خطورة الحرب على الإخوان المسلمين

عبد الستار قاسم

عبد الستار قاسم

تشهد المنطقة العربية الإسلامية حربا ولو محدودة على الإخوان المسلمين باعتبارهم جماعة تعمل لـ"السيطرة على بعض الدول واحتكار السلطة". فمثلا يعاني الإخوان من ضائقة شديدة في مصر، وهم مصنفون على أنهم إرهابيون، وما زال الإعلام المصري يشن حملة إعلامية واسعة عليهم ويقول بحقهم ما هو صحيح وما هو من قبيل التجني.

ويعاني الإخوان أيضا من أوضاع صعبة وملاحقات في دول عربية أخرى مثل دولة الإمارات العربية، وسبق لهم أن لوحقوا وضربوا في سوريا.

الآن تشتد الحملة الإعلامية ضد ما يسمى الإسلام السياسي، والإخوان متهمون بأنهم يجسدون الإسلام السياسي الذي يحاول إلغاء الآخر وحكم الناس وفق تعاليم الفقهاء بالشريعة الإسلامية، وتدمير الدولة المدنية التي تقوم على مبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة واحترام الرأي الآخر واحترام المواطن بغض النظر عن طيفه الديني أو العرقي أو الجنسي. ومع هذه الحملة يعاني أصحاب الفكر الديني من العديد من الملاحقات والحرمان والحملات التعبوية ضدهم.

الإخوان والإسلام السياسي

لا أعرف حقيقة من الذي صاغ مفهوم الإسلام السياسي ولماذا صاغه، لكنه مفهوم غير واضح المعنى وفضفاض ويمكن إخضاعه لعدد من التعريفات وفق وجهات نظر المعرفين.

والغريب أن المصطلح يتميز بوقع غير مريح بالأذن، ويؤشر على اتهام وربما استهزاء أكثر مما يؤشر على مصطلح علمي يمكن تناوله بالدراسة والتمحيص. هناك العديد من النظريات والأطروحات الفلسفية التي اجتمع الناس حولها وتبلورت فيما بعد إلى اتجاهات سياسية، لكننا لم نجد من يقول الاشتراكية السياسية أو الرأسمالية السياسية. هذه نظريا تؤسس لمنهج حياة، وأصحابها عملوا على خوض الانتخابات في بلدان عدة، ومنهم من فازوا ومنهم لم يفوزوا، وقد عمل الذين فازوا على تطبيق ما يؤمنون به، وحاولوا استقطاب جمهور الناس ليتحولوا إلى ملّتهم الفلسفية.

لم يتعرض هؤلاء لأي تصنيفات مؤذية أو إلى هجمات إعلامية واسعة كما يتعرض الإخوان المسلمون. فهل من العلمية أو الموضوعية في شيء أن يتم استنفار قوى عديدة لتسليط الضوء على ذم الإخوان المسلمين والتنكر لحقهم في خوض الانتخابات، بينما يسلم الآخرون من التشهير ونكران الحقوق؟

الديمقراطية وقبول الآخر

السؤال الذي يطرح نفسه دائما: هل من الديمقراطية أن يجيز المرء أو الحزب لنفسه نشاطا سياسيا ويمنعه عن الآخرين؟ لماذا يحق لي ولا يحق لغيري؟ التمييز في الحقوق ليس من الديمقراطية، وقد أخذ مثقفون وأكاديميون الآن -ومن المعروفين في دفاعهم عن الديمقراطية- يشنون حملات واسعة ضد الإخوان المسلمين والتنظيمات الإسلامية المختلفة حتى لو لم تكن إرهابية بسبب تبنيها الإسلام أو الفكرة الإسلامية. هؤلاء لا يمكن أن يكونوا ديمقراطيين، وهم يقبلون الديمقراطية لأنفسهم لكنهم ينكروها على الآخرين، هذا تناقض غير مقبول، ومن يمارس حرمان الآخرين من حقوقهم لا يمكن أن يكون متبنيا للفكر الديمقراطي.

والذين يلاحقون الإخوان المسلمين الآن يقولون إنهم ليسوا إقصائيين وهم ضد إقصاء الآخر، ومن المفروض أن يكون الباب مفتوحا أمام الجميع من دون تمييز، هذا إن كان للمجتمع أن يبقى موحدا. فإذا نظرنا إلى مصر الآن، يسوق مؤيدو النظام القائم مسألة الإقصاء كسبب أساسي في الخروج على الرئيس محمد مرسي، ويتهمونه بالعمل على أخونة مصر، ولكن إذا قارنا ما قام به مرسي من إقصاء مع ما تفعله السلطات والمحاكم المصرية الآن نجد أن النظام الجديد أشد وأعظم إقصاء للآخرين مما كان يفعله مرسي.

مصر الآن حظرت تنظيم الإخوان وسلبتهم حقوقهم السياسية، وما زالت تشن عليهم حملات إعلامية واسعة جدا. أما المحاكم المصرية فأغرقت نفسها بأحكام إعدام جماعية ستدين العمل السياسي المصري لفترة طويلة من الزمن، وربما تتحول إلى شواهد تاريخية على ضيق أفق جزء من السياسيين المصريين.

إذا كان الآخر لا يقبلنا فذلك يجب ألا يعني أننا نرفض الآخر. من المبادئ الديمقراطية، ومن المبادئ الإسلامية أيضا، ألا يغلق باب الحوار والتفاهم لما في ذلك من مكاسب للجميع وللمجتمع ككل. إذا رفَضَنا الآخر فإن علينا أن ندعوه إلى الحوار وطاولة التفاهم علّ وعسى أن نصلح ذات البين فتستقيم الحياة العامة، ولا يجوز الرد على الإقصائيين بحروب وملاحقات أمنية.

وأنا كمتابع للعمل السياسي في الوطن العربي، أدرك جيدا أن التنظيمات الإسلامية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين إقصائية ولا تقبل الآخر إلا إذا أصبح عنصرا في صفوفها، والحل في نظري يكمن في رفع مستوى الضغط الثقافي والفكري عليها لكي تغير ما هي عليه، وألا يفلت زمام الأمور وتنتشر الفوضى في المجتمع، وبدل بناء الدولة نعمل على هدمها وتدمير النسيج الاجتماعي.

الاتهام بالإرهاب

لا يحق للإرهابي أن يتهم الآخرين بالإرهاب حتى لو مارسوه. الأنظمة العربية هي الإرهابية وهي التي أبقت الإنسان العربي في حالة ذعر مستمر من خلال أجهزتها الأمنية بخاصة جهاز المخابرات. الأنظمة العربية هي آخر من يحق له الحديث عن الإرهاب والإرهابيين.

طبعا لا نستطيع إلا وضع أميركا وإسرائيل على قمة قائمة الإرهابيين بالعالم، فإسرائيل وأميركا تكثران من الحديث عن الإرهابيين، وهذا هو شأن من يرى التهم تلاحقه فيهرب من أمام متهميه باتهام الآخرين. الأنظمة العربية تتهم الإخوان بالإرهاب، لكن نريد أن نعرف من هو النظام العربي الأقل إرهابا من إرهاب الإرهابيين.

لو قارنا مثلا ما قام به مرسي بما يقوم به السيسي الآن فمن سنجده أكثر إرهابا؟ المسألة تحتاج إلى دراسة وافية وعلمية وموضوعية، وليس إلى وسائل إعلام تتحدث وفق أمزجة، بل وفق معطيات موضوعية واضحة للعيان.

أما حديث النظام المصري الآن عن إرهاب الإخوان في الشوارع، فقد سبق أن كتبت حول هذا الموضوع، وكانت وجهة نظري تقول إن مصر تغامر باستقرارها بسبب ملاحقتها للإخوان، ويجب ألا يتوقع أحد أن الإخوان سيبقون صامتين وهادئين أمام الإجراءات التي يتعرضون لها.

هؤلاء سيقومون برد فعل، ومن يتابع يتوقع أن يقوم الإخوان بزعزعة الاستقرار المصري ردا على إجراءات النظام ضدهم، والنظام السياسي الحكيم هو الذي يعمل على توحيد الناس بكافة أطيافهم ويثبت أنه نظام للجميع ويستوعب الجميع. لكن النظام مضى في سياساته دون أن يقر بالمنحى التاريخي وهو أن الجماعات لا مفر ستدافع عن نفسها فيما إذا حشرت.

صعوبة القضاء على الإخوان

هناك شطط كبير في الحملة القائمة ضد الإخوان المسلمين لأن الحملة لا تأخذ بالاعتبار القيم الديمقراطية التي يؤمن بها منفذوها، ولا تقيم وزنا معتبرا لأهمية التماسك الاجتماعي في تاريخ الشعوب. من شأن هذه الحملة أن تنشر الكراهية والبغضاء في النفوس، وتؤجج الثأرات والشكوك بين المواطنين، وتفرق الناس إلى جماعات وتنظيمات متصارعة تنتهي إلى تفتيت المجتمع وإضعافه وجر الدولة في النهاية إلى حالة من الضعف والهوان.

ويبدو أن القائمين على الحملة لا يدركون أن جماعة الإخوان المسلمين تشكل أكبر تنظيم عالمي الآن، وهي منتشرة في كل بقاع الأرض ولها مؤيدوها المستعدون للدفاع عنها وحمايتها، وهي جماعة منتشرة بشكل واسع في البلدان العربية والإسلامية وقادرة على كسب الانتخابات فيما إذا فتح لها المجال لخوضها. عناصر جماعة الإخوان منتشرون بكثرة، وهم يتمتعون بمناصرين كثيرين في الساحة العربية الإسلامية، وعامة الناس إجمالا يقفون معهم ويمكن أن ينتخبوهم بسبب تبنيهم الفكرة الإسلامية.

يميل جمهور الناس في المنطقة العربية الإسلامية إجمالا إلى الدين. هم ليسوا متدينين لكنهم يرون أن مخرج الناس من أزماتهم يكمن في تطبيق الإسلام كنظام سياسي لأنه يقيم العدالة. ولسنا هنا بصدد أن نثبت ذلك أو ننفيه، وإنما نتحدث عن ميول الناس ورغباتهم ورؤاهم، ومن المفروض أن يضع أي سياسي في الحسبان توجهات الناس وقناعاتهم حول الشؤون العامة، والسياسي الذي يغفل عن ذلك يعاني من تعثر في إدارة الشؤون العامة.

الإخوان المسلمون ليسوا وحدهم في الساحة وإنما يتمتعون بدعم العديد من التنظيمات الإسلامية، وهي مستعدة لحمل السلاح دفاعا عن الإخوان إن تطلب الأمر ذلك، ليس بالضرورة حبا في الإخوان وإنما دفاعا عن الفكرة الإسلامية.

ربما تستطيع دولة مثل الإمارات العربية أن تحاصر الإخوان بسبب ظروفها، ولكنه من الصعب على دول مثل مصر وسوريا والعراق والأردن أن تنجح في مساعيها للتخلص من جماعة الإخوان. الإمارات لا تعاني من انتشار الجماعة في صفوف المواطنين، كما أنها تفتقر أصلا إلى العدد السكاني الكبير، أما الدول ذات الكثافة السكانية والتي شهدت انتشارا تدريجيا للإخوان فيصعب عليها معالجة الظاهرة على هواها، وهي تغامر باستقرارها وتماسكها الاجتماعي إن حاولت على النمط المصري.

التفاهم مع الإسلاميين

أستعمل كلمة الإسلاميين هنا مجازا لأن الملايين من المسلمين إسلاميون دون أن يكونوا أعضاء في تنظيمات. إذا أرادت الأنظمة العربية أن تقيم ديمقراطية، وأن تراعي أسس ومبادئ العدالة في المجتمعات العربية، فليس لها إلا أن تفتح خطوطا مع الجماعات الإسلامية غير الإرهابية.

وعبر هذه الخطوط يمكن مناقشة عدد من الأمور التي تميز الجماعات الإسلامية وتنعكس سلبا على المجتمعات العربية جميعها. تقع على رأس هذه الأمور مسألة امتلاك الجماعات الحقيقة المطلقة دون الآخرين، ومحاكمة الآخرين ثقافيا وشعبيا ودينيا بناء على هذه الحقيقة. المفروض أن يقتنع الإسلاميون أن الحقيقة المطلقة لا يملكها أحد، وأن التفكير الحر هو أساس البناء الإبداعي، ولا يحق لأحد أن يقيد الآخرين بالقيم والأفكار التي يؤمن بها.

يقودنا هذا لضرورة الحديث مع الجماعات الإسلامية بما فيها الإخوان المسلمون حول الإرهاب الفكري لأنها جميعها سواء كانت تحمل السلاح أو لا تحمله تمارس الإرهاب الفكري ولو بدرجات مختلفة. كما أنه من الضروري تطوير برامج ثقافية على مستوى الوطن العربي تشمل الجماعات الإسلامية والأنظمة السياسية الحاكمة لمحاصرة الفكر العربي الإقصائي، وتطوير برامج تربوية تعلم الناس منذ البداية وفي رياض الأطفال قبول الآخر ورفض التعصب القبلي والحزبي.

نحن في الساحة العربية نرفض الآخر بالتربية، وقد اعتدنا أن نكون قبليين تعصبيين، وتحولت أحزابنا إلى قبائل متعصبة، وأصبح رفض الآخر عادة اجتماعية مقبولة. علينا جميعا أن نعمل بالاتجاه المضاد علّ وعسى أن نتعلم كيف نحيا معا، وليس فقط أن نعيش معا.