ألم الورق

كمال حسن زكي

كمال حسن زكي

الورق حزين.....يخشى من القلم

و لا يخاف السكين

أمن عدل يهاب؟

 أم من الكاذبين؟

من تحت الركام ..ومن شدة الآلام ... صرخ الورق

وشق حاجز الصمت و اخترق

شاكيا ما أصابه من قلق ..أمّ الحكماء ... وهو مخضب  بالدماء

الخضراء و الزرقاء ....الحمراء و السوداء

كاشفاً ما أصابه من بلاء ... في زمن الكذب و الرّياء

قال أيها الحكيم داويني ... وادعو لي الله تعالى أن يعافيني

الأحبار تؤذيني ....و الأقلام بيد اللئام تمزقني و تدميني

إنها تخطو فوقي بقوة....و تمزّق أليافي بقسوة

أوعظه يا حكيم ..أن يمشي الهوينة و يستقيم

جلس الحكيم يعالج الورق ..فحصه بعمق و صدق

بعد  ذلك وقف تائها حيران..من زمن الطغيان

الذي طغى عليه الإنسان 

من الذين فقدوا الضمير و الوجدان

عرف الحكيم أن هذا  الدّاء ...ليس له دواء... .إن بقيت آلامه على هذا الرياء... فلن يكون لها شفاء

فجلس يفكر و هو مستاء

انتبه الورق للحكيم ....وظنّ فيه الظنون

تسائل في نفسه هل أصابه الجنون لأنه صار يعبث في شعره و يصفق

فقال في سرّه هل استقال من الحكمة وعاد يلفّق

الورق لا يعلم أنّ الحكيم بدأ يتلعثم....ومن هول الموضوع يتألم

قال له :أتيت حكيما يداويني....ومن ذلك اللئيم يأخذني و يخفيني

أراه أمامي قد ضاع ...وأصابه مسّ من صراع

إذاً كيف له سوف أنصاع؟

قال الحكيم : عليك بالصبر... ينجلي بعد ذلك الأمر

ردّ الورق أرجوك أيها الحكيم.... عالجني من هذا القهر

قال الحكيم:  إن لم تكن صبوراً.. سوف تبقى مقهوراً ..مظلوماً مدحوراً

بين ناكر و منكور

إنه يا ورق يعيش في فجور

فاصبر الصبر الجميل ...لأّنّه جاهل بخيل

ولن أدعك يا  ورق عليل

لأنّك رقيق جداً وهو فظّ ضليل

لقد أمسيت يا قرطاس... بين فاقدين الإحساس

تحت أرجلهم مداس... بعدما كنت للفكر أساس

فصرخ الورق بالحكيم.... اسكت أيها اللئيم

أنا لاأشكو من أحد

سوى من الكذب والقلم..منهم فقط أشكو الحرقة و الألم

قال الحكيم:أنت لا تعرف من انشقّ عن الحق وفرّق

اللئيم هو وليس القلم

 سأكتب لك علاجاً مؤقتاً

يسوي لك هذا الإعوج

أولاً: أن تكون لمسح الأيادي ولفّ السندويش

خير لك من كتابة منافق و شّيش

ثانياً:اجعل وجودك في البيوت والمطاعم

ولا يكتب عليك كذوب مرائي ظالم

ثالثاً:أن تكون بين النّاس للمسح هناك و الأيادي

ولا يكتب عليك هنا في بلادي

هذا هو الدّواء الشافي

استعمله و لن تذهب بعد ذلك للمشافي

نهض مستنكراً الورق ...و قال دكتور قلبي احترق

علاجاً ليس فيه شفاء

 وسوف يبفى فيني هذا الدّاء

هل تعلم مكان فيه نبلاء؟

ابعثني إليهم ولك الولاء

أرجوك أن توصف لي ذلك

وأن تكتب دون كذلك

وإن تعثُرعليك ذلك

غير هذه الكذالك

واذهب لحكيم العيون....لترى صحيح...وتبعد عني الظنون

وانتبه لنفسك...أن تعود مجنون

اجعل كلامك مريح...ولو كان فيه تجريح

إن كان صادقاً سيكون مريح

قال الحكيم:أنا أعلم من أين يأتيك الألم

إنّه منه وليس من القلم

لأنّ القلم جاء  قبلك يشكو الحرقة والألم

إنّه بين أصابعه يُعتَصَر...ويذرف دمعاً كالمطر

دموع سوداء...تسقط فوق ورقة بيضاء....كان فيها طهر ونقاء

فتشوهت بالكذب و الرّياء

يالها من صدفة...ومجيء القلم على غفلة

قال الطبيب :أيها القلم الحبيب..اسمع ما يقوله القرطاس

إنه يشكو منك لا من الناس..سامحه يا قلم

سيأتي اليوم الذي يعرف فيه الحقيقة

ويرى أنَ ألمه ليس منك وإنّما هذه من الخليقة

وحين ينتبه لذلك الصعلوك ..الذي يسيّرك فوقه كالمكوك

لقد قلت له أن لا يشكو منك... ولا يزيد في همّك

ولكنه رقيق...سريعاً يشتعل فيه الحريق

مطفأ لون البريق...باحثاً عن صديق

وأنا أراكم شقيقاً و شقيق....عليكم أن تتّحدوا و تطفئوا هذا الحريق

فلا يبقى بعد اليوم لا كذب و لا غشّ ولا تلفيق

فيا أيها الورق و القرطاس....صبراً على هؤلاء الناس...أهل الوسواس الخناس

سوف أعيدكم للفكر...و أحرّركم من أيادي العهر و الكفر

وسأجعل من يتشوّق لكم

اذهبا إليه ناصحين....وقولا له في رقّة ولين

دع بياض الورق ناصعاً....وإن كتبت كن صادقاً

دع قلمك حرّاً طليقاً...ينير لنا ظلمة الطريق

لا تخجل لو نقدت الصديق

بعيداً كان أو شقيق.... اسكب الماء في الحريق..ابعث في الموت شهيق