الدّراية ثورة في الفكر الدّيني

جميل السلحوت

جميل السلحوت

[email protected]

صدر للمفكّر الاسلامي عثمان صالحية  كتاب "الدّراية-الفريضة المصيريّة الغائبة في التّراث- الشّفاعة أنموذجا مفصّلا" نهاية العام 2014 ويقع في 504 صفحات من الحجم الكبير.

والدّراية حسب المؤلف تعني"دراسة المتون للوقوف على صدقها قبل مراجعة الرّوايات للوقوف على صحّتها"ص6.

والقارئ لهذا الكتاب سيجد أنّه مبنيّ على أن لا مقدّس في الاسلام إلا القرآن الكريم، والسّنّة النّبويّة الصّحيحة الشّريفة" وبالتّالي فلا قداسة لآراء الأقدمين واجتهاداتهم، فهم بشر يصيبون ويخطئون، وبالتّأكيد فإن آراءهم ليست كلّها صحيحة، تماما مثلما أنّها ليست كلّها خاطئة.

ومن البديهيات أنّ الدّين الصّحيح لا يتناقض مع العلم الصّحيح ولا مع العقل السّليم. وهذا الكتاب يشكّل ثورة دينيّة حقيقيّة تنسف بالأدلّة الشّرعيّة والمنطق والعقل والعلم الخرافات والخزعبلات والأساطير التي تضمّنتها الكتب الاسلاميّة، والّتي كانت واحدة من أسباب ابتعاد الشّباب المسلمين عن الدّين، وفتحت الأبواب مشرّعة لمهاجمة الفكر الدّيني.

ومعروف أنّ هناك الكثير من الأحاديث الموضوعة، ومن التّفاسير الخاطئة للآيات القرآنية ومن الاسرائيليات الموجودة في آلاف الكتب الدّينيّة، وجزء منها أكاذيب اختلقتها الجماعات الدينيّة المختلفة لخدمة أهدافها وفي محاولاتها لاستقطاب عامّة المسلمين لجانبها. كما أنّ مراحل الجهل المختلفة جعل بعض من يدّعون الفكر والاجتهاد في مراحل مختلفة يؤمنون ويسجّلون خرافات وأساطير سمعوها أو قرأوها وكأنّها نصوص دينيّة.

والكاتب الذي أشغل علمه وفكره سنوات طويلة استعمل النّص القرآنيّ والعقل والعلوم لنسف كلّ الخرافات و"الفتاوي" التي تتعارض والنّص القرآنيّ المقدّس، واذا كان الرّسول الكريم صلى الله عليه وسلم {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى}  {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} فإنه يستحيل أن يقول شيئا يتعارض مع القرآن الكريم، وإن وجدت هكذا أحاديث - وهي موجودة فعلا في بعض الكتب- فهذا يعني أنّها موضوعة.

 والقارئ لهذا الكتاب سيجد أنّه أمام ثورة فكريّة حقيقيّة غير مسبوقة من المفكّرين الاسلاميّين الذين اعتادوا تقديس كلّ ما هو قديم، وهذا يعني أنّهم قد جمّدوا العقل والعلم، وأغلقوا باب الاجتهاد، ولم يعيشوا عصرهم. وهذه واحدة من أسباب تخلّف الفكر الدّيني، بل وتخلّف الأمّة الاسلاميّة.

ولو انتبهنا إلى تصرّفات وأفعال بعض الجماعات "الاسلامية" المعاصرة، الّتي أثارت وتثير ردود فعل سلبيّة واسعة بين المسلمين وغير المسلمين، فإنّنا سنجد أنّها اعتمدت على "آراء وفتاوي" لأشخاص عاشوا في مراحل سابقة، لكنّهم لم يفهموا مرحلتهم ولم يواكبوا التّقدّم الحضاريّ والعلميّ، وبالتّالي فإن أخطاءهم بائنة لذوي العلم والعقول، ومن يتمسّكون بهذه الأخطاء هم من جعلوا الأمّة الاسلاميّة أضحوكة بين الأمم.

وإذا ما استعمل المرء المطّلع والواعي لدينه عقله وفهمه الصّحيح للنّص القرآنيّ وللسنّة النبويّة الصّحيحة - وهذا أمر مطلوب- فإنّه يستطيع التّمييز بين الفكر والفهم الصحيحين، وبين روايات الخرافة والخزعبلات التي تنفّر ذوي العقول مسلمين وغير مسلمين من الدّين. ومن البديهيّات في التفكير أن من يأخذون "الآراء والفتاوي القديمة" لم ينتبهوا إلى أنّ أصحاب هذه الأفكار مجرّد بشر عاديّين يصيبون ويخطؤون وليسوا معصومين. فهل يحرم على المسلم المعاصر أن يفكّر وأن يتعلّم وأن يجتهد وأن يكون صاحب رأي؟

 ومع الأسف فإنّ "مقدّسي" ذوي الرّأي من الأقدمين، ليسوا على استعداد لاشغال عقولهم والتّفكّر والتفكير بمدى صّحة تلك الأفاكار أو عدمها، وبالتّالي فإنهم يعادون صاحب هذا المؤلّف القيّم بناء على ما ورد في كتابه، بل إنّهم يكفّرونه ويتّهمونه بالرّدّة! وهذا تكريس لسياسة الجهل والتّكفير التي مزّقت أوصال المسلمين. وليتهم يقارعون الحجّة بمثلها.

يبقى أن نقول أنّ هذا الكتاب جدير بالقراءة والتّعميم، لما يحويه من فكر مستنير يخرج الأمّة من الظلمات إلى النّور. ومهما كُتب عن هذا المؤَلَّف فإنه لا يغني عن قراءته والتفكير بما جاء فيه.

وهذا رابط الكتاب الألكترونيّ لمن يريد الاستزادة

http://www.dirayabook.com/