وثيقة الرسول لنصارى نجران (دستور دولة الاسلام)

odaba

بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب: كتبه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، رسول الله إلى الناس كافةّ، بشيراّ ونذيراّ، مؤتمناّ على وديعة الله في خلقه، ولئلا يكون للناس حجة بعد الرّسُل والبيان، وكان عزيزاحكيما.

 نص الوثيقة (الدستور الإسلامي للدولة)

للسيد إبن الحارث بن كعب، ولأهل ملته، ولجميع من ينتحل دعوة النصرانية في شرق الأرض وغربها، قريبها وبعيدها، فصيحها وأعجميها، معروفها ومجهولها، كتاباّ لهم عهداّ مرعياّ، وسجلاّ منشوراّ، سُنّةّّ منه وعدلاّ، وذمّةّ محفوظةّ، من رعاها كان بالإسلام متمسكاّ، ولما فيه الخير مستأهلاّ، ومن ضيعها ونكث العهد فيها، وخالفه إلى غيره، وتعدّى فيه ما أمرتُ، كان لعهد الله ناكثاّ، ولميثاقه ناقضاّ، وبذمته مستهيناّ، وللعنته مستوجباّ، سلطاناّ كان أو غيره، بإعطاء العهد على نفسي، بما أعطيهم عهد الله وميثاقه، وذمة أنبيائه وأصفيائه، وأوليائه من المؤمنين والمسلمين في الأولين والآخرين: ذمتي وميثاقي وأشدّ ما أخذ الله على بني إسرائيل من حق الطاعة وإيثار الفريضة، والوفاء بعهد الله، أن أحفظ أقاصيهم في حق ثغوري وبخيلي ورجلي، وسلاحي وقوتي، وأتباعي من المسلمين، في كل ناحية من نواحي العدو، بعيداّ أو قريباّ، سلماّ كان أو حرباّ، وأن أحمي جانبهم، وأذب عنهم، وعن كنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم، ومواضع الرهبان، ومواطن السياح، حيث كانوا من جبل أو واد أو مغار أو عمران، أو سهل أو رمل، وأن أحرس دينهم وملتهم أين كانوا، كم بر أو بحر، شرقاّ وغرباّ، بما أحفظ به نفسي وخاصتي، وأهل الإسلام من ملتي، وأن أدخلهم في ذمتي وميثاقي وأماني، من كل أذّى ومكروه، أو مؤونة أو تبعة، وأن أكون من ورائهم، ذاباّ عنهم كلّ عدو، يريديني وإياهم بسوء، بنفسي، وأعواني، وأتباعي، وأهل ملتي، وأنا ذو السلطنة عليهم، ولذلك يجب عليّ رعايتهم وحفظهم من كل مكروه، ولا يصل ذلك إليهم، حتى يصل إليّ وأصحابي الذابين عن بيضة الإسلام معي، وأن أعزل عنهم الأذى من المؤن التي يحملها أهل الجهاد من الغارة والخراج، إلا ما طابت به أنفسهم، وليس عليهم إجبار ولا إكراه على شيء من ذلك، ولا تغيير أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا سائح عن سياحته، ولا هدم بيت من بيوت بيعهم، ولا إدخال شيء من بنائهم في شيء من أبنية المساجد، ولا منازل المسلمين، فمن فعل ذلك فقد نكث عهد الله، وخالف رسوله، وحال عن ذمة الله، وأن لا يحمل الرهبان والأساقفة، ولا من تعبد منهم، أو لبس الصوف، أو توحد في الجبال والمواضع المعتزلة عن الأمصار شيئاّ من الجزية أو الخراج، وأن يقتصر على غيرهم من النصارى، ممن ليس بمتعبد ولا راهب ولا سائح على أربعة دراهم في كل سنة، أو ثوب حبرة، أو عصب اليمن، إعانة للمسلمين وقوةّ في بيت المال، وإن لم يسهل الثوب عليهم طلب منهم ثمنه، ولا يقوّم ذلك عليهم إلا بما تطيب به أنفسهم، ولا تتجاوز جزية أصحاب الخراج، والعقارات، والتجارات العظيمة في البحر والأرض، وإستخراج معادن الجوهر والذهب والفضة، وذوي الأموال الفاشية والقوة ممن ينتحل دين النصرانية، أكثر من إثني عشر درهما من الجمهور في كل عام، إذا كانوا للمواضع قاطنين وفيها مقيمين، ولا يطلب ذلك من عابر سبيل ليس من قطان البلد، ولا أهل الإجتياز ممن لا تعرف مواضعه، ولا خراج ولا جزية إلا على من يكون في يده ميراث الأرض، ممن يجب عليه فيه للسلطان حق، فيؤدي ذلك على ما يؤديه مثله، ولا يجار عليه، ولا يحمل منه إلا قدر طاقته وقوته على عمل الأرض وعمارتها وإقبال ثمرتها، ولا يكلف شططا، ولا يتجاوز به حدّ أصحاب الخراج من نظرائه، ولا يكلف أحد من من أهل الذمة منهم الخروج مع المسلمين إلى عدوهم، لملاقاة الحروب ومكاشفة الأقران، فإنه ليس على أهل الذمة مباشرة القتال، وإنما أعطوا الذمة عليّ، على أن لا يكلفوا ذلك، وأن يكون المسلمون ذبّاباّ عنهم (مدافعين) وجورا دونهم، ولا يُكرهوا على تجهيز أحد من المسلمين إلى الحرب الذي يلقون فيه عدوهم، بقوة وسلاح وخيل، إلا أن يتبرعوا من أنفسهم، فيكون من فعل ذلك منهم متبرع به، حمد عليه وعرف له، وكوفيء به.

ولا يجبر أحد على ممن كان على ملة النصرانية كرهاّ على الإسلام، (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل اليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) العنكبوت الآية 046 ويخفض لهم جناح الرحمة ويكف عنهم أذى المكروه حيث كانوا، وأين كانوا من البلاد.

وإن أجرم أحد من النصارى، أو جنى جناية، فعلى المسلمين نصره، والمنع والذب عنه، والغرم عن جريرته، والدخول في الصلح بينه وبين من جنى عليه، فإما منّ عليه، أو يفادى به، ولا يرفضوا، ولا يخذلوا، ولا يتركوا هملا، لأني أعطيتهم عهد الله وعليّ أن لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين. وعلى المسلمين ما عليهم بالعهد الذي إستوجبوا أن يُذبّ عنهم كل مكروه، حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم وفيما عليهم.

ولا يحملوا من النكاح شططا لا يريدونه، ولا يُكره أهل البنت على تزويج المسلمين، ولا يضاروا في ذلك إن منعوا خاطبا وأبوا تزويجا، لأن ذلك لا يكون إلا بطيبة قلوبهم، ومسامحة أهوائهم إن أحبوه ورضوا به، إذا صارت النصرانية عند مسلم، فعليه أن يرضى بنصرانيتها، ويتبع هواها في الإقتداء برؤسائها، والأخذ بمعالم دينها، ولا يمنعها ذلك، فمن خالف ذلك وأكرهها على شيء من أمر دينها، فقد خالف عهد الله وعصى ميثاق رسوله، وهو عند الله من الكاذبين.

ولهم – إن إحتاجوا الى مرمة (صيانة أوتأهيل) بيعهم وصوامعهم، أو شيء من مصالح أمورهم ودينهم إلى رفد (دعم) من المسلمين وتقوية لهم على مرمتها، أن يُرفدوا على ذلك ويعاونوا، ولا يكون ذلك دَيناّ عليهم، بل تقوية لهم على مصلحة دينهم، ووفاء بعهد رسول الله لهم ومنةّّّ لله ورسوله عليهم..

ولهم أن لا يلزم أحد منهم، بأن يكون في الحرب بين المسلمين وعدوهم، رسولاّ، أو دليلاّ، أو عوناّ، أو مخبراّ، ولا شيئاّ مما يُساس به الحرب، فمن فعل ذلك بأحد منهم، كان ظالما لله ولرسوله عاصياّ، ومن ذمّته متخلياّ، ولا يسعه في إيمانه، إلا الوفاء بهذه الشروط التي شرطها محمد بن عبد الله، رسول الله لأهل ملّة النصرانية، وإشترط عليهم أموراّ يجب عليهم في دينهم التمسك والوفاء بما عاهدهم عليه، ألا يكون أحد منهم عيناّ ولا رقيباّ لأحد من أهل الحرب على أحد من المسلمين في سره وعلانيته، ولا يأوي منازلهم عدوّ للمسلمين، يريدون به أخذ الفرصة وإنتهاز الوثبة، ولا ينزلوا أوطانهم ولا ضياعهم ولا في شيء من مساكن عباداتهم ولا غيرهم من أهل الملة، ولا يرفدوا أحدا من أهل الحرب على المسلمين، بتقوية لهم بسلاح ولا خيل ولا رجال ولا غيرهم، ولا يصانعوهم، وأن يقروا (يضيفوا) من نزل عليهم من المسلمين ثلاثة أيام بلياليها في أنفسهم ودوابهم، حيث كانوا وحيث مالوا، ويبذلون لهم القرى الذي منه يأكلون، ولا يكلّفوا سوى ذلك، فيحملوا الأذى عليهم والمكروه، وإن إحتيج إلى إخفاء أحد من المسلمين عندهم، وعند منازلهم، ومواطن عباداتهم، أن يؤووهم ويرفدوهم ويواسوهم فيما يعيشون به ماكانوا مجتمعين، وأن يكتموا عليهم، ولا يظهروا العدو على عوراتهم، ولا يخلوا شيئا من الواجب عليهم.

فمن نكث شيئاّ من هذه الشروط وتعداها إلى غيرها فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله، وعليهم العهود والمواثيق التي أخذت عن الرهبان وأخذتها، وما أخذ كل نبي على أمته من الأمان والوفاء لهم وحفظهم به، ولا ينقض ذلك ولا يغيّر حتى تقوم الساعة إن شاء الله.

وقد شهد على هذا الكتاب كبار الصحابة منهم ابي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد بن معاذ ابو ذر،ابو الدرداء، أبو هريرة، عبد الله بن مسعود، العباس بن عبد المطلب، الفضل بن العباس، الزبير بن العوام، طلحة بن عبيد الله، وسعد بن معاذ،سعد بن عبادة، ثمامة بن قيس، زيد بن ثابت، ولده عبد الله، حرقوص بن زهير، زيد بن أرقم، أسامة بن زيد، عمار بن مظعون، أبو حذيفة، خوات بن جبير، هاشم بن عتبة، عبد الله بن خفاف، كعب بن مالك، حسان بن ثابت، جعفر بن أبي طالب. وكتب معاوية بن أبي سفيان(1)

نص الوثيقة نقلا عن كتاب الدكتور محمد عمارة/الإسلام والاخر/ فجزاه الله خيرا عن الأمة ورزقه شفاعة سيد المرسلين.

(1) هنا الهامش لتنبيه الدكتور محمد عمارة أما أن يكون الكاتب غير معاوية، وأما أن يكون جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ليس من الشهود، حيث أن جعفرأ استشهد سنة ثمان في معركة مؤتة ومعاوية لم أسلم بعد فتح مكة، فلا يصح الجمع بينهما.

الاشارة تعني أن الكتابة بحجم أصغر ولون أزرق هي مني للتفسير وليس من الوثيقة.