إلى الأدباء

محمد أحمد محمد السالمي

يا معشرَ الكُتَّاب والشعراءِ   وطوائفَ البلغاء والفصحاءِ

الله جلَّ جلالهُ قد خَصَّكمْ  بجميلِ تِبيانٍ عن الأشياءِ

وأقامكمْ عَلَماً يُرَدَّدُ قولُكم

أوْ لا فأنتم مَصْدرُ الإغواءِ

ولْتقرؤا الحق المبين تأملاً

في محكم القرآن في الشعراءِ

نِعَمٌ من المولى تَطَلَّب شكرُها  صدقاً وإدراكاً لِذي الآلاءِ

أنتم بهذا صرتمُ بين الورى  الناطقَ الرسمي في الخرساءِ

فلْتجعلوها نعمةً لا نقمةً   ولْتقصدوا المولى بكل حُدَاءِ

لا شيء في الدنيا يعادل وجههُ   إن كنتمُ حقاً من العقلاءِ

إياكمُ يوماً يكونُ كلامُكم   قصدَ الظهورِ وبُغيةَ الإطراءِ

أو مقصداً أدنى لنيلِ مآربٍ

في مدحِ أخرقَ أو من الأهواءِ

إن كان هذا شأنُكم قد بِعتُمُ  لكنه رُخْصٌ بيوم غلاءِ

هذا كمن باع النفيس لمُعْدمٍ  ماذا عساه يرى من الفقراءِ

لا شيءَ في الإجزا يعادل فضله ملك الملوك وأكرم الكُرَماءِ

فتنافسوا في الخير دون تحاسدٍ

فلبئس عيشُ الفِرْقة الحُسداءِ

ماذا جنينا من إرادة متقنٍ  تدميرَ آخرَ غيرَ كل عناءِ

هذا الذي ترك الديار بَلاقِعاً وحريقَ صاحبه بلا إطفاءِ

لا تَسْمُوَنَّ قصيدةٌ أو قصةٌ

أو قطعةٌ في عالم الأدباءِ

حتى يكون القلبُ أولَ نابضٍ  قبل الحروف ولحظةَ الإنشاءِ

اللهُ غايته ونورُ مَسِيرهِ

شتَّانَ بين النور والظَلماءِ

الذكرُ نورُ الله أُنزلَ بيننا

نتلوه في الإصباح والإمساءِ

ورسولُه ملأ القلوبَ مبيِّناً

خطرَ الطريق بحكمة الرُّحَماءِ

فالشعر حُكْمٌ والمبَيِّنُ ساحرٌ   والقيح خير من نَشيدِ هُرَاءِ

ملأ القلوب بنورها وصفاءِها  فغدت مُحَلِّقةً على الأجواءِ 

وسَمَتْ بأفكارٍ تَنُوءُ بحِمْلها  مُهَجُ الضلال وألسُنُ الدُّخلاءِ

إذ كيف يَعرف ذوق شهدٍ فاقدٌ  طعمَ اللسان وفكرةَ الخبراءِ ?!

أم كيف يعرف شمَّ وَرْدٍ أَخْشَمٌ  أم كيف تُبْصِرُ عينُ ذي إعشاءِ?!

لكنها مِنَحٌ تكون لقاصدٍ

بابَ الكريم وواهب النَّعْمَاءِ

فاقصد ولا تعجز فكل خسارةٍ  في العجز والتفريط والإرجاءِ

وانهل من القرآن عذْبَ مواردٍ   

واطلب عنِ العدنان خيرَ رواءِ

إن كان ما تهوى بعيداً عنهما

يا ويح من بلواهُ في السقماءِ

فاطلب لنفسك طِبَّها من قبل أن   تزداد سوءاً أو تموت بداءِ

فالعمر لا تدري زمان نفاده    فاغنم لنفسك مُدلياً بدِلاءِ

قد كان قبلك بالألوف فطاحلٌ  قالوا فما باتوا من الأَحياءِ

إن كان ما قالوا بصدقٍ هادفاً   أكرمْ بهم في زمرة الفضلاءِ

نفسي الفداء لتربةٍ وجماجمٍ  وَفَّتْ عهوداً أيَّما إيفاءِ

وغدت دَرارٍ نظمُها وكلامُها   وأجورُها تزدادُ كل مساءِ

أوْ لا فإنَّ الخزيَ أوَّلُ منزلٍ

يا حسرةً حلَّتْ على البُعَداءِ

أمست قروحاً مُنتناتٍ في الثرى   أين اللسانُ ؟! وأين ذو الإلقاءِ

أمست صديداً في الثرى وكلامُها

فوق التراب يزيد في الأدواءِ

والإثم يربو والذنوب ثقيلةٌ   هذا لعمري مصرعُ الخبثاءِ 

وغدت بموتٍ فرصةً لمخادعٍ   بالشعر زُوراً في ثياب رثاءِ

لم يشكروا نعم الإله بمنطقٍ    فإذا الكلامُ مَطِيَّةُ الجهلاءِ

إن الكلام أمانةٌ وخيانةٌ

فابذرْ فإن جَناكَ في إحصاءِ

مَلَكان مَوْكُولان فاحذرْ جاهداً   ما يُشتهى في القولِ من إغراءِ

فلذا الكلامِ مِن الغرائز شهوةٌ   فالزمْ - عفيفاً - منطقَ الكبراءِ

الناسُ في هذي الحياة بحاجةٍ  لِسَنَا كلامٍ نافعٍ وضَّاءِ

غَذَّى الشعورَ مع القلوبِ بفطرةٍ  وزَكَى فَزَكَّى مُصْلِحَ العوجاءِ

حَسُنَ الكلامُ فأنعشتْ ألفاظُهُ   قلباً وعاها دون أي غثاءِ

ربط البدائع في الحياة بمبدعٍ   فَحَدا بسامعه إلى العلياءِ

لا أن نزيدَ الحال سوءاً مثلما   الطين أفسده ورودُ الماءِ

نفسي الفداءُ لمدركٍ عَرفَ الذي   أرجو بهذا القرظِ والإنشاءِ

ودرى بعينِ بصيرةٍ ما رُمْتُهُ

حبّاً وإجلالاً لذي إلقاءِ 

فلعله يدعو لعبدٍ مذنبٍ

أَسَرَتْهُ جهلاً منه بالأشياءِ

ياربِّ فاغسلْ للذنوبِ ونقِّنا  واكْسُ القلوبَ بخِلْعة الإحياءِ

واجعل لساناً ناطقاً بضياءهِ   واجعله مستثنى من الشعراءِ

واجزلْ أجوراً للأُلى قد أخلصوا ورَجَوْك في الأطراف والآناءِ

يا ربِّ صلِّ على الحبيب محمدٍ    ما غرَّد القُمْري في الأرجاءِ

وسلامُك الأزكى عليه وآله    والصحبِ والأتباعِ في الأنحاءِ

وبحمد ذي الآلا ختام قصيدةٍ   تُهْدَى إلى الكتَّابِ والشعراءِ