على من تقع تبعة تعطيل دور المساجد في تقديم الدروس والمواعظ الدينية ؟

محمد شركي

من نافلة القول تكرار ما  تحظى به بيوت الله عز وجل  من أهمية في  دين الإسلام، ذلك أن دورها لا يقتصر على أداء الصلوات الخمس ،وصلاة الجمع بل يتعدى ذلك إلى  تخصيص أوقات لتلاوة القرآن الكريم  وتدارسه ، واستعراض السنة النبوية المشرقة  مع  تلقين ما يتعلق بهما من علوم بل تلقين غيرها من  مختلف العلوم  التي تعود بالنفع على الناس ، فضلا عن إلقاء المحاضرات،  ودروس الوعظ والإرشاد ، والإجابة عن أسئلة السائلين ممن يريدون تعلم دينهم وتذليل ما يعترضهم  في ذلك من صعوبات ... إلى غير ذلك من الوظائف  المختلفة التي عرفها أول مسجد أسس في الإسلام ، وما تلاه من مساجد  بعد ذلك في مختلف العصور وقد كان بعضها عبارة عن جامعات كما سجل ذلك تاريخ الإسلام ، وشهد به حتى  تاريخ غير المسلمين ممن يعرفون بإنصافهم وموضوعيتهم .

ومع مرور الزمن أخذت المساجد تفقد شيئا فشيئا وظائفها المتعددة خصوصا في المجتمعات الإسلامية التي يتوجس بعض حكامها من إقبال المحكومين عليها لأن في ذلك الإقبال ما يمكنهم من الوعي بما عليهم من واجبات ، وما لهم من حقوق ، وهي حقوق لا يستطيع هؤلاء الحكام تمكينهم منها مقابل ما يشترطونه عليهم من  واجبات .

ومعلوم أن المحكومين يقيسون  حكامهم على ما يتلقونه في بيوت الله عز وجل مما يتعلمونه من كتابه الكريم ، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو أمر محرج لهؤلاء الحكام ، لهذا يعمدون إلى تقليص دور المساجد إلى أقصى حد ممكن ، بحيث لا يتعدى  ذلك إقامة الصلوات الخمس ، وصلاة الجمعة ، وحتى هذه الأخيرة يقيدونها بقيود كي لا تؤدي دورها على الوجه المفروض والمطلوب.

ولا شك أن تحول المساجد في بعض بلاد المسلمين إلى مجرد حيز تفتح  بواباته لبضع دقائق في اليوم  لتؤدى  فيها الصلوات الخمس ثم تغلّق بعد ذلك ، ويسري فيها صمت كصمت المقابر هو أول عامل من عوامل هجرانها من طرف روادها الذين يترسخ  مع مرور الوقت  في أذهانهم أنها إنما شيدت لتعمر لبعض دقائق في اليوم  فقط ، وهذا من يجعل معظمهم يتأخرون  عن ارتيادها إلى آخر دقيقة تقام فيها الصلوات، و يعض من يحضر قبل ذلك فيهم من  يستعجل خروج الأئمة من مقصوراتهم للإسراع في أداء واجب الصلاة بل أحيننا تسمع لبعضهم همهمات معبرة عن امتعاضهم مما يعتبرونه تأخيرا للصلاة، وما هو بتأخير إن هم إلا يظنون ، وما إن يسلم الأئمة  للخروج من الصلاة حتى يتدافع  معظم المصلين نحو البوابات كأنهم سجناء أطلق سراحهم بعد مدد اعتقال طويلة ،وويل للأئمة إن هم أطالوا قراءة القرآن الكريم في صلاتهم  أو اطالوا  القيام والركوع والسجود  والتشهد ، فلا يكاد يحصل شيء من ذلك حتى ينبري بعض المصلين إلى التعبير عن انزعاجهم مباشرة بعد قولهم : السلام عليكم ، ويؤيد بعضهم بعضا في ذلك ، وقد ترتفع أصوات بعضهم عمدا لتصل إلى أسماع الأئمة ، وقد يجتمع بعضهم في حلقات داخل المساجد أو عند بواباتها للتعبير عن سخطهم مما يعدونه إطالة الصلوات ، ولهذا تفضل المساجد التي لا تطول فيها الصلوات  على غيرها ، ويثنى الثناء الحسن على من لا يطيلها من الأئمة .

 أما صلاة الجمعة  فلها شأن آخر خصوصا بعدما تقرر التقليص من زمن الخطب المنبرية بعد فتح أبواب المساجد التي  كانت قد سدت لمدة حول كامل أو يزيد بسبب جائحة الفيروس التاجي ، ومع أن الوضع لم يعد يقتضي تقنين وقت الخطب ، فقد وجد من قننوه ضالتهم في استمرار هذا التقنين لأن لهم فيه مآرب معلومة نكتفي بالإشارة على سبيل المثال  إلى التضييق على  بعض الخطباء ممن لهم تأثير في الناس حتى لا يقدموا في خطبهم ما لا يرغبون في إيصاله إلى رواد المساجد ، وبذلك يكون تقنين وقت الخطب عاملا لصالحهم ، وهوما يترتب عنه تعريض الخطباء لنقد من يخطبون فيهم لأنهم لا  يرون أنهم لايفيدونهم بشيء مما له علاقة بحياتهم اليومية  وواقعهم المعيش ، أوبأحوالهم العامة والخاصة ، أوبما يتطلعون إليه ، ويرغبون في معرفة رأي دينهم فيه  ... إلى غير ذلك مما فرضت  له خطب الجمعة كما كان شأنها زمن النبوة ، وزمن الخلافة الراشدة ، وزمن التابعين ومن تبعهم بإحسان  قبل أن تأتي أزمنة  حكم حكام من يتوجسون من الجمع ، وما قد تجري به رياحها مما لا تشتهيه سفنهم .

ولقد صار الناس لا يخفون تبرهم من خطب  فارغ المحتوى لا يرجى من ورائها نفع ، ولا تسمن ولا تغني من جوع ،لهذا ظهرت لديهم عادة  الالتحاق المتأخر بالمساجد مع استعجال مغادرتها، كما أنه قد لا يحضر عدد لا يستهان به من المصلين سوى الصلاة لأنهم يزهدون في الخطب لا ترقى إلى ما يتطلعون إليه .

وإذا كان الناس يستعجلون أداء الصلوات الخمس ، وصلاة الجمع بشكل غير مسبوق ، فهل يكون لديهم بعد ذلك استعداد للجلوس في المساجد لتلاوة وسماع القرآن الكريم أو الانصات إلى دروس الوعظ أو المحاضرات أو تعلم العلم أو غير ذلك من كل ما يدخل ضمن وظائفها ومهامها  ... ؟

وأخيرا نقول  إن بداية استعادة المساجد دورها  يجب أن تبدأ ممن يشرفون عليها بدءا بالوزير الوصي على الشأن الديني ومرورا بالمجالس العلمية أعلاها وأدناها من حيث تراتبيتها ، والمندوبيات جهوية ومحلية  ، فهذه الجهات هي الأقدر على تفعيل وظائف وأدوار المساجد ، وعليها تقع تلك المسؤولية ، وعليها يجب البحث الجاد عن أسباب هجران روادها   قبل أن يلاموا أو يعاتبوا على ذلك لأنه كما يقول المثل الشعبي المغربي : " القطط لا تبرح حيث تقام الولائم " .

وعلى هذه الجهات أن تقدر عواقب تعطيل وظائف ومهام بيوت الله عز وجل على المدى البعيد خصوصا ونحن نعاين جيل لم تعد تربطه بدينه روابط متينة ،الشيء الذي يضعف مناعته الدينية والعقدية ، ويجعله عرضة  لعبث العابثين  بقيمه الدينية والخلقية ، ولفساد المفسدين من المتهتكين المجاهرين بكل أنواع الانحلال خصوصا والجال يفسح لهم واسع ، ويلقون من الدعم ما لا يجده الخطباء والوعاظ وأهل العلم والفكر من الدعاة إلى القيم الدينية والأخلاقية بل إن هؤلاء أصبحوا يطاردون ، وتلفق لهم التهم الباطلة والمفبركة لعزلهم عن منابر الدعوة إلى الله عز وجل وسيلتهم في ذلك القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، وقد بدأ ما يشبه حظر بعض نصوص القرآن والسنة بذريعة أنها تشجع على الكراهية والتطرف ... وما إلى ذلك من التهم الباطلة المتجاسرة عليهما إرضاء للمخلوق وإغضابا للخالق سبحانه وتعالى