معركة الإسلام والدستور في سورية وتونس

سيد أحمد بن محمد السيد

معركة الإسلام والدستور في سورية وتونس

بين الفرعونين حافظ أسد 1973م، وقيس سعيد 2022م

*من نافلة القول إن معركة الدستور في بلادنا العربية والإسلامية قديمة جديدة، وذلك طبعا بعد سقوط الخلافة العثمانية التي كانت تُظِلُّ تلك البلاد تحت راية واحدة هي راية الإسلام، وبعد خروج المُحتلِّين الفِرنسيين والإنجليز والإيطاليين منها، وحلول أذناب أولئك المحتلين مكانهم في حكم البلاد، والسيطرة على العباد، وإنشاء دساتير وقوانين لحكم تلك الشعوب.

والذي يهمني من ذلك الآن الكلام على الدساتير في بلدين عربيين "مسلمين"؛ هما الجمهورية العربية السورية، والجمهورية التونسية، وكلاهما يدعيان الإسلام ظاهرا على الأقل، وهما عضوان في "منظمة التعاون الإسلامي "التي تضم بضعا وخمسين دولة هي: "الدول الإسلامية".

*وسأتكلم في مقالتي هذه التي ستكون مطولة شيئا ما- عن 4 قضايا مهمة:

أولاها: معنى الوطنية الحق والاستقلال الحق.

ثانيتها: شبهات مهمة حول تطبيق الشريعة الإسلامية.

ثالثتها: قصة هذه المعركة الدستورية المهمة والشرسة في سورية بلدي الحبيب المختطف من السفاح بشارون الأسد وشبيحته.

رابعتها: ثم عن هذه المعركة المصيرية عينها في تونس الشقيقة الحبيبة المختطفة من رئيسها المُنقلب "الأصلع الدجَّال" قيس سعيِّد، بدعم من دول إقليمية عربية وغير عربية.

*أولا: معنى الوطنية الحق والاستقلال الحق:

يظن كثير من المسلمين - مع الأسى والأسف الشديدين- أن معنى الوطنية والاستقلال الصحيحين أن تحب وطنك، وتتوحد مع أطياف شعبه، وتدافع عنه وتطرد محتليه عن أرضه فحسب!

1

وهذا فهم صحيح للوطنية والاستقلال، لكنه منقوص.

إذ ما معنى أن تحب وطنك، ويستقل التراب والحجر، ويُستعبَد البَشر؟!

ما معنى استقلال الناس في أوطانهم، وبقائهم مستعبدين في قانونهم ودستورهم وأخلاقهم وثقافتهم؟؟!!

*موقف رائع وطريف للمُحدِّث العلَّامة الربَّاني الحلبي الشيخ نجيب سراج:

وبهذه المناسبة فإنه يحضرني موقف رائع - سمعته من والدي محمد السيد ت2015م، رحمه الله- للعلامة الشيخ محمد نجيب سراج الدين ت 1954م -"والد المحدث المفسر الشيخ عبد الله سراج"- فقد سأله بعض رجال "الكتلة الوطنية" أيام الاحتلال الفرنسي الغاشم لسورية؛ فقال له: شيخي ما رأيكم أن تنضموا إلى كُتلَتِنا وحِزْبِنا؟

فسأله الشيخ مُبادِرًا قبل جوابه لِسُؤاله: وما هي مبادئ حزبنا الوطني هذا؟ أهي مبادئ تدعو إلى تحكيم الشريعة الإسلامية مَثَلًا؟َ فقال: لا، ولكنها تعني أن نتَجَمَّع ونَتَكَتَّل مع بعضنا.

فقال له الشيخ رحمه الله على البديهة مُفْحِمًا له: إذًا فَكِلَابُ حارتِنا أيضًا وطنية؛ فإنها حين تجد شخصا غريبا يدخل حيَّنا فإنها تَتَألَّبُ عليه وتنبح حتى تُخرجه! فهي ربما أكثر وأصدقُ وَطَنِيَّةً من جميعكم، أو: أكثرِكم؟!

sdfgsfg9881.jpg

المُحدِّث المُفسِّر العلامة الشيخ محمد نجيب سراج الدين الحلبي ت 1954م

2

*موقف العلامة والقانوني الكبير الأستاذ د. عبد الرزاق السنهوري (1895- 1971م) من قوانيننا ودساتيرنا:

هو العلامة والقانوني الكبير والأديب والشاعر د. عبد الرزاق بن أحمد السنهوري ت 1971م رحمه الله، وهو "إمام القانونيين العرب"، و"إمام صاغة الدساتير العربية"؛ فهو واضع الدساتير والقوانين الحديثة وشارحها لمصر وسورية والعراق والكويت وليبيا والسودان، والإمارات العربية.

عمل السنهوري حياتَه على أن تكون الشريعة السلامية هي المصدر الأول والوحيد للقانون الحديث في البلاد العربية، كما يقول د. محمد عمارة.

إن موقف الأستاذ السنهوري وكل المخلصين والشرفاء من علماء القانون في بلادنا: أنَّ العرب والمسلمين لن يستقلوا استقلالا حقيقيا وتاما إلا بوضع قوانين ودساتير خاصة بهم، مستمدة من مبادئهم الإسلامية وثقافتهم وحضارتهم، لا من غرب أو شرق، ولا من إنجلترا أو فرنسا، وإلا فسيظلون أذلَّ من العبيد الأقنان؟! كما أنهم سيظلون مستعمرين ومحتلين فكريا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

*ملاحظة: سيأتي المزيد من أقواله في ضرورة تحكيم الشريعة الإسلامية للاستقلال القانوني، في آخر هذا البحث.

*طريق الوحدة بين الدول العربية والإسلامية عند السنهوري:

فهو يبدأ بالقانون الموحَّد المُنطلِق من نظام الإسلام الذي يرى أن شعوب الشرق لا تجتمع إلاعليه!

ووحدة القانون عنده جزء من الوحدة الثقافية؛ التي هي ثمرة من ثمار الشريعة والحضارة الإسلاميتين، ثم وحدة المصالح في التجارة والاقتصاد والجمارك، ثم وحدة التساند -"الدفاع المشترك"- ثم الارتقاء إلى الوحدة السياسية بين تلك الدول.

والسنهوري مع كونه قانونيا كبيرا فهو رجل وطني إسلامي عروبي ينتمي إلى مدرسة الزعيم المصري المناضل الكبير مصطفى كامل؛ أي: مدرسة الجامعة الإسلامية والاستقلال الحضاري، لا إلى المدرسة التغريبية العلمانية التي كان عليها "الزعيم" سعد زغلول.

3

*ثانيا: شبهات حول تطبيق الشريعة الإسلامية:

*وشبهة عدم تقنين الشريعة الإسلامية: وقد احتج بعض العلمانيين من مفكرين وحكام على عدم تطبيق الشريعة الإسلامية بأنها نصوص كثيرة في القرآن والسنة وليست موادَّ ولا بنودًا قانونية، فما الجواب؟

*الجواب: أنها قُنِّنت مرتين؛ الأولى: في "مجلة الأحكام العدلية" التي قَنَّنَتْ فيها الدولة العثمانية فقه المذهب الحنفي سنة 1869م، وفي "مرشد الحيران" لمحمد قدري باشا. وفي شروح هذه المجلة قديما.

الثانية: تقنينها في العصر الحديث على يدي شيخنا د. وهبة الزحيلي وعلماء آخرين للشريعة، والنتيجة أنها عُطِّلَت ووضعت في الأدراج؟! كما سمعت منه رحمه الله، أيام الجامعة في دمشق سنة 1990م.

*وشِنْشِنَة وأسطوانة الأقليات المشروخة؟!

كلما تكلمت عن تطبيق الشريعة على الأغلبية المسلمة واجهك من يقول لك: والأقليات ماذا نفعل لها؟

وكأن الأقليات ستموت عند تحكيم الشريعة وهم بين ظهرانينا؟!

ولهؤلاء المساكين الأغبياء أو المتغابين نقول:

أ- إن كان تحكيم الشريعة ظلما لهؤلاء الأقليات؛ فهل هو كذلك بالنسبة للمسلمين وغيرهم في بلاد الغرب وأمريكا؟ أي حكم الدول الغربية النصرانية وغيرها بقوانينها للأغلبية غير المسلمة هل يعني هذا بالضرورة ظلما للأقليات عندهم من مسلمين وغيرهم؟

ب- لن تجد هذه الأقليات حكما أرحم ولا أعدل ولا أبر من حكم الشريعة الإسلامية؛ فهم ذمة الله وذمة رسوله، عاشوا 1300 سنة بسعادة وسلام. وهم كما قال كثير من المفكرين والمؤرخين- هم غير مسلمين عقيدة وتدينا، لكنهم مسلمون ثقافة ولغة وحضارة.

كما أن حكم الإسلام أرقى من كل ديمقراطياتهم واشتراكياتهم المزعومة.

4

ج- كثير من عقلاء غير المسلمين دعوا إلى تحكيم الشريعة الإسلامية في بلاد المسلمين على المسلمين وغيرهم؟! وأشهر وأوضح مثال على ذلك الأستاذ والمحامي النصراني المصري"مكرم عبيد" في مصر، وفي سورية الأستاذ والحقوقي الكبير"فارس الخوري حين كان نصرانيا، وقبل إسلامه.

د- اعتمد "مؤتمر لاهاي للقانون الدولي" سنة 1932م الشريعة الإسلامية منظومة قانونية عالمية مُتمَيِّزة؟!   نقول هذا للمفتونين بالغرب ومدنيته.

*ثالثا: معركة الدستور في سورية سنة 1973م:

توطئة في نبذة عن "حزب البعث" في سورية وبعض فظائعه وشناعاته:

في 8/آذار- مارس من عام 1963م استولى على السلطة في سورية "حزب البعث العربي الاشتراكي" العلماني بانقلاب قام به الضباط النصيريون الثلاثة: محمد عمران، وصلاح جديد، وحافظ أسد.

*ثم انقلب وزير الدفاع السوري حينها حافظ أسد - على رفيقيه ومؤيديهما- مع مؤيدين له قلة من الضباط البعثيين الآخرين ومنهم مصطفى طلاس في 16/11/عام 1970م، انقلبوا على الرئيس البعثي "نور الدين الأتاسي" فيما سماه حافظ أسد بـ "الحركة التصحيحية"؛ ليحكم بعد ذلك سورية حكما شموليا عرفيا من 22/2/1971م حتى نفوقه في 10/6/2000م.

*أما حزب البعث فهو الذي أسسه النصراني "ميشيل عفلق" سنة 1947م، من القرن العشرين الماضي.

*وشعاره: "أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة، وحدة حرية اشتراكية"، والرسالة الخالدة ليست رسالة الإسلام بطبيعة الحال، ولكن رسالته العلمانية التقدمية، التي تهدف إلى تغيير المجتمع العربي، والنهوض به من التخلف والرجعية والاستعمار والإمبريالية، إلى مصاف الدول المتقدمة الاشتراكية المكافحة المناضلة ضد الرأسمالية والرجعية والإمبريالية بالطبقة الكادحة من العمال والفلاحين، وبقية قطاعات الشعب.

5

*وحزب البعث هذا قائم على:

1- الإلحاد ومعاداة الإسلام خاصة: وعَدِّ الأديان عامَّة وأتباعها، والإسلام خاصة وأتباعه نظما رجعية ومتخلفة، وكذلك النظم الملكية، وقد تجلى ذلك في بعض أدبياته المنشورة في بعض كتبه، وفي تصريحات بعض مسؤوليه؛ مثل: قول بعض الشعراء البعثيين الكفار، "وأستغفر الله منه":

آمنتُ بالبعث ربا لا شريك له         و بالعروبة دينًا ، ما لهُ ثانِي؟!

2- القومية العربية العنصرية المتطرفة: ومن الأمثلة على ذلك قول الشاعر القروي "رشيد سليم الخوري" ت 1984م والملقب "قديس الوحدة العربية"، قوله القبيح المُقذِع الفاجر- والعياذ بالله-:

هَبُونِيَ دِينًا يجعلُ العُربَ أمَّةً         وسِيرُوا بِجُثْمانِي على دِينِ بَرْهَمِ؟!

سَلامٌ   على كُفرٍ   يُوَحِّدُ   بَينَنَا         و أهلًا و سَهْلًا   بَعْدَهُ بِجَهَنَّمِ؟؟!!

*وقول آخر منهم:

أنا   بَعثٌ   و ليَمُتْ   أعداؤُه              عَرَبِيٌّ ، عربيٌّ ،   عَرَبِي

3- الميوعة والانحلال والمجون: من خلال إقامة "معسكرات طلائع البعث" في "كفر جنة - عفرين" وغيرها، وهي معسكرات مُختلطة للمراهقين والمراهقات ومهرجانات سنوية، يجتمعون فيها لأسابيع بعيدا عن أهاليهم للرقص والغناء والفرح وتمجيد حزب البعث وقائده المقبور حافظ الأسد، وينامون معا في هذه المعسكرات الفاجرة الماجنة؟!

4- إهانة دين الإسلام: بالتلفظ بألفاظ الكفر وسب الذات الإلهية، أو سبِّ رسول الله محمد صلى الله عليه وآله في بعض قطع الجيش من قبل بعض الضباط والعساكر النصيرية غالبا علنا؛ كقول بعضهم: "يلعن ربك"، أو "يلعن دينك"، أو بصيغة الجمع: "ربكم، دينكم، نبيكم ..."، أو قول أحدهم لمن يريد الصلاة أو الاستشهاد بالقرآن أو ذكر الله؛ فيقول له الضابط الخبيث: "هنا عندنا يجب أن تترك الله خارج ثكنتنا"؟!

أو قول آخر: "أنا أصغرُ ضابِطٍ عندي أشرَفُ مِن مُحمد"؟؟!! قاتلهم الله، ولعنهم لعنا كبيرا.

6

وفي الشوارع سمعتُ بعضهم في "حلب" في إحدى مسيرات وتجمُّعات انتخاب حافظ أسد حوالي منتصف الثمانينات يقول مع ثلته الفاجرة: "حَيّدُوهْ .. حيدوه، حافظ أسد بعد الله بنعبدوه" ؟؟!!

وكسجود بعض جنود بشار لصورته أثناء الثورة السورية عام 2011م، وكإجبارهم بعض أهل السنة على قول: "لا إله إلا بشار"؟؟!!

5- منع بعض أركان الإسلام وشعائره في بعض القطع العسكرية: كمنع العساكر المسلمين من الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة والجماعة، ومنعهم كذلك من أداء فريضة الصيام، وتفطيرهم بالقُوَّة ... ؟؟!!

6- تعرية النساء المسلمات من خُمُرِهنَّ "حِجاباتِهن" وتمزيقها في الشوارع: كما حصل من "قوات سرايا الدفاع" للطاغية رفعة الأسد في بعض شوارع دمشق، في 1984م على ما أظن! ومنعت طالبات من دخولهن المدارس بحجابهن في بعض المدن والقرى السورية؟!

ومثله منع الحجاب في بعض المدارس والجامعات في سورية، وإجبار الطلاب والطالبات على الاختلاط ببعضهم في بعضها، ومنع فصل الطلاب عن الطالبات في المدارس الإعدادية والثانوية، مما أجبر بعض الآباء على سحب بناتهم من المدارس ومنعهن من التعليم، كما فعل والدي الشرطي محمد السيد رحمه الله تعالى؛ فحُرمن من التعليم الابتدائي الضروري بسبب نظام البعث الكافر الفاجر العاهر.

7- منع كثير من الكتب الإسلامية: ولا سيما كتب الإخوان المسلمين، وكتب السلفية، ومنها بعض كتب ابن تيمية، وغيره.

حتى أصبح اقتناؤها أخطر من المُخدِّرات والمتفجرات؛ يقول شيخنا العلامة د. يوسف القرضاوي في أرجوزته عن الأصولية والمخابرات العربية:

رسائلُ البَنَّاءِ و المَوْدُودِي                 أشَدُّ في الفَتْكِ مِنَ البارُودِ؟!

8- الإكثار من فروع الأمن لقمع الشعب السوري والتنكيل به: فكان عندنا "الأمن السياسي"، و"الأمن العسكري"، و"أمن الدولة"، و"المخابرات الجوية"، و"فرع فلسطين" سَيِّئ السمعة والصيت، ... .

7

ومن أراد الترخيص لمهنة أو حرفة ولو -"محل فلافل"- أو التقديم على وظيفة، فلا بد من موافقة فروع الأمن عليها.

وبهذه المناسبة فإني بعد رجوعي من الإمارات إلى سورية عام 2011م تقدمت على وظيفة "إمام وخطيب" في مدينة "أعزاز"، فحقق معي فرعان من فروع الأمن في مدينتي أعزاز ومنبج حتى حظيت بهذه الموافقة، والاستبيان الذي وقعت عليه أظنه في 3 صفحات فيها أسئلة عن كل شيء عني؛ من اسمي، وشهرتي، واسم والديَّ، وإخوتي وأخواتي، ومهنهم وأعمالهم، ومكان إقاماتهم وأعمالهم، ... .

9- الإكثار من بناء السجون للسياسيين: ولا سيما "سجن المزة العسكري" في دمشق، و"سجن تدمر" سيئ السمعة والصيت، و"سجن صيدنايا" ... .

*قصة معركة الدستور في سورية:

بعد انقلاب وزير الدفاع الأسبق الفريق حافظ أسد في "حركته التصحيحية" تسلم الرئاسة لسورية "أحمد حسن الخطيب- من السويداء" مؤقتا -"بموافقة حافظ طبعا، وربما بأمره- لـ 100 يوم؛ أي من: 18/11/1970م إلى: 22/2/1971م، إذ تولى الرئاسة لسورية بعدها حافظ أسد.

ثم ارتأى حافظ أسد - برأي مستشاريه طبعا- أن يتوج حكمه بتأليف دستور دائم للبلاد يفصله على مقاسه ومقاس حزبه وطائفته؛ فأعد لجنة لذلك وطلب منها إنجاز دستور لسورية، لمناقشته وموافقة "مجلس الشعب السوري" عليه، من خلال تصويت أعضائه عليه.

ولما نجز الدستور وقدم للتصويت عليه: فوجئ الناس ولا سيما المسلمين السنة وهم الأكثرية، أن الدستور علماني صِرف، وقد قضم "الحِمارُ" منه بعضَ البنود والموادّ الأساسية بل المهمة جدا، وهي ضد ما يريده الشعب المسلم في سورية؛ مثل:

أ- عدم النص على دين الدولة السورية "الإسلام"؟!

ب- عدم النص على دين رئيس الدولة؟!

8

ج- عدم النص على كون الإسلام مصدرا أساسيا للتشريع؟!

د- جعل "حزب البعث" العلماني المُعادي للدين الإسلامي هو الحاكم للشعب السوري المسلم؟!         هـ- تقييد حرية العبادة بما لا يخل بالنظام.

و- جعل هدف التعليم إيجاد جيل علماني "شبه مُلحِد".

ز- كونه مقدمة لإلغاء "قانون الأحوال الشخصية" الإسلامي.

ح- جعل السلطات الثلاث بيد الرئيس؛ أي بيد "حافظ أسد"؟!

ط- جعل تجنيد المرأة إلزاميا كالرجل؟!

*قصة أحداث الدستور العلماني؛ "دستور حافظ أسد"، وثورة علماء سورية وجُلِّ الشعب السوري ضِدَّه عام 1973م:

سأوردها مُختصرة من كتاب "هذه تجربتي وهذه شهادتي" للشيخ سعيد حوَّى رحمه الله - فهو أكثر من توسَّع في هذا الموضوع- وخلاصتها:

ونتيجة لذلك الدستور العلماني المُجحِف قامت ثورة في سورية عُرفت بـ "أحداث الدستور"، وكانت أول هزَّة عنيفة لحافظ أسد وحكمه، كما يقول الشيخ سعيد حوى رحمه الله. هذا وقد قاد هذه الحملة والثورة علماء سورية الأحرار؛ فقاموا ضد هذا الدستور الغريب على الشعب السوري المسلم الأبي، ورفضوه صراحة، بقيادة العالمين الجليلين: أ- العلامة الرباني الدمشقي الشيخ حسن حبنكة الميداني ت 1978م، رحمه الله تعالى.   ب- العلامة الحَمَوِي الشيخ سعيد ديب حَوَّى ت 1989م، رحمه الله تعالى.

كما قام معهم عشرات العلماء السوريين، من المحافظات السورية الأخرى.

بعدما ظهر الدستور الجديد وقدم في مجلس الشعب ثم للشعب للتصويت بالموافقة عليه، قام الشعب المسلم السوري الأصيل جله برفضه؛ فوقف ضده بعض قطع الجيش، وفي سلاح المدفعية وحده كان الرافضون له أكثر من 50% ؟! كما ذكر الشيخ سعيد حوى في "هذه تجربتي 112".

9

وقاطع قسم كبير من الشعب التصويت على ذلك الدستور؛ مما أثبت أنه حريص على إسلامه، فعرف حافظ أسد أن هذا الإسلام عميق الجذور، وعليه أن يُراعيَهُ في كل تصَرُّف"، كما يقول الشيخ سعيد حوى في كتابه سالف الذكر ص 112.

وبدأ العلماء بالتحرك ضده وعلى رأسهم الشيخ سعيد حوى من حماة؛ -"وهو الذي كان العقل المخطط والمدبر والمنظم له"- والشيخ حسن حبنكة الميداني من دمشق، والشيخ محمد النبهان من حلب ومعه مفتاحه الشيخ محمد الشامي، وآخرون غيرهم من تلك المدن ومن حمص أيضا.

ورأى الشيخ سعيد أن يكون الاعتراض باسم العلماء ليتحرك معهم الشعب، لا باسم الإخوان المغضوب عليهم من نظام البعث.

شرع الشيخ سعيد في كتابة بيان عام مناقش للدستور وعواره وعيوبه، كما كتب فتوى قصيرة في خطورة شأنه؛ لإقناع العلماء بالتوقيع ضدَّه.

ولم يكد ينتهي من بيانه حتى تشكلت مجموعة من علماء حلب وجاؤوا مارِّين بحماة إلى حمص للاجتماع ببعض علمائها، وأخبروا أنهم سيعودون من حمص ليجتمعوا بعلماء حماة أيضا.

عاد وفد العلماء الحلبي متأخرا فسمعوا من الشيخ سعيد الذي بقي وحده ينتظر وفد حلب وانصرف شيوخ حماة مللا من الانتظار.

ولما سمع الوفد الحلبي رأي الشيخ سعيد اقترحوا عليه أن يذهب معهم بسيارتهم إلى حلب لعرض وجهة نظره على علمائها المُزمِعين عقدَ اجتماع لهذا الغرض، فوافق حالًا وتوجَّهُوا إلى حلب.

وصلوا المسجد فوجدوا المشايخ قد انفض أكثرهم، وبقي قلة بينهم الشيخ محمد الشامي رحمه الله.

أعطى الشيخ سعيد حوى نسخة من البيان والفتوى اللذين صاغهما إلى تلك الثلة من العلماء الحلبيين ومعهم الشيخ محمد الشامي ليوقعوها بعد عرض وجهة نظره في المسألة، وليرسلوها إلى حماة ليوقع عليها علماء حماة أيضا، ثم علماء حمص فدمشق؛ فوافق الشيخ الشامي.

10

بعد بضعة أيام جاء البيان إلى حماة موقعا من زهاء ثلاثة عشر عالما وشيخا من كبار علماء حلب وشيوخها، وعلى رأسهم العالم الرباني الجسور الشيخ محمد النبهاني رحمه الله.

أخبر الشيخ سعيد علماء حماة بتوقيعات علماء حلب فوجدوا لهجة بيانهم شديدة فاقترحوا أن يكتبوا -علماء حماة- بيانا آخرَ أخفَّ حِدَّة من البيان الحلبي الشديد، ويوقعوه ويتركوا للشيخ حسن حبنكة في دمشق في النهاية حقَّ وضع الصيغة النهائية للبيان أدبا معا واحتراما لمقامه الرفيع.

ثم كُلِّف شيخ حموي الذهابَ إلى حمص بالبيانين الحلبي والحموي، فلما اجتمع بهم رأوا شدة البيان الحلبي ولِينَ البيان الحموي، وأن الحكمة التَّوَسُّطَ بينهما؛ فاتفقوا أن يكتبوا بيانا بين الشديد واللَّيِّن ويوقعوه، ففعلوا، وأصبح البيان موقعا من علماء حلب وحماة وحمص.

*البيان رقم 1:

ثم فكرت قيادة "مركز حماة للإخوان المسلمين" بفعل سري داعمٍ لبيان العلماء المعترضين على الدستوري؛ ليشعروا أنهم ليسوا وحدهم في الميدان، بل معهم جل قطاعات الشعب.

فأصدروا ذلك البيان المركِّز على أوضاع سورية عامة، والممثل لوجهات النظر السياسية المختلفة، ووزَّعُوه بالبريد من أمكنة متعددة في سورية، منها صناديق بريد البيوت، ووضعوا نسخه الكثيرة في وقت واحد، فلم تشعر السلطة إلا والبيان موزع على قطاعات شعبية كبيرة.

وبدأ الناس يقرؤون البيان ويتفاعلون معه، وكثير منهم بدؤوا ينسخونه ويُعمِّمُون نشره أكثر.

*خُطب الجمعة في حماة قبيل أحداث الدستور:

وُزِّع بيان علماء حماة على خطباء الجمعة باسم "جمعية العلماء" الحموية، وطُلب منهم أن يشيروا إلى الدستور ولو إشارة صغيرة؛ لكي يزول عن الناس حاجز الخوف من الدولة والاعتراض عليها، وليألفوا ذلك.

11

فتكلم الخطباء في المساجد عن سلبيات الدستور، وشُحن الناس بالغضب على النظام؛ فتحَمَّسَ الاشتراكيون وأشاعوا أن يوم الثلاثاء سيكون يومَ إضراب، كما تحمس الناصريون وأصدروا بيانا، وتصاعد الأمر.

*سفر الشيخ سعيد وبعض العلماء إلى حمص فدمشق:

ثم سافر الشيخ سعيد حوى مع علماء آخرين إلى مدينة دمشق، ومروا بمدينة حمص واجتمعوا ببعض علمائها في جمعيتهم، وأعلموهم بذهابهم إلى الشيخ حسن حبنكة في دمشق، فقالوا: نحن مع الشيخ حسن فيما يقول، وقد وقع منا على البيان 15 عالما، وأعطوهم نسخة من بيانهم.

وصل وفد العلماء إلى دمشق فمرُّوا على العلامة الرباني الشيخ عبد الكريم الرفاعي ت 1973م فعرضوا عليه الأمر فوافق قائلا: "ما يقوله الشيخ حسن فأنا أقوله".

ثم واصلوا مسيرهم حتى أتوا الشيخ حسن في دمشق فاستقبلهم بحرارة، وحاورهم وحادثهم حوارا صعبا حول البيان برزانة وحنكة وعلم ووقار وقوة شخصية، ووافق أخيرا على البيان الحموي بعد إجراء 3 تعديلات عليه، ووعدهم بسبعين توقيعا لعلماء سورية إذا وافقوا على البيان.

*إضراب الثلاثاء وخضوع حافظ أسد لإرادة علماء وشعب سورية:

ذهب الشيخ سعيد في هذا اليوم إلى حلب، وأطلع الشيخ محمد الشامي على نتيجة ما جرى معه في جولته.

وفي الوقت نفسه علم أن حافظ أسد أصدر بيانا مُطوَّلًا يتحدث فيه عن الإسلام، ويعلن أنه سيطلب من "مجلس الشعب" أن يُدخِل مادة في الدستور تَنُصُّ على أن دينَ رئيس الدولة هو الإسلام؟!!

ورأى الشيخ الشامي الاكتفاء بهذا الانتصار، لكن الشيخ سعيد قال له: لا بُدَّ مِن إخراج حافظ أسد لذلك البيان، واتفقا على ذلك ورجع الشيخ سعيد أدراجَه إلى مدينته حماة.

12

*سر خضوع حافظ للشعب، وإصداره بيان الإسلام وجعله دين الرئيس؟!

السر يكمن أيها السادة في المظاهرات الحموية العنيفة التي خرج فيها طلاب حماة يوم إضراب الثلاثاء وهم يهتفون: "لا دراسة ولا تدريس حتى يُسلِم الرئيس"؟! ومزقوا صور حافظ أسد، وأهانوها بأبشع الإهانات، كما يقول الشيخ سعيد حوى.

*انفجار يوم الأربعاء في حماة: وكان أخطر من يوم الثلاثاء ما جرى في تاليه الأربعاء؛ فقد خرجت البلدة عن بكرة أبيها، فهاجم الناس فيها "مركز حزب البعث"، وأحرقوا "مركز شبيبة الثورة"، وأحاطوا بـ "الاتحاد النسائي"، وسيطروا على الشارع، وحطموا الخمارات والمقاهي المقدمة للخمر، ودمروا "مقهى الغزالة" الفاجرعلى نهر العاصي تدميرا، وهو المقهى الذي كان يرتاده بعض الفُجَّار؟!

وظنت السلطة في دمشق أن قطعا عسكرية ستنطلق وتتحرك استجابة لـ (البيان رقم 1)، ولذلك لم تفعل شيئا ضد الحمويين المُنتفضين الثائرين، فتفرقوا فرحين بانتصارهم، وبعد ذلك نزل طَلٌّ خفيف نظيف لطيف على المدينة، جعل الناس يشعرون برضا الله عن فعلهم!

*إصدار حافظ أسد بيانه سريعا عن الإسلام وتعميمه:

لما خاف حافظ أن يسري ما جرى في حماة إلى بقية المدن والمحافظات السورية، أصدر سريعا بيانه المذكور آنفا عن الإسلام، وعمَّمه على المدن والقرى، والمخافر، وشرعت أجهزة الدولة تطنطن بالبيان وتستدعي الناس للاطلاع عليه، والتوقيع عليه من قِبَلهم؟!

*طباعة بيان العلماء ونشره:

استدعى الشيخ سعيد بعض الإخوان وكلفه طباعة بيان العلماء على ورقة حرير عليها توقيعات علماء حلب وحماة وحمص والشيخ حسن حبنكة.

ونسخ البيان على قطعة خشبية صنعها الطلاب مثل نوع من النشاط المدرسيِّ، ووُزِّع في حماة، وأرسلت منه نُسَخ إلى حلب وحمص ودمشق، ونَشر الطلاب الحمويون الجامعيون البيان في دمشق وعمموه 4 مراتٍ خلال 24 ساعة، دون اعتقال أحدٍ منهم.

13

*اعتراض دمشق على الدستور:

تأزَّم الوضع في دمشق، وخطب كثير من العلماء ضد الدستور، وقرؤوا البيان على المنابر، وشعر الناس أن الشيخ حسن حبنكة له علاقة بالأمر.

*مناقشة العلماء لحافظ أسد في الدستور:

اعتقلت السلطات البعثية - إبَّان أحداث الدستور- أحَدَ الشيوخ العارفين بأسرار جماعة الإخوان التفصيلية وعذبته تعذيبا شديدا، فاضطُرَّ أن يُعطي مُعَذِبيه بعض الخيوط عن قضية الدستور وعن الإخوان المسلمين.

فتحرَّك علماء سورية لمناقشة حافظ أسد في الدستور، وطالبوه بالإفراج عن ذلك الشيخ.

غير أن تلك الجلسة استمرت ساعات دُونَ أيِّ جدوى؛ فقد كان حافظ هو المتكلم الوحيد غالبا، وكان جو الترهيب مسيطرا على جميع الحضور.

*التصويت على الدستور الذي لا يحمي من التعذيب!

وفي الأيام الأولى لاعتقال الشيخ سعيد – سنة 1973م- عذبوه بشدة مع التحقيق معه، وعرضوا عليه أن يُصَوِّت على الدستور فرفض، وبعد تمام التصويت عليه وإقراره قال الشيخ سعيد للمحققين في إحدى الجلسات: إنكم تُحاسِبُونني على موقفي من الدستور، وأنتم مؤمنون به إيمانا مطلقا، والدستور ينص على منع التعذيب الجسدي، فالمفروض أن يتم التحقيق بلا تعذيب، فقام بعضهم فسَبَّ الدستور، ثم ضغطوا على الشيخ حَوَّى بشدة لإقناعه أن الدستور لا يعطيه أيَّةَ حِماية؟!

14

sdfgsfg9882.jpg

ما جرى بين الشيخ حسن حبنكة وحافظ أسد

حول جعل دين الدولة الإسلام في دستور سوريا 1973م

للشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني

أراد مجلس الشعب في إحدى دورات حكم الرئيس (حافظ الأسد) وضع دستور للدولة السورية، وكان اتجاه الدولة والحزب أن يكون دستورًا علمانيا، وفق مبادئهم المعلنة، فنهض جميع علماء المسلمين ورجال الحركات الإسلامية يطالبون بأن يوضع في الدستور مادة (دين الدولة الإسلام).

وكتبوا في ذلك عرائض وقعها كثيرون، وكان الوالد في مقدمة  الموقعين، ووجهوا برقيات لرئيس الدولة ولرئيس مجلس الشعب.

وحضر جمع منهم إلى الوالد الإمام، يستحثونه للقيام بالمطالبة بهذا الأمر، فاتّصل بمقر الرئاسة، وطلب موعداً للاجتماع بالرئيس، وحدد له وقت لذلك. فذهب إليه، وقدر الرئيس (حافظ الأسد) في نفسه أن الغرض من الاجتماع المطالبة بوضع مادة (دين الدولة الإسلام) في الدستور، فأعد نفسه ببعض الأجوبة التي عرضها عليه مستشاروه القانونيون من قيادات حزب البعث.

وحصل الاجتماع بينهما في قصر الرئاسة فطالبه الوالد الإمام بوضع مادة (دين الدولة الإسلام) في الدستور، وأبان له مطلب علماء المسلمين والجماهير العريضة الواسعة من الشعب الذي هو مسلم بأكثريته الساحقة.

فأجاب الرئيس ببعض الأجوبة تعتمد على المغالطة، فكان من أجوبته المُغالطيّة: أن الدولة إنما هي أرض ومبانٍ ودوائر ومؤسسات إدارية وعسكرية، وهي أمور لا تتصف بأنهها ذات دين أو غير ذات دين، فلا معنى لذكر مثل هذه المادة في الدستور.

15

فأجابه الوالد فورًا: إن القانونيين الذّين أفهموك هذا يتجاهلون الحقّ، ويُبيِّنون لك خلافه ويُغالطونك.

فقال الرئيس (حافظ الأسد) وكيف ذلك؟

فقال له الوالد الإمام: إنّ الدولة جهاز من أفراد الشعب وهم نائبون عن الشعب في تحقيق مطالبه، ويمثّلون في التعبير عن إرادته، وتحقيق مصالحه، وللشعب الذي تمثله الدولة في الإدارة أرض ومؤسسات وممتلكات.

ولو كان الأمر كما زعموا لك، لما كان معنى لأن تقولوا: نحن دولة اشتراكية، ولأن تُعلن كلّ الدول في دساتيرها المبدأ الاعتقادي الذي تؤمن بهو وتعمل بموجبه أحكامها (علماني، ماركسي، اشتراكي، كاثوليكي، بروتستاتني، يهودي) ونحو ذلك.

أفكلُّ هؤلاء لا يفهمون القانون، فهم عن جهل يضعون في دساتيرهم ما لا يتلاءم منطقياً مع مفهوم الدولة؟!

لقد ظن الذين أملوا على الرئيس هذه المغالطة أن الوالد عالم ديني رّبما انطلت عليه هذه الحيلة المغالطيّة، وجهلوا أنّ فقهاء المسلمين هم أساتذة رجال القانون في العالم، وأنّ فرنسة أم القانون المدني قد أستمدت قانونها أساساً من الفقه الإسلامي، واستفادت أبنيتها القانونية النظرية من تحليلات فقهاء المسلمين.

قال الرئيس (حافظ الأسد): لقد مرت على البلاد حكومات كان فيها جماعة من علماء المسلمين ممثلين عن الشعب، وكان فيهم عدد من الإخوان المسلمين، ووضعوا دستوراً ولم يضعوا فيه مادة (دين الدولة الإسلام) واقتصروا على أن يكون الفقه الإسلامي المصدر الرئيسي للتشريع.

فكيف تطالبوننا بما لم تفعلوه أنتم؟!   *فأجابه الوالد الإمام: وهل سكت علماء المسلمين وهل سكتت جماهير المسلمين يومئذ؟ لقد ثاروا وطالبوا. وملؤوا الدين صياحاً من أجل وضع مادة (دين الدولة الإسلام).

لقد كانت الحجّة والاقناع الكلامي للوالد الإمام عليه رحمة الله ورضوانه، ولكن كانت القوة العملية الغالبة لسلطان الدولة والحزب الحاكم.

*من كتاب "الوالد الداعية المربي الشيخ حسن حبنكة الميدانية قصة عالم مجاهد حكيم شجاع " لولده الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني رحمه الله.

16

*اعتقال الشيخ سعيد حوى والحكم عليه بالإعدام ثم السجن 5 سنوات:

ثم اعتقل الشيخ سعيد مخابرات "إدلب" في "المعرة"، ثم نقل إلى حلب، ثم إلى مخابرات "الحَلْبُونِي" في دمشق لساعات، ثم إلى "سجن المِزَّة العسكري"، ليقضي فيه خمس سنوات، مع وحوش المخابرات الأسدية التي عذبته وأهانتْه، وحققت معه لأكثر من 40 يومًا ؟! وقضى منها في الزنازين الانفرادية أكثر من سبعة أشهر؟!! ومنع من الخروج للتنفس نحو شهرين!! وكان معه في السجن ناصريون وشيوعيون ونصيريون وضباط، وبعثيون قوميون، وإخوان مسلمون؟!

وحكم عليه حافظ أسد أولا بالإعدام، ثم تنازل فقَرَّر بسجنه مدى الحياة، ثم أفرج عنه بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا عام 1978م، وبشفاعة الشيخ حسن حبنكة وعلماء آخَرينَ فيه لدى حافظ أسد وإلحاحهم عليه للإفراج عنه.

وكان قضى في السجن نحو خمس سنوات ما بين: 5/3/1973- 31/1/1978م، وحقَّق معه أكابر مجرميها: كـ "ناجي جميل"، و"حكمة الشهابي"، و"علي دوبا"، و"عدنان الدبَّاغ"، و"علي مدني"، و"رسمي العيد"، ومحمد الخولي"، وسواهم.

sdfgsfg9883.jpg

العلامة الشيخ سعيد حَوَّى ت 1989م رحمه الله

17

*رابعا - معركة الدستور والإسلام في تونس:

في 14/6/2022م صرح الصادق بلعيد "رئيس الهيئة الاستشارية من أجْل جمهورية جديدة" في تونس - بالذهاب إلى إزالة مادة "الإسلام دين الدولة" من الدستور التونسي القادم الذي تعده هيئة بتكليف رئيس تونس قيس سعيد.

أثارت تلك التصريحات وما تبعها على لسان الرئيس التونسي جدلا حادا.

*هذا وينص الدستور التونسي منذ 1959م على أن: (تونس دولة حرة مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها)، وهو نفس المادة المُقَرَّة في دستور تونس عام 2014م بعد الثورة التونسية.

عن (وكالة الأناضول).

*وفي 21/6/ 2022م صرح الرئيس التونسي قيس سعيد أن "الدستور التونسي الجديد لن ينص على أن الإسلام هو دين الدولة؛ لأن الدين هو دين الأمة وليس دين الدولة".

*كما أكد الرئيس التونسي أن: "الدين دين الامة، وليس دين الدولة، والدولة عبارة عن شركة عمومية، لا يمكن أن تدخل الجنة أو النار، ولا يمكن أن تمر على الصراط، والقرآن يعلمنا أن الأمة محور الحديث حينما يقول: (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، ولم يقل كنتم خير دولة، وبالتالي فالدولة ينبغي أن لا توصف بالإسلام أو الكفر".

(البوابة نيوز- بوابة العرب).

18

*سرقة قيس سعيد من حافظ أسد شُبهته الشيطانية ومُغالطته: قال الله تعالى: (أتواصوا به بل هم قوم طاغون*). سورة الذاريات 53:

وقال سبحانه: (... كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون*). البقرة 118.

*هذا وإن فكرة قيس سعيد السِّحْرِيَّة تلك عن أن الدولة لا دين لها؛ لأنها لا تعقل؛ فهي لا تصلي ولا تصوم ولا تطوف ولا تدخل الجنة أو النار ... إلخ من هُرائه.

هي ليست من عنديَّاته، ولا من بنات أفكاره كما يقال؛ بل هي مسروقة حرفيا من طاغية سورية الأسبق حافظ الأسد، وهي التي قالها للشيخ حسن حبنكة حين ناقشه في ضرورة كتابة "دين الدولة الإسلام"، كما سبق نقلها قريبا - قبل صفحتين- عن ابن الشيخ حسن الشيخ عبد الرحمن حبنكة رحمهما الله تعالى.

sdfgsfg9884.jpg

 

sdfgsfg9885.jpg

أبو القانون وابن الشريعة د. عبد الرزاق السنهوري رحمه الله

*من أقوال علامة القانون د. عبد الرزاق السنهوري ت 1971م رحمه الله، المهمة في تحكيم الشريعة وكونها المصدر الأول:

1- "الإسلام دين ودولة .. مُلك إلى جانب العقيدة، وقانون إلى جانب الشعائر.. والنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو مؤسس الحكومة الإسلامية، كما أنه نبي المسلمين.. أقام الوحدة الدينية للأمة العربية، والوحدة السياسية للجزيرة العربية.. ووضع قواعد الحياة الاجتماعية، والحياة السياسية.. فالإسلام دين الأرض، كما هو دين السماء". د. عبد الرزاق السنهوري إسلامية الدولة ... . د. محمد عمارة 120.

2- "فما دام لدى المسلمين قانون إسلامي فلديهم حكومة إسلامية". عين المصدر ص 127.

3- "إن الإسلام دين ومدنية.. والمدنية الإسلامية أكثر تهذيبا من المدنية الأوربية.. والرابطة الإسلامية هي المدنية الإسلامية، وأساسها الشريعة الإسلامية.. وأمتنا أمة ذات مدنية أصيلة، وليست الأمَّةَ الطُّفَيلِيّةَ التي تُرَقِّع لمدنيتها ثوبا من فضلات الأقمشة التي يُلْقِيها الخيَّاطون". نفسه 131.

وهو يقصد بالمدنية "الحضارة"، كما يقول د. عمارة.

4- "أرى أن الأمم الشرقية -"شعوب الإسلام"- أمامها أمران لا محيص عنهما: إما أن تجري مع المدنية الغربية، وهذا الطريق ليس مأمونا، وإما أن تختطَّ لنفسها مدنية تصل فيها الماضي بالحاضر مع التحوير الذي يقتضيه الزمن؛ فتحفظ لنفسها شخصيتها، وتستطيع أن تُجارِيَ - تُسابِق- الغرب، بدلا من أن تجري وراءه". نفس المصدر 138.

5- "فلا تقولوا أن يُقَلَّد الغربُ في تركه الدينَ، فأنتم تسيئون للمدنية أكبر إساءة، وقد بدأت المدنية بالدين، وستنتهي إلى الدين". عينه 141.

6- لا يتحقق استقلالنا إلا بإحياء كنزنا العظيم "الشريعة الإسلامية": يقول السنهوري رحمه الله في ذلك: "لقد أعطى الإسلام للعالم شريعة هي أرسخ الشرائع ثباتا.. وهي تفوق الشرائع الأوربية.. وإنّ استِقاء تشريعنا المعاصر من الشريعة الإسلامية هو المُتَّسِق مع تقاليدنا القانونية.. إنها تُراثنا التشريعي العظيم.. وبها يتحقق استِقلالُنا في الفقه والقضاء والتشريع

.. إنها النور الذي نستطيع أن نُضيءَ به جوانبَ الثقافة العالمية في القانون.. لقد اعترف الغريب بفضلها.. فلماذا نُنكِره نحن؟! وما بالُنا نترك كُنوزَ هذه الشريعة مغمورَةً في بُطون الكُتب الصفراء، ونتطفَّل على موائد الغير، نَتسَقَّطُ فَضَلاتِ الطعام؟!". نفسه 145.

7- "أنا أفهم من أن الإسلام دين الفطرة، وأنه صالح لكل زمان ومكان، أنه شريعة مرنة صالحة لأن تلبس لباس الزمن الذي تعيش فيه". عينه 150.

8- إسلامية القانون كله هي سبيل وحدة الأمة لا أحواله الشخصية فقط، ولا علمنته: يقول السنهوري: ".. فلا معنى لشطر القانون شطرين، بين معاملات وأحوال شخصية؛ فالتقنين الجديد يجب أن يكون شاملا لكل المسائل التي يحتويها القانون المدني الكامل". نفسه 162.

9- قانون واحد للبلاد العربية مُستَمَدٌّ من الشريعة الإسلامية: قال في ذلك: "إن الفقه الإسلامي هو صفحة خالدة في سِجِلّ الفقه العالمي.. وإن دراسة هذ الفقه المجيد والعتيد في ضوء القانون المُقارَن هي مشروع حياتي، والأمَل المُقدّس الذي تنطوي عليه جوانحي، ويهفو له قلبي، ولا يبرح ذاكرتي منذ سن الشباب ..

وإذا ما اكتمل لهذا الفقه تطوُّرُه، أصبحت الثقافة المدنية إسلامية.. وتحقق الهدف الذي قصدت إليه، وهو: أن يكون للبلاد العربية قانون واحد يُشْتَقُّ رأسًا من الشريعة الإسلامية". عينه ص 189.

10- مرونة الشريعة كثوب بمقاس لابسه ويمكن توسيعه: يقول في ذلك: "ففقه هذه الشريعة كثوب، راعى الشارعُ في صُنعه جِسمَ مَن يلبسه، وكان صغيرا، ولَحَظَ في صنعه نُمُوَّ هذا الجسم في المُستقبل، فبسط في القُماش بحيث يُمكِن توسيعَ الثوب مع نمو الجسم"! المصدر السابق نفسه 192.

المراجع

1- الموسوعة القرآنية الميسرة مع التفسير الوجيز لشيخنا د. وهبة الزحيلي. لنخبة مؤلفين، ط 10، دار الفكر دمشق، 1432هـ - 2011م.

2- هذه تجربتي وهذه شهادتي. للشيخ سعيد محمد ديب حَوَّى ت 1989م رحمه الله، ط 2، مكتبة وهبة - القاهرة، 1430هـ - 2009م.

3- الدكتور عبد الرزاق السَّنْهُوري إسلامية الدولة والمدنية والقانون. د. محمد عمارة، رحمه الله، ط1، دار السلام - القاهرة، 1430هـ - 2009م.

4- الأعلام قاموس تراجم. لخير الدين الزركلي ت 1976م، ط 15، دار العلم للملايين - بيروت، أيار/مايو - 2002م.

5- المعجم الكبير. لنخبة لغويين مصريين وغيرهم. مجمع اللغة العربية القاهرة، ط1، 1401هـ - 1981م.

6- معلوماتي الشخصية.

7- "وكالة الأناضول". على الشابكة.

8- "البوابة نيوز". الشابكة.