الكتاب : الطاغية

إمام عبد الفتاح إمام

دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي 

المؤلف: إمام عبد الفتاح إمام

هذا كتاب يذهب فيه صاحبه إلى أن تخلف المجتمعات الشرقية بصفة خاصة، والمجتمعات الإسلامية بصفة عامة يعود أساسا إلى النظام السياسي الاستبدادي الذي ران على صدور الناس ردحاً طويلاً من الزمن ولا يكمن الحل في السلوك الأخلاقي الجيد، أو التدين الحق بقدر ما يكمن في ظهور الشخصية الإنسانية المتكاملة التي نالت جميع حقوقها السياسية كاملة غير منقوصة، واعترف المجتمع بقيمتها وكرامتها الإنسانية، فالأخلاق الجيدة والتدين الحق نتائج مترتبة على النظام السياسي الجيد لا العكس.

وهو يستعرض نماذج من صور الطغيان، مع التركيز على الاستبداد الشرقي الشهير. الذي سرق فيه الحاكم وعي الناس عندما أحالهم إلى قطيع من الغنم ليس له سوى وعي ذو اتجاه واحد، كما يقترح حلاً بسيطاً يكسبنا مناعة ضد الطاغية، ويمكننا من الإفلات من قبضته الجهنمية، ويقضي على الانقلابات العسكرية التي أصبحت من سمات المجتمعات المتخلفة وحدها. وهذا الحل هو التطبيق الدقيق للديمقراطية. بحيث تتحول قيمها إلى سلوك يومي يمارسه المواطن على نحو طبيعي وبغير افتعال.

في مقدمة الطبعة الرابعة لهذا الكتاب يقول مؤلفه إن كتابه هذا “صودر في معظم الدول العربية، ومنع من دخولها لأنه زائر غير مرغوب فيه، بل جمعت نسخه في بعضها ودفعت الدولة ثمنها كاملاً غير منقوص ثم قامت بدفعها إلى المحرقة كما كانت تفعل محاكم التفتيش في العصور الوسطى … ومع ذلك فقد التهمت منه الأسواق العربية في وجبة واحدة ما يقرب من أربعين ألف نسخة في ساعات معدودات”. فما هو هذا الكتاب الذي يستحق كل هذه الحرب؟

بعد حديث مختصر عن مفهوم السلطة السياسية وفلسفتها يبتدئ المؤلف الحديث عن الطغيان بفصل عن (تأليه الحاكم في الشرق) 

مبيّنا ومعرّفاً بمصطلح (الحكم الثيوقراطي)، 

وهذا النوع من السلطة مبني على أن “السلطة مصدرها الله يختار من يشاء لممارستها،

وما دام الحاكم يستمد سلطته من مصدر علوي فهو يسمو على الطبيعة البشرية، وبالتالي تسمو إرادته على إرادة المحكومين إذ هو منفذ للمشيئة الإلهية”. 

وفكرة تأليه الحاكم قد تطورت واتخذت ثلاث صور متتابعة، 

فمن كون الحاكم هو الله نفسه كما في الحضارات القديمة،

إلى جعل الحاكم يستمد سلطته من الله مع ظهور المسيحية، 

إلى كون الحاكم قد تولى السلطة بمقتضى الحق الإلهي غير المباشر، أي عن طريق الشعب. 

ثم يعرض المؤلف لفكرة تأليه الحاكم في الحضارات القديمة مبتدأ بمصر الفرعونية مروراً ببابل وفارس والصين وانتهاء بالإسكندر المقدوني الذي بدأ يأخذ بعادات الشرق وثيابه بعد احتلاله لفارس إلى أن وصل إلى أعلى عادة وهي تأليه الحاكم فأراد أن يعترف به الشعب الآسيوي بل واليوناني أيضاً على أنه ابن لزيوس، حتى اقتبس من الفرس عادة السجود التي كان يتعين بمقتضاها على جميع من يقتربون من الملك أن يؤدوها.

ثم يعرض المؤلف لعائلة الطغيان، معرّفاً ومبيّنا، ومبتدأ بالتعريف بالطغيان نفسه 

ويذكر أن أول من استخدم كلمة (طاغية Tyrannos) هو الشاعر اليوناني (أرخيلوخس)، 

ويشير المؤلف إلى أن كلمة (طاغية) لم تكن تعني في بداية استخدامها معنى سيئاً، بل كانت تعني ملك أو حاكم، بل قد يسمى الملك بالطاغية في سياق المديح أو المجاملة حتى بدأت الكلمة بعد ذلك تحمل معنى كريهاً وذلك ابتداء من الجيل الثاني من طغاة الإغريق.

وبعد الحديث عن الطغيان يعرّج المؤلف إلى الحديث عن باقي أفراد العائلة الكريهة وهم الاستبداد والدكتاتورية والشمولية والسلطة المطلقة والأوتوقراطية، خاتماً كل ذلك بالحديث عن آخر أفراد تلك العائلة وهو (المستبد المستنير أو العادل) وهو المصطلح الذي ظهر في القرن التاسع عشر في الفكر السياسي الأوروبي. 

ويذكر المؤلف بأن مصطلح (المستبد العادل) هو من الجمع بين المتناقضات، ذلك أن الطاغية أو المستبد يعني (الحاكم الظالم أو الجائر القاسي) وهو ما يتناقض مع الاستنارة أو العدل. 

وحسب تعبير الفرنسي (دوفرجيه) فكيف يمكن أن يوصف المستبد بأنه عادل أو الطاغية بأنه صالح أو الدكتاتور بأنه خيّر أو مستنير؟

الباب الثاني من الكتاب يعرض المؤلف لصورتين للطاغية في الفلسفة اليونانية، الأولى منهما هي (الطاغية في صورة الذئب) 

وهذه الصورة تمثّل نظرية أفلاطون الذي يعتمد في تحول الطاغية إلى ذئب على أسطورة يونانية تقول: إن المرء إذا ما ذاق قطعة من لحم الإنسان ممتزجة بلحم قرابين مقدسة أخرى فإنه يتحوّل حتماً إلى ذئب. 

وقد أتى المؤلف بعرض مطوّل لنظرية أفلاطون مسبوقة بعرض تاريخي للقاء أفلاطون بأشهر الطغاة ومعرفته لهم عن قرب وعلى رأسهم أعتى طغاة الشرق وهو ديونسيوس الأول طاغية سيراقوصة الذي انتهى حاله معه إلى أن بيع في سوق العبيد واكتشفه أحد تلامذته واشتراه وأعاده إلى أثينا، وانتهى المؤلف إلى تحديد خلاصة فكرة أفلاطون وهي أن الطاغية الحقيقي هو في واقع الأمر عبد بلغ أقصى درجات العبودية ما دامت دوافعه الحيوانية هي التي تسيطر عليه وتدفعه إلى تملّق الناس. 

وهو يقضي حياته في خوف مستمر ويعاني على الدوام آلاماً مرهقة، ويبدو أكثر الناس بؤساً، كما أن السلطة تنمي كل مساوئه وتجعله أشد حسداً وغدراً وظلماً، وأقل أصدقاء وأشد فجوراً وأمعن في احتضان كل الرذائل.

وفي الباب الثالث يتحدث المؤلف عن ارتداء الطاغية لعباءة الدين حيث يبتدئ بالحديث عن الحكم الثيوقراطي في بداية المسيحية والتي كانت تنظر إلى الحاكم المستبد على أنه سيف الله الذي ينتقم من الأشرار كأنه معصوم من الخطأ، وأنه حتى لو كان الحاكم الطاغية ظالماً فلا بد من تحمّله تطبيقاً للمبدأ المسيحي في عدم مقاومة الشر، 

كما أن اشتداد استبداد الحاكم وظلمه يمكن أن يفسر على أنه رحمة من السماء لمواجهة كثرة الشرور في العالم. 

بل إن القديس جريجوري كان يرى أن من حق الطاغية أن يطيعه الناس، وليس ذلك فحسب، بل لا بد أن تكون هذه الطاعة صامتة وسلبية لهذا الحاكم الذي ماهو إلا ظل الله على الأرض.

ثم يتحدّث المؤلف عن البروتستانتية وزعمائها وعلى رأسهم مارتن لوثر وجون كالفن ليذكر أنه لو افترض أن الطاغية طلب من رجال الدين أن يبرروا أمام الناس أفعاله الاستبدادية وسلوكه السيء، فإنه لن يجد أروع من المقدمة التي يبدأ منها زعماء البروتستانتية والتي هي أن الطبيعة البشرية فاسدة وأن الإنسان موجود ساقط وأنه خلق في الأصل على صورة الله ثم ثار وتمرّد على خالقه ودنس هذه الصورة بسقوطه، حتى أصبح بحاجة إلى كوابح وضوابط وبالتالي فلا بد للناس من إنسان يجبرهم على الطاعة، وطاعة السلطة خير في ذاتها وهي الركيزة الوحيدة التي تقوم عليها الحياة المستقرة الآمنة، وخلاصة هذا كله هو وجوب الطاعة العمياء للحاكم.

وفي الفصل الأخير يعرض المؤلّف للنظريات التي فسّرت ظاهرة الطغيان عامة، والطغيان الشرقي بصفة خاصة، والتي منها نظرية أرسطو وهي أن الشرقيين ولدوا عبيداً، ونظرية أخرى تنظر إلى الطغيان بمنظور اقتصادي حيث تبرز دور العوامل الاقتصادية في نشأة الطغيان، ونظرية ثالثة وهي تحليلية نفسية ترد الطغيان إلى العلاقة (السادومازوخية) فالشخصية المستبدة سادية متسلطة تروض الجماهيرة الخانعة المازوخية.