برواية أصحاب الأرض: المستوطنون حولوا موسم زيتوننا إلى نهب وإرهاب.. بحماية الجنود

جدعون ليفي

كل الضفة ملونة الآن بألوان الزيت، فلا شارع إلا وضم على جانبيه مفارش للزيتون أو سلالم. كل العائلات مشغولة بقطف الزيتون مثلما فعلت ذلك على مر الأجيال. كان يمكن أن يكون هذا ويجب أن يكون، أفضل أوقاتها. احتفال موسمي للطبيعة، فلاحة الأرض وقطف المحصول، في قسائم الأراضي التي زرعت فيها الأشجار التي غرسها آباؤهم. قطف الزيتون مصدر الدخل الأكثر أماناً لهم في واقع اقتصادي هش، حيث لا أحد يعرف ما سيكون عليه اليوم التالي، وما سيقرره الجندي الذي على الحاجز.

في السنوات الأخيرة، تحول هذا الموسم الجميل إلى كابوس لهم. فلا يوجد يوم يمر دون هجمات للمستوطنين، ولا صباح بدون أشجار مقطوعة ومدمرة أو مجردة من الثمار، سنة تلو أخرى. تم القضاء على 8 آلاف شجرة في هذه السنة، حسب بيانات الأمم المتحدة، بواسطة مئات المستوطنين الذين يشاركون في أعمال الشغب. وحسب بيانات “يوجد حكم” فإن 18 هجوماً حدث في أسبوعين فقط في الشهر الحالي.

على خلفية الإحصاءات البائسة، لا يوجد الكثير من قاطفي الزيتون الذين لم يجربوا ذراع جيرانهم اليهود العنيفة والظالمة بسرقة أكياس الزيتون ممن فلحوا أراضيهم طوال السنة، ولا يملكون الكثير من مصادر الرزق الأخرى، هذا إذا كانت هناك مصادر. يأتي المستوطنون فقطعون أغصان الزيتون للقضاء عليها، ويحرقون الكروم، ويقتلعون الأشجار. “أرض إسرائيل الجميلة والكاملة”!.كم من الكراهية القومية المتطرفة والشر، وإلى جانبها كراهية الأرض والطبيعة، والأرض وثمارها.

       جيف الأغنام في البئر

  استضافنا هذا الأسبوع فلاحان عجوزان في حقلهما ممن لم يمر بهما موسم قطف زيتون هادئ منذ سنوات، بل يبدو أن المستوطنين في السنة تحديداً ازداد عنفهم فأخذوا يسرقون ويخربون أكثر من أي وقت مضى. يعرفون أنه لن يصيبهم أي ضرر إذا ما سرقوا واقتلعوا وأحرقوا؛ لأن الجيش الإسرائيلي، الذي يحميهم أيضاً، يخاف منهم حين يشاغبون.

كان إبراهيم صلاح يقف على سلم بأعلى الشجرة عندما وصلنا إلى حقله في قرية فَرْعَتا، التي لا تبعد كثيراً عن مستوطنة “اريئيل”. جسمه ووجهه مغطيان بالأغصان، يقطف الحبة تلو الأخرى، يلقيها على مفارش خصصت لجمع الزيتون. ندى، زوجته، كانت تجلس أرضاً، ترمي حبات الزيتون في الهواء وتفصل بين الثمار والبذور والأوراق التي تغطيها.

ولد إبراهيم وندى في الليلة نفسها قبل 68 سنة. تزوجا في جيل 18 ولهما 7 أولاد. اليوم، يقطفان الزيتون معاً في الأرض التي تعود للعائلة. حبات الزيتون التي تضعها ندى في الأكياس خضراء يانعة. كانت هذه السنة جيدة لهما.

عمل إبراهيم خلال حياته بليطاً في إسرائيل. “الآن يكفي”، قال بالعبرية. يعرف كل شجرة في حقله، تحدث عن عمرها وتاريخها. تحدث عن إحداها التي تظهر بأغصان علوية ذابلة، فقال: نقلتها من مكان آخر، والآن بدأت تتعافى.

الابن باسل، ابن ندى وإبراهيم، تعرض لضرب قاس على رأسه وكتفه من قبل مستوطنين في موسم قطف الزيتون. نقل للعلاج إلى مستشفى “مئير”، وبقيت لديه إعاقة جسدية بسيطة. قبل سنتين ونصف، في آذار 2019، زرنا إبراهيم بعد أن ألقى مستوطنون من مزرعة “جلعاد” أو بناتها، جيف أغنام في بئر المياه خاصته بهدف تسميم البئر. منظر الجيف التي أخرجها أمام ناظرينا من البئر كان صعباً، ورائحتها كريهة.

منذ العام 2002 لم يحظ بموسم قطف واحد بأمن وهدوء. ذات مرة جلسوا للأكل في أرضهم عندما احتجت مستوطنة على رائحة اللبن والسمك التي أكلوها. وقد أمرت الجنود بإبعادهم. ومرة أخرى جلسوا ليستريحوا ويشربوا القهوة، فاحتج المستوطنون بأنهم لا يعملون. تدخل الجيش وانتهت استراحة القهوة.

  لإبراهيم قرب القرية 35 دونما، و18 دونماً قرب مزرعة “جلعاد”. قسائمه الثلاث تحد مزرعة “جلعاد”. وهناك عليه أن ينسق مسبقاً مع الجيش من أجل قطف الزيتون في أرضه. اختراع عالمي: مسموح للشخص الوصول إلى أرضه فقط بضعة أيام في السنة، وفقط بتصريح بسبب عنف الجيران. ولكن عندما يصل إلى أرضه تسودّ عيونه. “كل سنة هناك شيء جديد”، قال.

في هذه السنة اكتشف أنهم سرقوا محصول 50 شجرة عمرها 70 سنة، إلى أن نجح في الوصول إلى حقله. و”قبل 7 – 8 سنوات أقاموا بيتاً وخيمة على أرضي. تقدمت بشكوى ضدهم، لكن دون رد. بقوا هناك. قدمت أكثر من 27 شكوى دون جدوى. هذه السنة قدمت ثلاث شكاوى. لم يبقوا لي أي حبة زيتون في إحدى القسائم، وفي قسيمة أخرى قطعوا 5 أشجار، وفي القسيمة الثالثة سرقوا المحصول. قطعوا ثلاث أشجار وبدأوا ببناء بيت. أردنا التحدث لئلا يفعلوا ذلك، لكنهم بدأوا يصرخون علينا وطردونا”.

حجر في الرأس وحجر في القدم

حدث في الأسبوع الماضي، الاثنين 11 تشرين الأول، إبراهيم يضرب كفيه. مستوطنة وشابان، يبدوان أولادها، كمنوا لهم في طريق عودتهم إلى البيت وبدأوا بضربهم، هو وزوجته، أبناء 68 سنة. تدخل الجنود في هذه المرة. في اليوم التالي، الثلاثاء، جاء عدد من المتطوعين الإسرائيليين لمساعدتهم وحمايتهم، وفي هذه المرة لم تتم مهاجمتهم. ولكن لا أحد أعاد له محصول الخمسين شجرة الذي سرقه المستوطنون.

في حادثة أخرى، كان يوسف حمودة، 64 سنة، شاهداً على أن الجنود أعادوا ما سرقه المستوطنون، لكن لا أحد قُدم للمحاكمة بتهمة السرقة. يوسف، أحد سكان قرية ياسوف الواقعة على مسافة غير بعيدة عن مفترق “تفوح”، عرف عدداً غير قليل من أعمال الشغب في أرضه. له ثمانية أولاد و12 حفيداً، كان طوال حياته معلماً وعمل أيضاً في السلطة الفلسطينية خبيراً لتحليل الصور الجوية، الآن هو متقاعد ويعيش على زيتونه. أكياس الزيتون في ساحة بيته تنتظر النقل إلى المعصرة. وقد جاء للالتقاء معنا وهو يعتلي تراكتور صغيراً. صودر جزء من أراضي عائلته من أجل بناء مستوطنة “كفار تفوح”.

الخميس الماضي، 14 تشرين الأول، ذهب هو وشقيقه إبراهيم، 45 سنة، إلى أرضهما. ولكن المستوطنين الذين سيطروا على السفح طردوهم بالتهديد ورشق الحجارة مثلما تطرد الكلاب الضالة. هذه الأرض قرب شارع 60، على سفح مستوطنة “رحاليم” في أعلى التلة. هذه أرضهم التي اشتراها جدهم، وفيها 70 شجرة زيتون منتشرة في الوادي بين الشارع ومستوطنة “رحاليم”. في هذا الوادي أقيم في السابق عدد من أكواخ المستوطنين العنيفين الذين اقتحموا أرضهم. حاول المستوطنون سرقة السلالم التي أحضروها معهم. ولكنهم نجحوا في تخليصها وهربوا إلى بيوتهم.

الجمعة، حاولوا مرة أخرى الوصول إلى أرضهم، هذه المرة من أعلى، من التلال. وعندما اقتربوا من قطعة الأرض التقوا مع جمانة عبد الرازق من القرية المجاورة، التي كانت هي أيضاً تقوم بقطف الزيتون. وقالت لهم بأن المستوطنين سرقوها. لقد سرقوا منها الهاتف المحمول وحقيبتها. وأيضاً الزيتون الذي قطفته هي والعمال الذين استأجرتهم من سلفيت. هرب العمال. وفي أثناء إبلاغهم عما حدث، بدأ رشق الحجارة على أبناء عائلة حمودة الذين جاءوا إلى أرضهم: زوجة يوسف، خولة ابنة 55، وابنته حنين ابنة 33 سنة، وابنه صهيب ابن 23، وشقيقه إبراهيم وابنه صلاح ابن 15.

حجر أصاب رأس يوسف، وحجر آخر أصاب قدم زوجته، وحجر ثالث أصاب صهيب في ظهره. بعض الحجارة أصابت سيارتهم وتسببت بأضرار. وكل ذلك حدث قرب الشارع الرئيسي. وقد جاء الجنود إلى المكان وأمروهم بالمغادرة. جمانة استلقت على الأرض وقالت بأنها لن تذهب إلى بإعادة ممتلكاتها لها. الجميع انضموا إليها وقالوا لن نتحرك إلى أن تعاد ممتلكاتها. وقد عرفوا جيداً من أين جاء السارق. احتجاج الأكواخ المزروعة على أرضها. في بادرة حسن نية نادرة، إلى درجة خيالية تقريباً، ذهب أحد الجنود إلى كوخ مستوطن وأعاد لجمانة الهاتف المحمول والحقيبة والزيتون التي كانت موجودة بالطبع هناك.

السبت الماضي، حاولوا قطف الزيتون مرة أخرى. قال لهم الجنود بأنهم لا يستطيعون فعل ذلك إلا بعد تنسيق. في هذه المرة انضم ابنهم حمزة، 30 سنة لقطف الزيتون، وهو شرطي فلسطيني في إجازة. “أقول لكم الحقيقة، الجنود لم يكونوا سيئين”، قال يوسف. ولكن بعد ذلك جاء جنود حرس الحدود والصورة تغيرت. أحضر الزوجان الفلافل لتضييف الجنود. “اعتقدنا أنهم يحرسوننا”، قال. ولكن جنود حرس الحدود سحقوا الفلافل بأقدامهم. “تحول هذا إلى ساحة حرب”، تذكر يوسف. لقد ضربوا حمزة الذي حاول القول لهم بأن هذه أرضه، وحاول أن يحتج ويناقش نظراءه الإسرائيليين من رجال الشرطة. رموا صهيب على الأرض الشائكة. في النهاية، قام جندي بلف يده على عنق خولة. فيلم فيديو صوره يوسف يظهر الشجار بين أبناء العائلة والجنود. لقد تصرفوا في هذه المرة بضبط نسبي للنفس، نسبي.

بعد ذلك، ركض الجنود لاعتقال حمزة. ولكن المتطوعين الإسرائيليين الذين كانوا معهم نجحوا في منع سوء المصير. وبعد نصف ساعة تفرقوا وعادوا إلى البيت. لم يبق لهم من أمر الجيش الإسرائيلي إلا يوم واحد لقطف الزيتون، 27 الشهر الحالي. ولن يستطيعوا فعل ذلك في يوم واحد.

هم ينوون تجنيد مساعدة في القرية. وحتى الآن نجحوا في قطف نصف محصولهم تقريباً. لا يتجرأ يوسف على الاقتراب من أرضه بدون تنسيق مع الجيش. بعد ذلك، ذهبنا إلى هناك بدونه ورأينا الوادي الذي فيه أشجار الزيتون والأكواخ الغازية والثمار على الأشجار وبيوت مستوطنة “رحاليم” فوق التلة المطلة على أرضه.

في كرم ندى وإبراهيم في قرية فرعتا، كان الزوجان يجمعان الأغصان ويشعلان النار ويصنعان الشاي. كانت الأرض مغطاة بطبقة خضراء من حبات الزيتون. إبراهيم مرة أخرى فوق الشجرة، وندى على الأرض تجمع الزيتون وتفصله.