للتثبُّت من صحَّة المعلومات التي تُبَثُّ عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيّ

الأب سامِر نعمان

الأب سامِر نعمان على خُطى سُقراط:

للتثبُّت من صحَّة المعلومات التي تُبَثُّ عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيّ

الأب سامر نعمان

دخلَت وسائل التَّواصل الاجتماعيّ[1] (Social Media) عالَم الإعلام والإعلان من بابه العريض، وفرضَت نفسَها مُنافِسةً حقيقيَّةً لوسائله التقليديَّة. وبعدما اقتصرت هذه الوسائل، في السنوات الماضية، على الصُّحُف والإذاعات والتِّلفازيَّات، ضَمَّت اليومَ وسائلَ رقميَّةً تَبُثُّ المكتوبَ والمسموعَ والمشاهَدَ على شاشاتٍ صغيرة، عبرَ تطبيقاتٍ إلكترونيّةٍ متنوِّعة. وقد أحدثَت هذه الوسائلُ الرقميَّة ثورةً حقيقيَّةً، ولا سيّما في مجال الإعلام، إذ لم تُسهم في نشر "الخبر" أو "المعلومة"[2] من كلِّ أنحاء العالَم وإليه وَحَسْب، بل تعدَّت ذلك إلى نشرها لأعدادٍ كبيرةٍ من البشر في لحظاتٍ معدودة؛ وأبلغُ مثالٍ على ذلك أنَّ العالَم كلَّه تابعَ مُجريات الحرب الأميركيَّة على العراق في العام 2003، لحظةً بلحظة، وبالصوت والصورة، عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيّ.

ومع كلِّ ما تحملُ هذه الثورة مِن إيجابيّاتٍ، ولا سيَّما لجهة سرعة الحصول على المعلومات وشموليَّته، إلاَّ أنَّها خلَّفت حالةَ إرباكٍ عند الإنسان. فغزارة المعلومات التي باتَت تصلُه يوميًّا عبرَ وسائل التواصل الاجتماعيِّ جعلته عاجزًا عن متابعتها، كما أنَّ تبايُن هذه المعلومات أحيانًا، لا بل اختلاقاتها وتلفيقاتها أحيانًا أخرى، ضلَّلته، ولا سيَّما أنَّه لا يملكُ الوقتَ ولا الوسائلَ المناسبةَ للتثبُّت من صِحَّة ما يَرِدُه حولَها وفي شأنها. فهل يمكنُ الإنسانَ أن يتحقَّقَ مِن صحَّة ما يصله من معلوماتٍ وأخبارٍ وتقاريرَ عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيّ؟ وهل من وسائل ناجعةٍ ومعايير حاسمةٍ في هذا المجال؟

نستعرضُ في هذه العُجالة أشكال "المعلومات" التي تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعيّ ومضمونها وأنواعها؛ ونتوقَّفُ عند مشكلة هذه الوسائل، ولا سيَّما لجهة مصداقيَّة ما تتناقلُه من معلوماتٍ على اختلافها؛ ونُوضِحُ بعضَ المفاهيم المتداوَلة في حقل الإعلام، ولا سيَّما حول مصداقيَّة صاحب المعلومة وموثوقيَّة معلومَته؛ونشرحُ مَفهومَي "الحقيقة" و"الحقيقة الإعلاميَّة" وبعض خصائصهما؛ ونشيرُ إلى بعض المعايير-المقاييس التي يمكنُ بتطبيقها التثبُّتُ من صحَّة ما يَرِدُنا من معلومات؛ ونُقدِّمُ أخيرًا بعض النصائح في إطار استعمالنا وسائل التَّواصل الاجتماعيّ.

ويجدر التنويه إلى أنَّ صاحبَ هذه الأسطر استندَ في وضع هذه الدراسة النظريَّة التحليليَّة إلى خبرته الأكاديميَّة في اختيار المراجع الموثوق بها، ولا سيَّما لجهة نزاهة الكاتب ومصداقيَّته، وموثوقيَّة معلوماته، وأهليَّته.

***

أوّلاً: معلومات "وسائل التَّواصل الاجتماعيّ"

قبل الولوج في الموضوع الحاضر، مِن المناسب التعرُّف على أشكال "المعلومات" التي تتناقلها وسائل التَّواصل الاجتماعيّ وعلى بعضٍ من مضمونها وأنواعها.

أ‌.       أشكالٌ ومَضامينُ مختلفة

للمعلومات المتناقلة عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيّ أشكالٌ ومضامينُ مختلفة:

  1. المقروء: مِن المعلومات المتداولة عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ نصوصٌ مكتوبةٌ نحتاج إلى قراءتها. ومِن الأمثلة على ذلك عَرضُ البيانات، والقرارات، ومقتطفاتٌ من الجرائد، وغيرها.
  2. المسموع: مِن المعلومات المتداولة أيضًا ما يتطلَّب الاستماع؛ وما على المتلقِّي إلاَّ أن يسمعَ شخصًا يتكلَّم أو يُغنِّي. ومِن الأمثلة على ذلك المقاطع الموسيقيَّة التي تُرافِقُ صورةً ثابتة وغيرها.
  3. المشاهَد: مِن المعلومات أيضًا ما هو مُشاهَدٌ، ويقومُ على عرض صورٍ مُستقلَّةٍ أو مشاهد مُصوَّرةٍ حول أحداثٍ مُعيَّنة، كالتقارير المصوَّرة الصَّامتة، وغيرها.
  4. المختلط: وهو الغالبُ في المعلومات التي تتناقلها وسائل التَّواصل الاجتماعيّ. ويقومُ على الجمع بين المقروء والمسموع، أو المسموع والمشاهَد، أو المقروء والمشاهَد، وقد يجمع في كثيرٍ من الأحيان المقروء والمسموع والمشاهَد في آنٍ واحد. والأمثلة كثيرةٌ جدًّا على هذا الشكل من المعلومات.

ب‌.  أنواعٌ مُتعدِّدة

كما أنّ للمعلومات المتناقلة عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ أشكالاً مُختلفة، فإنَّ لها أيضًا أنواعًا مُتعدِّدةً تختلفُ بحَسَب وجهة استعمال هذه الوسائل. ونستعرضُ ههنا أهمَّ تلك الأنواع:

  1. الإخباريّ: هدفه الأساس إعلاميٌّ، أي إيصال معلومةٍ حول خبر مُحدّد.
  2. الإعلانيّ: يبغي بعامّةٍ الترويجَ لمنتجاتٍ والتسويقَ لسِلَع.
  3. التحليليّ: يعمل على تحليل الأحداث والتعليق على الأخبار.
  4. التواصليّ: الغرض منه تفعيل التَّواصل بين البشر في جميع أنحاء العالَم.
  5. الترفيهيّ: يقوم على توفير وسائل ترفيهيَّة لمستعملي وسائل التواصل الاجتماعيّ.
  6. التعلُّميّ: يهتمُّ بتَلقين مستعملي وسائل التَّواصل الاجتماعيّ دروسًا في مختلف المجالات.

وحِرصًا على الاختصار وتوحيد المفاهيم، فإنّ كلمة "معلومة" أو "معلومات" التي سنستعملها في موضوعنا الحاضر تدلُّ على كلِّ ما يمكن أن تتناقله وسائلُ التَّواصل الاجتماعيّ، مِن مختلِف الأشكال والأنواع.

ثانيًا: مشكلة "وسائل التَّواصل الاجتماعيّ"

تدلُّ تسميةُ "وسائل التَّواصل الاجتماعيّ" على أنَّها واسطةُ تواصلٍ بين البشر، إلاَّ أنّها، ولا شكَّ في ذلك، وسيلةُ تواصلٍ "إعلاميٍّ وإعلانيٍّ" أيضًا، لا بل إنَّ هذه الوسائل باتَت تُستخدَم لأهدافٍ إعلاميَّةٍ وإعلانيّةٍ أكثر ممَّا هي لأهدافٍ تواصليَّةٍ بين البشر؛ وما يُؤكِّد ذلك أنَّ الإنسان عادَ لا يُكلِّمُ أصدقاءه باستعمال وسائل التَّواصل الاجتماعيّ بقَدْر ما يُرسل إليهم عبرَها الأخبارَ والإعلانات.

ولم تكتفِ هذه الوسائل باحتلالِ مركزٍ مرموقٍ في مجالَي الإعلام والإعلان وَحَسْب، بل سمحت لكلِّ إنسانٍ أن يكونَ صحفيًّا، إذ بات قادرًا على تصوير أيِّ حدثٍ مِن أيِّ مكانٍ في العالَم، والكتابةِ عنه، وبثِّ الصور والمشاهد والنصوص عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ لتصلَ كلَّ إنسانٍ في سرعةٍ قياسيَّة. لكنَّ هذا التطوُّر، على أهميَّته، سمحَ لكلِّ إنسانٍ أيضًا أن يَبُثُّ أيَّة معلومةٍ يُريد ترويجها، أكانت صحيحةً أم شبه صحيحةٍ أم خاطئةً تمامًا؛ وبِتنا نتكلَّمُ على "معلوماتٍ كاذبة" أو "مُلفَّقة" أو "مُختَلَقَة" لمصالح وغايات، وما أكثرها.

وعليه، فإنَّ إحدى المشكلات الأساسيَّة التي تطرحها وسائل التواصل الاجتماعيِّ اليومَ هي موثوقيَّة معلوماتها، أي صِحَّةِ ما تتناقله، ولا سيَّما أنَّها أضحَت مِنبَرًا حُرًّا لكلِّ إنسانٍ في العالَم، وفُرصةً لكثيرٍ مِن "أنبياء الساعة" الذين راحوا يتكلَّمون في أيِّ موضوعٍ، من دون ضوابطَ علميَّةٍ أو اختصاصاتٍ أكاديميَّة. هذا، ويمكن تصنيف ما يردنا مِن معلوماتٍ عبرَ وسائل التواصل الاجتماعيّ، مِن حيث موثوقيَّةُ المعلومات أو صِحَّتُها كما من حيث أهليَّةُ أصحاب هذه المعلومات أو كفاءتُهم،في أربعة مستويات:

أ‌.       معلوماتٌ مُختَلَقَة: قد تصلنا معلومةٌ لا أساس لها من الصحَّة بتاتًا، وقد تمَّ اختلاقُها بالكامل لأغراضٍ شخصيًّةٍ أو سياسيًّةٍ أو غيرها. وهذا النموذج نجده بكثرةٍ في الأخبار والصور المزيَّفة. فتارةً يضعون كلامًا على لسان أحد الأطبَّاء مفادُه أنَّ كلَّ مَن تلقَّح للاحتراز من فيروس كورونا سيموت بعد سنتَين، وطورًا يتلاعبون في صور رؤساء الدول، فيُصوِّرون أحدَ هؤلاء ينحني أمام رئيسٍ آخر، والأمثلةُ كثيرةٌ على هذا المستوى.

ب‌.  حيثيّاتٌ غيرُ صحيحة: في هذا المستوى، يكونُ للمعلومة أساسٌ حقيقيٌّ، لكنَّ المشكلة تكمنُ في نقل حيثيَّاتها على نحوٍ غير دقيقٍ أو مُحرَّفٍ، وغالبًا ما يكون التحريف مقصودًا لغاياتٍ في نفس ناقل المعلومة. ونُوردُ ههنا مثلًا من الوسائل الإعلاميَّة، فخبر اغتيال شخصيَّةٍ نافذة، على سبيل المثال، قد يَرِدُ عبرَ أكثر من وسيلةٍ إعلاميَّة، لكنَّ كلَّ واحدةٍ منها تنقلُ حيثيَّات الحادث على نحوٍ مُغايرٍ للأخرى، ومَردُّ ذلك إلى أنَّ كلَّ وسيلةٍ تسعى للتركيز على ما يُناسبها من حيثيَّاتٍ وإغفال ما لا يُناسبها، وصولاً إلى تبرئة أطرافٍ "صديقة" وإلصاق التهمة بأطرافٍ أخرى، أو إغفال جهةٍ سياسيَّةٍ "مموِّلة" وإدانة أخرى...

ت‌.  تحليلاتٌ من دون أهليَّة: للمعلومة في هذا المستوى أساسٌ حقيقيٌّ أيضًا، لكنَّ غوصَ شخصٍ في تحليل هذه المعلومة، وهو ليس صاحب اختصاصٍ أو خبرةٍ في الموضوع الذي يتكلَّم عليه،قد يُعطي استنتاجاتٍ غير دقيقةٍ وقد تأتي خاطئةً تمامًا. فما بالك مثلًا بأنْ تتكلَّمَ محاميةٌ على وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ في مواضيع اللاهوت على اختلافه، وتُفتي بما يجوزُ فعله وما لا يجوز، من دون أن تحملَ اختصاصًا في ما تُحلِّلُ فيه وتُنظِّر!

ث‌.  معلوماتٌ وحيثيَّاتٌ صحيحة: في هذا المستوى، تكون المعلومة صحيحةً في أساسها، ويأتي نقلُها مهنيًّا إلى حدٍّ كبير، ويكون تحليلُها أيضًا منطقيًّا وعادلًا وغير مُنْحاز... ولا نعجَبَنَّ من أنَّ هذا المستوى من المعلومات الصحيحة، نقلًا وتحليلًا، هو الأقلُّ نسبةً لِما يصلنا عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيّ.

ثالثًا: توضيحُ بعض المفاهيم

قبل الغَوص في غمار الموضوع الحاضر، من المفيد التوقُّف عند بعض التعابير التي قد تَرِدُ في الأسطر اللاحقة - وقد ورد بعضها في الأسطر السابقة - وغالبًا ما تُستعمل في عالَم الإعلام للإشارة إلى صدق صاحب الخبر، ودقَّة نقله الخبر، وإمكان الوثوق بمصادره، وأهليَّته للحديث في موضوعٍ معيَّن، واتجاهه الموضوعيَّ في طرحه.

أ‌.       النزاهة (integrity):يدلُّ مفهوم النزاهة على صدق الشخص على نحوٍ عامّ، وارتباطِ ما يُفكِّر فيه بما يقوله ويعيشه على نحوٍ خاصّ. وعليه، فنزاهةُ الإنسان تعني في ما تعنيه، الانسجامَ القائمَ في شخصه، فكرًا وقولاً وحياةً. وفي عالَم الإعلام تُستعملُ كلمة نزاهةٍ للإشارة إلى إنسانٍ يمكن الوثوق به نظرًا إلى أنَّه صادقٌ مع نفسه، ويسعى للتآلف ما بين قناعاته ورؤيته من جهة، وتطبيقات هذه في حياته اليوميّة، من جهةٍ أخرى.

ب‌.  المصداقيّة (credibility)يرتبط مفهوم المصداقيَّة بطريقة نقل المعلومة، فكلَّما كان نقل هذه الأخيرة صحيحًا ودقيقًا، من دون مبالغةٍ أو اختزالٍ أو اختلاق، نقول إنّ الكاتب صاحبُ مصداقيَّة. وقد يَفقدُ الشخص مصداقيَّته عند التركيز في نَقل المعلومة على جزءٍ منها وإغفال الأجزاء الأخرى، عمدًا أو سهوًا، أو عند تضخيمها أو تحجيمها، أو اختلاقها من دون أن يكون لها وجودٌ أصلًا. وعليه، فمعيار مصداقيَّة الشخص هو اعتياده على تقديم معلوماتٍ تُطابقُ إلى أكبرِ حدٍّ حقيقةَ الواقع.

ت‌.  الموثوقيّة (reliability): يعكس مفهوم الموثوقيَّة درجةَ الثقة التي نضعها في المعلومات التي تصلنا؛ وغالبًا ما يُقدِّم صاحبُ المصداقيَّة معلوماتٍ موثوقًا بها. مع ذلك، فقد يكون الشخصُ ذا مصداقيَّةٍ عاليةٍ لكنَّ معلوماته قد لا تكون موثوقًا بها، أي صحيحة. وهذا لا يعني حصرًا أنَّه يُزوِّر الحقيقة، بل قد ينقل حيثيَّاتها على نحوٍ غير دقيقٍ من دون أن يدري، أو بسبب اقتناعه بصحَّة ما ينقله. وباختصار، يشيرُ مفهومُ "المصداقيَّة" إلى اعتياد الشخص على نَقلِ المعلومة على نحوٍ صحيحٍ ودقيق، بينما يشيرُ مفهومُ "الموثوقيَّة" إلى صحَّة معلوماتٍ مُحدّدةٍ قدَّمهاحولَ موضوعٍ مُعيَّن.

ث‌.  الأهليَّة (eligibility)صاحبُ الأهليَّة هو الشخص المناسبُ لطرحِ موضوعٍ ما ومناقشته، وذلك بالنظر إلى أنَّه صاحب اختصاصٍ فيه أو خبرةٍ أو الاثنين معًا. والجدير بالذكر أنَّ البُعد العلميّ للإنسان يُحتِّم عليه الإشارة في حديثه إنْ كان الموضوع الذي يُعالجه يقعُ ضمن اختصاصه الأكاديميّ أو خبرته الحياتيَّة أو ما سوى ذلك. ويمكننا في سهولةٍ التثبُّت من أنَّ العديد ممَّن يتكلَّمون اليومَ على وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ لا أهليَّةَ لهم، أي أنَّهم يتكلَّمون في ما لا اختصاص لهم فيه ولا خبرة.

ج‌.   الموضوعيَّة (objectivity): يدلُّ هذا المصطلح على نوعيَّة طرح الإنسان موضوعًا ما. فكلَّما أبعدَ الإنسانُ آراءه وخُبراته الشخصيَّة، عند طرحه موضوعًا ما ومعالجته إيَّاه، كان "موضوعيًّا".  وكلَّما أدخل آراءَه وخبراته الشخصيَّة في حديثه عن موضوعٍ معيَّن، ومعالجته إيَّاه، كان "ذاتيًّا". ومن المعروف أنَّ البُعدَ العلميَّ عند الإنسان يفرضُ عليه أن يكون موضوعيًّا لا ذاتيًّا.

رابعًا: حول "الحقيقة" وَ"الحقيقة الإعلاميَّة"

نتكلَّم كثيرًا في مجال الإعلام على "حقيقة المعلومة"، ونقل "الحقيقة كما هي"... ومع أنَّ مفهوم "الحقيقة" واسعٌ جدًّا وله معانٍ أكثرَ من أن تُحصى، يجدرُ أن نُعطيَ هذا المفهوم معنًى مُحدَّدًا في هذه الأسطر، وأن نُوضحَ بعضًا من خصائص"الحقيقة" على نحوٍ عامّ، و"الحقيقة الإعلاميَّة" على نحوٍ خاصّ.

أ‌.       مفهوم الحقيقة وأنواعها: في مجال الحياة الأرضيَّة، يمكن تعريفُ الحقيقة على أنَّها "الأمر المؤكَّدُ الوجود"، أكان بتسليم إنسانٍ بوجوده من خلال حواسِّه، أم بإقرار البشر به إقرارًا جماعيًّا كوجود الشمس، أم بافتراضهم له كما هو الحالُ في عِلمِ الحساب، أم بتأكيدهم عليه كما في قوَّة "الجاذبيَّة الأرضيَّة". من هنا، يمكن تصنيف الحقائق على الأرض، على نحوٍ عامّ، في أنواعٍ أربعة: الحقيقة التي يعرفُها الإنسان عبرَ حواسِّه؛ والتي تفرضُ ذاتَها عليه كحقيقة وجود الأشياء؛ والتي يفترضُ هو وجودُها كما في علوم الرياضيَّات؛ أو التي يكتشفها كما في علوم الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وغيرها.

ب‌.  حقائقُ نسبيّةٌ ومُتغيِّرة: على الرغم من وجود مجموعةِ حقائقَ على الأرض لا حقيقة واحدة، فإنَّ هذه الحقائق ثابتةٌ بنسبٍ متفاوتة، ومنها ما قد يتغيَّر أحيانًا. فقد ينظرُ الإنسان إلى شجرة فيَخالها إنسانًا لأنَّ نظره ضعيفٌ؛ وقد اعتقدَ أيضًا أنَّ الأرض مُسطَّحةٌ قبل أن يُثبِتَ العلماء أنَّها كرويَّة... وعليه، فإنَّ الحقائق عند البشر نسبيَّةٌ ومُتغيّرِة؛ وقد يكونُ أكثرها نسبيَّةً تلك التي يَستقيها الإنسان من حواسِّه، وأكثرها ثباتًا تلك التي تفرضُ ذاتها عليه. وباختصار، تبقى الحقائق على أنواعها،الحسِّيَّة والبَيِّنَة والوضعيَّة والمكتشَفة، صحيحةً نسبيًّا في زمانٍ ومكانٍ مُحدَّدين إلى أن يثبتَ ما يُغيِّرها أو يُعدِّلها.

ت‌.  الحقيقة الإعلاميَّة: "الحقيقة الإعلاميَّة"، أو "الحقيقة" في عالَم الإعلام، هي الحقيقة المرتبطة بنقلٍ صحيحٍ ودقيقٍ لحدثٍ مُعيَّنٍ أو لمعلومةٍ مُحدَّدة، وهي خاضعةٌ لخصائص الحقيقة العامَّة، بحيث إنّهَا نسبيَّةٌ ومُتغيّرِة. وممَّا يجعل "الحقيقة الإعلاميَّة" أكثر نسبيَّةً من غيرها من الحقائق أنَّ ناقل الحدث مثلًا، أي الإنسان، لا يمكنه أن ينقله بدقَّةٍ تامَّةٍ وبموضوعيَّةٍ كاملة. وعليه، فإنَّ كلَّ نقلٍ لحدثٍ ما هو تشويهٌ له بغضِّ النظر عن حجم هذا التشويه؛ وحَسْبُ الناقل المحترف أن يُخفِّف التشويه في النقل إلى أقلِّ قدْرٍ ممكن. وأفضلُ مثالٍ على ذاتيَّة النقل، من دون التطرُّق هنا إلى قَصدِ التشويه والتحريف، أن يُشاهد شخصان مشهدَ أمٍّ تصفعُ ابنها على الطريق، فيركِّزُ الأوَّل في نقله الحدث على قساوة الأمِّ بينما يُركِّز الآخر على فداحة تصرُّف الولد.

خامسًا: التأكُّد من صحِّة المعلومة "التَّواصليَّة"

نُوردُ ههنا ثلاثة مستوياتٍ للتأكُّد من صحِّة المعلومة الواردة عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيّ؛ أوَّلها تطول صاحبَ المعلومة، وثانيها موضوعَه، أمَّا ثالثها فتطول طريقةَ عرضه هذا الموضوع.

أ‌.       من حيث صاحب المعلومة

في إطار التثبُّت من صحَّة المعلومة التي نتلقَّاها عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيّ، من المفيد النظر إلى صاحب هذه المعلومة وهويَّته واختصاصه العلميّ وبعض صفاته الشخصيَّة؛ وهذه كلُّها تُقدِّم صورةً مبدئيَّةً عن نزاهة هذا الشخص ومصداقيَّته وموثوقيَّة معلوماته.

  1. هويَّة الكاتب أو المتكلِّم: عند قراءة نصٍّ ما أو رؤية مشهدٍ مُصوَّر، من الضروريِّ التساؤل عن هويَّة كاتب النصِّ أو مُخرج المشهد المصوَّر. هل هما معروفان في الوسط العلميِّ ولهما مصداقيَّة، أم أنَّهما غيرُ معروفَين ومصداقيَّتهما مشكوكٌ فيها؟ هل يَستشهدُ آخرون بأعمالهما ويشهدون لبُعدهما العلميّ؟ وباختصار، كلَّما كان صاحبُ المعلومة، على اختلاف أشكالها، معروفًا في الوسط العلميّ، يمكن الارتياح أكثر إلى موثوقيَّة معلوماته. وفي المقابل، عندما لا يكون ثمَّة كاتبٌ يتبنَّى النصَّ ولا مُخرِجٌ يتبنَّى المشهد ولا لاقطٌ يتبنَّى الصورة، فعلى الإنسان أن يَشُكَّ في صحَّة ما يقرأه أو يراه، وفي الأهداف الكامنة وراء المعلومة التي وصلته.
  2. دراستُه واختصاصُه: من المهمّ التساؤل أيضًا عن الدراسةالأكاديميَّة لصاحب المعلومة بالإضافة إلى اختصاصه وخبرته العلميَّة، وإذا ما كان الموضوع المطروح عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ يقعُ من ضمن اختصاص المتكلِّم فيه أو عنه. وبصورةٍ عامَّة، كلَّما ابتعد الموضوعُ المعالَجُ عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ عن اختصاص الشخص المتكلِّم فيه، أو خبرة الكاتب الأكاديميَّة، حقَّ للمستمع أو القارئ أن يَشُكَّ في أهليَّة الشخصَين المذكورَين، وفي موثوقيَّة معلوماتهما.
  3. صفاتُ المتكلِّم: قد تظهرُ على المتكلِّم عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ بعض الصفات التي تُعطي المشاهِد فكرةً عن مصداقيَّة هذا الشخص وموثوقيَّة معلوماته. فهل المتكلِّم منفتحٌ في طرح أفكاره أم إنَّه مُتشدِّدٌ أو مُتعصِّبٌ؟ وهل تُشيرُ نبرة صوته إلى عرضه الأفكار أم إلى فرضها؟ قد يحصُلُ العديد من المـَشاهِدِ على وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ على تأييد ٍكبيرٍ بسبب التأثير العاطفيِّ لأصحابها في نفوس المـُشاهدين. ومع ذلك، وبصورةٍ عامَّة، كلَّما طرح الكاتب أو المتكلِّم فكرتَه بهدوءٍ واتِّزانٍ أمكننا الوثوق أكثر بكلامه، وكلَّما انجرَّ إلى الصراخ أو التشدُّد أو الاتِّهام أو الإدانة، حقَّ لنا أن نَشُكَّ في خلفيَّة حديثه ومصداقيَّته وموثوقيَّة معلوماته.

ب‌.  من حيث الموضوعُ وخصائصُه

في إطار التحقُّق من صحَّة المعلومة التي نتلقَّاها عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيّ، من المهمِّ النظرُ إلى نوع الموضوع المطروح وأهميَّته، وإلى مصدر المعلومات الواردة فيه وتاريخها، كما إلى الهدف من الطرح.

  1. نوعُ الموضوع وأهميَّتُه: يُقدِّم الموضوع المطروح في أحيانٍ كثيرةٍ صورةً عن صاحبه، وموثوقيَّةَ معلوماته. وإنَّ إلقاء نظرةٍ سريعةٍ على وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ كفيلةٌ بإظهار عشرات الأمثلة على بعض المشاهد المتَلفَزَة التي يَرُدُّ أصحابها على "خصومهم" السياسيِّين مثلًا، فيبادرون على الدوام إلى شيطَنَتهم، من خلال إلصاق التّهم بهم - وقد تكون مُختلَقة - وتقديم أفضل الصور عن معتقداتهم الفكريَّة وانتماءاتهم السياسيَّة.
  2. مصدرُ المعلومات وتاريخُها: إنْ لم نجد مصدرًا واضحًا للمعلومات التي تردنا فعلينا أن نكون حذرين، فقد لا تكون مَحَطَّ ثقة. كذلك الأمر بالنسبة إلى تاريخ نشر المعلومات، فبعض المعلومات الصالح لزمنٍ ما قد لا يكونُ صالحًا لزمنٍ آخر. وعليه، فمن الواجب التشكيك في مصدر المعلومات للتأكُّد من موثوقيَّتها، ومن المناسب أيضًا التحقُّق من تاريخ هذه المعلومات للتثبُّت من أنَّ هذه لا زالت تصلح ليومنا الحاضر.
  3. الهدفُ من الطرح: من الضروري التساؤل على خلفيَّة المتكلِّم أو الكاتب. فهل يظهرُ من حديثه أو كتابته أنَّه شخصٌ علميٌّ ويُريد أن يصلَ إلى هدفٍ واضحٍ من خلال عرضٍ منطقيٍّ وعلميّ؟ أم أنَّ له خلفيَّةً فكريَّةً متشدِّدةً ولا يسعى إلاَّ إلى التصويب على الآخرين، وغالبًا من دون حججٍ أو أدلَّةٍ تدعم كلامه؟ وباختصار، كلَّما صَعُبَ علينا إيجاد هدفٍ واضحٍ من المعلومة، أو كان الهدف مِن نَوع ردِّ الاعتبار أو ردِّ الصَّاع صاعَين وغيره من الأهداف، وَجبَ علينا الشكُّ في مصداقيَّة صاحب المعلومة وموثوقيَّة معلوماته.

ت‌.  من حيث طريقةُ العرض

في إطار التحقُّق من المعلومة التي نتلقَّاها عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيّ، يجدر النظرُ إلى طريقة عَرض هذه المعلومة، أكان من حيث المنطق والتسلسل في الأفكار، أو من حيث وضوح الأفكار والأخطاء المرتَكَبَة، أو من حيث الفكر والعاطفة، أو من حيث موضوعيَّة الطرح.

  1. المنطق والتسلسل: المنطق هو استنتاجُ فكرةٍ من أخرى على نحو صحيحٍ، وهذه ميزةُ الشخص العلميّ. وعليه، فعندما نقرأ لكاتبٍ من دون أن نجد منطقًا في نصِّه، فمن الطبيعيِّ أن نشُكّ في مضمون ما نقرأه. وكما المنطقُ، كذلك التسلسلُ، وهو الانطلاق من فكرةٍ إلى أخرى وصولاً إلى هدفٍ منشود. وباختصار، كلَّما فقدَ الكاتب المنطق والتسلسل في عرضه أفكاره، حقَّ لنا أن نَشُكَّ في بُعده العلميّ، وبالتالي، في موثوقيَّة معلوماته.
  2. وضوح الأفكار والأخطاء المرتَكَبَة: وضوح الأفكار هو أن يأتي التعبير عن الأفكار المطروحة بَيِّنًا ومفهومًا. أمَّا الأخطاء المرتكبة، أجاءت في الكلام أم في الكتابة، فتشيرُ إلى مستوى الكاتب العلميّ، وبالتالي، فإنَّها تُعطي فكرةً عن مضمون كلامه. وعليه، كلَّما ابتعدَت أفكار الكاتب وأقواله عن الوضوح، وغَزَت كتاباتِه الأخطاءُ اللغويَّة، حقَّ لنا أن نَشُكَّ أيضًا في بُعده العلميّ، وبالتالي، في موثوقيَّة معلوماته.
  3. الفكرُ والعاطفة: في المواضيع العلميِّة، يبتعد المتكلِّمون عن اللغة العاطفيَّة، إذ لا مجال في الخطاب العلميِّ للعاطفة، بل للمنطق الفكريّ. وعليه، فإذا ما رأينا شخصًا يستعمل أساليبَ عاطفيَّةً، تشويقًا للقارئ وسعيًا لإقناعه بما لديه، حقَّ لنا أن نَشُكَّ في محتوى ما نقرأه أو نسمعه منه. فالكثيرُ من "أنبياء الساعة" يرفعون الصوت أو يُحذِّرون أو يخوِّنون... لا لشيء سوى لإقناع المشاهِدِ بما يُدلون به. وباختصار، علينا أن نميِّز المعلومة العلميَّة التي تعتمد المنطق الفكريَّ والمعلومة التي تعتمد التأثير العاطفيّ، وأن نُمحِّصَ كثيرًا في محتوى الثانية، لأنَّ أصحابها لا يسعَون إلاَّ إلى استِمالة المستمعين والمشاهدين من خلال دغدغة مشاعرهم لإقناعهم بما يطرحون.
  4. موضوعيَّة الطرح: في هذا المستوى، على المستمع أو المشاهِد أن يُقيِّم موضوعيَّة المتكلِّم أو الكاتب، فهل الهدف من حديثه مناقشة موضوعٍ عامٍّ والوصول فيه إلى خلاصةٍ مُحدَّدة، أم أنَّ هدفه يقوم، في نهاية المطاف، على التصويب على مؤسساتٍ وأشخاص؟ فالإنسان الموضوعيُّ يطول هدفًا علميًّا واضحًا، أمَّا الذاتيّ فيطول مواضيع تهدف إلى إدانة الآخرين، واتِّهامهم بصفاتهم الشخصيَّة، والتشفِّي منهم.

سادسًا: نصائحُ في تَقييم الأخبار والموضوعات

من المفيد، عند تَقييم المعلومات والأخبار والموضوعات التي نتلقَّاها عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيّ، أن نعتاد على بعض الممارسات، ونُوردُها هنا من باب النصيحة لا الفَرض.

أ. تعزيزُ الحسِّ النقديّ: اهتمَّت وسائل الإعلام التقليديَّة، ولا سيَّما الصُّحُف والإذاعات والتلفازيَّات، بمصداقيَّتها وموثوقيَّة معلوماتها، بخاصَّةٍ أنَّ استمرارها كان يتوقَّفُ إلى حدٍّ كبيرٍ على هذين الأخيرَين. أمَّا بالنسبة إلى الوسائل الحديثة فالأمر مختلِف، إذ إنَّ الإنسان الذي يَختلِقُ المعلومة لا يهتمُّ بمصداقيَّته الشخصيَّة أو اكتشاف زيف معلومته، لأنَّه قادرٌ في كلِّ مرَّةٍ أن يكتبَ ما يشاء بأسماء جديدةٍ مُستعارة. وعليه، فحجم التزوير في معلومات وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ يتعاظم بسرعةٍ كبيرةٍ لأنَّه سهلٌ وغيرُ مُكلِف، وباتَ حريًّا بالذي يتلقَّى المعلومات عبرَ هذه الوسائل أن يُعزِّزَ حِسَّه النقديّ لتَقييمٍ أفضل لما يَرِدُه. ومن المفيد التذكير أنَّ صدق المعلومة لا يرتبطُ حصرًا بوجودِ صورةٍ أو وثيقةٍ أو ما شابَه ذلك، فكلُّ هذه قد تكون مُزيَّفة، والقصدُ منها إيهام المتلقِّي أنَّ ما يحصل عليه من معلوماتٍ صحيحٌ وثابتٌ وأكيد.

ب. التروِّي في تصديق الأخبار: بالنظر إلى ما تقدَّم، حيث لا حقيقة مطلقة على الأرض، وحيث الحقيقة الإعلاميَّة نسبيَّةٌ لأنَّها غير موضوعيَّة تمامًا، هذا إن لم نقُل انَّ ثمَّة تلاعبًا مقصودًا فيها. وحيث إنَّ تزوير المعلومة باتَ سهلًا وممكنًا في كلِّ حين من دون عواقب تُذكر، وجبَ على الإنسان التروِّي في تصديق الأخبار التي يقرأها والمشاهِد التي يراها. والتروِّي هنا يعني عدم اتِّخاذ موقفٍ مُتسرّعٍِ من المعلومات؛ فالأفضل ألاَّ يتبنَّى الإنسان موقفًا مُتسرِّعًا مِن أن يتبنَّى موقفًا يتبيَّن بعد حينٍ ضعفُه وعدمُ صوابيَّته. ولا ضررَ البتَّة من أن يُعربَ الإنسان، في بعض الأحيان، عن عدم تبنِّيه أيَّ موقفٍ ريثما تتَّضِح الصورة لديه ويتثبَّت ممَّا وردَه مِن معلومات.

ت. عدم إطلاق الأحكام عاطفيًّا: قد يتسرَّع بعض البشر إلى تقييم ما يقرأ بالنظر إلى عدد "الإعجابات" التي حصل عليها الكاتب، فينجرُّ في حُكمه إلى معايير عاطفيَّةٍ غير علميَّة. هذا مع العلم بأنّ عددَ "الإعجابات" ليس مقياسًا لصحَّة ما نقرأه أو نراه. زِدْ على ذلك أنَّ القارئ أو المشاهِد قد يُؤخَذُ بالطريقة التي تُقدَّم فيها المعلومة فيجْنَحُ نحو تصديق صاحبها؛ فكم مِن شخصٍ يُعجبُ بفيديو معيَّن لأنَّ صاحبَه ينفعلُ ويصرخُ ويتهجَّم على الآخرين! فَلْنتنبَّه إذًا من أن يأتي تقييمنا لما نراه أو نقرأه عاطفيًّا، أكان بأن نُؤخَذَ بأعداد المعجبين أم بأن نسمح للكاتب بالتلاعب بمشاعرنا.

ث. عدم مشاركة المعلومات: عندما نشارك منشورًا ما مع أصحابنا، فهذا يدلُّ على أنَّنا، مبدئيًّا، وافقنا على مضمونه، و/أو أنَّنا تحقَّقنا من صحَّة ما ورد فيه. وعليه، كلَّما زادَ شكُّنا وجبَ علينا عدم مشاركة المعلومات مع أحد. وبالأحرى، إنْ لم نكن متأكِّدين من صحَّة ما ننقل، فَلِمَ علينا أن ننقلَه؟ وهنا تحضرني قاعدة "المصفاة الثلاثيَّة" التي اعتمدها الفيلسوف سقراط في تلقِّي المعلومات، إذ توجَّه إلى الشخص الذي أراد أن ينقُلَ له معلومةً بثلاثة أسئلة: هل ما ستخبرني به صحيح؟ هل ما ستُخبرني به جيِّد؟ هل ما ستُخبرني به مفيد؟ وإذ تعثَّر الشخص في إجابته، توجَّه إليه سقراط بالقول: إنْ كنت تريد أن تخبرني بما لست مُتيقِّنًا من صحَّته،أو مُتأكِّدًا من أنَّه جيِّدٌ أو أنَّ له فائدة، فلماذا تريد إخباري إيَّاه؟ وقد رفضَ سقراط الاستماع إلى الخبر من أساسه.

***

غَزَت وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ حياةَ الإنسان، واحتلَّت تطبيقاتها المختلفة أجهزته الإلكترونيَّة، وأضحى استعمالها جزءًا من عادةٍ يوميَّة لا بُدَّ منها ولا غنًى عنها. وعلى الرغم من أنَّ البعضَ باتَ يَعُدُّ وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ مصدرًا أساسيًّا للمعلومات، إلاَّ أنَّ ما يردُ في هذه الوسائل في حاجةٍ إلى تدقيقٍ وتمحيصٍ للتحقُّق من موثوقيَّة معلوماته وصحَّتها، ولا سيَّما أنَّ "الحقيقة الإعلاميَّة" ناقصةٌ على الدَّوام لأنَّها منقولة، وفي كلِّ نقلٍ تشويهٌ للحقيقة.

وحتَّى لا يقع الإنسان في فخِّ تبنِّي ما هو مغلوطٌ من معلوماتٍ وأخبارٍ عبرَ وسائل التَّواصل الاجتماعيّ، يجدرُ به إخضاعُ هذه وتلك لمجموعةٍ من المعايير-المقاييس التي يسمح تطبيقها أن يتثبِّتَ إلى حدٍّ كبيرٍ من صحَّة ما يقرأه ويُشاهده. ومن أهمِّ تلك المعايير صاحبُ المعلومة، في هوِّيَّته واختصاصه العلميِّ وصفاته الشخصيَّة؛ والموضوعُ المطروح، في أهميَّته ومصدر معلوماته وتاريخها، إلى الهدف من طرحه؛ وطريقة عرض الموضوع، أكان ذلك لجهة المنطق والتسلسل في الأفكار، أو لجهة وضوح الأفكار والأخطاء المرتَكَبَة، أو لجهة استعمال الفكر والعاطفة، بالإضافة إلى موضوعيَّة الطرح.

لا مَفرَّ ربَّما من استعمال وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ في أيَّامنا الحاضرة، لكنَّ استعمالها يُحتِّم على الإنسان أن يُطوِّر حسَّه النقديّ، وأن يتريَّثَ في تصديق الأخبار وتقييمها، وأن يتمهَّل في دعمها بالإعجاب، وأن يتروَّى في مشاركة الآخرين بها.

[1]وهي مجموعة من التطبيقات الإلكترونيَّة المحمَّلة على أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة وغيرها. تعتمد في عملها على شبكة الإنترنت، وتُتيح لمستخدميها تبادل أيِّ نوعٍ من المعلومات في ما بينهم. ومِن أشهر هذه التطبيقات: فيسبوك، يوتيوب، واتس أب، إنستغرام وغيرها.

[2]الخبر هو معلومةٌ أوَّليَّةٌ عاجلةٌ ترتبطُ بحدثٍ وقعَ حالاً أو منذ فترةٍ وجيزة؛ أمَّا المعلومةُ فلا ترتبط حصرًا بحدثٍ مُحدَّدٍ، وقد تكونُ فكرةً عامَّةً قد حُقِّق فيها وتَمَّ التَّثبُّتُ منها، وتكونُ، بعامَّةٍ، غيرَ عاجلة.