شهيد القرآن عبده محمد المخلافي

عمر العبسو

يمثل الأستاذ عبده محمد المخلافي منعطفا مهما في مسيرة الدعوة الإسلامية المعاصرة في اليمن، فهو ابن بار للحركة الإسلامية المعاصرة، تشرّب مبادئها بكل كيانه ووجدانه، وحمل همومها معه في كل حل وارتحال، وتمثَّل كفاح عظمائها في كل أنشطته وكفاحه، واستطاع في فترة وجيزة لا تتعدى عقدا من الزمن أن يكسر حاجز الجمود الدعوي، وأن يقدّم نموذجا دعويا معاصرا انتشر واسعا، حين أسس كثيرا من المؤسسات الدعوية، فتكاثر مريدوه وأتباعه في فترة كانت تعج بتيارات مختلفة، وكان الصوت الإسلامي فيها يتأرجح بين الضعف والخفوت.

من هو المخلافي:

هو عبده محمد علي نعمان المخلافي، ولد في قرية (السدري) في بلاد (المخلاف) في محافظة تعز، عام 1356ه الموافق: 1937م، ونشأ في أسرة فقيرة.

فعمل في رعي الأغنام، ثم درس القرآن الكريم في كُتاب قريته، وحفظ منه خمسة عشر جزءًا، وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم سافر إلى المملكة العربية السعودية، وظل متنقلا بين مدينتي مكة المكرمة وجدة مشتغلا ببعض أعمال البناء، ثم التحق بعدد من الأربطة والمدارس العلمية في مكة المكرمة لمدة خمس سنوات، حصل فيها على الشهادة الابتدائية، ثم رحل من ميناء جدة إلى مدينة (بورسعيد) في مصر، ومنها انتقل إلى مدينة القاهرة، حيث التحق بالأزهر الشريف في الصف الثالث الابتدائي حسب نظام الأزهر آنذاك؛ فواصل تعليمه حتى كاد أن يتم المرحلة الثانوية لولا أنه ألقي القبض عليه بسبب التحاقه بجماعة (الإخوان المسلمين).

الوظائف، والمسؤوليات:

ثم عاد إلى اليمن بعد قيام الثورة، فألحقه الأستاذ (قاسم غالب أحمد)، وزير التربية والتعليم آنذاك بالعمل في المركز الإسلامي في مدينة تعز، ثم مدرسا في إحدى مدارس مدينة تعز؛ ثم مديرا عامًّا للتربية والتعليم في مدينة تعز سنة 1386ه/ 1966م.

ثم اعتقل في نفس العام، ثم خرج من السجن.

وعمل مدرسًا في مدرسة ثانوية في مدينة تعز، ثم أعيد مديرا عامًّا للتربية في مدينة تعز، بناء على مطالب شعبية واسعة، فعرف بالنظام والصرامة، وحقق نجاحات ملموسة في مجال التعليم.

وفي سنة 1388ه/ 1968م تعين عضوا في المجلس الوطني، واختير في لجنة صياغة الدستور، واستقر في مدينة صنعاء حتى توفي متأثرا بحادث مروري غامض في منطقة (معبر)، في محافظة ذمار عام 1389ه الموافق: 1969م، أثناء سفره من مدينة صنعاء إلى مدينة تعز.

مصادر تكوينه الفكري:

تربى الأستاذ المخلافي تربية دينية تقليدية شكّل القرآن الكريم وأحاديث الرسول مرتكزها الأكبر، وقد توسعت مداركه في هذا الشأن أثناء مكوثه في مكة المكرمة، إلا أن تنامي ثقافته الفكرية تناميا مطردا كان في القاهرة حيث تعرّف على كثير من العلماء هناك منهم:

 الأستاذ الشهيد (محمد محمود الزبيري)

 والأستاذ (سيد قطب)

والأستاذ المفكّر (محمد الغزالي)

والدكتور (عبد الصبور شاهين)

والشيخ (محمد أبوزهرة) 

والمفكر الجزائري (مالك بن نبي)

والشاعر السوري (عمر بهاء الدين الأميري)

وتأثر كثيرا بآراء الشهيد (سيد قطب)، والشيخ (أبي الحسن الندوي)، والأستاذ (أبي الأعلى المودودي)

كما التقى بشخصيات يمنية عديدة، منهم: القاضي (عبدالرحمن الإرياني)، والعلامة (محمد بن سالم البيحاني)، والشيخ (سنان أبولحوم)، والأستاذ (قاسم بن غالب أحمد).

ولاشك أن هذا التعارف وذاك التأثّر مثّلا لديه مصدرين مهمين من مصادر النماء الفكري والوقوف على أوضاع العالم العربي والإسلامي بشكل عام، وأوضاع بلده اليمن بشكل خاص، وفي الأقوال والخطب التي أورد جزء منها الأستاذ (عبدالملك الشيباني) في كتابه (شهيد القرآن) الذي ألفه عنه؛ يتّضح جليا صدى أفكار الشهيد سيد قطب، والشيخين الندوي والمودودي في خطابه وثقافته.

ومما عُرف عنه أنه كان قارئا نهما، محبا للكتاب شغوفا به، لا تكاد تراه بمعزل عنه، وهو أول من أطلق عبارة (الأصدقاء فئران الكتب) إشارة إلى إعارات الكتب غير المرجوعة، ولا شك أن رافد القراءة والإطلاع فتح عينيه أكثر على حاضر الفكر الإسلامي، ومكنه من الالتقاء بمن فاته زمانا ومكانا، كالإمام حسن البناء، وغيره من المصلحين الذين انعكست توثباتهم الفكرية والدعوية في جل أفكاره وأقواله وأفعاله.

مجالات نضاله:

منذ أن وصل الأستاذ المخلافي إلى مدينة تعز؛ أعد خطة عمل طويلة الأمد بدأها منفردا، وماهي إلا أسابيع وشهور حتى انضم إلى مسيرته عدد من التلاميذ المخلصين كانوا هم الساعد المعين له، وقد ركّزت هذه الخطة على عدد من المجالات، كانت المساجد في مقدمتها حيث اتخذ وتلاميذه منها قاعدة لإرساء مفاهيم التدين الصحيح من جهة وللرد على شبه الإلحاد التي كانت تجول وتصول في ذلك الوقت دون حسيب أو رقيب، فعمل على إلقاء المحاضرات، كما عمل على إحياء خطب الجمعة من خلال تنقيتها من المواضيع التقليدية وطرق موضوعات معاصرة، أكد من خلالها أن الإسلام ليس دعوات شيخ مقعد في زوايا المسجد كما كان يُروَّج له؛ ولكنه منهج حياة، وطريق سعادة، وعنوان وجود.

أما المركز الإسلامي فقد كان مجالا آخر من مجالات الدعوة لدى الأستاذ المخلافي حيث عمل فيه على إقامة ندوة أسبوعية كان يعلن عنها في كل مساجد مدينة تعز، كما عمل على إصدار عدد من المجلات الحائطية والسيارة بوسائل بداية كانت تحقق نفعا وأثرا وإن كانا محدودين، وتكوين عدد من المكتبات إيمانا منه بأن الكتاب شرط أساسي لإطلاق العقل في رحاب الحقيقة وتحريره من أوهاق الجمود والتحجر، ولم ينس إلى جانب ذلك أن يقيم عددا من الرحلات الدعوية، وأن يتخذ من شهر رمضان موسما لا للنوم والكسل ولكن لنشاط دعوي أكثر عطاء.

ولأن الأمية كانت حجر عثرة في طريق الوعي فقد ركّز على محاربتها، وعمل على إنشاء عدد من مراكز محو الأمية، وتعليم الكبار، وإلى جانب ذلك كانت المساجد تحتضن حلقات العلم الشرعي، وكل ذلك كان بإشراف مباشر أو غير مبار منه أو من تلاميذه.

أما مجال الاتصال الشخصي بالمسئولين والمشائخ والأعيان والطلبة والفلاحين فقد كان فارسه الذي لا يبارى، إذ كان رحمه الله أنيق الملبس جذابا قريب الألفة لطيف المعشر، دمث الأخلاق يدخل القلوب من غير استئذان، وكان يتمتع بثقافة عالية أهلته لأن يخاطب الناس على قدر عقولهم، ولهذه الأسباب فقد انضم كثير من معارضيه إلى صفه، وأصبحوا إن لم يكونوا من أعوانه، فهم من مهادنيه، واستطاع في فترة وجيزة أن يؤسس شبكة واسعة من العلاقات الاجتماعية مع مختلف فئات المجتمع.

وفي مجال التعليم أسهم إسهاما جبارا من خلال مواقعه التربوية المختلفة في إصلاح التعليم من خلال الزيارات الميدانية، والاهتمام بالقرآن الكريم وعلومه، والاهتمام بالمناهج الدراسية، وقد أجمع كل من كتب عنه أن فترة عمله في مكتب التربية بتعز كانت من أنجح الفترات في تاريخ التربية في مدينة تعز.

ولأهمية الإعلام في إرساء الوعي؛ فقد شارك المخلافي في تحرير عدد من الأبواب الدينية والفكرية والثقافية في صحيفة الجمهورية، كما قدم عدداً من الموضوعات في كل من إذاعتي تعز وصنعاء.

وبانتقال المخلافي إلى عضوية المجلس الوطني؛ انتقلت مرحلته الدعوية إلى مضمار أوسع، ومكنه ذلك من توسيع مناشطه، وقد اتضحت رؤيته في المجلس من أول يوم حين ألقى في هذا المجلس كلمة حث فيها على أن يكون لهذا المجلس دور كبير في إصلاح الأوضاع، وأن يكون لكل عضو فيه إسهامه الإيجابي.

وقد تعين عضوا في لجنة صياغة الدستور -وقيل رئيسا- وخاض معارك كلامية حامية الوطيس لتنقية الدستور من كل ما من شأنه السير به في غير المنهج القويم، ولم يكتف الأستاذ المخلافي بجهده في المجلس، فقد عرفته مساجد صنعاء ومعسكراتها خطيبا مفوها، وداعية مخلصا لا يكل ولا يمل.

ولأنه كان كذلك فقد لقي من العنت مايضيق بحصره أفق هذه العجالة، فأثيرت حوله الشائعات، ونظمت ضده المظاهرات، وتعرض للسجن والاعتقال، كما تعرض للتصفية الجسدية غير مرة، ويقدم الأستاذ عبدالملك الشيباني في ذيل كتابه المذكور قرابة عشرين قرينة تشير إلى أن موته كان وراءه تخطيط وتدبير، ويدعو إلى فتح ملف للتحقيق بذلك.

وكيفما كان موت الأستاذ المخلافي فقد رحل إلى ربه بثلاث وثلاثين سنة بعد حياة حافلة أحيى فيها العزائم، وبصّر القلوب والأرواح، وصدى عبارته المشهورة التي تعيد إلى الأذهان وثبات السيد قطب يردّد في الفضاء: " إنّنا لا نعادي أشخاصا، ولا نعادي جهات، ولا نعادي حكومات، وإنّما نعادي الألوهية لغير الله، ونعادي التقديس لغير الله، ونعادي أن يُراد لنا عبودية إنسان من دون الله"

المصادر:

١- شهيد القرآن: للأستاذ عبدالملك الشيباني.

٢- موسوعة أعلام اليمن.

٣- موقع الصحوة نت.

٤- مواقع الكترونية أخرى.