبلية لمنظمة التجارة العالمية. وسعت معظم الشركات لفرض توسع كبير في قواعد عمل منظمة التجارة العالمية لتغطية الخدمات التعليمية والصحية وأيضا لترسيخ حقوق جديدة للمضاربين بالعملة والمستثمرين الأجانب (لتضم لمنظمة التجارة العالمية اتفاقا متعدد الأطراف بشأن الاستثمار - MAI). وكان الهدف الرئيسي من مؤتمر سياتل الوزارى هو الحصول على اتفاق للبدء بمفاوضات جديدة لتوسيع نطاق صلاحيات منظمة التجارة العالمية لتشمل قطاعات خدمات جديدة، مثل الصحة والتعليم؛ وتوسيع القواعد المتعلقة بالمشتريات الحكومية لجميع أعضاء منظمة التجارة العالمية، أولا من خلال إلزام جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية بالإعلان العلني ​​عن قوائم مشترياتها، والموافقة على إجراء مفاوضات في المستقبل بما يحد من قدرة الحكومات على اتخاذ قرارات على أسس غير تجارية؛ والتوقيع على اتفاقية "القطع الحر للأشجار" التي يمكن أن تزيد إزالة الغابات بنسبة 4٪ سنويا، وإطلاق مفاوضات جديدة حول حماية منظمة التجارة العالمية لمنتجات التكنولوجيا الحيوية (مثل المحاصيل المعدلة وراثيا). والمزيد من تحرير التجارة الزراعية.

لكن تحالفا عالميا لجماعات المواطنين (ائتلاف سياتل) - المستهلكين والدينيين والبيئيين والعمال والأسر الزراعية ..الخ - تحت شعار "لا جولة جديدة، ارجعوا" سدّ الطريق وأوقف زخم هذه المنظمة القوية. ومن الصعب أن نبالغ في أهمية هذا الاحتجاج المعروف باسم (معركة سياتل) الذي يمثل أول مظهر من مظاهر المقاومة العالمية ضد الليبرالية الجديدة وجشع الشركات.

وبعد تعطل الجهود المبذولة لإطلاق جولة جديدة من المفاوضات التجارية في اجتماع سياتل الوزاري، كشفت منظمة التجارة العالمية مرة أخرى عن طبيعتها غير الديمقراطية عن طريق نقل الاجتماع الوزاري لعام 2001 إلى قطر، حيث المملكة النائية التي تقمع الاحتجاجات الشعبية بقسوة.

الاحتجاجات التي ساهمت في انهيار اجتماع منظمة التجارة العالمية في سياتل شجّع بعض حكومات دول الجنوب على أن تكون أكثر صراحة في تحديها للإجراءات والمقترحات الضارة بالمصالح الوطنية من قبل منظمة التجارة العالمية. فمعظم البلدان الفقيرة لا تتمتع بالكثير من الفائدة من العولمة الاقتصادية. بعد ثلاثة عقود من الجرعات القوية من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وأكثر من عقدين من سياسات منظمة التجارة العالمية، أدرك الكثيرون أن العولمة (الاقتصادية) هي بمثابة وعد كاذب، وأن سياسات هذه المنظمات مصممة لصالح البلدان الصناعية الغنية والشركات الخاصة عبر الوطنية. لهذا السبب، فإن العديد من الدول الفقيرة في العالم (وخاصة من منطقة البحر الكاريبي وآسيا) - وقفت وبقوة موقفا معارضا لمنظمة التجارة العالمية في سياتل وفقط وافقت على مضض على اجراء مزيد من المحادثات التجارية في الدوحة....

في نوفمبر 2001 عقد الاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في الدوحة. أعلنت منظمة التجارة العالمية مرة أخرى وبصورة صريحة عن نيتها لإنفاذ أهداف الاجتماع الوزاري في سياتل (الأهداف مذكورة أعلاه)، لجلب الاتفاق المتعدد الأطراف بشأن الاستثمار (MAI) إلى حيز التطبيق، وإلى تقنين الاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف (MEA)، وبالتالي القضاء على جهود أجيال من البشر. هذه المحاولات كانت تُعارض بشدة من قبل معظم البلدان النامية (بما في ذلك التجمعات الإقليمية)، التي تجادل بأن (أ) أنها لم تكن مستعدة للدخول في مفاوضات أو النظر حتى في اتفاقات بشأن هذه القضايا؛ (ب) أنها لم تفهم بشكل كاف الآثار المترتبة على القضايا المقترحة؛ و (ج) من الفهم المحدود الذي تمتلكه، فإنها تشعر بقلق بالغ من أن اتفاقات جديدة في هذه المجالات من شأنها أن تضيف التزامات جديدة إلى التزاماتها الثقيلة الموجودة أصلا وتزيد من تقييد آفاق تنميتها.

انتهى اجتماع الدوحة بلغة مُربكة في الدعوتين لجدول أعمال تجارة أكثر عدلا للدول النامية والرغبة في قضايا جديدة من قبل الدول المتقدمة. لكن شيئا واحدا كان مؤكدا وهو أن "قطار الموت" لمنظمة التجارة العالمية سوف تتم عرقلته عاجلا أو آجلا.

# هل سيخرج قطار الموت عن مساره ؟

في الاجتماع الأخير في الدوحة، أصرت البلدان النامية على أنه إذا كانت جولة أخرى من المفاوضات التجارية سوف تبدأ، يجب الإستماع إلى مخاوفها - وحققت بعض التنازلات الملحوظة. مع انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، حصلت البلدان النامية على صوت قوي إلى جانبها، على الرغم من أن مصالح الصين ومصالح الكثير من الدول النامية الأخرى لا تتطابق تماما. عقدت منظمة التجارة العالمية اجتماعها الوزاري الخامس في كانكون، بالمكسيك، في سبتمبر 2003. وفي جدول الأعمال كانت هناك مجموعة من القضايا المتفق عليها في الدوحة. من ناحية أخرى، كان الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة يواصلان الضغط من أجل توسيع صلاحيات منظمة التجارة العالمية لتشمل قضايا جديدة، مصرين على أن التعامل مع هذه القضايا يجب أن يكون في المقدمة قبل قضايا التنمية التي كان ينبغي أن تكون على رأس جدول الأعمال. من بداية المؤتمر، تبرأت الدول الغنية من أجزاء كبيرة من جدول الأعمال الذي اُقرّ في الدوحة. الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، نفى أن يكون قد وعد في أي وقت مضى بالتخلص من دعم الصادرات. بقيادة الهند، نفى العديد من البلدان الفقيرة أن تكون وقّعت في أي وقت مضى على اتفاق لاجراء محادثات بشأن قواعد جديدة. أنفقت دول فقيرة أخرى المزيد من الوقت وهي تشتكي من تأثيرات الجولات التجارية السابقة أكثر مما أنفقته في التفاوض على اتفاقات جديدة. أظهر العديد من البلدان الغنية جدا القليل من الاهتمام بالإتفاق على حلول وسطية. اليابان، على سبيل المثال، كانت راضية ببساطة لقول "لا" لأي تخفيضات في الرسوم الجمركية على الأرز.

وكان السبب المباشر لانهيار المحادثات هو فشلها في حل الخلافات الخطيرة بين الدول الغنية والفقيرة. وقال العديد من البلدان النامية، بما في ذلك أفريقيا والكاريبي ومجموعة المحيط الهادي (ACP)، والاتحاد الأفريقي، وأقل البلدان نموا والدول الآسيوية أنها ترغب في أن لا يناقش المؤتمر قضايا سنغافورة (القضايا الناشئة عن مؤتمر سنغافورة في ديسمبر 1996 تتعلق بالاستثمار والمنافسة والمشتريات الحكومية وتسهيل التجارة). وقفت البلدان النامية وقفة صلبة حتى بعد أن وافق الاتحاد الأوروبي على إسقاط اثنين من هذه القضايا من جدول الأعمال والاحتفاظ بقضية تسهيل التجارة، وقضية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وموضوعة الشفافية في المشتريات العامة. وقال روبرتو بيسيو، مدير المرصد الاجتماعي القائم في أوروغواي، أن هذا لم يكن مفاجئا. اتفق على أن جدول أعمال الدوحة للتنمية الذي أُقر منذ عامين في العاصمة القطرية قد أكد بوضوح أن قضايا سنغافورة ستناقش فقط بعد أن يتم التوصل إلى "إجماع واضح". إلا أن من الواضح أن هذا لم يحدث.

بقيادة البرازيل والصين والهند، أصبح لما يسمى بمجموعة الـ G21 صوتا قويا. إنها تمثل نصف سكان العالم وثلثي مزارعيه. وكانت منظمة تنظيما جيدا ومهنيا. على الرغم من أنها شملت مصالح متنوعة - الهند، على سبيل المثال، تشعر بالرعب من تخفيض الرسوم الجمركية على السلع الزراعية، في حين أن البرازيل، وهي مصدر كبير وتنافسي، يريد التجارة الحرة في أسرع وقت ممكن – فإن مجموعة G21 وقفت معا لتوصل رسالة موحّدة: الدول الغنية، بصفتها الداعمين الزراعيين الأكثر إسرافا، يجب عليها بذل جهود أكبر لخفض الدعم وتحرير تجارة المنتجات الزراعية. لقد ظل مستوى الدعم المقدم للمزارعين من قبل الدول الغنية دون تغيير (أكثر من 300 مليار دولار) على مدى السنوات الـ 15 الماضية.

mot8973.jpg

# تدمير حياة 250 مليون مزارع قطن في أفريقيا

“بينما تلقت المعركة بين أوروبا وأمريكا ومجموعة G21 أكبر قدر من الاهتمام، فإن تحالفا آخر من البلدان الفقيرة، معظمها من أفريقيا، كان قلقا أيضا على الزراعة، ولكن لأسباب مختلفة. انهم يخشون من أن تحرير تجارة المنتجات الزراعية سيعني فقدان التفضيلات الخاصة. (المستعمرات الأوروبية السابقة، على سبيل المثال، تريد الحصول على تسهيلات خاصة للوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي لمحصول الموز الخاص بها) وغيرها الكثير، وخاصة مجموعة صغيرة من الدول في غرب أفريقيا، قلقة بدرجة أكثر من أي شيء حول محصول القطن. وبحَثٍّ وتشجيعٍ من المنظمات غير الحكومية، وخاصة منظمة أوكسفام، مجموعة من أربعة بلدان في غرب أفريقيا هي بنين وبوركينا فاسو وتشاد ومالي - تمكنت من الحصول على إدراج القطن ضمن بند صريح على جدول الأعمال في مؤتمر كانكون. كانت شكواهم بسيطة، ولها ما يبررها. يتم سحق مزارعي القطن في غرب افريقيا عن طريق دعم الدول الغنية لمزارعي القطن لديها، وخاصة أكثر من 3 مليار دولار سنويا التي تقدمها الولايات المتحدة لمزارعي القطن لديها (25000 مزارع قطن) لمساعدتهم على أن يكونوا أكبر مصدر للقطن في العالم، مما أدى إلى خفض أسعار القطن وتدمير السوق العالمية. البلدان الأربعة في غرب أفريقيا تريد نهاية سريعة لهذه الإعانات والتعويض عن الضرر الذي تسببت به. وعلى الرغم من أنها قضية صغيرة مقارنة بالحجم الكلي لقضية الدعم الزراعي، فإن قضية القطن (مثل الصراع السابق على حق الدول الفقيرة في الحصول على أدوية رخيصة) يُنظر إليها على أنها اختبار لما إذا كانت جولة الدوحة قد ركزت حقا على الفقراء.

قبل مؤتمر كانكون، كان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد توصلا إلى اتفاق على الزراعة وهو اتفاق يؤدي في الواقع إلى إجبار الجنوب على مواصلة تفكيك الحواجز التجارية، في حين يرفضان تخفيض دعم الصادرات الزراعية الأمريكية والأوروبية. وكانت مجموعة من 21 بلدا ناميا قد طرحت اقتراحا مضادا، يصر على إلغاء دعم الصادرات التي تقتل المزارعين في العالم الثالث قبل مزيد من خفض التعريفات الجمركية. كان هناك جمود وإخفاق بشأن الزراعة في النصين. وعندما أصدرت منظمة التجارة العالمية مشروع إعلان بهذا الشأن، فإنه لم يعكس أيّا من مخاوف دول الجنوب. ما هو أسوأ من ذلك، فإن الطلب من الدول الأفريقية المنتجة للقطن لحمايتها من الأضرار الناجمة عن إغراق السوق بالقطن من الولايات المتحدة تمت الاستهانة به وتحويله إلى فقرة تشير إلى أن على الأفارقة أن يتخلوا عن إنتاج القطن. وقد زاد الدعم الأمريكي لإنتاج القطن والصادرات إلى 4 مليارات دولار بعد قانون الزراعة الأمريكي الجديد.

في عام 2001، كانت تكلفة إنتاج القطن في الولايات المتحدة 9313،0 دولار/بوشل، في حين أن سعر التصدير هو 3968،0 دولار/ بوشل، أي أن نسبة الإغراق هي 57 في المائة. هذا وقد ارتفعت من 17 في المائة في عام 1995. منظمة التجارة العالمية تشجع إغراق السوق من قبل دول الشمال في حين تمنع البلدان الفقيرة من حماية أنفسها من الآثار المدمرة لهذا الإغراق. وقد زاد مشروع القانون الزراعى الامريكى الدعم للمزارعين إلى 82 مليار دولار. وأتاح قانون الزراعة الأمريكي الجديد لعام 2002 للحكومة الامريكية أن تدفع لمزارعي القطن لديها الفرق بين سعر السوق العالمي، 1.23 دولار للكيلو الواحد، والسعر المثالي 1.57 دولار للكيلو الواحد. مزارعو القطن في الولايات المتحدة يحصلون على 3.9 مليار دولار، وأكثره يذهب إلى مزارعي الشركات العملاقة. مع هذه الإعانات، فإن الولايات المتحدة تضاعف صادرات القطن وتدمر سبل العيش والدخل لـ 250 مليون من مزارعي القطن في أفريقيا.

لكن مشروع النص الذي ظهر في منتصف الطريق من خلال اجتماع كانكون كان خيبة أمل كبيرة. كانت الوعود عن القطن غامضة، وتتعهد منظمة التجارة العالمية بالمراجعة عن قطاع المنسوجات، ولكن دون أي ذكر لإلغاء الدعم أو التعويض. والأسوأ من ذلك، فإنه أشار إلى ضرورة تشجيع بلدان غرب أفريقيا على مغادرة زراعة القطن نهائيا. وكان هذا الموقف المتشدّد يحمل البصمات الأمريكية كاملة. جعلت الحقائق السياسية في الكونغرس (رئيس لجنة الزراعة في مجلس الشيوخ هو حليف وثيق لمزارعي القطن) المفاوضين الأميركيين يدافعون بشراسة عن الدعم الفاحش.

بالنسبة للأفارقة، كان النص الغامض ضربة كبيرة. ونتيجة لذلك، ثبتت أفقر البلدان أقدامها في الأرض عندما جاءت المناقشات إلى المنطقة المثيرة للجدل الكبيرة الأخرى: أن تشمل المفاوضات التجارية أربع قضايا جديدة من قضايا سنغافورة. وليس ذلك فقط. قادت البلدان الأفريقية انسحاب عدد من أعضاء منظمة التجارة العالمية الذين كانوا غاضبين على رفض المنظمة والدول الغنية لإزالة الأضرار والإجحاف في التجارة ومحاولة الأغنياء فرض تخصصات جديدة على المنافسة الاستثمارية والمشتريات الحكومية وتسهيل التجارة.

ما أرادته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مؤتمر كانكون هو أن يستمر الحق في الإغراق، وتستمر التجارة غير العادلة لدعم مصالحهم الزراعية للاستيلاء على الأسواق العالمية من خلال قواعد منظمة التجارة العالمية في الوصول إلى الأسواق. وهذا ما تم تصميم منظمة التجارة العالمية للقيام به.

كثيرون ينظرون إلى كانكون بمثابة انتصار للديمقراطية على الدكتاتورية، العدالة على الظلم، الجنوب على الشمال، الفقراء على الأغنياء، الناس على الأرباح، والحياة على الموت. والبعض منا يرى فيه - عن حق - انحرافا لقطار الموت الذي تقوده منظمة التجارة العالمية ...”

# ملاحظة: مجموعة 21

مجموعة G21 تكونت من 21 دولة عضو في منظمة التجارة الدولية هي 5 بلدان أفريقية (جنوب أفريقيا ومصر ونيجيريا وتنزانيا وزيمبابوي)، و 6 من آسيا (الصين، الفلبين، الهند، اندونيسيا وباكستان وتايلاند) و 12 من أمريكا اللاتينية (الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل وشيلي وكوبا والإكوادور، غواتيمالا، المكسيك، باراغواي، بيرو، أوروغواي وفنزويلا). (عن الويكيبيديا: الموسوعة الحرّة).

# الاستنتاجات: حياتنا تتحكم فيها هذه المنظمة المعادية للإنسان والديمقراطية

“غزاة اليوم، مديرو الشركات، يقيسون التقدم بمؤشرات الثروة المالية الخاصة بهم، مثل ارتفاع أسعار الأسهم ومؤشرات إنتاج السلع والخدمات. مع استثناءات قليلة من النكسات الدورية بين الحين والآخر في بعض أجزاء من العالم (أمريكا اللاتينية مثلا) وانخفاض نصيب الفرد من الدخل في أفقر البلدان الأفريقية، فإن هذه المؤشرات تعمل بشكل جيد، مما يؤكد فرضية النخبة في أن برنامجهم يوصل إلى إثراء العالم. في المقابل، فإن المواطنين العاديين يقيسون التقدم بمؤشرات رفاهيتهم، مع اهتمام خاص بحياة من هم في أمس الحاجة إليها. كما أشار أحد المفكرين:

"مؤشرات الناتج القومي الإجمالي لا صحة أطفالنا، ونوعية تعليمهم، ولا فرحة لعبهم. هذه المؤشرات، لا جمال الشعر لدينا، ولا قوة الزواج، هي التي تهم الشركات، وهي غير مبالية بالحشمة في مصانعنا وسلامة شوارعنا على حد سواء. ولا تقيس تعاطفنا ولا تمسكنا ببلدنا، تقيس كل شيء باختصار، إلا الأمر الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش، ويمكن أن تقول لنا كل شيء عن بلدنا، باستثناء تلك الأشياء التي تجعلنا فخورين أن نكون جزءا من هذا البلد".

لكن مؤشرات "الشعب" هذه آخذة في التدهور بوتيرة مخيفة، مما يدل على أنه من حيث ما يهم حقا، فإن الأمور ليست مشرقة جدا بعد كل شيء. في الواقع، العالم ينمو بسرعة أفقر فأفقر. وأيضا بسبب "ديمقراطية" (عنصرية ستكون اللفظة الأفضل) سياسات منظمة التجارة العالمية. لقد كان لمنظمة التجارة العالمية منذ تأسيسها تأثيرا مدمرا على فرص العمل والأجور وسبل العيش وعلى حماية البيئة والصحة والأمن الغذائي عالميا ومحليا، وكذلك على التنمية الاقتصادية، وحقوق الإنسان والتجارة العالمية والاستثمار. لذلك نستطيع أن نفهم لماذا لم تُدرس هذه التأثيرات بشكل منتظم (من جانب الحكومات الديمقراطية لدينا) كما لم تتم تغطيتها بشكل جيد في وسائل الإعلام الرئيسية. ونتيجة لذلك، فإن معظم الناس في جميع أنحاء العالم يفتقرون إلى الوعي بأن حياتهم وسبل العيش والغذاء والبيئة ومستقبلهم، تقوم بتشكيلها هذه المؤسسة القوية غير الديمقراطية بل المعادية للديمقراطية.

مما لا شك فيه، أن هناك نماذج أخرى من شأنها أن تؤدي إلى مجتمع أكثر إنصافا وأمنا وسليما بيئيا وديمقراطيا. والسؤال هو كيف يمكن للغالبية من الناس في جميع أنحاء العالم الذين يتعرضون للإساءة من قبل هذا النظام النيوليبرالي، تنظيم أنفسهم لصنع التغيير. قال إدواردو غاليانو، واحد من الكتاب في أمريكا اللاتينية قبل كل شيء، في المنتدى الاجتماعي العالمي الأول الذي عقد في بورتو أليغري، البرازيل، في عام 2001: "يقدم النظام نفسه كما الأبدية، ونظام السلطة يريد أن يخبرنا بأن غدا هو كلمة أخرى لهذا اليوم. لا ينبغي لنا أن ننسى كيف أن الناس في كثير من الأحيان في القرون الماضية قد دُهشوا من الانهيار المفاجئ للمؤسسات، والتغيرات غير العادية في أفكار الناس والانتفاضات غير المتوقعة ضد الاستبداد، والانهيار السريع للأنظمة المتسلطة التي كانت تبدو وكأنها لا تُقهر. لا ينبغي لنا أن ننسى كيف أنه في كثير من الأحيان في الماضي كان من هم في السلطة، يقولون بثقة "أبدا!" لإمكانية التغيير، فعاشوا وهم يشعرون بالحرج من هذه الكلمات.

لا بناء عال جدا حتى على أصغر كلب يرفع ساقه عليه ...