رحلة عبد الوهاب المسيري الفكرية

زغلول عبد الحليم

زغلول عبد الحليم

تأليف د./ عمرو شريف

يقول الدكتور عبد الوهاب المسيرى : هذه بعض ملامح من رحلة الانتقال في الزمان والمكان والفكر ثم العودة إلى الجذور رحلة طويلة شاقة نتيجة تأمل طويل في الذات الإنسانية وفى الكون[ واقتناع بفشل النموذج المادى فى تفسير ظاهرة الإنسان وإدراك لأهمية البعد الدينى في حياة الإنسان]

الأطباء الأدباء ! ظاهرة قديمة حديثة عرفناها في ابن سينا، وابن الهيثم، والفارابي، وعبد السلام العجيلي، محمد كامل حسين، إبراهيم ناجي محمد الجوادى، والجراح الفرنسي موريس بوكاي صاحب كتاب [التوراة والإنجيل والقرآن في ضوء العلم] وأخيرا وليس أخراً الجراح المصري الدكتور عمرو شريف صاحب كتاب [رحلة عبد الوهاب المسيري الفكرية : قراءة في فكرة وسيرته] من منشورات الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2006م. ويقع الكتاب في (583 صفحة)

والدكتور (عبد الوهاب محمد المسيري) المولود في دمنهور عام 1938 علم من الأعلام ورائد من الرواد القلائل الذين افنوا أعمارهم في البحث والدراسة الجادة ليقدم لامته النموذج المعرفي الأمثل للبناء والرقي والحضارة وهو الباحث العظيم الذي زود العقل وإنارة فعلا بعيداً عن الإفساد العقلي والتزوير والجهل. رحل الدكتور عبد الوهاب المسيري بعد معاناة شديدة مع المرض ولكن الرجل استقبل أمر الله بكل الرضا بالقدر. الرضا التام وبذل كل ما في طاقته من قوة للتغلب علي المصاعب والآلام وكأنه يفر من قدر الله إلي قدر الله حتى فاضت روحه إلي بارئها. الدكتور عبد الوهاب المسيري الرجل الذي أنار العقل فعلا دون تشويش وإثارة وبلا عجرفة فارغة! أنه صاحب المؤلفات العبقرية. رجل ظل يكتب ربع قرن والمرض يجثو فوق صدره ويلوي عنقه ويعقده بلا حراك وهو يكتب لينتهي من الموسوعة العظيمة عن (اليهودية)، ينتهي منها قبل أن يموت كما أخبرة الطبيب الأمريكاني ثم يأنس إلي زوجته السنة الأخيرة ثم يرحل! ولكنه رحل في الأوان المعلوم والأجل المحدد رحل العبقري الذي خلف وراءه الآلاف من الصفحات التي تعجز الأيام عن طيها... رحل الدكتور عبد الوهاب المسيري كما رحل العالم الفذ جمال حمدان والذي لا نعلم جميعا لماذا وكيف قتل؟! نعم يرحل الأفذاذ من الرجال في هدوء. ويخلفون لنا الحسرة والألم والانتظار! غير أن أعمالهم باقيه وحبنا لهم لا ينقطع حتى نلقاهم غير خزايا ولا مفتوتين. والحمد لله رب العالمين الذي هيأ للدكتور عبد الوهاب  نابغه هو الدكتور عمرو عبد المنعم شريف ليعد هذا الكتاب الرائع عنه وقد تركه (ليقدم لرحلته بنفسه) منهج مفيد. نعم منهج مفيد لسبيين:

أولهما: أن نري الدكتور عبد الوهاب من داخلة وهو يعرض علينا باطنه.

ثانيهما: إن نتعلم كيف تكتب السيرة الذاتية بعيداً عن قصة الحياه الخاصة . وهي النوع السائد الذي يتهم به القارئ العادي لانها قد تحوي بعض النقائص والعيوب وقد تجاوزها الي ما لا يفيد كما يحدث في الغرب!

 هذا من ناحية المنهج الذي أيده الباحث الدكتور عمرو.

أما من حيث اختياره النماذج الداله علي المنهج فهي تتحدث عن نفسها بوضوح غير أن الباحث شملها بعنايته وأشعرك أنه معك في كل سطر ولكنه لا يسيطر عليك ولا يقول لك قف أو أنظر مطلقاً أنه يحرص علي الأ تراه رغم أنه بجوارك. منهج متميز عظيم لا يقدر عليه إلا القلم الموهوب. نعم، لقد حاول الباحث أن يبسط لنا ما يقوله العالم الدكتور عبد الوهاب والحقيقة أن مؤلفات الدكتور المسيري تحتاج إلي من يبسطها لنا أو يشرحها خاصة في زمن تسود فيه (العولمة وما بعد الحداثة وطمس الهوية) كما جاء بالفقرة قبل الأخيرة من الصفحة رقم (13) من الكتاب.

وعلي المائدة الآن (150 ثمرة) قطفها في أوانها الدكتور الجراح عمرو شريف! وما أحلي الثمرات التي قطفت! الوجبة دسمة للغاية ومخالفة لأبسط قواعد (الرجيم)!!

ومن ألطف الثمرات أن يتكلم الدكتور عبد الوهاب عن نموذج التدوير الذي يجب ان يحل محل نموذج التبديد! هذا الأ نموذج الردئ السفيه الذي لا يدل إلا علي سلوكيات منحطة لا تليق بالفرد وعلينا أن نلقي بأقل القليل في سله المهملات او صندوق القمامة وان ندور بقية الأشياء : أوراق الجرائد – علب الأكل المحفوظ، قشر البطيخ ولبه، بقايا الطعام، وكل شيء يمكن أعاده توظيفه! نحن أمام (مفكر) يريد إصلاح منظومة فسدت بفعل فاعل كانت تحكم المجتمع الدمنهوري – شأنه شأن المجتمعات التقليدية – إنه يرفض التبديد ويقدر نعمه الله ولكن الأمر تدهور – الآن وراح الأطفال ضحية الجريمة المنظمة التي تسمي أعياد الميلاد فيذكر أن كان زملاء حفيده في الفصل 25 و هذا يعني انه سيحضر 25 لعبة لزملائه في عيد ميلاد كل واحد منهم وهم بدورهم يفعلون الشيء نفسه فيصله في عيد ميلاده عدد مخيف من اللعب البلاستيكية الجاهزة الحالية فلا تنمي موهبة ولا خبره بل تمثل عبئا بيئياً كبيراً عند التخلص منها! ويضيف أنه عند عقد زفاف ابنى  عرفت انه سيتبقي الكثير من الطعام فذهبت إلى السيد المدير المسئول في الفندق وسألته عما سيحدث لبقايا مأدبة العشاء فأجابني بعجرفة غير عادية garbage اي قمامة فقلت له بهدوء شديد أني ضد التبذير وأنني سأحضر لك كراتين كبيرة وأواني وحللاً لأخذ ما تبقي لتوزيعه علي المحتاجين في المنطقة التي اسكن فيها، فنظر إلي بامتعاض شديد بحسباني شخصاً غير متحضر ولكنني أصررت علي موقفي فتحول الزفاف من لحظة تبديد وقمع الي لحظة تدوير ورخاء ومشاركة. ذلكم هو عبد الوهاب المسيرى! الذي وضع حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم نصب عينيه فعلا وتم تفعيل الحديث في الحقيقة والواقع [من كان عنده فضل ظهر فليعده به علي من لا ظهر له] صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم [فضل طعام، فضل ركاب، فضل أي شيء] والأمة العربية الإسلامية ترمي (خاصة بلاد النفط) ما تبقى من الطعام مهما كان حجمه فى  صناديق القمامة! ولقد أندهش الدكتور السفير (مراد هوفمان) وهو في زيارته لبيت الله الحرام من هول ما يري! وقال في نفسه الحمد لله الذي هداني إلي الإسلام قبل أن أرى هذه السلوكيات! وعبد الوهاب المسيري طالب الدكتوراه أمام لجنة المناقشة في جامعة كولومبيا بأمريكا  قدم نظريه (عبد القاهر الجرجاني) في النقد والبلاغة رغم انه لم يسأل عنها وموضوعه مسائل في الشعر الرومانتيكي الانجليزي ولكنه أصر علي أن يسمعهم نظريه النقد والبلاغة في الأدب العربي!! وقد سمعوا له ومنح الدكتوراه بامتياز! ذلكم (عبد الوهاب المسيري) الدمنهوري المصري المعتز بإسلامه وعقيدته وتراثه الأدبي والأخلاقي ولم لا؟ وهو الذي اصر علي يرتدي الجلباب أثناء تودعيه عائدا إلي بلدة. وكثيراً منا يخجل من أن يرتدي جلبابه وهو يقضي من السوق حاجاته!!.. الحياة بدون الصلاة والزكاة لا معني لها وكانت مفاهيم المجتمع التقليدي ترفض الرغبة في المتعة في حد ذاتها بدون هدف أخلاقي أو عملي! أما الآن فالفرح مثلاً أصبح هو اللحظة غير الإنسانية التي يتم فيها استعراض الثروة والتباهي بها وتزداد فيها حده الصراع الطبقي بعد أن كان اللحظة الإنسانية التي يتم فيها إسقاط الحدود الاجتماعية مؤقتاً ويتم فيها تقليل حدة الصراع الطبقي ليعبر الجميع عن إنسانيتهم المشتركة.

ويعد الدكتور المسيري أن (التراحم) كإطار مرجعي نهائي يظهر في موقف الفقراء من الزكاة فهم يعدونها حقاً، وهى حقا فعلا للفقراء قد أمر به رب العزة وفصله رسوله صلى الله عليه وسلم كما كانت كلمة الشرف في التجارة كلمة مرجعية نهائية!! ولما وقعنا في قبضة التعاقد خسرناً الثراء والدفء والسعادة! ويروي الدكتور المسيري قصة المرأة الأمريكية التي أرادت الخروج من بيتها فاستدعت أمها لتجلس مع طفلتها وعندما عادت أخرجت دفتر الشبكات لتعطي لامها شيكاً بقيمة عشر دولارات أجرا لها!! لقد ضيع مفهوم التعاقد مفهوم التراحم وكثيراً جدا ما نخرج من عالم التراحم إلى عالم التعاقد! وتتحول الأشياء من (كيف) إلي (كم) أي من قيمة إنسانية إلي قيمة محدده (ثمنيه) وأصبحنا نفض غلاف الهدية ونعرضها علي الملأ!!(ليعرف الناس جميعا وقيمة وتمن الهدية!!) أنك لا يمكن أن تري الأشياء بوضوح إلا من خلال القلب!! فكل الأمور الجوهرية غير مرئية وكل الأمور الجوهرية هي الأمور الإنسانية وما عدا ذلك فأمور طبيعية مادية.

كل ما أريد تأكيده هو أن المجتمعات التقليدية كانت تحتوي منظومات قيميه وجمالية لم يؤد تقويضها وتدميرها إلى مزيد من السعادة وأن الأشكال الحضارية الحديثة (عادة المستوردة) ليست الأشكال الحضارية الوحيدة بل هي أشكال أخرى قد تكون أكثر ثراءً وأكثر دفئا والاهم من هذا أنها قد تكون أكثر تجذراً وضياع مثل هذه الأشكال هو خسارة حقيقية. أن المشكلة التي تواجهنا هي:-

هل يمكن أن ندخل المستقبل ومعه ماضيناً، نحمله كهويه وذات، تحفظ لنا خصوصيتنا وتساعدنا علي أن نجد اتجاهنا لا كعبء يثقل كاهلنا؟

كانت جدتي نازلي – رحمها الله – تعد نفسها – في  السنوات الأخيرة من حياتها (المنزل العودة)! " تعبير يدل علي قمة الإيمان" فبدأت فى توزيع ما تبقي لها من أشياء الدنيا ومرة لمحت في دولابها الخشبي (المتهالك)" كأنه يتحدث عن أمي رحمها الله" قماش كفنها الأبيض والأخضر. ويمكن مقارنة ذلك بموقف الأمريكيين من الموت ورفضهم الشديد له وخوفهم العميق منه ويعتبر هذا علامة علي (عدم النضج ) ! " لاحظ هذه الكلمة جيداً. " ذقت طعم المرض والموت لا كمقولات مجردة وإنما كتجربة عشتها بنفسي وتعرضت للطب التعاقدي في أمريكا!! أنا الذي لم أعد أحداً في مرض إلا نادراً تعلمت أهمية أن يقف المرء إلي جوار الآخرين في لحظات الشدائد ومن السمات الأساسية في الحضارة الغربية الحديثة بل أهم سلبياتها النسبية المعرفية والأخلاقية ، أصبح الإنسان بلا مرجعية شخص غير قادر علي الحكم فالنسبية تنزع القداسة عن العالم وتجعل كل الأمور متساوية فالظلم مثل العدل. تآكلت المعايير الأخلاقية والاجتماعية  وترك الإنسان بلا معيارية (أي بلا مقاييس يحتكم إليها. أصبح للرجل عشيق لا عشيقة !! في بريطانيا أصبح للرجل عشيق! والزوجة والأولاد موافقون وسعداء !!! وأي تدخل سيكون إهداراً للحرية والحق في الاختيار وعلي المعترض أن يتحلي بسعة الأفق!! (مجتمعات ثرية يائسة) " تأمل هذه الجملة القصيرة " 35% من شباب أمريكا مصابون بأمراض نفسية الفنون أصيبت بالعفن وأصبحت تعني التحرر من الحدود الإنسانية ذاتها (نسمع من مدة طويلة عن المرأة المصرية التي تحاول جاهدة أن تطبق هذه الأفكار). وكنتيجة لأنكار الحدود باسم الحرية المطلقة والإبداع غير المتناهي (والكلام مهدي علي الجملة لرواد الحداثة وما بعد الحداثة من أمثال كمال أبو ديب و علي حرب ومحمد عابد الجابري ، محمد أركون ، وأحمد عبد المعطي حجازي وغيرهم ..)  زغلول.

هذه  بعض ملامح من رحلة الانتقال في الزمان والمكان والفكر ثم العودة إلي الجذور رحلة طويلة شاقة نتيجة تأمل طويل في الذات الإنسانية وفي الكون واقتناع (بفشل النموذج المادي في تفسير ظاهرة الإنسان وإدراك لاهية البعد الديني من حياة الإنسان )

إن اعتراف الدكتور (عبد الوهاب المسيري) بفشل النموذج المادي اعتراف يضعه في القمة بين أبناء عصره وجيله وبلا منازع  ، بل هو بهذا الاعتراف يؤكد براعته كباحث وأستاذتيه كعالم. لقد استطاع الدكتور عمر شريف بمنهجية رائدة أن يجعلنا نعيش مع الدكتور (عبد الوهاب المسيري) لحظات تأمله وقلقه وحيرته وتساؤلاته. خطونا معه خطواته الأولي في التعليم الإلزامي ثم الثانوي ودخلنا معه جامعة الإسكندرية وزرنا معه مكتبة البلدية والتي عرفها جيل الرواد من أدباء البحيرة مثل الأستاذ محمد عبد الحليم عبدالله ، الأستاذ سعد الدين وهبه ، الأستاذ أمين يوسف غراب وغيرهم. زرنا معه مكتبة البلدية وتعرفنا علي ملامح المجتمع الدمنهوري كمجتمع تقليدي وعرفنا عن قرب صنعة الأب والجد وكيفية التعامل مع من فوقهم من البشر ، ومن هم دونهم كذلك. تعرفنا علي ملامح الزمن الجميل الذي مضي ولم يبق منه إلا رائحته تشمها في الآباء أو الأجداد.

كم تمنيت في قراره نفسي وأنا أعرض لهذا الكتاب الجميل الأخاذ أن يكون عبد الوهاب المسيري لا يزال حياً حتى أقول له ما قاله سفير السويد السابق بالمغرب للصحفي السويسري الأشهر (روجيه دي باسكويه أو سيدي عبد الكريم حالياً ) قال فى معرض حديثه معه:

الإسلام هو الطريق الحقيقي للمفكر الأوروبي وهو بهذا يؤكد ما قاله الدكتور (عبد الوهاب المسيرى) بفشل إلا نموذج المادي وأهمية البعد الديني في حياة الإنسان.لقد سقطت النماذج كلها إلا النموذج المعرفي المستمد والقائم علي القرآن الكريم والسنة المطهرة نموذج معرفي متكامل بذاته نموذج حضاري فعلا.

        بقى لنا أن نعرض الإيمان العقلاني الذي أكد لنا الدكتور عبد الوهاب انه أساس إيمانه بل زاد في وصفة وقال (يمكن أن يوصف بأنه جاف) وقال أيضاً ( انه لا يشعر بشيء يشبه شعور الصوفية ولا ينفعل دينيا الا نادراً)!

ما عرضنا هو كلام الدكتور المسيرى فلا كلمة واحدة تخص الباحث ولا تخصنى ألا واشارنا إليها من قبل فالمتحدث هو الدكتور عبد الوهاب المسيرى الذى أجبرنا على :

أولا: فحص معرفتنا

ثانيا: التوقف عن الهزل

ثالثا: أن نعتبر

        أن الأمم من حولنا تسقط ولكن أننا كأمة نذبل لأننا الأمة التى أراد الله لها أن تكون الأمة ألشاهده على الأمم .سقطت كل النماذج المعرفية المادية ولم يبقى إلا النموذج القائم على الأخلاق والمستمد من كتاب الله وسنه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم انهم يبحثون ألان عن تفعيل المفهوم الاخلاقى فى كافة الأنشطة [سياسية – اقتصادية –اجتماعية الخ ..] تأسيسا لما قاله سيد المرسلين [إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ]

سنحاول الآن أن نتكلم عن سبب الهزة النفسية التى أصابت الدكتور عبد الوهاب قبل إداركه لثنائية الإنسان وقد يختلف البعض معى بخصوصه والاختلاف أمر قائم بين عباد الله مادامت السموات والأرض والى ان يرث الله الأرض ومن عليها.

        عاش عبد الوهاب المسيرى في بيئه برجوازيه متدينة شأنه في ذلك شان معظم الناس فى الدلتا يعلمون بالزراعة بشكل عام والبعض منهم يعمل بالتجارة وهم قلة باستثناء مدينة دمنهور والتى عرفت بالتجارة من قديم.

ويقول فى سيرته الغير ذاتية أنه [ جوّد القران ] وهذه نتيجة البيئة الدينية التى نشأ فيها عبد الوهاب المسيرى ولقد ذكر الدكتور [ نظمى لوقا ] وهو من أبناء دمنهور أن والده أصر على تعليمه العربية الفصحى من خلال حفظه للقرآن الكريم عن طريق محفظ الكتاب.

        وقد تعرضت الأمة فى أوائل عشرينات القرن الماضي لهجمه شرسة قامت بها الدول الاستعمارية الكبرى حينذاك لتنفيذ مخطط نهب وسلب ثروات الأمم ومنها الأمة الإسلامية وقسمت الدول الإسلامية بين الطامعين منذ غزاها الصليبي بونابرت ثم رحل عنها بعد معاناة طويلة لترسيخ قدم فرنسا إلا انه رحل بعد أن نهب خلال ثلاث سنوات ما أراد ان ينهبه وترك من الذيول ما ترك ثم جاء الاحتلال البريطاني عام 1882م ليرحل 1956!! وبعد كفاح مرير اندحر إلى غير رجعه ولكن ما خلفه لنا أصاب الأمة بحالة من الدوار نعانى منها حتى الان وسنظل نعانى منها طويلا وقد عاش عبد الوهاب المسيرى المولود 1938 الأيام الصعبة التى عاشها كل فرد فى الأمه المصرية حتى الجلاء الذى تم فى 1956 ثم تعرض الأمة إلى مرحلة أخرى من الانتكاسات توجت بكارثة 1967 كما يسميها – وأفاق الجميع على انهيار عظيم قذف بالأمة إلى عرض الشارع و اطاح بالعقول وهزم النفوس وضاع الحلم!!

وقد كانت بداية العشرينات من القرن الماضى قد خلفت أسوأ ما يقدم لامه فى تاريخها [أفكار فرويد ، نظريات أوجست كومت ، فلسفات هيجل ونيتشه وماركس] وكل الأعمال الأدبية التى تستند إلى هذه الفلسفات التى تعتمد على الفكر المادي أولا وأخيرا ، فظهرت مجموعة من الكتاب عرضت لهذه الأفكار على أنها السبيل الوحيد للتقدم ولأن تلحق الأمة بركب الحضارة!! وراح الأعلام من الكتاب حينذاك يرجون لكل هذه الأفكار ويقطعون ألاف الأميال بحرا وجوا للتعرف على تلك الثقافات في إصولها وكانت السنوات الأولى   من عشرينات القرن الماضى قد شهدت مولد كتاب [ الغربال ] لميخائيل نعيمه وكتاب [الديوان] للعقاد و المازني وكلاهما كان هجوما حاداً على الأدب والفكر العربى والتغنى بالأدب والفكر الغربى حيث صار[ ت.س اليوت ] أحب إلى القارئ من [ المتنبى ] !! انبهار وانكسار ويسميها الدكتور عبد العزيز حموده [ ثقافة الشرخ ]! تماما كما حدث مع [ رفاعة الطهطاوى ] وجاء مصر بعد رحلة لفرنسا ثلاث سنوات ليلقب بعدها برائد النهضة الحديثة !!! انبهار وإنكسار ! لا قبله ولا بعده!! لقد أطلق الدكتور حسين فوزى النجار على الشيخ رفاعة هذا اللقب[ رائد النهضة الحديثة ] !! سبحان الله العلى العظيم وهل تكفى ثلاث سنوات ليكون الشيخ رفاعة رائدا للنهضة الحديثة ؟ أم هو الاستعمار !؟ أزمة ثقافية متراكمة هذا هو المناخ الذى عاش فيه عبد الوهاب المسيرى وعاشه أيضا الكثير من أدباء هذه الفترة [ عشرينات القرن الماضى ] إلى أيامنا هذه قلق فكرى مستمر  لقد أرهقونا وزيفوا التاريخ وزوروه وافسدوا العقول والجسوم. وساعدهم الذيول والادمغه الفاسدة التى روجت لنظرياتهم والإعلام الذى مهد لهذه الامور تمهيدا وسهل لها الطرق تسهيلا حتى أصبحت فى متناول الفرد العادى.

        أفكار العبث واللامعقول ، التنوير ، التطور ، الطبيعة الفاعلة ، البعد الواحد للإنسان ، التدين خطوة للوراء ، الحضارة تعنى التقنية ، وقد روج لها – مع الأسف – من الاعلام ما يصعب حصره فى أسماء محدودة بالذات وتلك مصيبة أخرى تضاف للأولى وتدعمها !!

        ومما يلفت النظر قول الدكتور عبد الوهاب المسيرى إنه سأل كبار رجال الثقافة فى مصر أين الطريق فقالوله : كن صوره من الغرب !! وعاد الرجل الى همه وغمه ! لا يجد من يقول له : الطريق من هنا ! ووقع كغيره فريسة للإفساد العام !

        واذكر أن الكاتب توفيق الحكيم أقام الدنيا وأقعدها يوم أن زار مصر جان بول سارتر ورفيقته [عشيقته] وأخرجت وزارة الثقافة حينذاك مئات الموضوعات عن سارتر الملحد وعشيقته سيمون دى بوفوار !!ولما جاء [روجيه جارودى] واستقبله الأستاذ سعد الدين وهبه رحمه الله لم يجد أحدا يحتفل به إلا القليل فقد كان أن أعلن أسلامه كما أعلن حربه على اليهود فى الوقت الذى يكتب فيه توفيق الحكيم يا طالع الشجرة من أدب اللامعقول !

                أزمة ثقافية متراكمة

        هذا هو الجو الذى كان يتنفسه الدكتور عبد الوهاب المسيرى ! جو ثقافى خانق بليد  ويقول الدكتور المسيرى انه التقى نجيب محفوظ مرة واحدة فى حياته ووجده نموذجا صارخا للمادية الجدلية !! وقال أيضا أن توفيق الحكيم كان يرى هو والدكتور حسين فوزى النجار وآخرين أن :

[ الأ نموذج الصهيونى يستحق أن يحتذى!!]

رحلة ع.المسيرى [ص 397]

أن واقعنا من أوائل عشرينيات القرن الماضى حتى الان مشحون بالتخلف والعجز فمن أين يكونّ الفرد مجموعة معارفه ، إذا كانت الرموز الكبيرة أو من نحسبهم كذلك على هذا النحو من الضياع !!! هذا هو الجو الثقافى ( مع الاعتذار الشديد للثقافة ) الذى كان يتنفسه المسيرى ومن هم فى عمره حينذاك. قلق اضطراب تشويش. بعثرة للمفاهيم. تشكيك. تهميش ويكتب إسماعيل مظهر عن دارون ، ويشجع أفكاره ، ويكتب سلامة موسى عن كل المفاليت من كتاب الغرب ويعتبرهم الأساتذه وينشر له كتابه الشاذ   [هؤلاء علمونى] الذى كان سببا فى تضيع العقول وإفساد الناس ومن قبله كتب كثيرة يصعب حصرها الان نذكر منها [الغربال] لميخائيل نعيمه ،[الديوان] لعباس العقاد والمازنى و[ فى الشعر الجاهلى] لطه حسين بل معظم كتبه ، و[ أصول الحكم فى الإسلام] للشيخ على عبد الرازق ، [ بلوتولاند : قصائد من شعر الخاصة للويس عوض ] ،        [من هنا نبدأ] لخالد محمد خالد! فى حين قامت الدنيا ولم تقعد حتى اخرج الدكتور         [ نظمى لوقا] كتابيه (محمد الرسالة والرسول) ،( أبو بكر حوارى محمد)، وأخيرا قبل رحليه كتابه (أنا والإسلام..) وهى كتبا جاده لا هزل فيها و[الدكتور نظمى لوقا] قيمة أدبية كبرى وأستاذاً جامعياً له مكانته المرموقة مات مقهوراً مظلوماً

        جو ثقافى مشحون بالتخلف والعجز

لقد أطلت  فى بيان : لماذا تحير عبد الوهاب المسيرى ؟!

والسؤال : هل الجو الذى عاشه عبد الوهاب وغيره مناسب ليرد على تساؤلاته؟! أم انه جو يبعث عن الحيرة أصلا !! ويمكن الرجوع إلى كتاب [ رسالة فى الطريق إلى ثقافتنا ]    للعلامة محمود محمد شاكر ليقرأ ما تعرض العقل المسلم خلال هذه المدة منذ أن غزا الصليبى بونابرت مصر عام 1798م و الذى يعتبره بعض المرده فتحا مبينا !! كل هذا ناتج من عدم وجود [المعيار] أو [المعيارية] كما يسميها الدكتور المسيرى.أين الصواب وأين الخطأ ؟! لذا كانت أسئلة المسيرى مثيرة ومحيرة حيرته هو أولاً! رحمه الله رحمه واسعة وتقبله فى الصالحين.وكانت رحلة المسيرى من دمنهور إلى الإسكندرية ثم كولومبيا بأمريكا مروراً بلندن ، رحلة قاسية للغاية . ذهب إلى هناك ولا تزال أسئلته عن [ الله – الكون- الإنسان ] تعمل عملها فى قلبه ونفسه !! مشكلة المشاكل أن يتعرض الفرد الى ما تعرض له عبد الوهاب المسيرى من ضغوط نفسية وأخرى اجتماعية كادت تعصف به فى كثير من الأحيان لولا لطف الله بهذا العبد الذى شاء له ربه أن يعود إليه  [بكلمة التوحيد]

        وبعد أن بينا سبب الهزة النفسية التى عبر عنها عبد الوهاب المسيرى بالحيرة والتسأولات – وذلك طبقا لما نفهمه ونعتقده - نحاول التعرف الان على ما هو أكثر دلالة على [ عمق إيمان عبد الوهاب المسيرى ] وهى كلمة [ منزل العودة ] حدثنا عبد الوهاب عن جدته نازلى وكيف إنها كانت تعد العدة [لمنزل العودة] ومنزل العودة بعد الحياة هى  [الدار الآخرة] تعبير جميل يدل على عمق الإيمان بالآخرة ، والإيمان بالآخرة قضية إيمانية كبرى لان هناك من يعيش فى اليوم الآخر دائما ، ذكرى ، وتحسباً ، ومحاسبة لنفسه ، وصوغا لحياته كلها ويقبل على الأخرة إقبال من لا يرى غيرها وكان عبد الوهاب المسيرى يرى جدته نازلى تعد[ منزل العودة] فتتخلص من أشياء الدنيا وتجهز للآخرة تجهز الكفن الأبيض و الأخضر – لا تحتاج إلاً إليهما ولفترة قصيرة جدا - وتضعهما فى مكانهما من دولابها الخشبى المتواضع المتهالك. هذه الصورة التى طبعت فى ذهن عبد الوهاب المسيرى انه مهما عاش فلابد انه راحل! صورة لا يمكن أن تسقطها الذاكرة. وكانت [ تجربة المرض] مع فكرة إعداد [منزل العودة] هى الطريق الممهدة للبدء فى فحص المعرفة بجدية فسقط الأنموذج المادى فى أول اختبار! سقط الدكتور الأمريكي فى إخباره بموعد الوفاة كما سقط من قبل مشروع التعاقد معه !! وبـدأت مرحـلة [الوعى بالموت] اكبر حقيقة فى حياة البشر. وينكرها من ينكرها ولكنها حقيقة ماثلة أمام عينى كل فرد منا ينكرها الا نموذج المادى ولكنها واقعة! لا حل مع الموت ! ويوم أن صعد جاجارين إلى الفضاء عاد يقول أين هو الله فصفق له خرتشوف وعندما اعطى هدية جميلة نطق قائلا : الله !! كم هى جميلة !!

        أن تجربة المرض والوعى بالموت وفكرة منزل العودة محطات رئيسية فى حياة الدكتور عبد الوهاب المسيرى أنها بدايات الإحساس المتزايد بضرورة تبنى نماذج تحليليه مركبة متعددة الأبعاد والمستويات. لقد أحس الرجل بكارثه تزيف الواقع والتركيز الهائل على لحظات الهبوط فى حياة الفرد ومحاولة إثبات إنها الواقع الحقيقى نعم أنها واقع ولكنها الواقع المزور المزيف ! أن اللحظة المقابلة هى لحظة التسامي ، فلحظة الهبوط وكذلك لحظة التسامى هما [ قبضة الطين ، ونفخة الروح ]

        هل يمكن أن نثبت احدهما وننكر الأخرى ؟!

هكذا تعامل الغرب مع إرادة الخالق ؟! الغرب الذى أراد أن يخالف الخالق فى إرادته وشأنه فعاش الوهم الذى جره إلى الضلال والإفساد الذى وصل غايته دون شك فكانٍ لابد ان تسقط المفاهيم الأحادية وينتصر مبدأ الثنائية وهى النتيجـة التـى وصـل الدكتور [عبد الوهاب المسيرى] بعد قلقه وحيرته وتساؤلاته الذى لم تستطيع ثقافة الشرخ ان تجيبه عليها !

        أن اللوثة العقلية التى أصابت عقل الأمه فى أوائل عشرينات القرن الماضى جعلت الدكتور عبد الوهاب المسيرى فى حيره وتضاعفت حيرته أيام البعثة أيضا إلى أن أراد الله سبحانه وتعالى أن يغمر قلبه بالإيمان برفضه للا نموذج المادى ووضعه فى اقرب صندوق للمهملات ولا نقول القمامة.

 ويقول الدكتور [ عبد الوهاب المسيرى] ما نصه :

[ببساطة شديدة : أدركت أن التقدم الغربى هو ثمرة نهب العالم الثالث وان الحداثة الغربية لا يمكن فصلها عن عملية النهب هذه وان نهضة الغرب تمت على حساب العالم بأسره] كتاب رحلة عبد الوهاب المسيرى ص179

        وهو يتفق مع الأستاذ الكبير [ روجيه جارودى ] فى وصفه للحضارة الغربية بأنها [ حضارة خلقت قبرا يكفى لدفن العالم ] وهو اسم لكتاب صدر عن دار الشروق بمصر بعنوان : حفارو القبور! ولقد صدق الفيلسوف الكبير روجيه جارودى كما صدق فى الكثير من أقواله.

ومن الغريب أننا هنا فى مصر المحروسة كنا نرحب بالفيلسوف جارودى أيام ماركسيتيه ويوم إن رمى بالأنموذج المادى من نافذته ليسقط فى صندوق القمامة أنكره أبناء السيرك النهضوى فى بلادنا المسلمة العربية كلها ! ماعدا قلة قليلة على رأسها الأستاذ الكبير الدكتور عبد الصبور شاهين رحمه الله.

ويتحسر الدكتـور [عبد الوهاب المسـيرى] على مقابلـه إنتاجـه بالتجاهل التـام إلا من قلة قليلة أشادت بأعماله ويذكـر أن صحافتنـا قامت بالحـديث عن كتاب [ نهاية التاريخ لفوكوياما]  وأهملنا كتابه الرائع تحت هذا الاسم قبل كتابة [ فوكوياما ] بسنوات !!

 ( سبحان الله العلى العظيم ) إنها القابلية للاستعمار ! كما قال [ مالك بن نبى ] فـى [كتابة الظاهرة القرآنية] الذى ترجمه الدكتور عبد الصبور شاهين فى أوائل الخمسينات من القرن الماضي وقدم له العلامة محمود شاكـر رحمـه الله رحمـه واسعة. نعم القابلية للاستعمار التى جعلت من فرويد وادلر ودروان وكونت وسارتر ونيتشه نماذج يحتذي بهم وقدم [إبليس الأكبر] إلى الأمه فى أوائـل عشرينيـات القرن الماضى ، كما قـدم [الابالسه الصغار] الكثير الكثير من هذه النماذج حتى فسدت الأذواق والضمائر وانكسرت الهمم وانكسرت معها منظومة القيم العليا. أن قصة الابالسه الصغار طويله طويله وقصة زعيمهم أطول واغرب ولا مجال لذكرها هنا.

وفى هذا المقام لابد أن نشير إلى أن الآداب الغربية لها قاعدة ترتكز عليها بخلاف قاعدتنا نحن وهذا ما أشار إليه الدكتور عبد الوهاب. لابد من قاعدة فكرية تقوم عليها الأعمال الأدبية والفكرية وكل النشاطات وإلا يكون المجتمع فاقداً للخصوصية التى تميزه عن غيره من المجتمعات. وفى هذا يقول الفليسوف جارودى :

[كشف عام 1992 عن الفشل المزدوج للحضارة الغربية فى نموذجها السوفيتى الذى قاد إلى نظام تعسفى ، وفى نموذجها الأمريكي الذى أعادنا إلى الغابة ] من كتابه حفارو القبور ص 88         

        أذن نحن أمام نماذج فاشلة باعتراف صريح من كاتب عظيم له وزنه فى العالم أجمع ولكن بعض العقول فى عالمنا الإسلامى الكبير لا تزال متعلقه بالوهم الكبير الذى اسمه الراسماليه !ولا تعتبر بالذى حدث لإختها الاشتراكية أو الماركسية على حد سواء وقد سلم وثيقة سقوطها [ جورباتشوف] قبل سنوات طويلة !

وما يقوله [ الفليسوف جارودى ] أيضا قريب جدا من ما يقوله [عبد الوهاب المسيرى] يقول : [.. حداثة فن البوب والرسم الحديث والموجه الحديثه والراوية الحديثة وأيضا الفلسفة الحديثة التى تتصف بانعدام الفلسفة – تعمل على محق إنسانية الإنسان فى كل مجالات الثقافة. أصبح هذا التغييب للإنسانية هو المعيار المهم للحداثة] ص 83 من حفارو القبور

وهنا يلتقى الفليسوف الفرنسى [ روجيه جارودى ] مـع الفليسوف المصرى [عبدالوهاب المسيرى] يقول الأول :[ لقد أصبح التغييب للإنسانية هو المعيار المهم للحداثة] ويقول الثانى: [العولمة=ما بعد الحداثة=النظام العالمى الجديد=عالم بلا أساس ولا مركز عالم سائل لا قوام له].

        هل يفهم رواد الحداثة وما بعد الحداثة أم على قلوب إقفالها ؟

وبالمناسبة قد صدر من أيام كتاب [ انهيار الراسماليه ] ضمن سلسلة عالم المعرفة التى تصدرها دولة الكويت، وهو مجموعة مقالات للصحفى الالمانى [ اولريش شيفر ] والذي يذكر فيه [إن مستقبل النظام الرأسمالى يتوقف على التغير الذي سيطرأ على الأخلاقية السائدة فى المجتمع وعلى الجميع إدراك أن مبدأ المسئولية الاجتماعية لا يقل أهمية عن مبدأ السوق الحرة أما أذا تجاهل المجتمع هذه الحقيقة فأن اقتصاد السوق معرض للمصير نفسه الذى تعرضت له الأشتراكية: الأنهيار و الأختفاء من الوجود] ص439 من كتاب أنهيار الرأسمالية

        وفى محاولتى لإنهاء هذه الكلمة عن الفيلسوف[ عبد الوهاب المسيرى] أجد صعوبة بالغة أن اكف عن الحديث خاصة بعد أن أدخلت معه فليسوف آخر يحترم العقل ولا يعبده هو روجيه جارودى. ولكن لابد للحديث أن ينتهى بالتصور الذى أوضحه لنا الفليسوف عبد الوهاب المسيرى للخروج من هذا النفق المظلم يقول رحمه الله :

        إن المطلوب هو حداثة جديدة:

-       تبنى العلم والتكنولوجيا ولا تضرب بالقيم الإنسانية عرض الحائط

-       تنمى وجودنا المادى ولا تنكر الأبعاد الروحية لهذا الوجود

-       تحيى العقل ولا تميت القلب

-       تعيش الحاضر ولا تنكر التراث

وهى مسألة ولاشك صعبة ولكن ليست مستحيلة من اجل التقدم نحو هذه الحداثة البديلة ينبغى :

أولا : فصل الحداثه البديلة عن الاستهلاكية وعن مفهوم التقدم المادى وربطها بمفهوم الطبيعة الإنسانية المشتركة بحيث يمكننا ان نحدد هدفاً للحداثة غير الإنتاج والاستهلاك.

ثانيا : توسيع مفهوم التقدم بحيث يضم المادى والملموس وكذلك المعنوى والروحى.

ثالثا : ان نعيد تحديد معدلات الإستهلاك فى إطار احتياجات البشر المادية والمعنوية وليس مجرد زيادة الإستهلاك.

بهذه الطريقة قد يمكننا أن نحقق مشروع الحداثة البديل وان نحقق التقدم دون ان نفقد أتزاننا ودون أن ندمر الكون.من كتاب رحله عبد الوهاب المسيرى [ ص 214-215]

        بقى لى إن اعترف أن الدكتور عمر عبد المنعم شريف أستاذ الجراحة بكلية طب عين شمس استطاع أن يقدم لنا فكر الفيلسوف [عبد الوهاب المسيرى] فى اختيار نحسده عليها نعم، ومن خلال منهج فريد قدمه فى بساطه شديدة تشعرك انك أمام ملكه ناقدة تستطيع – بعون الله – أن تكشـف خبايا النفس الإنسانية مستعينة بما تملكه من طاقة إيمانيه نراها بوضوح فى حصاد الرحلة. لقد قـام الدكتـور عمـرو بتحليل الواقع وبين لنا معالم الا نموذج الايمانى فى اختياراته الموفقه من كتاب[ رحلتى الفكرية فى البذور والجذور والثمر سيرة غير ذاتيه غير موضوعيه] للفيلسوف [عبد الوهاب المسيرى] الذى أمتعنا بكل كلمة كتبها. رحم الله الدكتور عبد الوهاب المسيرى رحمه واسعة وألحقنا به فى الصالحين والحمد لله رب العالمين.

زغلول عبد الحليم