ذكرى إحراق الأقصى

جميل السلحوت

جميل السلحوت

[email protected]

يصادف الحادي والعشرين من آب ذكرى إحراق المسجد الأقصى المبارك، ففي الحادي والعشرين من شهر آب 1969 قام أحد المؤدلجين صهيونيا باشعال النيران في المسجد الاقصى المبارك، أحد اقدس مقدسات المسلمين بعد الكعبة المشرفة في مكة، والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، وهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد اليها الرحال، مصداقا لقول الرسول الأعظم صلوات الله وسلمه عليه:" لا تـُشد الرحال الا لثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا–المقصود المسجد النبوي–والمسجد الأقصى" .

والمسجد الأقصى هو مسجد اسلامي خالص، واسلاميته جاءت بقرار رباني في حادثة الاسراء والمعراج ، حيث عرج الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه من المسجد الاقصى الى السموات العليا ،مصداقا لقوله تعالى :" سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير ".

والقدس مدينة عربية بناها الملك اليبوسي العربي ملكي صادق قبل ستة آلاف سنة، وجاءت حادثة الاسراء والمعراج لتـُلبس المدينة ثوبها الاسلامي، ثم جاء الفتح الاسلامي ليؤكد من جديد ان المدينة لا يمكن ان تكون الا عربية اسلامية.

ولا ينفي هذا ان المدينة متعددة الثقافات والديانات، فهي مهد المسيحية ايضا، فيها كنيسة القيامة، وعدد كبير من الكنائس التاريخية الاخرى، تضاف الى المسجد الأقصى وعشرات المساجد التاريخية، ولا تناقض في ذلك، فمسيحيو المنطقة عرب ينحدرون من أصول عربية، وساهموا في بناء الحضارة العربية، ويحملون هموم الوطن كما يحمله غيرهم من اتباع الديانة الاسلامية، وقد أقرهم على ذلك الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه الذي وقع العهدة العمرية مع بطريرك المدينة صفرونيوس.

والقدس القديمة بشكلها الحالي بنيت في عهد المماليك، وجاء الخليفة العثماني سليمان القانوني وبنى سورها العظيم الحالي في بداية القرن السادس عشر الميلادي.

ومع ذلك فان المحتلين الاسرائيليين يزعمون ان لهم حقوقا في المسجد الأقصى، ويزعمون ان الهيكل المزعوم كان قائما في باحات المسجد الاقصى، مع انه لا يوجد أيّة روايات تاريخية أو آثار قديمة تثبت صحة مزاعمهم، وعلى خلفية هذا الزعم جاء حرق المسجد الأقصى في آب 1969، والذي أتى على منبر صلاح الدين التاريخي اضافة الى الاضرار الجسيمة التي لحقت بزخارف المسجد المبارك، ومن منطلقات هذا الزعم فان الحفريات الاسرائيلية قد مزقت أحشاء المدينة المقدسة منذ وقوعها تحت الاحتلال في حب حزيران 1967، ولم تتوقف يوما واحدا منذ ذلك التاريخ، وقد وصلت الحفريات الى أساسات المسجد الاقصى هذه الايام، مما يهدد بانهيارة بشكل جدّي، ودون العثور على أيّ أثر يهودي،كما أن الاعتداءات متواصلة على هذا المسجد العظيم من خلال الاقتحامات، والسماح للجماعات الدينية اليهودية المتطرفة بدخوله والصلاة في باحاته تحت حراسات أمنية مشددة.

ويبدوا ان جولدا مائير رئيس وزراء اسرائيل وقت حرق المسجد، كانت أكثر وعيا وإدراكا لأهمية المسجد الاقصى عند المسلمين اكثر من لاحقيها، عندما اعتبرت أن أطول ليلة في حياتها كانت ليلة احراق المسجد الاقصى، لأنها خافت أن تنهال الصواريخ والقذائف العربية والاسلامية على اسرائيل، وأن جيوش هذه الدول ستهاجم دولتها ثأرا للمسجد المنكوب.

ومع ذلك فان الاعتداءات الاسرائيلية على المسجد الأقصى لم تتوقف أيضا، فقد تعرض الى اقتحامات واعتداءات كثيرة، حصدت أرواحا من الفلسطينيين، وأسالت دماء كثيرة أيضا، لكن اصحاب القرار في اسرائيل لم يوقفوا الحفريات، ولم يردعوا الحركات الدينية المتطرفة التي تستعجل عملية هدم المسجد الاقصى، يشجعهم في ذلك السبات العميق والطويل للقادة العرب والمسلمين.

واذا شاء قدر الله –سبحانه وتعالى - ان يختار الشعب الفلسطيني ليكون سادِنا وحارسا للمسجد الاقصى، فقد حمل هذا الشعب الأمانة التي لم تقدر على حملها الجبال، وهو يبذل الغالي والنفيس في سبيل حماية هذا المسجد الذي يشكل ركنا أساسيا من عقيدة المسلمين، علما ان المسجد الأقصى مسجد اسلامي خالص، وملك لجميع المسلمين السابقين والحاليين واللاحقين في كافة أصقاع المعمورة، وكان غالبية الحجيج من العالم السلامي بعد ان يؤدوا مناسك الحج، يشدّون الرحال بعدها مباشرة لزيارة المسجد الاقصى والصلاة فيه، ولم تنقطع هذه الطقوس الدينية الا بعد وقوع المدينة المقدسة تحت الاحتلال في حزيران 1967 .

ومع ان قادة اسرائيل يحاولون جاهدين ان يجعلوا لهم موطئ قدم في المسجد الأقصى، معتمدين بذلك على حق القوة الذي أوصلهم الى الاستيلاء على الحائط الغربي للمسجد، وهم يحاولون أيضا من خلال اطلاق بعض البالونات الاعلامية فرض سياسة الأمر الواقع على القدس القديمة التي يعتبرونها "جزءا لا يتجزأ من عاصمة اسرائيل الموحدة والأبدية" فأنهم يدركون ومن خلال مراكز أبحاثهم أهمية هذا المسجد لدى المسلمين، ويدركون ايضا انه لم يوجد ولا يوجد ولن يوجد أيّ مسلم قائدا كان أم مواطنا عاديا، يوافق أو يستطيع أن يتنازل عن شبر واحد من المسجد الاقصى، لأن هذا المسجد ببنائه وباحاته وساحاته ومساطبه وحيطانه، واجوائه وأساساته جزء اساسي من العقيدة، ومن هنا فإنه من المستحيل ان يصل المفاوضون الفلسطينيون والاسرائيليون الى أيّة حلول سلمية تحفظها الأجيال القادمة، دون عودة الأقصى الى السيادة الفلسطينية العربية، ودون عودة القدس الشرقية المحتلة وبقية الاراضي العربية المحتلة في عام 1967، كون القدس هي العاصمة الروحية والثقافية والتاريخية للشعب الفلسطيني وللأمتين العربية والاسلامية،يضاف الى ذلك أنها العاصمة السياسية للدولة الفلسطينية العتيدة، والى ان يقتنع قادة اسرائيل بذلك فان السلام لن يتحقق بدونه، يضاف اليها ايجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الشرعية الدولية، وكنس الاحتلال وكافة مخلفاته.