ثلاث قصائد مترجمة شعر: جيم ف. أولويل

د. سامي الكيلاني

(1)                 ذروة المد

حتى وإن كان التغيير الذي تصبو إليه

لن يظهر لناظريك قريباً،

فإن التغيير دوماً حاصل في كل مكان

يحدث يومياً في داخلك،

خارجك، معك، أو بدونك.

اعتدت أن تحصل على كل ما تحتاجه

دون مشاركة عامة منك،

اعتمدت على أولئك الذين لم تعرفهم من قبل

أو تظاهرت بأنك لا تعرفهم،

اعتماداً على بعض ما قد جسدوه سابقاً.

أولئك الذين لم تثنهم الضجة الخفيفة،

أولئك الذين خلعوا الباب، نزعوا حتى إطاره، ليوسعوا المدخل،

الذين بنوا مركبة الديمقراطية التي تركبون.

يمضي الوقت من أجل أن تأتي أزمنة جديدة.

تعود الروابط التي انفكت، تلتئم العظام التي كسرت.

وها هنا يأتي الزمان للقول مجدداً

دون كسر لا يكون التئام.

والآن تأتي لتقول إنك محبط

لتقول "الجميع يكذبون".

لا، لا، ليس الجميع كذلك، أنا لست بكاذب.

علينا الآن كما في كل وقت أن نكتشف

من الذي يكذب، ومن الذي لا يمارس الكذب،

المهمة نفسها كما كانت في كل زمان مضى.

لوم الجميع بالتساوي لعبة خادعة، تماماً مثل ألاّ نلوم أحداً.

بالتأكيد، لقد صارت هكذا، هباء، مجرد هباء هكذا صارت.

مهما فعلتَ في الحياة،

مهما ستعمل في هذه الحياة، فهو أيضاً جزء

من السيل الدائم الذي يصب في البئر

البئر الذي يتغذّى من فعل الإنسان.

انهض بذاتك وتوجه نحوها

هذه الأزمنة أزمنتك، إنها الآن مرهونة بما تريد.

(2)                 عكازة مواطن

هدية من جارة عجوز،

منحتها تذكاراً لصديقتي،

قبيل أن ترحل.

مكثت في خزانتها

حتى ذلك اليوم الذي التقت فيه

رجلاً لطيفاً وأنيقاً.

بحاجة إلى أداة تسنده،

كان بهلواناً بارعاً

ولكن للأسف، صار مترنحاً قليلاً.

بإمكانها أن تلفت الأنظار

حين يهزها بلطف وبراعة

بمقبضها الذي على شكل دولفين

يمكن اعتباره بارعاً

لولا انحناءة الظهر    

لو لم تلتق البراعة بالعجز

"تبقيني شاباً" يقول لها،

"وبلطفٍ تدعم وركي" يضيف،

"أنيق" تبتسم له وتضيف

"أنيق ومنتصب القامة".

(3) روح شابة، مدينة قديمة**

أراني صديقي كيف تجري الأمور. في كل مكان في نابلس،

وفي كل مرة نقطع الشارع، هناك من يمد يده ويصافح، ويحيي "السلام عليكم".

يمكنكم أن تقتلوا أخاه بالرصاص،

وأن تبقوا على صديقي خمس سنوات في السجن،

وأن توقفوا سيارته في ذلك الطريق المغبّر، حيث تركتموه للموت.

ولكن لن تجعلوا الكره يستولي عليه،

إلاّ كراهية الجهل والعنف. مشينا معاً إلى البلدة القديمة، قديمة كقدم القدس.

أشعر بالخوف، وأرى الفزع، الدبابات تطارد الأطفال.

علينا أن نقطع هذا الشارع، لا نستطيع أن نصرخ

توقفوا!

لأنه لم يكن هناك من يمكنه أن يستمع.

شارع عام يجبرنا أن ننضم إلى الأطفال

نركض باتجاه شارع جانبي ضيق جداً على الدبابات، التي تستدير، ولا تطلق النار، في ذلك اليوم.

فيها أطفال مجندون، جنود يدفعون الثمن، ليسوا جميعاً سعداء بأن يكونوا هناك.

إلاّ أنهم كانوا هناك، ركض المتظاهرون خلف الدبابات التي تراجعت

أقوياء بحجارتهم ونداءاتهم الساخرة، وصرخاتهم التي تنطلق من أحلامهم المكسّرة،

نهرب إلى البلدة القديمة حيث يزرع الناس الأزهار من أجل الأمل، من أجل الجمال.

استمرت اللعبة دون وجودنا.

مع هذا الجهل الكبير في هذا العالم،

من الصعب أن نتخيل مستقبلاً بأطفال مع حجارة، أطفال مع دبابات،

سيجلسون بعد سنوات في مقهى يتحدثون العربية والعبرية، يتذكرون

لعبة القط والفار في ذلك اليوم، الشغف، والشجاعة، ومسؤوليات عمرهم كشباب.

من الصعب أن ترى، نوعاً من الدولة، نوعاً من المستقبل، دون شجاعة، دون سلام.

لا أقول كلمة "بطل" لصديقي، غير معروف خارج نابلس، بلدتها القديمة،

ولكن مثل مانديلا،

الذي دخل السجن من أجل مجتمع غير عنصري،

وخرج بعد عشرين عاماً يعتقد الشيء ذاته.

هذه طريق صديقي، بعد كل المعاناة يؤمن بالسلام، بدولتين، بحقوق الإنسان، وبكل الحريات.

عن وعي يدفع الثمن الذي عليه أن يدفعه.

*جيم أولويل (Jim Olwell) شاعر كندي من أصل إيرلندي مقيم في مدينة مونتريال، كندا. ينظم منذ سنوات فعالية شعرية شهرية بعنوان "ارفعوا الصوت" للتبادل الشعري التفاعلي.

**هذه القصيدة صدى لإحدى زياراته لمدينة نابلس في العام 2002.