ومضات في مكانة المرأة لدى أمتنا

إيمان قاسم

تفرض الشريعة الإسلامية على المرأة المسلمة بعض القيم التي لاجدال في مكانتها لدى المرأة أولا ، ثم لدى أسرتها ومجتمعها أيضا . كما أن للعادات والتقاليد العربية الأصيلة مكانة لدى المرأة من جهة ولدى ذويها من جهة أخرى . وهذه القيم الدينية والعادات الأصيلة  التي لاتنافي يُسر الدين ، تحفظ للمرأة مكانتها الاجتماعية بكل احترام وتقدير  ): فالجنة تحت أقدام الأمهات ، ومن عال جاريتين ( ربَّاهما ) أدخله الله الجنة ، إن الله لايضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ، هم وأزواجهم يُحبرون ( في الجنة ) ... وما ذكرناه لايخفى على أي مسلم أو مسلمة . وتشهد العصور السالفة للمرأة العديد من الإنجازات ، والكثير من المواقف الإنسانية ، والمواقف البطولية أثناء قتال العدو هذا فيما مضى من حياة أمتنا المجيدة في عصور خاليات يشهد لها التاريخ ، ولا ينكرها عدو .

واليوم تعتبر مشاركات المرأة ودورها السياسي والاجتماعي في مجتمعاتنــا العربية من المواضيع الجدليـــــــــة في العصر الحديث ، والتي تستحوذ اهتمـام الناشطين والمتحدثين عن حقوق الإنسان وغيرها في العديد من المجالات. فدائما تُطرح التساؤلات نفسها فيما يخص أداء المرأة وكيفيته ،  وما إن كان باستطاعتها أن تكون مؤثرة وفاعلة في الحياة السياسية ومؤسسات المجتمع المدني . فتارة يقف المجتمع عائقا في سبيل وصولها وتحقيقها لهدف تطمح للوصول إليه ، وتارة تقف هي ضد نفسها حين تحجّم من قدرتها وتختزلها داخل البيت في رعاية أطفالها وزوجها ، حقيقة لسنا نقلل من دورها العظيم في هذا المجال فهي بذلك تنشئ جيلا واعيا متّزنًا إن نجحت بزرع القيم السامية والمبادئ القويمة وأسس الدين الإسلامي الحنيف فتصنع رجالا مؤسسين وقياديين ونساء عفيفات بأخلاقهن وأفكارهن البناءة . 

ولكن نسمع مَن يقول : ( قضية  أن تتسلم زمام أمور ذويها من النساء فتكون ممثلة لهن ناطقة بحقوقهن مدافعة عنهن ، تلك التي نتحدث عن دورها وعن وجوب دعمها والوقوف إلى جانبها . تلك الأنثى المستقلة صاحبة الرأي السديد والأفكار الإبداعية الخلاّقة ، تضع خططا وتحدد أهدافا وتسعى بالكثير من القوة والصبر والثبات لتصل إلى ما تريده فتنهض بأمتها وتؤدي رسالتها التي خلقها الله عز وجل لأجلها ، فقد كلف الإسلام الرجل والمرأة على حد سواء بالعمل والسعي ولم يخص بذلك الرجل وحده على وجه الخصوص وكم أثبتت المرأة دورها الفاعل والكبير في المجتمع عبر التاريخ وعلى مختلف العصور ) .

إن وعي المرأة في هذه المرحلة هام جدا لاسيما بعد أن غزت عقول الناس الأجهزة الالكترونية بكل ما تبثه على مواقع التواصل الاجتماعي .  فإن لم تكن المرأة على دراية بما يحدث حولها فكيف لها أن تربي أبناءها تربية صالحة كما أمرها خالقها عز وجل ؟

وفي بحث دور المرأة السياسي والاجتماعي في الإسلام "دراسة مقارنة" إعداد إيمان رمزي خميس بدران تقول : ( الأصل هو تساوي المرأة والرجل في أصل الخلقة والتكاليف الشـرعية، ومـا اختلـف بينهما هو استثناء للأصل، وما كان استثناء فإنه لا يصح القياس عليه. ففي السياسة في الإسلام جزء لا يتجزأ من الشريعة التي تشمل مظاهر الحيـاة جميعـا، ولا يجدر هنا أن نقول أنها لا سياسة إلا ما ورد به الشرع ، والأصح هنـا أن نقـول أنـه لا سياسة إلا ما وافق الشريعة ولم يرد ما يعارضه فيها ،  كما قال ابن القيم رحمه الله. معظم مجالات العمل السياسي سوى الخلافة للمسلمين كلهم هي من فـروض الكفايـات تحتاج إلى أهليه خاصة حتى يُقام بأعبائها، وليست هذه الأهلية متعلقة بذكورة أو أنوثـة إنما تتعلق بالكفاية والقدرة على تحمل أعباء ذلك الموقع، والتأهيل الخاص لذلك، وأصل الأهلية لأي وظيفة عامة متحققة في الرجل والمرأة، ولكن ينظر إلى اعتبارات الأهليـة الخاصة بالوظيفة العامة وكل ما يتعلق بها ) .

    فلو أن المرأة اشتغلت بأمور السياسة ــ على سبيل المثال ــ أو في عمل يستغرق معظم وقتها ، فهنا تقع مشكلة في بيتها ، من يربي البنين ؟ ومَن يهيئ متطلبات المنزل اليومية من طعام ونظافة وغير ذلك من أعمال ؟ ولقد فطن لهذه الأمور حتى الرجل الشيوعي جورباتشوف مثيرا للعجب والدهشة  ، حيث أدرك خطورة غيـاب المرأة عن بيتها وواجباتها فيه، واجباتها التي ليس لها بديل. فلنستمع إلى ما يقوله: ( ولكن في غمرة مشكلاتنا اليوميّة الصعبة كدنا ننسى حقوق المرأة ومتطلباتها المتميّزة المختلفة بدورها أماً وربّة أسرة، كما كدنا ننسى وظيفتها التي لا بديل عنها مربّية للأطفال) . ويتابع فيقول: ( فلم يعد لدى المرأة العاملة في البناء والإنتاج وقطاع الخدمات، وحقل العلم والإبداع، ما يكفي من الوقت للاهتمام بشؤون الحياة اليومية، كإدارة المنزل وتربية الأطفال، وحتى مجرّد الراحة المنزليّة. وقد تبيّن أن الكثير من المشكلات في سلوكية الفتيان والشباب، وفي قضايا خلقية واجتماعية وتربويّة وحتى إنتاجية، إنما يتعلّق بضعف الروابط الأسرية والتهاون بالواجبات العائلية ) .

 وتاريخ أمتنا المجيد حافل بما قدمته النساء من إنجازات أسرية واجتماعية ، فهذه صاحبة اليد البيضاء وساقية الحجيج في حياتها  الحافلة وهي زبيدة بنت جعفر زوجة خليفة المسلمين هارون الرشيد : 

ومن أهم أعمالها بناء أحواض للسقاية للحجاج في دربهم من بغداد إلى مكة فيما عرف بدرب زبيدة، وعين زبيدة الموجودة في مكة المكرمة تكريمًا لها ، ولها اليوم وقف حكومي يعرف بوقف عين زبيدة ضمن الهيئة العامة للأوقاف في المملكة العربية السعودية.) . وقد عرف عن زبيدة بنت جعفر أبو جعفر المنصور اهتمامها الكبير بالآداب والعلوم، فبذلت الكثير حتى حشدت في عاصمة بغداد مئات الأدباء والشعراء والعلماء ووفرت لهم كل وسائل الإنتاج والبحث. وكان ممن اشتهر منهم في مجال الشعر العباس بن الأحنف، أبو العتاهية، الحسين بن الضحاك، والراوية خلف الأحمر، وشيخ أدب النثر الجاحظ، وعلماء اللغة الخليل بن أحمد وسيبويه والأخفش الأكبر وأبو عمرو بن العلاء، ومن علماء الدين الإمام أبو حنيفة والإمام الأوزاعي والإمام مالك بن أنس، إضافة إلى الكثيرين من الأطباء والمجددين في شتى فروع العلم. وقد بذلت في سبيل ذلك الأموال الطائلة، حتى يمكن القول أنها فتحت أبواب خزائنها لتحويل بغداد إلى قبلة ومستقر للعلماء من الزوايا الأربع للدولة. ومن الأطباء الذين كانت تشملهم برعايتها الطبيب جبريل الذي منحته راتباً شهرياً، قدره خمسون ألف درهـم ) .

    ومجمل القول ... وبغض النظر عن نسبة مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية ،  وعن مستوى الأداء لهـا فيما تُكَلف به من مهام ، وعن قدرتها على التأثير بما يترتب على أدائها من إنجازات ، وعن إمكانية دخولها معمعة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ... يجب أن تبقى للمرأة مكانتها التي وهبها الله سبحانه وتعالى لها في محكم كتابه الكريم ، وفي سُنَّة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، فالمرأة هي الأم في أسرتها ، وهي طبيبة النساء في مجتمعها ،  وهي المعلمة لتعليم  البنات على اختلاف مراحلها التعليمية ، وهي تصلح لأي عمل يناسب وضعها كامرأة  ، فلا تُحمَّل أكثر ممَّـا تُطيق ، ولا تهمل وتترك على رصيف الحياة الاجتماعية ، ولا ننسى القيم الموروثة لأمتنا العظيمة التي  تؤكد على مكانة المرأة ، المرأة التي تعطي التربية الصالحة لأبنائها فتعلم الناس العطاء ، والتي تُوْفِي بكل  عهد  قطعتْه على نفسها في خدمة مجتمعها ، بل هي التي تعلم الناس معنى الوفاء ، وهي التي تصبر على مشقات الحياة ونوازل الأيام إنْ في بيتها ، أو في رحاب مجتمعها الكبير ، فتعلم الناس معاني الصَّبر الجميل . ويبقى المرأة  أثرها  الطيب في رسالتها السامية ، وهي تمسح دمعة بائس ، وتضمد جرح مصاب ، وتواسي ــ ربما ــ زوجها في مصاب ، أو جاراتها في محنة ... وهذه وغيرها ماهي إلا هدايا مميَّزة عذبة المذاق تقدمها لمجتمعها مادامت على قيد الحياة ، وفي الأصل هي الأم الرؤوم للبشرية منذ أن خلقها الله تبارك وتعالى ، ولقد أكرم الإسلام المرأة ، وجعل لها المكانة التي تتلألأ آفاقها بالاحترام والتقدير ،  وأنزل  الله تبارك وتعالى في حقها الآيات البينات ،  وبين لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم تلك النكانة الراقية في أحاديث عديدة وجعل عقوقها من كبائر الذنوب ، ولن أفيض في سرد ماجاء في هذا الباب لأن الناس يعلمون ذلك ، ونسأل الله لهم أن يبروا الأمهات ، وأن يقدروا قيمة المرأة في حياتهم الاجتماعية ، وأن يمنحوها الحب والتقدير  .

 ويحلو قول الشاعر حين قال : 

( ولــــو خيَّــــرونــي بيـــن  أُمٍّ  وجنَّـــــة ... تفيضُ بِسِحرِ العِينِ لا اختَرْتُ لي أُمَّــا )