الخاطرة ٢٩١ : علم الجمال في نقد مسلسل - المداح -

ز . سانا

خواطر من الكون المجاور

مسلسل المداح تركته ليكون خاتمة سلسلة مقالات (علم الجمال في نقد مسلسلات رمضان ٢٠٢١) ، ففي الحقيقة من يمتلك حسا في النقد الفني سيشعر أن مسلسل المداح هو طفرة بين مسلسلات رمضان ، فما يميزه عن غيره من المسلسلات ، أنه المسلسل المصري الوحيد الذي كان لموضوعه علاقة مباشرة بشهر رمضان من ناحية المعنى الروحي . فشهر رمضان ظاهريا يبدو لنا بأنه شهر الصيام عن الطعام ، ولكن الحقيقة أن هذا الشهر المبارك الذي أنزل فيه القرآن هو شهر الصيام عن الشهوات المادية بجميع أنواعها ، أو بمعنى آخر هو شهر تنمية رغبات الكائن العلوي (الروحي) في الإنسان وذلك عن طريق تنمية المقدرة في السيطرة على جميع رغبات الكائن السفلي (الغريزية) للإنسان ، هذه الرغبات التي تجعل الإنسان يخرج عن إنسانيته أو بمعنى ديني يخرج عن الصراط المستقيم الذي كتبه الله علينا كبشر من نسل آدم وحواء في سلوكنا مع أنفسنا أو مع الآخرين .

قبل أن نشرح بشيء من التفصيل عن نقاط الجمال في مسلسل المداح كعمل فني من الأفضل ذكر ملخص سريع عن قصته :

" القصة تبدأ بعام ١٩٨٩ في منطقة الفيوم عندما يسمع المصلون في الجامع بكاء طفل حديث الولادة تركه أهله هناك لأنهم لا يريدونه ، فيأخذه الشيخ سلام (أحمد بدير) ويتبناه ويرعاه وكأنه ابنه من صلبه ويسميه (صابر) . مع مرور السنوات يكتشف أبوه وسكان المنطقة أن الطفل صابر يملك مقدرات مختلفة من الحاسة السادسة التي ينظر إليها الناس على أنها كرامات من الله عز وجل . صابر يكبر ويصبح استاذا في اللغة العربية في مدرسة المنطقة ، ويحاول استخدام مواهبه الروحية في خدمة وسعادة أهل المنطقة بدون أي مقابل مالي . وهذا ما يجعله محبوبا من معظم سكان المنطقة ، ولكن بعضهم يشعر بالخوف منه كونه حسب ظنهم أنه يتعامل مع الجن . الظروف حول صابر وبسبب غيرة بعضهم منه فجأة تتدهور فيدخل أخاه الكبير حسن (خالد سرحان) بتهمة تهريب المخدرات ، وكذلك يتم اعتقال والده الشيخ سلام بتهمه جريمة قتل الحاج غالب (جمال عبد الناصر) ، فيجد صابر نفسه عاجزا عن مساعدة والده وأخيه بسبب التكاليف العالية التي يحتاجها المحامي . فيضطر ولأول مرة في حياته إلى استخدام مقدراته الروحية في كسب المال لإنقاذ والده وأخيه . فتنقلب حياته رأسا على عقب .... وربما كلمات أغنية (يارب الهمني بإشارة) التي نسمعها في المسلسل هي أفضل ملخص لما سيتبع من أحداث :

يارب إلهمني بإشارة ..أو اديني طريق لمفر

نهاية السكة دي خسارة .. ومش هتجبلي غير الشر

أنا مضطر ومن غيرك هيقبل دعوة من مضطر

تقيل الذنب ع الصالح لكن برضه الشيطان زنان

بلجم نفسي وبقاوح لكن هو ماسكني أيد وأسنان

مفيش في الدنيا دي أشر من إبليس في دور إنسان

يا عارف إيه جوه في قلبي وعارف برضه إيه براه

أنا مجرتش على ذنبي أنا أذنبت بالإكراه

أنا عبد ، الشيطان غصبه ، ومش عبد ، الشيطان أغراه "

لن أتكلم عن تفاصيل احداث المسلسل كما فعلت في المسلسلات الماضية لكي لا أحرق أحداثه وليستمتع القراء بمشاهدته ، فهو المسلسل الوحيد الذي أتمنى من جميع القراء الذين لم يشاهدوه أن يفعلوا ذلك ، فهو مسلسل ممتع ويستحق المشاهدة للأسباب التي سأذكرها بعد قليل .

الحلقة الأولى من المسلسل تم وضع أحداثها بشكل متقن جدا ، فهي بمثابة درس في كتابة الرواية والسيناريو، وعلى كل من يهتم بالتأليف أن يتمعن في تفاصيل أحداث هذه الحلقة ليتعلم الأسلوب الصحيح في عرض الشخصيات الرئيسية التي سيتم عليها بناء أحداث القصة . حيث نجد في الحلقة الأولى الأحداث تسير بشكل مشوق وطبيعي جدا ولكن بنفس الوقت الأحداث نفسها تقوم بتعريف حقيقة هذه الشخصيات ودورهم في حبكة القصة . فللأسف معظم المسلسلات تعاني في هذا الموضوع ، فنجد أنها تحاول إما إضافة أحداث لا معنى لها بالقصة ولكن فقط هدفها تعريف الشخصية ، أو أن يتم اهمال الشخصية من البداية لتظهر فجأة وبطريقة مصطنعة لتلعب دورها في حبكة القصة .

المسلسل أيضا يعتمد مبدأ هام في علم الجمال ، وهو إعطاء كل مهنة حساسة هويتها الحقيقية وعدم تشويهها لهدف مصلحة جهة معينة . فللأسف جرت العادة في معظم المسلسلات العربية الرمضانية وغير الرمضانية أن تعرض كل شخص ملتحي متدين وكأنه إرهابي أو سلفي متخلف يلعب دورا في فساد المجتمع . وهذا ما دفع الكثير من الشباب المسلمين اليوم إما بالنفور من الدين ، أو إلى الإيمان بفكرة أن الدين الإسلامي هو هكذا فعلا ولا يجوز فيه أي تجديد ويجب حمايته بالسلاح إذا لزم الأمر وأن هذا التغيير في عادات وسلوك المجتمع هو كفر ومعصية لله . بينما في مسلسل المداح نجد أنه يخالف هذه الظاهرة ويضع الأمور على حقيقتها ، فهناك توازن طبيعي بين الخير والشر في قصة المسلسل ، فالخير والشر موجود في جميع الناس بغض النظر عن مهنة كل شخص ، والأمر ينطبق أيضا على رجال الدين ففيهم الصالحين الذين يتبعون تعاليم الدين بشكلها الصحي ، وفيهم المنافقين الذين يستغلون الدين من أجل مصالحهم الشخصية ، لهذا يحدث صراع بين الطرفين ، فبطل المسلسل صابر (حمادة هلال) يمثل النموذج المثالي لشخصية الرجل المتدين الحقيقي في عصرنا ، فهو رجل طبيعي في المجتمع ، يعشق بكامل أحاسيسه ويفعل المستحيل ليتزوج من حبيبته ، وهو أيضا يقدم المساعدة لكل من يحتاجها هكذا لله ودون أي مقابل ، و يستخدم الآيات القرآنية في مكانها الصحيح وينصح كل من يقوم بأعمال سيئه بأسلوب جميل فيه احترام كامل للآخرين . فإيمانه بدينه جعله رجل نافع في المجتمع ، ولكن عندما تتدهور الظروف من حوله وتجعله يخرج عن نفسه ، نجد والده الشيخ سلام يأخذ مكانه ليحافظ على مكانة رجل الدين الحقيقي في نفوس المشاهدين . ولكن من الطرف الآخر نجد الشيخ عمار المشعوذ والشيخ مصباح يحاولان تشويه سمعة صابر والشيخ سلام لأنهم قد أخذوا مكانهم في نفوس سكان المنطقة مما أثر على مصالحهم الشخصية . فمن خلال هذا الصراع بين رجل الدين الحقيقي ورجل الدين المزيف يتضح للمشاهد حقيقة تعاليم الدين الإسلامي.

قد يبدو للمشاهدين للوهلة الأولى من متابعة حلقات المسلسل أنه يتكلم عن السحر والجن والذي بعضهم لا يؤمن بصحتها ويعتبرها نوع من الدجل . ورغم وجود بعض اللقطات القليلة عن هذه المشاهد ، ولكن لو تمعنا جيدا في الطريقة التي يتبعها الشيخ صابر في حل مشاكل الناس سيجد أن المسلسل يُركز على الحالة النفسية للمصابين أكثر بكثير من تلك التي لها علاقة بالسحر أو الجن . فأسلوب صابر في المعالجة هو أن يقوم بالدخول إلى العقل الباطني للمصاب ، فيحاول كشف حقيقة المشكلة النفسية التي يعاني منها ليعرضها عليه ليعلم حقيقة سبب مشكلته ويساعده في التغلب عليها . فما يقوم به صابر هو ما يقوم به أي عالم نفس أو طبيب نفسي ولكن الفرق بين صابر والمعالج النفسي ، أن صابر يملك الحاسة السادسة التي تسمح له وبشكل فطري قراءة أفكار الآخرين وما يجري في أعماق أنفسهم . أما المعالج النفسي فهو يحتاج إلى جلسات عديدة مع المصاب ليصل إلى ما وصل إليه صابر في دقائق قليلة . وهذه المقدرة الروحية حقيقة وليست خرافة ، يهبها الله لبعض عباده الصالحين . فمن نقاط جمال المسلسل هي تلك النصائح التي يقدمها صابر للأشخاص المصابين بمشاكل نفسية ، وهنا تكمن روعة المسلسل فكل إنسان منا يعاني من مشكلة نفسية مشابهة ولكن بدرجة أقل بكثير ، وهذه النصائح المفيدة يتم تقديمها بطريقة مشوقة تدخل نفس المشاهد دون أن يعلم بأن أحد ينصحه ، فكثير من شباب اليوم يعتقدون أنهم يعلمون كل شيء ولا يسمحون لأحد أن ينصحهم وإذا حاول أحد نصحهم فإنهم في قرار ذاتهم لا يهتمون بهذه النصيحة .

أما تلك الأحداث التي تبدو وكأنها من صنع الجن أو الشياطين أو السحر في المسلسل فهي في الحقيقة أحداث رمزية يُراد بها كشف حقيقة ذلك الصراع بين الخير والشر الذي يحصل داخل الإنسان نفسه والذي يجعله في النهاية كنتيجة لهذا الصراع إما شخص صالح أو شخص شرير . فجميع صفات الشر الموجودة في الإنسان هي نتيجة رغبات النفس الدنيئة كالغيرة وحب الأنا وحب الثروة والمجد فهي التي تجعل الإنسان يتحول إلى إنسان يعمل كجندي عند الشيطان ليساعده في تحقيق أهدافه ، فمثلا عداوة عز (هادي خفاجة) لأخيه صابر سببها الغيرة كون أهله والناس يحبون صابر أكثر منه ، وأيضا أنانية زين (محمد عز) سببها علاقة الحب بين رحاب (نسرين طافش) الفتاة الغنية وصابر ، فجشع زين وحبه للمال هو الذي يدفعه إلى محاولة تشويه شخصية صابر ليستطيع هو الزواج من رحاب . فالشيطان لا يأتي من نفسه إلى الإنسان ولكن الإنسان هو الذي يجلبه إليه . ولكن رغم وجود روح الشيطان بيننا ، يحاول المسلسل أن يجعل المشاهد يشعر بأن روح الخير في التكوين الإنساني هي الأقوى دوما ، لهذا نجد أنه رغم كراهية عز لأخيه صابر ولكن نجد حبه الشديد لأخيه حسن ووالده وأمه . وكذلك رغم كراهية زين لصابر ولكنه يهتم ويحرص على العناية بأخته الصغيرة سهيلة (هايدي رفعت) ، فالمسلسل من خلال تنوع شخصياته وتطور أحداثه يحاول أن يُظهر للمشاهدين جمال التكوين الإنساني وأن الإنسان مخلوق طيب في أصله ولكن الظروف أو رغبات النفس الدنيئة هي التي تدفعه في تغيير هويته ليتحول إلى شخص يفعل أعمال السوء ، وأنه من واجب الإنسان الصالح أن يساعد الآخرين في إنقاذهم من رغبات أنفسهم الدنيئة التي يمكن لكل إنسان أن يقع بها ، بدلا من الإساءة إليهم أو الإنتقام منهم . لهذا نجد في أحداث المسلسل تنوع كبير في سلوك شخصيات المسلسل ، ولكن يبقى السلوك الإنساني هو الذي يؤثر في نفوس المشاهدين . فمثلا رغم وجود الغيرة والأنانية في أفراد عائلة الحاج غالب ، ولكن يتم تسليط الضوء على العواطف النبيلة في عائلة الشيخ سلام ، فشخصية صفاء (حنان سليمان) زوجة الشيخ سلام ، رغم بساطتها وسلوكها الفطري تُعطينا صورة صادقة عن الأم الحنون في أرقى أشكالها نحو زوجها وأولادها ومحاولتها بكل ما تستطيع في الحفاظ على ترابط أفراد عائلتها ، فرغم أن صابر ليس ابنها الذي ولدته هي ، ولكن رغم ذلك نجد العلاقة بينهما تمثل أجمل ما يمكن أن نتصوره عن العلاقة بين الأم وابنها أو بين الابن وأمه . وكذلك نجد العاطفة الأبوية في أرقى أشكالها بين الشيخ سلام وأولاده . وعاطفة الأخوة أيضا في أرقى أشكالها بين حسن الأخ الكبير مع أخيه صابر وأخيه الصغير عز . فأحداث المسلسل تنقلنا من عالم العائلة الصغير إلى عالم المجتمع الكبير ليجعلنا نشعر في قرارة أنفسنا أن هذا العالم الكبير هو في الحقيقة عالم صغير وكل ما نفعله من خير أو شر سنجد نتيجته تؤثر في حياتنا بعد حين فيجعلنا سعداء أو تعساء .

مشاهد المسلسل تحاول أن تنقل هذا التنوع الروحي في سلوك الإنسان إلى نفوس المشاهدين من خلال التنوع أيضا في المناظر الطبيعية ، فتارة نشاهد المناظر الطبيعة لمنطقة الفيوم ، بألوان سمائها ومائها الزرقاء ، وألوان حقولها وأشجارها الخضراء ، وتارة نشاهد مناطقها الجرداء الخالية من الحياة . وكأن الطبيعة نفسها ببساطتها تتحد مع التكوين الإنساني لتُعبر عن وجود مناطق خير ومناطق شر . وكذلك المَشاهد أيضا تُظهر لنا ذلك التنوع في بنية المجتمع ، فتنقلنا من بيوت وشوارع ريف الفيوم البسيطة ، إلى شوارع المدينة المكتظة بالسيارات والحركة وبيوتها بغرفها الواسعة ومفروشاتها الفاخرة ، لتجعل المشاهد يشعر في داخله أن السعادة الحقيقية تكمن في تأمين الرغبات الروحية وليس في تأمين الرغبات المادية والتي من أجلها يتخلى الإنسان عن ضميره وعن مبادئه السامية . ولهذا نجد رغم أن صابر استطاع أن يجمع ثروة كبيرة وأن يصبح شخص مشهور له مكانة مرموقة في المجتمع ، ولكنه يجد نفسه في النهاية أنه خسر سعادته وخسر هويته كإنسان فيحاول أن يثور على ذلك الوضع .

من نقاط جمال المسلسل كعمل فني أيضا ، أن متعة التشويق تختلف من نوع إلى نوع آخر مع مرور بضع حلقات ، فيجد المشاهد نفسه وكأنه ينتقل إلى حبكة من نوعية أخرى رغم أن الشخصيات هي نفسها والموضوع هو نفسه وهذا ما يجعل المتعة والتشويق تأخذ أشكالا أخرى لتجعله يتابع حلقات المسلسل دون أن يشعر بأي ملل أو بوجود أي حدث مكرر أو أي حدث تم إضافته لتطويل مدة المسلسل . وكأن المسلسل يتألف من /٣٠/ حلقة لا بسبب أنه سيعرض في شهر رمضان الذي يتكون من /٣٠/ يوم ولكن لأن القصة نفسها تحتاج إلى /٣٠/ حلقة .

هناك شيء هام جدا يجب أن نذكره ، وهو أن مسلسل المداح رغم تكاليف انتاجه البسيطة حقق نجاحا كبيرا في جميع البلدان العربية وحاز حمادة هلال على جائزة الحصان الأسود في دراما رمضان ٢٠٢١. ولكن رغم ذلك الكثير من وسائل الإعلام والنقاد حاولوا إهماله وعدم الحديث عنه . فللأسف نعيش اليوم في عصر صناعة النجوم أو ما يسمى كمصطلح عالمي (ستار سيستم) حيث وسائل الإعلام والنقاد يحاولون أن يجعلوا من فنان لا يفقه شيئا عن أهداف الفن نجما كبير ، أو من عمل فني هابط عمل كبير . فشركات الإنتاج والقنوات الفضائية اليوم أصبحت ملك الأثرياء ، والمشكلة أن طبقة الأثرياء اليوم تختلف عن طبقة الأثرياء في الماضي الذين كانوا أثرياء أبا عن جد فكانت نفوسهم شبعانة من جمع المال لهذا كانوا يبحثون عن العمل الفني الجيد ليقدمونه للجماهير ، أما طبقة أثرياء اليوم فمعظمهم كانوا من الطبقة الفقيرة أو الطبقة المتوسطة وثروتهم المالية تم جمعها بفترة قصيرة جدا من طرق لا يعلم بها إلا الله . ولهذا هدفهم الأول من شركات الإنتاج أو القنوات الفضائية التي يملكونها هي تحقيق الربح المالي فقط لا شيء آخر . فهم بشكل مقصود يهملون أي عمل يوقظ ضمائرهم ، ولهذا يستخدمون في أعمالهم أشخاص مشابهين لهم في السلوك أمثال محمد رمضان وغيره من الممثلين الذين يهمهم فقط الشهرة وجمع المال . لهذا السبب صمتت الكثير من وسائل الإعلام عن الكلام بخصوص مسلسل المداح كونه مسلسل يوقظ الضمير ويستخدم شخص بصفات مناقضة لصفاتهم تماما ، شخص مثالي بمبادئه وسلوكه ليكون بطلا لقصة المسلسل ، وحمادة هلال كان أنسب فنان للقيام بدور صابر ، فمن يتمعن جيدا في أعمال الفنان حمادة هلال (أغاني ، أفلام ، مسلسلات) سيجد أنه رغم بساطته وهدوئه ولكنه حتى يبقى في الساحة الفنية يقوم ببذل مجهود كبير ضد التيار الذي سار فيه محمد رمضان وغيره من الفنانين ، فحمادة هلال اليوم كمطرب وملحن وممثل يصر على أن تكون أعماله تحمل روح فن الزمن الجميل والذي أهم ما فيه هو تنمية حب الإنسان للتكوين الإنساني . ولكن معظم فنانين اليوم - وللأسف - يعيشون في حالة فوضى روحية فهم يريدون أن يقدموا أعمال فنية جيدة ولكنهم ومع ذلك يسيرون مع التيار الحديث كونهم يخشون أن يجدوا أنفسهم يوما ما عاطلين عن العمل . أما حمادة هلال وبفضل الموهبة التي وهبه الله له سواء كموهبة فنية أو ذكاء في التصرف ، دوما يجد ثغرة يدخل منها ليقدم أعمال جديدة تجعل المشاهدين يعيشون في براءة وطيبة وجمال فن الزمن الجميل . فرغم محاولات معظم وسائل الإعلام إهمال أعماله ، ولكن تبقى روح الخير في بعض الناس العاملين في الفن يقتنعوا بموهبته وأفكاره ويساعدونه على إنتاج أعماله وخاصة أن أعماله جميعها تلقى نجاحا جماهيريا تعم فائدتها من الناحية الفنية والإقتصادية على جميع المشاركين بها .

من تلك الثغرات التي استخدمها حمادة هلال في مسلسل المداح هي فكرة قصة المسلسل فهي فكرته وكونه كفنان وإنسان ملتزم بالمبادئ الإنسانية تم بناء أحداث وشخصيات المسلسل لتنطبق على هذه الشروط . ففكرة المسلسل مع صفات حمادة هلال جعلت المسلسل مختلفا تماما عن جميع مسلسلات رمضان ، ففكرة قصة المسلسل أعطته نوع من الأكشن الذي يجذب جماهير اليوم ولكن بنفس الوقت حافظت على براءة وطيبة وجمال زمن الفن الجميل في مَشاهده . وكذلك مضمون الفكرة قريب جدا من نوعية الأحاسيس الروحية التي يشعر بها الصائم في شهر رمضان ، فيكفي أن المُشاهد كان يسمع أغنية (مدد يارب) في بداية كل حلقة وفي كل يوم من شهر رمضان . فمسلسل المداح قد أضاف إلى أرشيف الأغاني العربية خمس أغاني دينية رائعة . وبدلا من أن يشاهد الأطفال والشباب نجوم مزيفة بلطجية ، شاهدوا الشيخ صابر الذي يلعب دوره حمادة هلال والمعروف عنه أنه شخص محبوب من الجميع ، فسجل حياته بلا فضائح لا في سلوكه الشخصي ولا في أعماله الفنية ، فهو يحترم الآخرين ويحترم نفسه ويحترم فنه ويحاول أن ينمي الشعور بالجمال في ذوق المشاهدين . وقد أثبت حمادة هلال في مسلسل المداح أنه ليس فقط مطرب وملحن ولكنه أيضا ممثل محترف من الدرجة الأولى أيضا .

جميع الذين شاركوا في المسلسل سواء في التأليف أو الإخراج أو التصوير او التمثيل أو الموسيقى ، قاموا بدورهم على أحسن ما يرام لضمان نجاح المسلسل ، فمسلسل المداح يعتبر إثبات حقيقي يؤكد لشركات الإنتاج أن الأعمال التي تحمل روح فن الزمن الجميل لها القدرة على جذب الجماهير وعلى تحقيق أرباح مالية ، وأنه يجب انتاج أعمال مثل هذا النوع بدلا من أفلام ومسلسلات البلطجة والعنف والتي ينتج عنها فقط كراهية الإنسان للتكوين الإنساني وبالتالي تفكك الروابط الإنسانية بين أفراد العائلة وبين أفراد المجتمع . فقط قارنوا بين ما حصل في كواليس تصوير مسلسل نسل الأغراب وما حصل في كواليس تصوير مسلسل المداح . حيث نجد في مسلسل نسل الأغراب حدوث مشاجرات وشتائم ودعاوي قضائية بين أفراد فريق العمل في مسلسل . أما في مسلسل المداح فكانت الأمور على العكس تماما فأفراد فريق العمل كانوا يعملون مع بعضهم البعض وكأنهم أفراد عائلة واحدة متحابة . هذا هو الفرق تماما بين مجتمع يرى أفلام التيار الحديث الذي رفض روح فن الزمن الجميل ، والمجتمع الذي يرى أفلام تحمل روح فن الزمن الجميل.