النحّات و الفنّان التشكيلي ضو الشهيدي طاقة استنطاق للخامات

جمال قصودة

"  أريد أن أكون صادقاً مع نفسي وأن أعبر عن أشياء حقيقية بصورة تماثل خشونة حياتي وجفافها "

-الفنان  فان جوخ-

clip_image002_5ab4e.jpg

clip_image004_17c0e.jpg

ان البنية الشكلانية للاعمال الفنيّة في فنون النحت و الحفر و الفنون التشكيلية عموما و مهما كانت مدرستها و رغم رمزيتها أو غموضها في احيان كثيرة او سرياليتها في احيان اخرى الا ان لها مدلولات فكريّة   في علاقة عضوية وطيدة بحاضنتها التاريخية و الحضارية و في علاقة بما يحمله خالقها / مبدعها من خلفيّات فكرية او فنيّة اراد من خلال المنجز الابداعي ان يشكّلها كلوحة او منحوته تعبيرية لها دلالاتها العميقة ،لذلك نعتقد ان المنحوتات او اللوحات التشكيلية لا تحلل مضمونيا و لا تقرأ بمعزل عن خالقها  و خلفياته و عن حاضنته الحضارية .

النحت او الحفر بابعاده الثلاث يتميز بالعمق الفضائي وهواستنطاق للمواد الجامدة و ابراز لطاقتها  هذا الفعل الابداعي  ينمّ عن عشق للخامات و سعي لتحميلها مدلولات فنيّة و هذا ما يمكن ان تستشفّه من جميع منحوتات الفنّان التونسي ضوّ الشهيدي وهو فنان تشكيلي من الجنوب الشرقي نشأ بجزيرة جربه حيث زاول تعليمه الابتدائي والثانوي ثم ما لبث ان اتجه نحو حرفة التزويق ضمن الفضاءات السياحية وسرعان ما قادته موهبته في النحت الي توضيب الساحات العامة وتجسيم النصب والاشراف علي العديد من المهرجانات الدولية والمحلية،عمل مع مخرجين كبار ضمن تجسيم الملاحم الفرجويةو تخصص في النحت علي جميع المحامل و له الكثير من اللوحات التشكيلية ايضا، يعمل حاليا ضمن توجه الجانب الثقافي المدرسي حيث يقيم ورش داخل الفضاءات التربويه ساعيا الى  ابراز الخامة المحلية ضمن اعماله والى تقديم الموروث التقليدي ليحمّله دلالات قابلة للقراءات الحديثة و المعاصرة ،شارك في العديد من المعارض الجماعية والفردية التي تجاوزت الخمسين معرضا طوال مسيرته الفنيّة التي بلغت عقدها الثالث، تخرجت علي يديه الكثير من المواهب في اختصاص النحت والحفر،وهو يقيم حاليا ورش تجسيم النصب التذكارية ضمن مشاريع تزيين مداخل المدن وابراز المعالم والرموز التاريخيه للجهات.

قد ينتابك الحرج و انت تحاول استقراء منحوتات او لوحات ضو الشهيدي ،بداية لعدم تخصصّك و ايضا جرّاء فتنة الضوء المبهر و المدهش المنبعث منها ، هذا الضوء و صرامة الهندسية و الاتقناء في التشكيل او النحت و الحفر نابعة من روح المبدع ، فالضوء منبعث من اسمه و روحه و الصرامة الهندسية هي نتاج ما يحمله من خلفيات فنيّة  مكنّته من أن يكون متقنا لفعله الابداعي .

منحوتات ضوء الشهيدي في عمقها الفضائي غنيّة بالرمزية و الدلالة و تبرز فيها كافة القيم التشكيلية كالخط والنقطة والعلاقة بين الكتل المتراكبة والفراغ على مسطح التكوين، و لكن تغلب عليها الدوائر و المنحنيات ، الدوائر ليس لها بداية أونهاية وتشير الى الأبدية و تشير ايضا الى الشمس والأرض و القمر و الأجرام السماوية ،والدائرة من الأشكال المألوفة التي ترمز الى الكمال، وتتسم بالرشاقة والحركة الحرة واستدارتها توحي بالانوثة والدافئ و تمنح الإحساس بالعاطفة و الحب، ومن جانب آخر توحي الحركة فيها بالطاقة و القوة والوحدة والانسجام وهي بمثابة حد او اطار تحبس ما بداخلها وتبقي الأشياء الأخرى خارجها وتوفر الأمان والتواصل وترمز الى المجتمع في تماسكه .

اما المنحنيات التي تميز اعمال ضو الشهيدي فهي تشعرنا بالتقاطع و نستشف منها العمق و الارتفاع يبزر من خلالها الفراغ و يؤكد هذا الصديق الكاتب محمد المحسن حين يقول :" تغلب خصوصية الدائرة والفراغ على معظم القطع المبتكرة لدى الفنان العصامي –ضو الشهيدي- النازع في كثير مما أبدعه إلى فكرة الطيران والنزول بها مجرد خيال إلى واقع حي قابل للتطبيق،فالطيران إن يحدث معنويا في أوقات النشوة والفرح الشديد فهو إذن متحقق على مستوى الخيال،ولا مانع من تصويره ليكون محاكاة خيالية لخيال أخر. ويلعب ضو الشهيدي في محاكاته هذه على الطاقة الافتراضية في الإنسان التي تؤهله للتحليق بعيدا خارج مداره الطبيعي فتصله بالعالم الميتافيزيقي “عالم ما وراء الطبيعة”فيعيش بروحه حيث يشاء بينما يبقى جسده مسجونا في عالمه الأصلي،وهي سباحة في الخيال أشبه بالسباحة في أحلام اليقظة غير الخاضعة لأي منتهيات."