براءة الإسلام من تصفية الحسابات بين الفرق والجماعات

محمد شركي

براءة الإسلام

من تصفية الحسابات بين الفرق والجماعات

محمد شركي

[email protected]

· من المعلوم أن الإسلام هو دين البشرية قاطبة بصرف النظر عن أجناسها وأعراقها وألوانها وألسنتها . وكتاب الله عز وجل الناطق باسم هذا الدين هو رسالته سبحانه وتعالى للناس كافة ، وإن نزل باللسان العربي . ونزول هذه الرسالة باللسان العربي لا تحول دون وصولها إلى كافة البشر ، ولا يمتنع فهمها ولا يستغلق على الجميع . ولما كان أمر هذه الرسالة وهذا الدين كذلك فإنه من العبث أن تدعي مجموعة بشرية ما الوصاية عليه أو التحدث باسمه . ولقد كان الإسلام في عهد النبوة والخلافة الراشدة بعده بعيدا عن وصاية مجموعة من المجوعات البشرية، ولم تعرف في ذلك العهد فرقة أو جماعة لها قيادة ،ولها أتباع حيث كان الجميع تبعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما التحق بالرفيق الأعلى ظل الناس تابعين له في عهد الخلافة الراشدة ، ولم يقدم الخلفاء الراشدون أنفسهم بديلا عنه بل اعتبروا أنفسهم مجرد خلفاء لتطبيق تعاليمه حتى حصل ما حصل من فتنة كانت سببا في ظهور الفرق والجماعات وفي حصول الخلافات بينها والتي تطورت إلى صراعات لا زالت قائمة ولن تنتهي إلا بانتهاء ظاهرة وجود الجماعات والفرق المدعية وصايتها على دين عالمي لا يمكن حصره في رؤى جماعات وفرق . وينطبق على الجماعات والفرق التي تدعي الوصاية على الإسلام مثل العميان الذين يصفون الفيل من خلال تحسسه بأيدهم بحيث لا يدركون منه إلا ما تبلغه أيديهم في غياب حاسة البصر . وكلما تراخى الزمن إلا وكثرت الجماعات والفرق وتشعبت وتشعب اختلافها . ونعيش اليوم كثرة كاثرة لهذه الجماعات والفرق مع كثرة اختلافها وخلافها . والملاحظ أن العلاقة السائدة بين هذه الجماعات والفرق تقوم على أساس تخطئة بعضها البعض ، ولا يتحقق وجود جماعة أو فرقة إلا بنفي غيرها ، ونتج عن ذلك ظهور ما يسمى التكفير وهو عبارة عن أحكام تصدر عن الجماعات والفرق في حق بعضها البعض وقد تمذهبت مذاهب شذر مذر و صارت طرائق قددا. ولا يخلو بلد يدين بالإسلام من ظاهرة انتشار الفرق والجماعات المتراشقة بتهمة التكفير كحد أقصى في الاتهام وما دونها من تهم . ومعلوم أن الفرق والجماعات داخل البلد الواحد الذي يدين بالإسلام تدين بالولاء لجماعات وفرق موجودة في بلدان أخرى . وهكذا تنتقل الخلافات والصراعات بين الجماعات والفرق من بلد إلى آخر . ويفوق الولاء لدى أتباع الفرق والجماعات الولاء إلى أوطانهم ، الشيء الذي يخلق انفصاما بين مواطني البلد الواحد . وتأخذ الفرق والجماعات شكل تنظيمات على رأسها شخصيات كاريزمية تملك القدرة على إخضاع الأتباع بادعاء القداسة والطهر والعلم ... وما إلى ذلك مما يستميل الأهواء . ويطيع الأتباع هذه الشخصيات الكاريزمية طاعة عمياء لأنها تقدم لهم وعودا مغرية خاصة بالحياة الأخرى ، وتطمئنهم بأنهم على حق وعلى صواب وأنهم الفرقة أو الجماعة الناجية ، وغيرهم من أتباع الفرق والجماعات الأخرى على ضلال وفي النار . ويعيش الأتباع بهذه القناعة الراسخة ، ويجمدون عليها ويتصلبون ويتعصبون ويخوضون المغامرات غير المحسوبة العواقب من أجل ما ينفخه زعماؤهم فيهم من أفكار تعد عندهم من المسلمات ، ومن اليقين الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه . وعندما يتأمل الإنسان طروحات زعماء الفرق والجماعات يجدها متضاربة متناقضة لا يمكن الجمع بينها بتاتا . وهكذا تراكمت في بلاد الإسلام طروحات مختلفة ، وصار المسلم الذي كان مجرد مسلم في عهد النبوة والخلافة الراشدة متمذهبا سنيا وشيعيا ،وتقع الانشطارات في كل مذهب على حدة . وتتعدد الزعامات الدينية ،فهذا قطب رباني وحيد عصره ، وهذا إمام الزمان الذي يظهر ويختفي ، وهذا ولي فقيه نائب عنه حتى يأذن الله بفرجه ، وهذا شيخ مربي ، وهذا قائد مخلص .... إلى غير ذلك من الرتب . ويترتب عن اختلاف الزعامات الدينية تأويلات شتى لكتاب الله عز وجل ولأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم . وتتراوح التأويلات بين ظاهر وباطن وبينهما مراتب . وتنعكس هذه التأويلات على الأتباع فتأخذ شكل صراعات قد تصل إلى أعلى مستوى لها وهو سفك الدماء وهتك الأعراض . ومما يزيد طين ذلك بلة هو تبني الأنظمة السياسية اتجاهات مناصرة لهذه الفرقة أو تلك أو لهذه الجماعة أو تلك ، وتضفي عليها الشرعية الدينية بناء على المصلحة السياسية ، ذلك أن الجماعات والفرق تلعب دورا رئيسا في بقاء وزوال الأنظمة . وتندلع الصراعات بين الأنظمة فيما بينها بسبب تبنيها لاتجاهات فرق وجماعات مختلفة متصارعة .وهكذا تصير الخلافات الدينية بين الفرق والجماعات خلافات سياسية بين الأنظمة لها تداعيات خطيرة تنعكس على الشعوب . ولقد صارت الأنظمة في البلاد الإسلامية تحارب بعضها البعض عن طريق توظيف كل منها طوابيره الخامسة التي يوكل إليها إدارة الصراعات باسم الدين في بلدانها لفائدة من يوظفها . وهكذا نشأت ظاهرة الطوابير الخامسة الشيعية في البلاد السنية على سبيل المثال ، إلى جانب ظواهر أخرى . وهكذا نشأت ظاهرة تصفية الحسابات في البلد الواحد بين أبنائه الذين يوزعهم الانتماء إلى فرق وجماعات بينها خلافات وصراعات كما هو الحال على سبيل المثال بين الشيعة والسلفية والطرقية والحركية ، وما إلى ذلك من نعوت وأوصاف . وأمام كل ذلك يبقى الإسلام بريئا من تصفية الحسابات بين الفرق والجماعات.