الخاطرة ٣٠٢ : فلسفة تطور الحياة (الروحي والمادي) الجزء ١٠

ز. سانا

خواطر من الكون المجاور

في الأجزاء الماضية من سلسلة (فلسفة تطور الحياة) تكلمنا عن زوايا رؤية بعض العلوم والفنون في موضوع تطور الحياة من أجل الوصول إلى رؤية شاملة تسمح لنا بفهم هذا الموضوع من جميع زواياه . وفي مقالة اليوم سنتكلم عن زاوية رؤية علم تكوين المادة ونقصد هنا علم الفيزياء وعلم الكيمياء لكي نوضح تطور المادة التي منها سيتم تشكيل أجسام الكائنات الحية . فللأسف علماء تطور الحياة ينظرون إلى مرحلة ظهور الحياة وكأنها مرحلة حصلت فجأة وبالصدفة ومنفصلة تماما عن تطور العناصر والمركبات المادية ، ولكن في الحقيقة أن ظهور الحياة هي مرحلة مرتبطة بتطور العناصر المادية ولا يمكن فهم طريقة ظهور الحياة إلا عن طريق فهم طريقة ظهور المادة ونوعية تطورها ، فالآية القرآنية تذكر {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) الذاريات} ، والمقصود بكل شيء هنا ليس فقط الكائنات الحية ولكن أيضا العناصر المادية (الهيدروجين ، حديد ، كربون ، ذهب ..إلخ) ، فمثلما يوجد ذكر وأنثى في الكائنات الحية يوجد أيضا عناصر مادية تمثل رمز الذكر وعناصر أخرى تمثل رمز الأنثى ، وكذلك أيضا الجسيمات التي تتكون منها الذرة (ألكترون ، الفوتون ، والكواركات ..إلخ) فمنها المذكر ومنها المؤنث ، وعلى علاقة (ذكر - أنثى) يتم تحديد نوعية الإرتباط والتفاعلات بينها . فكل شيء مهما كان فهو يحوي في داخله روح ولولا هذه الروح لما كان له أي وجود . فالمادة في الحقيقة هي ليست إلا عبارة عن ثوب تصنعه الروح لتُعبر به عن نفسها . والفرق بين المادة الحية والمادة الجامدة هو أن المادة الحية هي أكثر تطورا من المادة الجامدة كونها اكتسبت صفة جديدة وهي المقدرة على تصنيع نفسها عن طريق الإنقسام والتكاثر ، تماما مثل الفرق بين تكوين الطفل وتكوين البالغ ، حيث الطفل لا يستطيع التزاوج ولهذا لا يستطيع إنجاب الأطفال ، بينما البالغ له القدرة على تحقيق ذلك . فمرحلة الطفولة في الحقيقة هي رمز لمرحلة التطور المادي الذي حصل قبل ظهور الحياة .

في المقالات الماضية رأينا أن الرمز (١٨) والذي يُمثل ذلك الجزء من روح الله الذي نفخه في آدم ، هو شيفرة الكومبيوتر الإلهي الذي يسيطر على كل شيء في عمليات التطور وكذلك على بنية تكوين الأشياء سواء كانت أشياء مادية أو حية أو حتى أشياء فكرية . وهنا -كما سنلاحظ بعد قليل- سنوضح دور الرمز (١٨) في تطور العناصر المادية .

قبل أن نتابع شرح موضوع تطور العناصر المادية لا بد في البداية توضيح الفرق بين علم الفيزياء وعلم الكيمياء ، فعلم الفيزياء بإختصار هو العلم الذي يدرس سلوك وتفاعلات الجسيمات الأولية التي تتكون منها الذرة ، أما علم الكيمياء فهو الذي يدرس تفاعلات الذرات مع بعضها البعض لتكوين مركبات كيميائية تتألف من إتحاد ذرات عناصر مختلفة . لهذا سنبدأ أولا في توضيح زاوية رؤية علم الفيزياء في تطور المادة ، ومن ثم في توضيح زاوية رؤية علم الكيمياء .

في العصور الماضية كان معظم الفلاسفة يعتمدون رأي أرسطو الذي يقول بأن العالم يتألف من أربعة عناصر : الماء ، الهواء ، التراب ، النار . هذا الرأي كان نتيجة رؤية مادية عاجزة عن رؤية العلاقة الروحية بين تكوين الطبيعة مع تكوين الإنسان فظل كما هو عليه حتى أتى الإمام جعفر الصادق (٧٠٢ - ٧٦٥ ميلادي) وصحح هذه المعلومة وقال بأن الهواء والتراب ليست عناصر ولكنها مركبات تتألف من عناصر عديدة ، وحتى يعطي العناصر معنى شامل له علاقة بالتكوين الروحي للإنسان قسّم العناصر المكونة للجسم إلى ثلاث مجموعات : الأولى هي عناصر موجودة بكميات كبيرة ، الثانية هي عناصر موجودة بكميات قليلة ، والثالثة هي عناصر موجودة بكميات ضئيلة جدا.

ورغم وجود بعض التعارض في آراء علماء البيولوجيا اليوم في تقدير درجة أهمية كل عنصر في تكوين جسم الإنسان ، فمثلا عنصر الفلور حسب علماء استراليا هو مهم ، ولكنه غير مهم بالنسبة لعلماء المتحدة الأمريكية ، أما منظمة الصحة العالمية فتقف حيادية في هذا الموضوع . ولكن بشكل عام يتفق علماء البيولوجيا في جميع العالم على أن جسم الإنسان هو فعلا يتكون من ثلاث مجموعات وبالنسب التالية :

١ - عناصر توجد بكميات كبيرة : الهيدروجين، الأكسجين ، الكربون ، النيتروجين ، الكالسيوم ، والفوسفور .

٢ - عناصر توجد بكميات قليلة : الكبريت ، الصوديوم، البوتاسيوم، الكلور، المغنيسيوم، الحديد .

٣ - عناصر توجد بكميات ضئيلة جدا : الزنك، السيلينيوم ، الكروم ، المنغنيز ، الكوبالت ، اليود .

وهناك عناصر أخرى في محل جدل ولا تزال في مرحلة البحث العلمي .

التقسيم الذي استخدمه جعفر الصادق عليه السلام لم يأتي عن طريق التحليل المخبري كما يحدث اليوم ، ولكن أتى من شعور فطري يحصل عند وجود إتصال روحي بين الإنسان والروح العالمية والتي رمزها (١٨) ، الإمام جعفر الصادق سبق زمانه بأكثر من ألف عام ، فعلماء العصر الحديث يذكرون العناصر التي يتكون منها جسم الإنسان دون أن يعطوا أي أهمية للغة الأرقام ليتم فهم سبب وجود هذه العناصر في (٣) مجموعات والتي تشكل مع بعضها البعض نفس تكوين الرمز (١٨) والذي يتألف هو أيضا من ثلاثة خطوط (\ / |) .أما تقسيم جعفر الصادق عليه السلام لمكونات تركيب جسد الإنسان فهو يربط العلاقة بين التكوين الروحي والتكوين المادي لجسم الإنسان ، فبهذا التقسيم وضع جميع الأمور تحت سيطرة الروح العالمية التي رمزها (ΙΛ) .

في القرن الثامن عشر عندما بدأ العلماء إكتشاف ودراسة سلوك العناصر الكيميائية ، لاحظوا أن صفات وسلوك العناصر ليس عشوائيا ولكن يوجد تشابه كبير في بعض هذه العناصر ، فحاولوا وضعها ضمن جدول دوري يساعد في فهم الصفات المشتركة في العناصر التي تنتمي لكل مجموعة ، فاختار كل واحد منهم عدد أعمدة للجدول يحدد به عدد المجموعات ، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل حتى أتى الكيميائي الروسي ديمتري مندلييف ورغم محاولته لسنوات عديدة في تحديد عدد أعمدة هذا الجدول لم ينجح في إيجاد العدد الصحيح ، وفي إحدى الليالي رأى في المنام أن عدد الصفوف المناسب هو الرقم (١٨) ، وعندما استيقظ حاول وضع العناصر في جدول يتألف من (١٨) صف والذي رأه في المنام ، وجد أن العناصر الكيميائية في كل صف قد حققت هذا التشابه في الصفات والتفاعلات . وفي عام (١٨٦٩) نشر جدوله الدوري المعروف بأسمه والذي يعتمده العلماء حتى الآن . فوجود العناصر الكيميائية التي يمكن منها تكوين كل شيء في هذا الكون في جدول له (١٨) صف ، لم يكن صدفة ولكنه أيضا يتبع قانون الرمز الإلهي (١٨) .

الآن لنذهب إلى الجسيمات التي تتدخل في تكوين الذرة . منذ عصور قديمة كان الفلاسفة يعتقدون أن المادة تتألف من ذرات عديدة ، حيث معنى كلمة ذرة كمصطلح علمي (Atom) أتى من الكلمة اليونانية (أتومو) والتي تعني شيء واحد غير قابل للإنقسام ، ولكن في عام (١٨٩٧) اكتشف العالم طومسون الإلكترون ، ومن خلال اكتشافه للإلكترون دحض المفهوم القديم للذرة أي أن الذرة قابلة للإنقسام وأنها هي أيضا تتكون من جسيمات أصغر منها . ومنذ ذلك الحين بدأ العلماء يكتشفون هذه الجسيمات الأولية التي تدخل في تركيب الذرة . اليوم توصل علماء الفيزياء بأن النموذج الكلاسيكي للجسيمات الأولية التي تدخل في تكوين الذرة تُقسم هي أيضا إلى ثلاث مجموعات وهي : الكوركات ، اللبتونات ، البوزونات . حيث كل مجموعة تتألف من ستة أنواع من الجسيمات (كما في الصورة) ، أي أن مجموعها هو أيضا الرقم (١٨) ، فمن هذه الثمانية عشر جسيم يمكن تكوين كل شيء في الكون .

رغم تقدم علوم الفيزياء الذي حصل في العصر الحديث في محاولة فهم سلوك المادة ، ولكن القوانين الفيزيائية التي تم إكتشافها حتى الآن ظلت عاجزة تماما عن فهم ما يحدث داخل الثقوب السوداء والتي رغم حجمها الصغير فهي تستطيع إبتلاع ملايين النجوم ، فالموضوع ببساطة هو كيف يمكن -مثلا- لحبة عدس أن تبتلع في داخلها الشمس والتي كتلتها تعادل (٣٣٠٠٠٠) ضعف كتلة الأرض ، بمعنى كيف يمكن لمكان بحجم حبة العدس أن تتسع لكتلة هائلة بحجم الشمس.

أيضا القوانين الفيزيائية التي تم إكتشافها حتى الآن هي عاجزة تماما عن فهم ما حدث ما قبل لحظة حدوث الإنفجار العظيم والذي أدى إلى ولادة الكون وتوسع الكون إلى ملايين أضعاف حجمه بشكل فجائي ، حيث بعد هذا الإنفجار تم تكوين هذه الجسيمات الأولية التي منها سيتم تشكيل جميع أنواع الذرات . فالمشكلة التي يواجهها علماء الفيزياء اليوم هي محاولة إيجاد نظرية تستطيع توحيد القوى الكونية والتي تم تسميتها (نظرية كل شيء) ، لتستطيع الإجابة على هذه الإستفهامات . فحسب رأي علماء الفيزياء أنه توجد أربع قوى أساسية في الطبيعة وهي : القوى الكهرومغناطيسية ، والقوى النووية الشديدة ، والقوى النووية الضعيفة ، وقوة الجاذبية .

وحتى لا ندخل في تفاصيل دقيقة من زاوية رؤية فيزيائية مادية لا يفهمها سوى المتخصصين في علوم الفيزياء ، سنحاول أن نشرح الموضوع من زاوية رؤية شاملة لعلم الفيزياء بحيث يمكن للجميع فهم الموضوع كونه يوحد علوم الفيزياء مع بقية أنواع العلوم الأخرى وكذلك الفنون .

بشكل عام تُقسم علوم الفيزياء إلى ثلاثة أقسام : الأولى وهي الفيزياء الكلاسيكية ( النيوتينة) وهي تهتم بدراسة سلوك المادة في الظروف العادية التي نعيش بها ، والثانية وهي الفيزياء النسبية التي تدرس سلوك المادة في ظروف عالم الكبائر أي بأحجام كبيرة كالمجموعات الشمسية والمجرات وفي سرعة عالية جدا مقاربة لسرعة الضوء . الثالثة وهي فيزياء الكم والتي تدرس سلوك المادة في عالم الصغائر أي الجسيمات الأولية التي تتكون منها الذرة .

حتى الآن تمكنت فيزياء الكم من توحيد القوى الثلاث (القوى الكهرومغناطيسية ، والقوى النووية الشديدة ، والقوى النووية الضعيفة) ، ولكن الفيزياء بشكل عام فشلت في توحيد قوة الجاذبية مع القوى الثلاث الأخرى ، فقوة الجاذبية هذه لا تزال لغزا يحير علماء الفيزياء ، ولكن معظمهم يعتقدون بوجود جسيم مسؤول عن الجاذبية وتم تسميته افتراضيا (جرافيتون) ولكن جميع محاولاتهم في إكتشافه باءت بالفشل والسبب -حسب ظنهم- أن الأجهزة التي يستخدمونها لا تزال غير قادرة على رصد جسيم الجرفيتون ، ولكن في الحقيقة أن السبب هو محاولتهم الإعتماد فقط على الرؤية المادية البحتة ، فالحقيقة هي أن نوعية قوة الجاذبية مختلفة نهائيا عن القوى الطبيعية الثلاث ، مثل الإختلاف بين اللون الأبيض والألوان أخرى ، فمن اللون الابيض يمكن الحصول على جميع الألوان الأخرى . قوى الجاذبية هي بمثابة أم القوى جميعها ، فقوة الجاذبية تمثل الروح الموجودة في كل شيء والتي رمزها (الذكر والأنثى) ، فكما أننا لا نستطيع تفسير سبب وجود قوة التجاذب بين الذكر والأنثى تفسيرا ماديا ،أيضا لن نستطيع تفسير وجود قوة جاذبية فيزيائيا ، فالجاذبية ليست مادة كبقية الجسيمات حتى يمكن كشفها فيزيائيا ، فهي نفسها التي تقوم بصنع المادة وبدونها أصلا لا توجد مادة . ففكرة وجود جسيم الجرافيتون مسؤول عن الجاذبية هي فكرة لا تدل سوى على عمى البصيرة التي يعاني منها علماء اليوم {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥)الإسراء}.

لحل مشكلة الجاذبية وما يحدث داخل الثقوب السوداء وما حصل قبل الإنفجار العظيم ، ظهرت نظرية الأوتار الفائقة ، والتي تقول أن الجسيمات الأولية ليست هي أصغر وحدة بنائية للذرة ، فهذه الجسيمات هي أيضا تتألف من وحدات بنائية وهذه الوحدات هي على شكل أوتار . أي أن الجسيم الاولي يتألف من أوتار أو خيوط صغيرة جداً من الطاقة تهتز بشكل دوراني بعدة اتجاهات وطرق ولها القدرة في التمدد والتقلص ، وكل وتر من هذه الأوتار حجمه صغير جدا مقارنة بجسيمات الذرة، حيث كل اهتزاز معين لتلك الأوتار يعطي الجسيم خصائص مختلفة والتي بدورها تحدد نوع الجسيم الاولي التي يتكون منها .

نظرية الأوتار الفائقة هي نظرية معقدة جدا وستبقى نظرية غامضة فيزيائيا إلى يوم الدين ، فمهما تقدمت علوم الفيزياء والتكنولوجيا فلن تستطيع الإنسانية فيزيائيا أو رياضيا وضعها تحت التجربة لتأكد من صحة نتائجها ، فقدرة العلماء في كشف أسرار تفاصيل سلوك هذه الأوتار ، مثل قدرة ذلك الطفل الذي نطلب منه أن يحسب عدد حبات الرمل في جميع شواطئ العالم . فهذه الأوتار تقع في منطقة الروح والتي هي من العلوم الإلهية . ولهذا نجد أن هذه النظرية عند بعض العلماء قد دخلت في منطقة الخرافات والخزعبلات كنظرية تعدد الأكوان أو الأكوان المتوازية .

رغم شدة تعقيد نظرية الأوتار الفائقة من الناحية الفيزيائية والرياضية ولكنها من الناحية الفلسفية فهي بسيطة جدا . فقد أعطت الكتب المقدسة بعض المعلومات عنها بشكل رمزي . في قصة موسى عليه الصلاة والسلام -مثلا- الله أعطى موسى علامتين تساعده أمام قومه وأمام فرعون وقومه في إثبات أنه رسول من عند الله ، العلامة الاولى هي العصا التي تحولت إلى أفعى ، هذه العصا تمثل الرمز (١) من رمز روح الخير العالمية (١٨) ، والعلامة الثانية وهي تحَّول يد موسى إلى بيضاء عندما وضعها تحت أبطه {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ ... (٣٢)القصص} ، الإبط هو الزاوية التي تتشكل بين الذراع والجسم وهي تمثل الرمز (٨) من روح الخير العالمية (١٨) ، موسى عليه السلام حسب وصف التوراة كان لون بشرته بيضاء ، فمعنى كلمة (بيضاء) المذكورة في القرآن لا تعني لون البشرة ولكن تعني النور ، أي أن يد موسى عندما وضعها تحت إبطه تحولت إلى نور . هاتان العلامتان هما تفسير مبسط لطريقة عمل الأوتار في نظرية الأوتار الفائقة . فعدد الأوتار هو ثلاثة فقط مثل عدد الألوان الرئيسية للضوء الأبيض (الأزرق ، الأخضر، الأحمر) فكما أننا من هذه الألوان الثلاثة يمكن الحصول على جميع الألوان الموجودة في الكون ، أيضا من هذه الأوتار الثلاثة يمكن صنع كل شيء في داخل الكون . فوجود شكل الرمز (١٨) في كف يد اليمنى ونظيره الرمز (٨١) في اليد اليسرى ليس صدفة ولكن حكمة إلهية تكشف لنا أن هذه الخطوط الثلاثة التي يتكون منها الرمز (١٨) والرمز (٨١) هي الأوتار التي يتكون منها الكون بأكمله وأن مصير الكون منذ ولادته وحتى نهايته هو في يد الإنسانية ، فبسببها ولد الكون ومن أجلها تم تطور كل شيء داخل الكون وعند وصولها إلى الكمال ستضع هي أيضا نهايته . ولهذا قصة موسى عليه السلام مذكورة في التوراة في سفر عنوانه (الخروج) ، والمقصود من كلمة (الخروج) هو الخروج من الثقب الأسود بعد الإنفجار العظيم حيث تم ولادة الكون ، وكذلك خروج الإنسان من الكون ليعود إلى الجنة . فكل الذي حصل في الكون وما سيحصل في المستقبل يتعلق بأمر واحد وهو وضع هذه الأوتار الثلاثة في شكلها الصحيح حتى تتمكن الإنسانية الوصول إلى الكمال وبالتالي العودة إلى الجنة.

الأوتار الثلاثة هي أوتار ذات طبيعة روحية ليس لها تلك الصفات الفيزيائية التي يدرسها علماء الفيزياء ، لهذا فإن دورهم في دراسة المادة يتوقف خارج منطقة الأوتار ، وعملهم هو فقط دراسة تلك الطاقة التي تنتج عنها في تلك الأشياء التي تصنعها . أما بالنسبة لموضوع ما حصل قبل الإنفجار العظيم وكذلك ماذا يحصل داخل الثقوب السوداء فهو من إختصاص علماء الفلسفة وليس علماء الفيزياء لأنه موضوع خارج عن نطاق عملهم كون الأمور تدخل في منطقة الروح التي أمورها هي من اختصاص الفلاسفة ، وهنا لا أقصد فلاسفة اليوم فهولاء لا علاقة لهم بالفلسفة ، فالإنحطاط الروحي الذي تعاني منه الإنسانية اليوم سببه تشويه مفهوم الفلسفة .

إذا تمعنا جيدا في قصة موسى عليه السلام سنجد أن جميع الكوارث التي حدثت مع فرعون وقومه قد حصلت من عصا موسى والتي كانت تمثل الرمز (١) ، أما من زاوية إبطه فخرج النور أي الطاقة البناءة ، وهذه العلامة توضح لنا ما يحصل داخل الرمز (٨) . فعندما طُرد الإنسان من الجنة ، تحول شكل (٨) في الرمز (١٨) إلى الشكل (٧) ، حيث الفرق بينهما فيزيائيا هو أن الرمز (٨) يولد طاقة جديدة باستمرار ، أما الرمز (٧) فهو يمتص الطاقة ليجعل الأشياء تنهار على نفسها حتى تصل إلى مرحلة الفناء وتختفي من الوجود {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (١٠٤)الأنبياء} ، فعندما تكون الأوتار بهذا الشكل (٧) فهو يمتص الطاقة وكلما نقصت الطاقة الموجود حوله تبدأ الزاوية في الإنكماش على نفسها حتى تصل إلى درجة الصفر حيث عندها يلتصق فيها الخطين ويتحولان إلى خط واحد ، تماما مثل طي صفحات الكتاب حيث يتحول من الشكل ( /\ ) إلى الشكل( | ) وعندها يختفي تماما ، فالكتاب المغلق لا ينفع في شيء وكأنه غير موجود . وهذا تماما ما يحصل أيضا في الثقوب السوداء ، فعلماء الفيزياء يعتقدون أن الثقوب السوداء والتي حجمها صغير جدا بأنها تمتلك كتلة هائلة جدا تعادل كتلة الملايين من النجوم ، ولكن هذه المعلومة خاطئة فالثقب الأسود في الحقيقة هو اللاشيء لأن الكتلة مهما كانت فهي أصلا عبارة عن طاقة ولكن الطاقة بمجرد دخولها إلى الثقب الأسود تختفي من الوجود وإلى الأبد .

فمحاولة إكتشاف نظرية (كل شيء) والتي يمكن من خلالها دمج القوى الأساسية الأربعة هي فكرة فيزيائية خرافية ، فنظرية (كل شيء) تعتمد على دراسة الرمز (١٨) وهذه الدراسة هي من إختصاص الفلسفة لأن قوة الجاذبية لا يمكن شرح حقيقتها فيزيائيا ولكن فقط فلسفيا ، فالرمز (١٨) هو البطل الرئيسي في رواية ولادة الكون والذي يسيطر على تطور كل شيء داخل الكون . الكون بأكمله هو مجرد طاقة روحية وشعورنا بوجود المادة في الحقيقة هو شعور وهمي سببه وجود قوى الجذب وقوى التنافر ، فلو فرضنا أننا نملك مجهر بقياس لا متناهي يسمح لنا برؤية أصغر الأشياء مهما كان صغرها لوجدنا أن المادة غير موجودة ، فقطعة الحديد -مثلا- والتي لها شكل وحجم وجدار صلب يجعلها تبدو متماسكة وكأنها قطعة واحدة ولكن إذا وضعناها تحت هذا المجهر سنجد أنها تتألف من ذرات الحديد حيث المسافة بين نواة الذرة ونواة الذرة الأخرى يوجد فراغ كبير ، وإذا كبرنا مجال الرؤية لوجدنا أن النواة التي تبدو لنا وكأنها كرة متماسكة وكأنها قطعة واحدة فهي أيضا تتألف من بروتونات ونيتروات وبينهما فراغات عديدة أيضا ، وهذا البروتون الذي يبدو لنا بأنه قطعة واحدة متماسكة هو أيضا يتألف من كوركات تحوي فرغات بينها ، وإذا تابعنا تكبير الجسيمات التي ستبدو لنا أنها قطعة متماسكة سنجد أنها تتألف هي أيضا من أوتار تحوي فرغات بينها ، وسنجد أن هذا الوتر ليس قطعة مادية ولكنها مجرد خيط وهمية يهتز ويشكل تموجات مثل شعاع الضوء الذي لا نستطيع أن نمسكه بيدنا ولكننا فقط نراه . ولهذا نظريا إذا حذفنا قوى التجاذب وقوى التنافر يمكن وضع جميع محتويات الكون في مكان له حجم أصغر بملايين المرات من حجم حبة العدس . بمعنى آخر أن المادة بمفهومها العام لا وجود لها ولكن بسبب وجود قوى الجذب والتنافر هي التي تعطينا ذلك الإحساس بوجود شيء أسمه المادة ، فشعورنا بالوجود سببه الحقيقي هو وجود صفة الذكر والأنثى {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) الذاريات} .

العالم المادي هو في الحقيقة عالم وهمي تستخدمه الروح من أجل تنقية نفسها من تلك الشوائب التي نتجت عن الخطيئة التي حصلت في الجنة ، وللأسف علماء العصر الحديث - بجميع فروع العلوم والفنون - ينتظرون من علماء الفيزياء الذين يعتمدون على دراسة هذا العالم المادي الوهمي إكتشاف نظرية (كل شيء) وكأن كل شيء هو محصور فقط في العالم المادي فقط . ولهذا تعاني الإنسانية اليوم من إنحطاط روحي وصفته صفحات التاريخ بالعبارة " لم تعرف الإنسانية وحشية أسوء من وحشية الإنسان المعاصر" .

في المقالة القادمة إن شاء الله سنتابع موضوعنا وسنشرح دور الرمز الإلهي(١٨) في ولادة الكون وظهور العناصر المادية ومن ثم ظهور الDNA ليعلن عن ولادة الحياة.