المسلمون في الغرب

أمير أوغلو

المسلمون في الغرب

 إضاءات قرآنية على طريق المستقبل

أمير أوغلو / الدانمارك

[email protected]

كانت ليلة من ليالي الصيف الجميلة الدافئة، سطع فيها القمر يغسل ضوؤه الخضرة المنتشرة حولنا لتلمع وتتألق رغم ظلام الليل الدامس, وكان إمام صلاة العشاء يقف أمامنا على المرج الأخضر المحاط بالأشجار الكثيفة, وكان الجو كله هادئا صامتا كأنه ينصت بخشوع للآيات يحاول أن يفهمها, كما كنا نحن نحاول, وكأنها تتنزل الآن عليه لأول مرة، وقرأ الإمام آيات من سورة فصلت نعرفها وسمعناها من قبل عدة مرات وقرأناها عدة مرات ولكنها كانت اليوم مختلفة تماما.

 ربما كان السبب أنها كانت مطابقة لواقع نعيشه في الغرب ونبحث عن طريق ممهد واضح فيه يصل بنا إلى بر الأمان. وربما كان السبب أنها كانت فعلا مصابيح تضيء لنا الطريق وسط هذا الضباب الذي يحيط بنا في هذه الأيام. وربما كان السبب أنها كانت الحل لمشكلات نعيشها في الواقع وهي مشكلات من صلب الحياة ومن صلب الدين وكان لا بد من وجود إجابة عنها في القرآن الكريم.

الحقيقة أن هذا باعتقادي يعود إلى إعجاز هذا الكتاب العظيم, كتاب رب العالمين, هذا الإعجاز الذي يظهر أحيانا بشكل طفرة، أعني أنك فجأة تجد حلا لمشكلة ما في هذا القرآن لم يتكلم عنها أحد ولم يفسرها بهذا الشكل أحد ولم يكتب عنها من وجهة النظر تلك أحد ولكنها رغم ذلك تحل مشكلتك وتعطيك الحل وتهديك سواء السبيل. 

لا أريد أن أطيل عليكم فدعونا نطرح المشكلة أولا ثم نقرأ الآيات ونرى هل يمكن أن تكون هي الحل:

المشكلة هي التي يعيشها كل مسلم وحتى كل عربي في الغرب وهي ردود فعل الحكومات الغربية على الإرهاب القادم من الشرق وبالتحديد الإرهاب الإسلامي كما يسمونه هنا. والقوانين التي تصاغ والتي تشبه قوانين الطوارئ في بلادنا، والترحيلات والمراقبة المستمرة على الجمعيات وعلى الأفراد وعلى الأموال. وضياع البوصلة التي تحدد اتجاه المسلمين في الفترة القادمة، كيف يظهرون تعاونهم دون أن يصل هذا التعاون إلى درجة الخيانة؟ كيف يظهرون أنهم ضد الإرهاب دون أن يكونوا ضد الإسلام نفسه؟ كيف يظهرون أنهم خاضعون للقانون دون التنازل عن أساسيات الإسلام مثل الحجاب والصلاة والزكاة وغيرها من الفروض؟ كيف يوفقون بين كونهم مسلمين وأوروبيين في نفس الوقت؟

هذه الأسئلة التي وجدت عنها شخصيا إجابات في هذه الآيات ولكن الأمر أعقد من أن يدعي فرد ما أنه وجد له حلا ولذلك أدعوكم  إلى هذه الآيات نتلوها معا بترو وتؤدة ونحاول أن نسقطها على الواقع وأن نستخرج منها إضاءات تنير لنا درب المستقبل.

"إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون، نزلا من غفور رحيم، ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم، وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم."

وبداية أقول إنني لست مفسرا ولا عالما دينيا ولكنني أطرح هذه الأفكار لعلها تنمو وتزدهر وتتطور بالحوار والنقاش والتلاقح ولعل غيري يقوم بتهذيبها وتوضيحها ووضعها في إطار شامل يكون منهاجا للعمل في الغرب وإن كنت أرى أنه قد يصلح للشرق أيضا. 

إن الذين قالوا: إشارة إلى وجود جماعة فلا بد من أن يكون العمل جماعيا ولابد للفرد في الغرب من جماعة تحميه وتدافع عن حقوقه ولابد من وجود تنظيم يحكم هذه الجماعة وقانون ودستور تسير على هداه. وهذا ليس غريبا في هذه البلاد فكل خمسة أو عشرة أشخاص يحق لهم إنشاء جمعية أو تجمع يضمهم ويشرح أفكارهم واتجاهاتهم وقد سمعنا من الغرائب في هذا المجال ما لا وقت لذكره. 

ربنا الله: ومن يستطيع أن يرفض هذا القول؟ إعلان بأن مالكنا وخالقنا ومربينا ورازقنا هو الله تعالى له نخضع وله نذل لا نعبد إلا إياه ولا نخشى إلا إياه ولا رب لنا سواه، هو الذي يصرف أمورنا وهو الذي يرزقنا وهو الذي أحيانا وهو الذي يميتنا لا يملك الكون كله لو اجتمع علينا أن يفيدنا أو يضرنا بشيء لم يكتبه الله لنا. 

ثم استقاموا: في كل أمر من  أمور حياتهم، في تعاملهم مع بعضهم ومع مجتمعاتهم ومع الحكومات التي يعيشون في ظلها ومع أهلهم ومع أسرهم ومع أولادهم استقامة تمنعهم من مخالفة قانون البلد التي يعيشون فيها حتى لو انعدم الرقيب وواتت الفرصة لأن الرقيب هو الله استقامة تمنعهم من غش وخداع بعضهم ولكنها أولا تمنعهم من  غش وخداع الدولة التي يعيشون فيها والناس الذين يعيشون بينهم فلا يركبون المترو بالسرقة، ولا يسرقون، ولا يبيعون المخدرات لأنها تضعف الكفار، ولا يعتدون على أعراض الناس لأنهم في دار الحرب، كما يقولون،  ولا يحتالون على المالية لأنها تمثل دولة الكفر، في الخلاصة هم قدوة للناس واستقامتهم يجب أن يفتقدها حتى أشد أبناء البلد الأصليين غيرة على بلده ووطنه. 

تتنزل عليهم الملائكة: الملائكة التي نزلت على سيدنا محمد وصحبه يوم بدر ويوم الخندق لتنصر المسلمين ستنزل عليهم وستكون معهم لتنصرهم وتعينهم على استقامتهم وتدفع عنهم مكر من أراد أن يمكر بهم وستكون معهم لترفع ذكرهم وتعلي مقامهم حتى في هذه البلاد ليصبحوا قدوة لمواطنيهم فيها. هل ستكون معجزة؟ لا بل هي جائزة ومكافأة لأن مثلهم يستحق النصر ويستحق الجائزة ويستحق المكافأة. هل سيكون النصر عسكريا كما كان في حياة الرسول؟ لا النصر له عدة أشكال فأن يحترمك الناس ويحترموا دينك وأن تكون قدوة لهم بأخلاقك ودينك وتربيتك هو نصر أهم من النصر العسكري بمئات المرات ومن قال إننا هنا أصلا لننتصرعلى الغرب ولنحارب الغرب؟

ألا تخافوا ولا تحزنوا: سيتخلصون من الحزن والخوف وهما المرضان النفسيان الرهيبان اللذان يحطمان حياة الإنسان إذا تمكنا منه قد تكون هذه هي الجائزة من الناحية النفسية وهي هامة جدا فالخوف هو الجمود تجاه المستقبل والحزن هو الجمود في الماضي ولا يعرف مدى تأثير هذين العاملين في حياة الإنسان إلا من يعاني منهما أومن أحدهما وهنا كلام طويل لا مجال للخوض فيه وللدكتور خالص جلبي مقال جميل في هذا المقام تحت عنوان "المزاج السوداوي".

المهم في حياتنا في الغرب أننا سنتخلص من الخوف الذي يحيط بنا الآن الخوف من المجهول والخوف من المستقبل والخوف على الأولاد والخوف على الأموال وكل من  ينكر هذا الخوف الذي أحاط بالمسلمين في الغرب إما جاهل وإما مكابر. كما أننا سنتخلص من الحزن، الحزن المربك الذي سيجمدنا وسيوقف الركب عند الأطلال نبكي على ماضينا وأمجادنا ولا نفعل شيئا لمستقبلنا وفي هذا الجزء وحده من الآية محفزات كافية لدفع حركتنا إلى الأمام لسنوات. 

وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون: هنا تأتي البشارة الأخرى وهي الفوز يوم القيامة والجنة التي وعدها الله عباده المتقين والصالحين والمؤمنين والمستقيمين وهي محفز آخر للسير في هذا الطريق وتجريب هذا الأسلوب. 

نحن أولياؤكم: والولي هو النصير وهو الصاحب وهو الرفيق وهو الناصر وهو المعين. والضمير نحن قد يعود إلى الملائكة وقد يعود أيضا إلى الذات العلية ومرد الحالين إلى الله تعالى فالملائكة لا يفعلون إلا ما يؤمرون وعندما يكونون أولياءنا فولينا الله إذن. 

في الحياة الدنيا وفي الآخرة: الولاية الكاملة في الحياتين والتأييد في الحالين والنصر في الموضعين 

ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون: قد تكون فيها هنا عائدة على الآخرة فقط ولكن احتمال أن تعني الدنيا والآخرة وارد أيضا وما تشتهي تدل على كل ما  يتمناه المرء ويشتهيه وما تدعون لم أفهمها, وقد قال المفسرون أنها ما كنتم تدعون به أي أن الله سيحقق دعائكم وتمنياتكم وأعتقد أنها قد تحمل معان أخرى. 

نزلا من غفور رحيم: إكرام الله تعالى وعظيم مغفرته وواسع رحمته ستحيط بكم في الدنيا والآخرة وهو المنزل المبارك الذي سأله نوحٌ ربَّه عز وجل.

ثم تأتي الصفات الثلاث التي يجب أن يتحلى بها كل مسلم في الغرب وبالأصل كل مسلم في العالم ولكننا نخص المقال بأهل الغرب لأنهم وسط المشكلة

ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله: كل مسلم في هذه البلاد داعية شاء أم أبى إما أن ينفر الناس من الإسلام وإما أن يحببه إليهم بتصرفاته وعمله واستقامته وأخلاقه وكلامه وحبه ومظهره وحاله ومقاله. وهذا أحسن ما يقوم به المرء في هذه الدنيا بدليل هذا القول. أنت التاجر الداعية بصدقك وأمانتك وأنت الطبيب الداعية بعملك لتخفيف آلام الناس وأنت الطالب الداعية بأخلاقك ومظهرك وتفوقك وأنت العامل الداعية بإتقانك لعملك ودقتك ومواظبتك وأنت وأنت وأنت. إن الناس في هذه البلاد يتعرضون لغسيل دماغ مستمر فيما يتعلق بالإسلام لذلك تكبر المهمة بحقنا ويعظم الواجب بقدر عظم القوة المضادة التي تريد تشويه ديننا وصورته في هذه المجتمعات فعلينا أن نكون على قدر التحدي وأن نكون على قدر المسؤولية فلا مجال للناس هنا أن يتعرفوا على الإسلام إلا من خلالنا ونحن من نمثله في هذه البلاد. 

وعمل صالحا: وهذا يشمل كل عمل وكل حركة وكل شيء في حياتك يجب أن يكون صالحا، والصلاح عكس الفساد وهذا يضعك أمام خيار صعب في كل خطوة تخطوها وفي كل حركة تتحركها فأنت يجب أن تأخذ دوما أصلح الخيارين وأصلح الحالين وأصلح العملين ويجب أن تتجنب كل ما فيه إفساد على صعيد العمل أو العلم أو التعامل مع الناس وهذا له علاقة كبرى بالاستقامة التي وردت في أول الآيات فالعمل الصالح المستقيم هو الذي يحمده كل الناس ويؤثر في الجميع تأثيرا إيجابيا.

وقال إنني من المسلمين: وهنا أشعر بأن المعنى يكاد ينطق بوجوب إعلان هذا. يجب ألا نخجل من أننا مسلمون يجب أن نعلن هذا بوضوح وشفافية وأمانة وصدق، ويجب أن نتميز بإسلامنا لا أن نخفي هذا الإسلام. يجب، على العكس مما يقوله الكثيرون في هذه الأيام، أن نكون واضحين تمام الوضوح كالشمس، وهذا لن يعيبنا بل على العكس هو مصدر قوتنا. لن يفيدنا التخفي ولو خرجنا من جلدنا، نحن مسلمون وهكذا يجب أن يقبلوننا أما إذا ابتدأنا بالتنازلات لإخفاء هويتنا فهي الكارثة فعل،ا ماذا ستفعل الأجيال القادمة إذا خلعت بناتنا ونساؤنا الحجاب اليوم خوفا من الإضطهاد وحتى لا يعرفها من يريد إيذاءها كما قال بعض المفتين؟ ماذا سيفعل أبناؤنا من بعدنا إذا بدأنا بترك الذهاب إلى المساجد حتى لا ندمغ بدمغة الإرهاب أو الإسلام؟ ماذا سيبقى منا بعد جيل واحد إذا كان سيعيبنا ويرعبنا الآن أن نصرح بأننا مسلمون؟

الأفضل لنا أن نعود إلى بلادنا لنموت فقرا وجوعا وذلا أو في سجون الطغاة على البقاء هنا مع تضييع أولادنا وأحفادنا.

كما نلاحظ هنا التصريح بالإلتزام بجماعة المسلمين فلم يقل الله تعالى "وقال إنني مسلم"، مما يعني إظهار الإنتماء إلى الجماعة أيضا.

 ولا تستوي الحسنة ولا السيئة: لا تتساوى الحسنات لا مع السيئات ولا مع غيرها من الحسنات وكذلك السيئات لا يمكن أن تساوي الحسنات ولا يمكن أن تتساوى فيما بينها فمنها الكبير ومنها الصغير ومنها الذي يدمر أمة ومنها الذي يدمر فردا ومنها ومنها... والآية هنا باعتبار ما قبلها كأنها تشير إلى السيئة المرتكبة فيما لو أعرضنا عن هذه المبادئ الثلاثة التي ذكرها الله تعالى في الآية السابقة. وأما باعتبار ما بعدها فكأنها تمهد للموضوع التالي وهو دفع السيئة بالحسنة وهو إشارة لكيفية التعامل مع المسيء والعدو والمعارض والمتصدي للمسلمين. 

ادفع بالتي هي أحسن: أي أحسن إلى من أساء إليك! هذا المبدأ المنسي في حياة المسلمين اليوم، تفتح مواقعهم فترى عدم السلام على الكافر وعدم التبسم في وجهه وعدم مجالسته وعدم وعدم وعدم. منتهى التكبر والتعالي الفارغ من أقوام هم أحط الأمم في هذا الزمان على أقوام سبقوهم في كل أمور الدنيا واحتلوا بلادهم وأفكارهم وعقولهم واحتكروا طعامهم وشرابهم واستغلوا خيراتهم ومواردهم ثم يأتي علماؤهم ومفكروهم ليقولوا لمن يعيشون في الغرب لا تبتسم ولا تسلم ولا ترد ولا تجالس ولا ولا ولا ولا. لا أدري في الحقيقة كيف يفكر هؤلاء ولا أين يعيشون ولا مقدار ثقافتهم وعلمهم ولا مدى فهمهم وذكائهم أشعر أحيانا أنهم يعيشون قبل التاريخ يكتبون على ألواح الحجر هذا إن كانوا يكتبون ويقرأون كتب إنسان نياندرتال إن كانوا يقرأون ويتكلمون باللغات المنقرضة التي لا يفهمها أحد لا بلسان القرآن العربي المبين، فهم أبعد الناس عن الإبانة والبيان والتبيين.

ادفع بالتي هي أحسن من الأحوال والخصال والأقوال والأعمال بقدر استطاعتك فالعفو عن المسيء درجة ومسامحته درجة أخرى والإحسان إليه درجة أعلى وهكذا ترتفع الدرجات وترتفع مرتبتك عند الله تعالى وترتفع درجاتك عند الناس. المهم أن يكون تصرفك أحسن من تصرف الآخر في كل حال إن كان محسنا يجب أن تتفوق عليه بإحسانك وإن كان مسيئا يجب عليك ألا تسيء إليه وهكذا تكسب قلوب الناس وتظهر عظمة دينك وتحقق مطلوب ربك. 

فإذا الذي بينك وبينه عداوة: فإذا بالإنسان الذي تحول بينك وبينه عداوات وأحقاد وضغائن يتحول إلى إنسان آخر 

كأنه ولي حميم: ويصبح وكأنه صديقك العزيز الذي نسي ما كان بينكما وزال كل ما كان يعكر صفو علاقتكما وتغير شعوره تجاهك وتجاه دينك وتجاه أفكارك كل هذا بالمعاملة الحسنة والكلمة الطيبة والدفع بالتي هي أحسن. 

وما يلقاها: هذه الأخلاق الحميدة الصعبة على الإنسان والتي تحتاج إلى صبر ومصابرة وجهاد ومجاهدة وتربية منذ الصغر وفهم للإسلام جديد وواضح وصريح، لا يمنحها إلا الله ولا تلقى إلى الإنسان إلا من الله كما تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن تلقيا من الله وأعده الله لهذا التلقي، فهذه الآخلاق يجب أن تستعد لتلقيها من الله مباشرة لعظمها ولخطورتها ولأهميتها ولأنها أصل كل خلق حسن ولأنها تجمع كل مصالح الدين والدنيا. 

إلا الذين صبروا: هذا أصل الإستعداد للتلقي، الصبر. الصبر على الإساءة والإهانة والإيذاء واللمز والغمز كما صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم  على أذى المشركين وكما صبر المسلمون في بداية الدعوة صبرا لا تحتمله الجبال الرواسخ – وهنا يجب إزالة مفهوم أعتقد أنه خاطئ حول قضية الصبر في الفترة المكية والتي تفسر دوما بأنها اصبر حتى تتمكن وتقوى ثم انتقم واقتل واضرب وحارب. هذا فهم خطير للإسلام وهذا ما نراه في معظم الكتب، ولا بد من مراجعة هذه الكتابات وإعادة فهمها فصبر المسلمين لم ينته في المدينة بل استمر وتوسع وحوى من المعاني السامية ما يوجب علينا أن نفرد له الكتابات والتحليلات- إذا اصبر حتى تصبح أهلا للتلقي وعندها ستلقى هذا الخُلُق الذي هو رد الإساءة بالإحسان وستتمكن من تطبيقه في حياتك فإذا بأعدائك يصبحون أولياءك. 

وما يلقاها: تكرار لبيان الأهمية أو هو يعود هنا على الجنة ردا إلى الآيات السابقة التي كانت تتحدث عن الجزاء. 

إلا ذو حظ عظيم: انتقل من صيغة الجمع إلى صيغة المفرد لبيان القلة والندرة بين الناس الذين يستطيعون هذا.

 وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله: وإذا حاول  الشيطان أن يثنيك عن هذه الأعمال وهذه الأخلاق فالجأ إلى الله تعالى واطلب منه العون والثبات على هذه الأعمال والأخلاق، ولا تصدق أن وعود الشيطان لك هي خير لك من وعود الله حتى لو كان الظاهر يوحي بهذا، كأن تقول لنفسك اختفائي وإخفائي لإسلامي فيه الخير والنجاة فقد يكون هذا صالحا للمدى القريب ولكن وعد الله لا يتخلف، والأمور بعواقبها وما يبدو صالحا الآن قد يكون فيه الهلاك في المستقبل، إن لم يكن لك فلأولادك أو أحفادك من بعدك، والثبات على الأمر والعزيمة الصادقة فيهما النجاة بإذن الله تعالى.

إنه هو السميع العليم: يسمع ما يوسوس لك به الشيطان رغم أنك لا تسمعه، وهو العليم بما كان وبما سيكون  وقد اختار لك فلا تتردد.

ختاما: كل هذا عبارة عن خواطر قد تصيب وقد تخطئ وهي بحاجة للمناقشة والمدارسة والتعاون على الأمر فهو خطير وحساس ويتعلق بمستقبلنا في هذه البلاد ولا يجوز فيه الرأي الفردي ولكن التشاور والدراسة والتفكير من كل من يهمه الأمر، وأنا أكرر هنا أنني لا أفسر القرآن ولا أجتهد في تفسيره ولكنني ألمح هذه المعاني التي قد تناسب هذا الوقت ولا تناسب غيره وقد تناسب هذا المكان ولا تناسب غيره، فتصوري أن أحد وجوه إعجاز القرآن الكريم تكمن في هذه الصلاحية المتغيرة والمتجددة بحسب المكان والزمان.  

وألخص هنا الموضوع لأنه طويل قد ينسي آخرُه أولََّه فأقول:

التجمع – الإستقامة الحقيقية – الدعوة بالحال والمقال والأفعال – الجهر بالهوية – العمل الصالح مع كل الناس – دفع الإساءة بالإحسان – الثبات على هذا وطلب العون من الله تعالى عليه.