إسرائيل “تهدي” فلسطينياً في عيد ميلاده.. 31 رصاصة!

جدعون ليفي

حدث هذا مساء الخميس. كان صدقي عدواني في طريقه من نادي اللياقة البدنية “بلاتينيوم” في جنين إلى بيته في قرية دير غزالة. هو يتدرب كل مساء في النادي باستثناء الثلاثاء والجمعة. في الساعة 22:45 بالضبط اتصل به والده، فأخبره بأنه في طريق عودته إلى البيت، وأنه ينوي التوقف في كشك الفلافل على مدخل قرية الجلمة. بعد ثلاث دقائق، لم يرد صدقي على اتصال والده، وبعد دقيقتين كان هاتفه المحمول مغلقاً.

في النصف ساعة القادمة، اتصل الأب مع ابنه نحو أربعين مرة. كان قلبه يخبره بأنباء سيئة. لم يكن الأب يعرف بعد بأن جنوداً كمنوا وأطلقوا عشرات الرصاصات على ابنه، وأنه أصيب إصابة بالغة؛ الجزء العلوي من جسده على الشارع، ورجلاه ما زالتا في السيارة بعد أن حاول النزول منها في محاولة يائسة لإنقاذ نفسه من نار الجنود. مرت ساعة طويلة حتى عرف الأب بأن ابنه ما زال على قيد الحياة. شائعات حول مقتله. الحقيقة أنه لم يكن لديه تقريباً أي احتمال لأن يعيش.

دخل إلى صالون البيت في قرية دير غزالة شاب نحيف وشاحب الوجه، وهو مسنود بأيدي والده. مشى وجلس بصعوبة، متعب ويئن ألماً. سارع الأب إلى تغطيته ببطانية ووضع وسادة وراء ظهره كي يحسن جلوسه. شظايا كثيرة بقيت في جسد صدقي، الرصاصة التي اخترقت جسده مرت على بعد 3 سم من العمود الفقري وأصابت الكبد والطحال والأمعاء التي تضررت بصورة شديدة. يستطيع الآن أكل المرق فقط، وما يزال يعاني من تلوث في الجهاز الهضمي، ومن الألم الشديد أسفل الظهر. ولكن حقيقة أنه بقي على قيد الحياة تعتبر معجزة.

حطام

صدقي شاب وسيم عمره 22 سنة، والده فراس 45 سنة ويعمل في القصارة منذ ثلاثين سنة في إسرائيل. بيته في القرية الصغيرة دير غزالة شمالي الضفة، قرب جنين، غير مقصور. لصدقي ثلاث بنات يصغرنه. “لا أشعر بأنني والدهم، أنا صديقهم”، قال الأب، ويتفاخر بأنهما أحياناً يرتديان نفس الملابس. جميع أبناء العائلة يعتقدون أن معجزة وقعت في العائلة. لو تعلق هذا بالجنود الذين أطلقوا النار بشكل هستيري على سيارة الهونداي، لما بقي صدقي على قيد الحياة. وقال الأب بأن 31 رصاصة أصابت السيارة، منها 6 رصاصات في مقعد السائق الذي جلس عليه ابنه، ورصاصة واحدة على مسند الرأس. بعد كل ذلك، بقي الابن على قيد الحياة، حتى لو كان الآن مثل حطام.

حدث هذا في 24 شباط الماضي، بعد يوم على عيد ميلاد صدقي الـ 22. لقد عاد من مكان عمله في مطحنة القمح في جنين، السادسة مساء. استحم، وفي الساعة السابعة ذهب إلى نادي اللياقة البدنية. بعد ساعة ونصف من التدرب، غادر النادي وذهب لزيارة جده والد أمه، في القرية المجاورة فحمة. بعد ذلك، كان ينوي العودة إلى بيته.

ذهب نحو معبر الجَلَمة، وكان ينوي الاتجاه يميناً قبل الحاجز بقليل نحو قرية الجلمة لشراء الفلافل. ولكن هذا المدخل إلى القرية كان مغلقاً بمكعبات إسمنتية. كان هناك سائق يمر في المكان، أخبره بأن الجيش أغلق الطريق قبل يومين. عاد صدقي على أعقابه، وفكر بالدخول إلى الجلمة من المدخل الآخر. كان يقود سيارة هونداي تعود لأحد أصدقائه، وكان وحده في السيارة. اتصل بوالده وقال له أن يجهز الشاي لأنه سيأتي فوراً. المسافة بين الجلمة وقريته قصيرة جداً، بضع دقائق.

 الشارع من مدخل الجلمة الذي يؤدي إلى إسرائيل كان فارغاً في ساعات المساء المتأخرة تلك. سافر صدقي نحو الدوار الذي يتوجهون منه يساراً إلى قرية الجلمة. كنا هناك في هذا الأسبوع. بجانب الدوار دفيئات اختبأ فيها الجنود. كمنوا هنا لشباب مخيم اللاجئين الذين يأتون إلى هنا كل مساء ويركبون الدراجات ويطلقون النار على الحاجز من مسافة 500 متر ويهربون عائدين إلى المخيم.

هذا ما حدث في ذلك المساء قبل فترة قصيرة من وصول صدقي إلى الدوار، في طريقه إلى كشك الفلافل. وصل إلى الميدان في الوقت غير الصحيح كلياً، الذي قد يخطر على البال. لم يسمع صوت إطلاق نار، لكن من الشهادات التي جمعها باحث “بتسيلم” عبد الكريم السعدي، من المارين، تبين أنه قبل بضع دقائق، وصلت دراجة إلى الميدان وأطلقت النار على الحاجز البعيد. ولم يصب أحد. قبل بضعة أمتار من وصول الميدان، لاحظ صدقي خمسة جنود ظهروا أمامه فجأة. بعد لحظة، بدأت صلية نيران شديدة من الخلف. عرف بأنه محاط بالجنود من كل جهة وشعر أنه أصيب. شعر أن قدمه فصلت عن جسده. الرصاصة أصابت الحوض، أسفل الظهر في الجهة اليسرى. فتح باب السيارة وحاول رمي جسده إلى الخارج تحت النار. نجح في إخراج الجزء الأعلى لجسده ولكن ساقيه بقيتا في السيارة. ازدادت النار من كل الاتجاهات. وفي غضون استلقائه، رن هاتفه. كان المتصل عمه. صرخ في الهاتف: “أصبت في الجلمة”. بعد ذلك، اقترب منه جندي، سحب جسمه إلى الشارع وركل الهاتف المحمول وطار من يده.

جنود آخرون اقتربوا وبدأوا يخلعون ملابسه. وأبقوه بالملابس الداخلية. كانت الدماء تنزف من ظهره ومن يده اليمنى التي أصيبت بالشظايا. صورة أخذها بعض المارين أظهرت السيارة المحطمة وبقعة دماء على الطرف الأيسر للشارع. صادر الجنود محفظته التي كان فيها 200 شيكل، وهاتفه المحمول من نوع سامسونغ 11. وجروه إلى مركز الميدان، وصوروا جسده وجروحه. “ما اسمك؟”، سأله أحد الجنود بالعربية. في هذه الأثناء، بدأت الأمطار تهطل، كان مستلقياً وعارياً في الميدان. قال صدقي إنه شعر بأنه جسده تجمد. وجد صعوبة في التنفس. كان على قناعة بأنه سيموت، وبدأ بقراءة آيات من القرآن التي تقرأ قبل الموت. قال إنه صرخ وطلب من أمه وأبيه أن يأتوا لمساعدته.

 تحلق حوله الكثير من الجنود واقفين، وبدأ يفقد الوعي. جاءت سيارات عسكرية من جهة معبر الجلمة، إحداها سيارة إسعاف عسكرية. وضعه الجنود على الحمالة، وأدخلوه سيارة الإسعاف. وقال إنه لا أحد قدم له الإسعافات الأولية وهو في سيارة الإسعاف. بعد مرور بضع دقائق، أخرجوه من سيارة الإسعاف، وجاءت سيارة إسعاف للهلال الأحمر الفلسطيني. نقل صدقي إلى المستشفى الحكومي في جنين قرب مدخل مخيم اللاجئين في المدينة. أدخل على الفور إلى غرفة العمليات، وهو يعاني من نزيف داخلي شديد. العملية استغرقت أربع ساعات ونصف الساعة تقريباً. في الساعة الخامسة والنصف صباحاً، فتح عينيه. بعد بضع دقائق على إطلاق النار عليه، الساعة 22:52 دقيقة، اتصل عمه أنس وسأل فراس: “أين صدقي؟”، قال الأب: لماذا، ما الذي حدث؟ أنس قال له بأنهم يقولون إن هناك شخصاً قتل على معبر الجلمة. كان فراس على قناعة بأن المقصود ابنه الذي لم يرد على الاتصالات الكثيرة. لم يحدث أن يرجئ صدقي الإجابة على هاتف أبيه.

 قفز فراس إلى السيارة، وذهب إلى معبر الجلمة، ظناً منه أن بإمكانه رؤية ابنه على قيد الحياة. عندما اقترب من المعبر، شاهد سيارة الهونداي مثقبة بالرصاص، لكنه لم يشاهد ابنه. كان في المكان فلسطيني وأبلغه أن الولد مات. سافر فراس بسيارته بسرعة إلى جنين. في البداية، اعتقد أن ابنه في مستشفى ابن سينا الخاص، لكن صدقي لم يكن هناك. ذهب بسرعة إلى المستشفى الحكومي.

كان صدقي في غرفة العمليات. قال له الأطباء إن وضعه صعب جداً. في هذه الأثناء، وصلت الزوجة والبنات إلى المكان. ورويداً رويداً، جاء أهل القرية إلى المستشفى. في الساعة الخامسة والنصف، شاهد ابنه وهو يصحو من التخدير. قال الأطباء إن الأيام القادمة ستكون حاسمة. ولم يكونوا يعرفون ما إذا كان النزيف الداخلي قد توقف أم لا، وما هو الضرر العصبي الذي تسببت به الرصاصات. الوالدان لم يغادرا سريره.

 وُجهت أسئلة لوحدة منسق أعمال الحكومة في “المناطق” [الضفة الغربية] مثل: لماذا تم سحب تصريح عمل فراس بعد ثلاثين سنة من العمل في إسرائيل؟ وهل بعد أن يطلق الجنود النار بالخطأ على فلسطيني، يقوم الجيش بمعاقبة كل العائلة ويسحب تصاريح العمل من جميع أبناء العائلة؟ لم تجب الوحدة على أسئلة “هآرتس”. اشترى فراس هذا الأسبوع لابنه هاتفاً محمولاً جديداً من نوع “سامسونغ 7 بلاس”، وهو أقل تطوراً من الهاتف الذي سلبه الجنود الذين أطلقوا النار عليه وكادوا يقتلونه.