أهداف الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط

محمد فاروق الإمام

لفت انتباهي وأنا أقرأ كتاب (التدخل الأجنبي في منطقة البحر الأحمر ‏وأثره ‏على الأمن القومي العربي) للواء الركن الدكتور ناجي جاسم الدهان البدراني العراقي الجنسية، وهو يحمل الدكتوراه في العلوم السياسية، لفت انتباهي الكثير من الحقائق التي نشاهدها على الأرض ونعايشها اليوم وهي غائبة عن أذهاننا لعقود طويلة، لأننا مغيبين عن الواقع المرير الذي شغلتنا به القوى الاستعمارية، ولعلّ أهم ما شغلتنا به هذه الدول الاستعمارية الصراعات العرقية والدينية والمذهبية فيما بيننا؛ والبحث عن الطعام والدواء غير المتوفر عندنا، رغم المساحات الشاسعة الصالحة للزراعة في أوطاننا، ووجود العقول النابغة لتصنيع الدواء الذي تحتاجه شعوبنا، والثروات الدفينة التي تملأ بطون الأرض التي نعيش عليها.

فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تم الاتفاق السري بين القوى ‏الغربية على أن ترث أمريكا ‏المستعمرات الأوربية الإنكليزية والفرنسية، ‏ولكن بطريقة استعمارية جديدة تتميز بالتخطيط البعيد ‏المدى، بالنسبة ‏لمنطقة شرق البحر المتوسط (البلدان العربية وتركيا وإيران) وقد ‏توصلت ‏القيادات الأمريكية الفاعلة، العلنية والسرية، لخطورة وأهمية هذه ‏المنطقة بالنسبة لأوروبا ‏ووضعت (‏IFB‏) استراتيجيتها التي تتمحور ‏حول الهدف الرئيسي التالي:

‏(منع أية إمكانية لتوفر شروط ثقافية ودينية وسياسية واقتصادية مستقرة ‏وآمنه تسمح لشعوب ‏المنطقة بأن تتقارب وتتعاون وتبني قوة حضارية ‏كبيرة قد تشكل مستقبلاً إمبراطورية خطرة تهدد ‏سلامة الغرب، ومصالح ‏أمريكا بالذات). ‏

باختصار شديد، إن سلامة الغرب وأمنه يستوجب ‏الضمان الأكيد ‏بوجود أنظمة ملائمة ومتحالفة مع الغرب ومع أمريكا بالذات، وليس ‏هناك أية إمكانية لتحقيق هذه الضمانة إلا باللجوء إلى المبدأ المعروف ‏‏(النظام ينبثق من الخراب)، أو (الفوضى الخلاقة)، أي العمل على تهيئة ‏جميع الأسباب لتدمير المنطقة بأكملها حسب النموذج العراقي والسوري واليمني، ‏دولاً ‏وشعوب وثقافات وقناعات ومصالح بما ينسجم تماماً مع مصالح ‏الغرب والولايات المتحدة ‏بشكل خاص.

إن هذا الهدف الاستراتيجي للتدمير الكامل يعتمد على توفير العامل ‏الأساسي التالي:

‏(خلق التوتر والعداء والتعصب بين الجماعات الأساسية التي تتكون ‏منها مجتمعات الشرق الأوسط، وقد توصل الباحثون إلى تحديد ‏جماعات فعالة في منطقة الشرق الأوسط هي المسلمون السنة، الذين يشكلون أكثر من 80% من سكان هذه البلاد، في مواجهة أقليات حاقدة متعطشة لسفك الدماء، (روافض) شيعة، علمانيون بهرتهم الحضارة الغربية المزيفة فتنكروا لدينهم ومعتقدهم، ‏العنصريون، اليهود، المسيحيون، والمتطرفون من هؤلاء وهؤلاء، بالإضافة إلى القومجية من عرب وأتراك ‏وفرس وأكراد وغيرهم، وقد رُسمت استراتيجية ‏الولايات المتحدة الأمريكية على محاور عدة.‏

وفي هذا التحليل، كما يقول مؤلف الكتاب، تتضح معالم الاستراتيجية الأمريكية في العراق والشرق ‏الأوسط، مدى أهمية ‏العراق والشرق والأوسط في الاستراتيجية الأمريكية ‏للسيطرة على العالم، وفرض سياسة القطبية ‏الأحادي لقيادة العالم، وبذلك ‏تظهر أهمية البحر الأحمر لأنه الممر المائي الحيوي الذي يربط مناطق ‏‏المصالح الأمريكية بين الشرق والغرب، ويسيطر على الدول المنتجة للنفط ‏وطرق مروره، وبنفس ‏الوقت يؤمن تواجد القوات من خلال القواعد ‏والبوارج البحرية المنتشرة لحماية الكيان الصهيوني ‏الحليف الأول ‏للولايات المتحدة؛ إن لم يكن الذراع الغربي والأمريكي الذي زرع في وسط ‏الوطن ‏العربي لغرض تنفيذ مخططات تقسيم المقسم وتجزئه المجزأ، ‏ليسهل تحقيق أهداف الولايات ‏المتحدة والكيان الصهيوني على حد سواء، ‏وهنا يكمن الخطر والتهديد الأكبر للأمن القومي العربي ‏في منطقة ‏البحر الأحمر على وجه الخصوص، وللأمن القومي العربي على وجه ‏العموم، وتظهر ‏الفكرة واضحة من خلال الاطلاع بما هو متاح على ‏الاستراتيجية المذكورة.‏

‏كانت الولايات المتحدة الأمريكية أول مرشح لملء الفراغ إثر ‏الانسحاب البريطاني من الخليج، وأن ‏الولايات المتحدة آثرت ‏العمل على (مبدأ نيكسون)، الذي أعلن في عام 1969م، وينطلق هذا ‏المبدأ ‏مما يسمى عمليه (الفتنمة) أي تمكين الأنظمة الصديقة لتحمل على ‏عاتقها دوراً رئيسياً في ‏قمع المتمردين، وتخفيف العبء على الولايات ‏المتحدة الأمريكية، كما فعلت بعد انسحابها من فيتنام ‏وجعلت الحرب ‏بين طرفيها الفيتناميين في الشمال والجنوب دون تدخل عسكري أمريكي ‏مباشر في ‏تلك الحروب. ثم جاءت المرحلة التالية التي أعقبت ‏قرار الحظر النفطي بعد حرب أكتوبر 1973م، وتمثلت في التطورات ‏التي أخذت تضغط على صانع ‏القرار الأمريكي عن الحذر الأمريكي، ‏بخصوص عدم التورط العسكري الأمريكي المباشر، ‏وضرورة التحرك ‏لحماية المصالح الأمريكية النفطية، فبعد سقوط نظام الشاه أصيبت ‏أمريكا بخسارة ‏جسيمة، بالإضافة إلى تدخل السوفييت في أفغانستان، ‏والتغيرات في باكستان وأثيوبيا ضاعف من ‏تخوف أمريكا على ‏مصالحها في منطقة الخليج والبحر الأحمر، ولمواجهة التطورات ‏التي ‏حدثت، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تعدل من سياستها السابقة ‏وأنماط علاقتها الإقليمية وذلك ‏بالعمل على جهتين: ‏

‏‌1- السعي لامتلاك السيطرة على القرار النفطي في السوق العالمية، بل ‏تعاملت الولايات المتحدة ‏الأمريكية مع النفط كملكية أمريكية مطلقة، وقد ‏عبر "وليام سايمون" وزير الخزانة الأمريكية ‏آنذاك عن ذلك بقوله: (هؤلاء الناس-يقصد عرب الخليج- لا يملكون النفط سوى أنهم يجلسون عليه)‏.‏

‏‌2- التلويح بالتدخل المباشر لحماية أمن النفط، ووصل الأمر إلى ‏التهديد باحتلال آبار النفط ‏العربية، حتى قال الرئيس الأمريكي نيكسون "لا ‏يمكن السماح لأحد بإملاء القرارات، وتقرير مصائر ‏الدول من خلال ‏استخدام النفط والتلاعب بأسعاره"، وآخرها وليس آخرها ‏تصريحات ‏الرئيس الامريكي ترامب في 20 يناير/ كانون الثاني ‏‏2017م بضرورة الاستحواذ عل نفط ‏العراق ودول الخليج "أن عليها ‏أن تدفع مقابلا خدمات الولايات المتحدة في حفظ أمن ‏واستقرار هذه ‏المنطقة". ‏

أما أهداف الولايات المتحدة في منطقة العراق والشرق الأوسط فقد ‏وضحها الكاتب سليم مطر، ‏من خلال ترجمته لاعترافات صاحبه ‏السيناتور الذي أسماه الحكيم الأمريكي، حيث ذكر فيها "أهمية ‏العراق في ‏استراتيجية الولايات المتحدة تتجاوز إلى حد بعيد المصالح النفطية ‏والعسكرية، إلى ‏مصالح استراتيجية سياسية وعقائدية وتاريخية تعتبر هذا ‏البلد العراق من أخطر المناطق في ‏استراتيجيتنا الكبرى للسيطرة على ‏العالم، وبالتالي تتطلب حضورها المباشر في أرض العراق ‏للأسباب ‏التالية كما يؤكد السيناتور": ‏

أولا: سياسياً – دينياً، وهذه نقطة مهمة جداً، "إن شعب العراق يتنوع إلى ‏شيعة وسنة (بالإضافة إلى ‏الأكراد والتركمان والمسيحيين وغيرهم) ويقع ‏مباشرة وسط قطبين إسلاميين متصارعين هما ‏‏السعودية وإيران". ‏

ثانياً: رمزياً وباطنياً، وهذه النقطة تعتبر واحدة من أكبر أسرار الولايات المتحدة ‏التي تجهد لإخفائها، "إن ‏للعراق أهمية روحيه تاريخية خطيرة بالنسبة لنا ‏أعضاء (‏IFB‏) لحسن الحظ لم ينتبه لها أحد ‏غيرنا، ليس ‏صدفة أبداً، وان إعلان الحرب على العراق عام 1991م هو إعلان ‏نهاية نظام ‏القطبين للوصول الى هذا الهدف". ‏

ويؤكد السيناتور بأن قناعتهم الباطنية السرية الموروثة "بأن الكون تتحكم ‏به قوى جبارة خفية ‏مجهولة، لغتها هي الرموز الكونية المعروفة من ‏أهمها أبراج النجوم، وأن هذه القوى الجبارة منذ ‏خلق الأرض قد اختارت ‏الشرق الأوسط مقراً ثابتاً لها، ليكون موطنها وأرض نشاطها وإبداعها ‏‏التاريخي وقد اختارت عاصمتين لها بغداد والقاهرة، والذي يهمنا هنا ‏هو العراق، لكونه مركز ‏الإبداع التاريخي الفعال التوسعي ‏لأن الحضارة المصرية لا تشكل أي خطر كونها ‏حضارة تبحث عن ‏الخلود". ‏

ويتابع السيناتور قائلاً: لذا فإننا في (فدرالية الأخوة العالمية)  بأن الحضارة ‏‏العراقية هي الحضارة المنافسة الأكبر لنا لأنها الأقرب الينا، فحضاراتنا ‏الغربية هي صورة ‏محدثة عنها، أي ذروة الحضارة المادية الدنيوية، و‏نعترف بأن جذور حضارتنا الغربية ترجع ‏إلى بابل، ونحن لا نتنكر ‏لها، بل نخشى أن نعلن عن ذلك صراحة كي لا تسبقنا هذه الحضارة ‏‏فتصبح (بغداد) هي (باريس ولندن ونيويورك) لهذا فإننا منذ سنوات ‏طويلة تمحورت سياستنا إزاء هذه الحضارة الخطرة في ناحيتين:

أولا: التعتيم عليها في جميع وسائل الإعلام والمؤسسات المعنية رغم ‏تقديسنا السري لها، بل العمل ‏على تشويهها من خلال التركيز على ‏موضوع (سبي اليهود).‏

ثانيا: بنفس الوقت فإننا نجهد بكل إمكانياتنا للتعمق في معرفة تواريخ ‏وتفاصيل وخفايا هذه ‏الحضارة من خلال النبش والتنقيب والدراسات ‏السرية، على أمل فك أسرارها والسيطرة ‏عليها لذلك كان علينا الحضور ‏المباشر في العراق وكان الاحتلال عام 2003م، وتمكنا ‏‏بصورة تفوق التوقع من أن نجعل العراق ساحة مكشوفة ومثال للصراع ‏الدامي المحتدم بين ‏القطبين الشيعي والسني، وجعلنا طيلة عقدين من ‏العراق أرض الخراب ومركز للظلام الذي ينتظر ‏المنطقة بأجمعها آملين بأن نجعل منه مركز لشرق أوسط ديمقراطي منسجم تماماً مع مصالحنا. ‏‏

‏ويضيف السيناتور قائلاً: "إننا جئنا للعراق لنجعله مركز لشرق أوسط، ما جئنا لنغادره ولذلك ‏فقد شيدنا في بغداد أضخم وأكبر ‏وأقوى سفارة في تاريخ البشرية، ونحن ‏من يشجع التغلغل الإيراني في العراق ونعمل إعلامياً على ‏تضخيمه، ‏من أجل إخافة الدول العربية وتركيا ودفعها لكي تتصارع في أرض ‏العراق، وأيضاً ‏إخافة العراقيين ودفعهم للتمسك بنا لحمايتهم من الخطر ‏الإيراني". 

المصدر

* أهداف الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة البحر الأحمر - الدكتور ناجي خليفة جاسم الدهان.