حقوق الانسان مابين الشريعة الاسلامية والقوانين الوضعية

طريف السيد عيسى

حقوق الانسان مابين الشريعة الاسلامية والقوانين الوضعية 

طريف السيد عيسى *

[email protected]

تثار اليوم ضجة كبيرة حول قضايا حقوق الانسان والحريات والديمقراطية ويتم التركيز على العالم الاسلامي والوطن العربي تحت شعار الشرق الاوسط الجديد فهي شعارات مغلفة بالعسل وبداخلها سم زعاف ,فهي شعارات طرية ناعمة الملمس لكنها مثل الحية الرقطاء وهذا ما سنبينه حول واقع القوانين الوضعية وموقفها من حقوق الانسان .

أستهل الحديث بقول الله تعالى:

( يآيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) الحجرات  13

( ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ) الروم   22

(ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس  99 .

نصوص واضحات بينات تدحض كل تعصب ينكر واقع الحال لبني البشر من حيث العقيدة واللون واللغة والقومية, ويعتبر واهما كل من يعتقد أن يكون الناس جميعا بعقيدة واحدة ولون واحد وقومية واحدة ولغة واحدة , وكل من يدعوا الى هذا التعصب انما يدعوا الى التنافر والاقتتال .

وقد يقول قائل انها قيم عظيمة لايمكن انكارها لكنها مفقودة على أرض الواقع وجوابنا المختصر أن عجز المسلمين في عدم التعامل مع هذه القيم لايلغي دورها وقدرتها على الانتاج من جديد في حال تم التعامل معها فالخلل في المطبقين وليس في المنهج.

وهذا يدعوا السلمين وخاصة العلماء والدعاة والمفكرين والجماعات الاسلامية للتخلص من حالة الاعجاب بهذه النصوص والاتجاه نحو تطبيقها على أرض الواقع لمعالجة المشاكل التي نشأت بسبب غيابها.

كما انه لايمكن الانكار أن الحكام والسلاطين في يومنا هذا يبعدون كل مخلص ويقربون أهل المنافع الشخصية أصحاب الولاء للحاكم أو لجهات خارجية همها ابقاء هذه الأمة على حالتها الراهنة .

ولايمكن لأي أمة أن تحقق تقدما وأفرادها مسلوبي الارادة وفاقدي الحرية والقيمة الانسانية,وهذا لاينطبق على سلطان الجور والاستبداد بل ينطبق أيضا على بعض التيارات والحركات الاسلامية التي تعاني من حالة المرض المزمن بالتضييق على الرأي الآخر وصاحب النقد والتقويم سواء من الداخل أو الخارج حتى غدت بعض هذه التيارات تعيش داخل محميات وتضع لنفسها الاسوار فتنتشر فيها أدبيات التعصب الحزبي مما يجعلها ولسان حالها يقول نحن المقياس السليم للايمان وفهم الاسلام , وينسى هؤلاء أن الاسلام دين مفتوح للجميع وليس حكرا على أحد وما هذه التيارات والحركات الا وسائل لتحقيق الاسلام والشهادة على العالمين.

ان حقوق الانسان واحترامها تمثل قمة في التدين  وكل من يرفض هذا المنطق فنقول له ان المشكلة فيك وليس في الشريعة فصوب فكرك وفهمك وفقهك وليتطابق المعتقد مع السلوك .

كما أنه من الظلم أن نحمل الاسلام حال الامة اليوم من هدر للكرامة والحقوق بل يتحمل ذلك كل من عمل على ابعاد الاسلام عن الحياة ليرسيخ الاستبداد والظلم والقهر والجبروت , وهنا لابد لمن أراد التصدي لهذا الأمر أن يكون القدوة العملية تحت شعار  لا اكراه.

حقوق الإنسان  في المواثيق الدولية

لاينكر عاقل أن الله خلق الوجود بتوازن وتكامل فكان الانسان معجزة من معجزات الخالق عزوجل فهو روح وجسد وعقل وسمع وبصر وفؤاد

( ولقد كرمنا بني أدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) الاسراء   70.

فخلق الكون وارسال الرسل وانزال الكتب كل ذلك ليقيم الانسان حياته على الصراط المستقيم ويؤمن أن الله هو المشرع .

ولكن عندما يبتعد الانسان عن منهج الله يصاب بالغرور ويتبع الهوى فيشرع لنفسه ولغيره مالم يأذن به الله , ومعلوم أن الانسان مهما بلغ من درجات العلم والمعرفة يبقى علمه محدودا أمام خالق الكون , وكل من ينصب نفسه مشرعا بدل الخالق فينطبق عليه قول الله تعالى

( قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ) المائدة   77.

ومنذ أن أقر ميثاق الأمم المتحدة الخاص بحقوق الانسان  وهي تسعى لابراز دورها على أنها راعية حقوق الانسان بل ان بعض الدول تفرض نفسها على أنها هي الراعي الأول لحقوق الانسان ولو كان على حساب الانسان نفسه من قتله وامتهانه وحرمانه من أبسط هذه الحقوق .

ولابد لنا من وقفة متانية مع هذا الميثاق لنوضح أنه محدود المدلول .

فكم نشهد حروب تحت زعم الحفاظ على حقوق الانسان لكننا نجد أن هذه الدول هي أول من ينتهك تلك الحقوق بل نجدها ترفض التوقيع على أي معاهدة تلزمها بهذه المواثيق للحد من عدوانيتها, لكن الذي عاش لفترة طويلة يعاني من العمى وفجأة ابصر فعندما يرى ضوء الشمعة فيحسبه ضوء الشمس .

وهاقد مر زمن طويل على هذا الميثاق وكل يوم نرى ونسمع عن انتهاك الحقوق والتمييز بل اننا نجد هذه الدول ترعى دولا تقوم بأفظع الجرائم بحق الانسانية , فهل ينكر عاقل التمييز بين الأسود والأبيض في أمريكا وهل يخفى على أحد الفرق الكبير في الدخل بين مناطق السود والبيض في أمريكا وهل ينكر منصف أن نسبة مشاركة المرأة في الوزارات والمناصب لاتساوي الا واحد بالمائة في أمريكا  فأين تطبيق هذا الميثاق .

ثم ماهي السلطة العليا التي تلزم الدول بالالتزام بهذا الميثاق بل ان الميثاق يخضع لسياسة الدول المتغلبة وبالتالي يبقى هذا الميثاق عرضة للانتهاك ( يقول آرنولد توينبي صاحب كتاب  مختصر تأريخ الحضارات – عن ميثاق الامم المتحدة لحقوق الانسان  بانه ميثاق سخيف لأنه أعطى لبعض الدول حق الفيتو الذي يجهض أي قرار لنصرة المظلوم ) .

ثم ان أي ميثاق يحتاج الى برامج ومناهج لاصلاح الفرد والمجتمع والدولة وهذا مايفتقده الميثاق مما جعله فاقدا للمصداقية وخاضعا لمزاج الدول الغالبة والقوية التي تتحكم بمصير الشعوب  وهذا مادفع ممثل الصين في مجلس الأمن ليقول ذات مرة ( أمريكا تتعامل مع مجلس الأمن بالحذاء ) .

وهذا مايجعل ذلك الميثاق مسيطرا على الأمور فقط على الورق لانه لايحمل أي منهج للاصلاح وهكذا سيبقى كالجائع الذي يتغذى على رائحة الخبز.

مالفائدة أن يقر الميثاق الحقوق الاساسية للانسان والأمم وفي نفس الوقت أعطى حق النقض الفيتو لبعض الدول حصرا وهذا يتناقض مع كل قيم الحرية والديمقراطية بل انه قمة الاستبداد لانه يجعل مصير العالم بيد دولة تتحكم بمصائر الشعوب والدول .

وقد يقول قائل الباب مفتوح للشكوى والتظلم فنقول مالفائدة من التظلم طالما هناك دولة واحدة قادرة على افشال أي محاولة للانتصار لحقوق المظلوم .

كما أن هذا الميثاق فيه من الثغرات القانونية والتي مكنت بعض الدول من المساءلة والقضاء لان الميثاق في بعض نصوصه ينص على أنه لايتدخل في القضاء الدولي الا في حال رضى الطرفين الظالم والمظلوم ,فمتى كان الظالم يرضى بالاحتكام الى العدل عندما يكون مخيرا بين القبول وعدمه وهذا ماجعل هذا الميثاق يقوض الحقوق بشكل جماعي لانه مافائدة المواثيق اذا لاتوجد جهة تلزم الظالم والمعتدي للمثول أمام القضاء العادل .

وعندما نبحث عن العدالة في الميثاق فلا نجد أي نص يتكلم عن العدالة بل نجد عكس ذلك حيث هناك نص يقول ( اذا تقاطع السلم مع العدالة فلا عبرة بالعدالة وانما العبرة بالسلم  والأمن الدولي وذلك باعادة السلم الى نصابه – المادة الأولى – الفقرة الأولى ) فلنفترض أن دولة تملك حق النقض أو احدى حليفاتها على دولة صغيرة ضعيفة وأفقدت هذه الدولة كل الحقوق ودمرت بنيته التحتية فبموجب المادة الاولى على الدولة المعتدى عليها أن تستسلم استسلام المكره للقوة العاتية الظالمة وهذا منافي لكل قيم العدل , أو تقوم برفع دعوى للامم المتحدة وهنا ندخل من جديد في دوامة حق النقض الفيتو أو يتوجب قبول الطرفين بالاحتكام الى القانون الدولي وهذا أيضا يدخلنا في متاهة تهرب الظالم من قانون العدل .

لذلك نجد الميثاق فتح الباب واسعا لتملص الدول القوية ومالكة حق النقض للتهرب من أي مساءلة , في حين نجد شريعة السماء أوجبت القتال ضد المعتدي الظالم لانه لاقيمة للسلم القائم على الظلم( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) الحديد  25

( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ الى أمر الله ) الحجرات   9.

كما أننا نجد الميثاق وتكريسا لهيمنة الدول الكبرى والقوية حيث تمكن هؤلاء من الاحتياط لاي تغيير في الميثاق قد يحد من هيمنتهم حيث أنه في حال الطلب لتعديل أي نص فان ذلك يخضع أيضا لحق النقض الفيتو حسب المادة (108) من الميثاق , وهذا يبقي حقوق الانسان والدول الضعيفة رهينة وأسيرة للدول الكبرى صاحبة حق النقض .

اذا كان هذا هو حال ميثاق صادر عن جهة تعتبر مظلة لكل الدول فكيف لمواثيق صدرت عن جهات غير رسمية ولا دولية ولاتملك أي سلطة لتنفيذها فانها قطعا سوف تتعرض للانتهاك أكثر بكثير من ميثاق الأمم المتحدة .

كل ماتقدم يثبت فشل ميثاق الأمم المتحدة في الحفاظ على حقوق الانسان والشعوب , وبما أن الانسان يشرع لنفسه فانه يشرع بما تقتضيه مصلحته  وبالرجوع الى العديد من القرارات الدولية نجد أنها ضربت عرض الحائط بحقوق الانسان وحقوق الشعوب فدمرت دول وتم قصفها بالاسلحة المحرمة كما حصل في هيروشيما وناغزاكي وكما حصل في فيتنام وكما يحصل اليوم في العراق .

ان الأمم المتحدة راعية حقوق الانسان والشعوب هي نفسها من شرع في مؤتمر القاهرة الدولي الخاص بالاسكان والتنمية أنه يجوز انشاء المراكز الطبية التي تعمل على احهاض النساء الحوامل أثناء فترة الحمل وهي نفسها شرعت في مؤتمر بكين للمراءة  بجواز زواج الرجل من الرجل وزواج المرأة بالمرأة تحت دعوى الحريات الشخصية وبذلك حازت هذه المؤسسة الدولية على مرتبة الشرف في جعل الرذيلة نظاما عالميا مخالفة بذلك الفطرة التي فطر الله الناس عليها .

ان كل هذا التناقض لان الميثاق لايملك منهج وبرنامج للاصلاح ولأنه من صنع البشر بينما نجد شرع الله وضع النصوص وآليات التنفيذ مع برامج الاصلاح اللازمة من خلال الايمان بالله على أنه المشرع والايمان باليوم الآخر والعقاب والجزاء والمكافئة وحض الانسان على الالتزام بالأخلاق الحميدة .

وطالما أن هذا الميثاق يفتقد لهذا المنهج فانه سيبقى ينتقل من فشل الى آخر ومن اخفاق الى آخر وبذلك ينطبق عليه وعلى من يجعل هذا الميثاق هو المرجعية الاولى والاخيرة  قول الله تعالى :

( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوقاه حسابه والله سريع الحساب . أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور )   النور  39-40

حقوق الانسان في ضوء دستور الدول

يعتبر دستور أي دولة عبارة عن صيغة تنظيمية لتنظيم عمل أجهزة الدولة وبيان الحقوق والواجبات وبذلك يجب أن يكون الدستور حاميا لحقوق الانسان من أي اعتداء سواء كان من قبل أجهزة الدولة المدنية أو الأمنية والعسكرية أو من قبل أي جهة من غير الدولة .

كما أن الدولة وأجهزتها المختلفة وكافة المؤسسات والتجمعات ملزمة بهذا الدستور وأي خروج عنه يعتبر نوع من الاستبداد والتسلط والتعدي على الحقوق وعليه لابد من تطبيق الدستور على الجميع بلا أية محاباة.

ومعلوم أن دولة القانون والدستور  حتى تستقيم أمورها دون طغيان وتسلط لابد أن تتوفر فيها عدة أمور :

- وجود دستور تتوفر فيع عملية التدرج في النصوص القانونية

- أن تخضع الدولة وأجهزتها وباقي مكونات المجتمع لهذا الدستور

-أن ينبع هذا الدستور من حضارة وهوية وثقافة المجتمع

- أن يتضمن الدستور اعترافا صريحا بالحريات والحقوق الفردية والجماعية وتوضع الآليات التي تضمن عدم التجاوز على أي نص من الدستور أو تجميده لمصلحة حزب أوفئة ما وفي نفس الوقت يتضمن آليات التنفيذ وبرامج الاصلاح .

فوجود الدستور أمر ضروري لأنه يضمن قيام العمل المؤسسي ويحد من التسلط والتفرد وبذلك يكون السياج الذي لايجوز الخروج عليه او عنه لأنه في تلك الحالة تفقد الدولة قانونيتها وشرعيتها.

كما أن عملية التدرج في النصوص بحيث تكون هناك نصوص تسمو على نصوص أخرى بحسب أهميتها وأن تكون هناك نصوص تابعة لغيرها بحيث يخضع النص الأدنى للنص الأعلى دون أي تناقض بينهما , كما يجب أن تكون هناك نصوص تعبر عن السمات الرئيسية للدولة بحيث لايجوز لأحد كان من كان أن يخرج عليها أو عنها.

وفي الدستور لايجوزلأي دائرة أو جهاز أو مؤسسة أن تتخذ أي اجراء يتعارض مع الدستور لأن هذه الدوائر والأجهزة والمؤسسات جزء من الدولة فعليها الخضوع لسلطان الدستور , وأي خروج يعني أن الدولة الواحدة تتحول الى عدة دول فهذه دولة أمن الدولة وهذه دولة المخابرات العسكرية وتلك دولة العسكر وهؤلاء حرس قديم وأولئك حرس جديد .

أما قضية الحريات والحقوق فهي الهدف من قيام دولة الدستور والقانون لانهما وجدا لضمان تمتع الأفراد بحرياتهم العامة , وأي انعدام أو تعدي عليهما فهذا يعني أن الدولة تحولت الى الأستبداد والظلم والقهر وحكم الفرد والجزب القائد للدولة والمجتمع وانعدام الأمن .

كل ذلك يستدعي ضمانات لابد منها لسيادة الدستور وتتمثل هذه الضمانات في :

- الفصل بين السلطات الثلاث  التشريعية والتنفيذية والقضائية

- تنظيم عملية الرقابة القضائية بعيدا عن كل أشكال الهيمنة والاملاء

- تطبيق وتفعيل نظام الشورى ( الديمقراطية )

ان عملية الفصل بين السلطات الثلاث ضمان لعدم اعتداء أي منهما على عمل الاخرى وفي نفس الوقت يلزم الدولة على احترام تلك السلطات , لكن لايمنع أن تشكل كل سلطة حالة رقابية على السلطة الأخرى , كما أن عملية الفصل تمنع سيطرة سلطة على أخرىوبذلك تستمد هذه السلطات صلاحياتها من الدستور ولاتخضع لأي جهة ما في الدولة .

وعندما يكون القضاء نزيها ومستقلا ويمتلك صلاحيات الرقابة فانه في تلك الحالة تخضع الدولة لسلطة الدستور وليس العكس وهذا يتطلب أن تكون هناك حصانة لتلك السلطة تتمكن من الفصل في المخاصمات بكل حرية سواء بين أفراد المجتمع أو بين الدوائر والأجهزة وسلطة القضاء هي التي تحكم بخطأ أو صحة أي تصرف بعيدا عن هيمنة الأمن والمخابرات والمتنفذين في الدولة حتى لو كان رأس الدولة نفسه .

أما الشورى ( الديمقراطية كأسلوب لادارة الدولة وليس مصدر للتشريع ) فانها أضمن وسائل الرقابة على الجميع بلا استثناء من رأس الهرم في الدولة الى أصغر محكوم , كما أنها تفتح المجال واسعا للمساهمة الايجابية والفعالة داخل المجتمع في جو من التنافس الشريف لانها لاتسمح بهيمنة فئة على مقدرات البلاد والعباد وهذا يدفع بالجميع للمساهة في بناء الدولة والمجتمع ولا تشعر أي فئة سواء كانت دينية أو قومية أنها مهمشة.

وعندما نستعرض دساتير بعض الدول نجد فيها من الخلل والثغرات التي جعلت من الفرد صنما يعبد ومن الحزب قائدا وحيدا للدولة والمجتمع وكل ذلك يرجع الى :

- فساد الأساس الفكري والمرجعية التي اعتمد ت عليها عملية انشاء الدستور الذي تم وضعه من قبل البشر وهم محدودي القدرات وسيبقون كذلك لان الانسان مهما بلغ سيبقى فهمه قاصرا عن فهم الكون والسنن الكونية والمستقبل كما أن الانسان يبقى غير معصوم عن الخطأ لذلك لابد من اعتماد مرجعية هي من خلقت الانسان والكون وهي شريعة الله .

- ان الدساتير الحالية ستبقى عرضة للتجاوز وظلم الآخرين وباسم الدستور وبغطاء منه لان الانسان هو من وضعه.

- كما أن الانسان تتلاعب فيه الأهواء والمصالح وبذلك يمكنمه التلاعب بالدستور في اللحظة التي يرى فيها أن عملية التعديل أو التغيير في الدستور هي لمصلحته أو لمصلحة فئة معينة ولايستدعي الأمر أكثر من اشارة أمنية ليتم عقد اجتماع طارئ للسلطة التشريعية وخلال وقت قصير يتم تعديل أي نص بما يتلائم مع مصلحة القائد الأوحد , أو أنه تحت غطاء أن البلاد تمر في ظروف صعبة فعليه يتم اقرار قوانين الطوارئ والأحكام العرفية ويتم تجميد فعالية القضاء ليحل محله القضاء الأمني والعسكري وتفتح المعتقلات أبوابها لتستقبل عشرات الالوف من المواطنين تحت مبرر حالة الطوارئ وبذلك تتوسع حالة الاستبداد حتى تصبح كالسرطان  وتنتشر في المجتمع طبقة المستفيدين الذين يدورون في فلك المستبد فيتحركون لحركته ويسكنون لسكونه ويصبح القائد الأوحد هو قبلتهم .

- وفي غياب سلطة الدستور يعمل المستبد على حجب الشمس عن كل معارض فتختفي المؤسسات وتذوب السلطات وتداس القوانين تحت أقدام الأجهزة الأمنية والعسكر فيصبح الحاكم هو الخصم والحكم وهو القاضي والجلاد .

- وفي غياب سلطة الدستور تصبح الدولة بكل دوائرها وأجهزتها صانعة لمعاناة الشعب وقاضية على آماله بل ان الشعب مجبر على الهتاف باستمرار بالروح بالدم نفديك ياقائد بفضل اتساع مساحة الخوف والقلق التي تزرعمها أجهزة الأمن والمخابرات التي تصبح أكثر من عدد وزارات الدولة .

- وفي غياب سلطة الدستور تنقلب المفاهيم فيصبح الاستبداد ديمقراطية مفصلة على مقاس النظام تحت شعار  أنت حر في أن تقول ما أريد وبذلك تصبح الديمقراطية تأصيلا للطغيان والديكتاتورية وتصبح صناديق الاقتراع توابيت لدفن ارادة الشعب .

الشريعة الاسلامية وحقوق الانسان

يعتبر الاسلام نظاما كاملا ومتوازنا لكل شؤون الحياة  والنصوص التشريعية للقرآن الكريم وماثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أول تأسيس لدولة القانون  لانها تشريع الهي لادخل لهوى ومصلحة الانسان فيه .

وبما أن الانسان هو مدار التكليف فلقد اهتمت الشريعة بحقوق الانسان بشكل شامل وواسع لعامة الناس دون تمييز  لأن النصوص قامت على عقيدة الايمان بالله وبذلك خرج الانسان من دائرة العبودية لغير الله تعالى.

والنصوص القرآنية والثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لايمكن التلاعب فيها لأن الأمة كلها ستقف بوجه من يتلاعب بالنصوص .

وهذه النصوص تتعامل مع الجميع بروح واحدة ودون تمييز ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) الحديد   25.

واضافة الى عملية الرقابة من قبل السلطات الثلاث فهناك سلطة رابعة مستقلة لاتتبع للدولة وتتمثل بالعلماء الذي يتمثل دورهم في النصح والتقييم بل يمكن لهم اذا وجدوا انحرافا واضحا من الحاكم أن يعملوا على استبداله وهذا ماقرره أغلب الفقهاء وأهل العلم من الامام الجويني وغيره

( يقول الامام الجويني في مؤلفه الغياثي صفحة 57: ومما يتصل باتمام الغرض في ذلك أن المتصدي للامامة اذا عظمت جنايته وكثرت عاديته وفشا احتكامه واهتضامه وبدت قضماته وتتابعت عثراته وخيف بسببه ضياع البيضة وتبدد دعائم الاسلام ولم نجد من ننصبه للامامة حتى ينتهض لدفعه حسب مايدفع البغاة فلا نطلق القول للآحاد في أطراف البلاد أن يثوروا فانهم لو فعلوا ذلك لاصطلموا و أبيروا –أي ذهبت ريحهم _ وكان ذلك سببا في زيادة المحن واثارة الفتن ولكن اذا اتفق رجل مطاع ذو أتباع وأشياع يقوم محتسبا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وانتصب لكفاية المسلمين ما دفعوا اليه فليمض في ذلك قدما والله نصيره على الشرط المقدم في رعاية المصالح والنظر في المناهج وموازنة مايدفع ويرتفع بما يتوقع ) .

فالشريعة الاسلامية لاتؤمن برفع الشعارات ولا تضميد الجراح ومازال القيح بداخلها بل تأمر بالتنظيف والتنقية وتأهيل المصاب ببرنامج علاجي اصلاحي وبذلك تكون الحقوق هي عملية غير نظرية.

وعقيدة الاسلام فرضت على الانسان الا لتزام بحقوق الانسان من خلال الثواب والعقاب الدنيوي والأخروي ( ان الابرار لفي نعيم وان الفجار لفي جحيم ) الانفطار 13-14

فالبر والاحسان من أرقى قيم حقوق الانسان لذلك حذر الله كل من يتمادى بالفجور والاعتداء على الآخرين وبذلك كانت العقيدة لها اثر كبير في اصلاح سلوك الانسان بشكل ذاتي وبدافع ايماني لأن ضمير المسلم ونفسه هما الرقيب على التصرفات والسلوك ( لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ) القيامة 1-2

فنفس المؤمن تلوم صاحبها على كل قول أو تصرف وسلوك والمؤمن من خلال العقيدة يؤمن بان قضية حقوق الانسان على أنها منهج رباني يجب الالتزام بها .

ولعبت أخلاق الاسلام دورا مهما في تفعيل الايمان بحقوق الانسان لأن الاخلاق أساس من أسس الاسلام ولايستقيم ايمان الانسان اذا كان هناك تناقض وتعارض بين عقيدته وسلوكه , وأخلاق الاسلام تفرض على المسلم أن يكون نظيف القلب خاليا من كل أشكال الحقد والكراهية ( قال عليه الصلاة والسلام ألا وان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) وعليه فالمسلم محاسب على كل سلوك ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) الزلزلة 7- 8 .

ولو تتبعنا سور القرآن الكريم لوجدنا نصوص كثيرة تحض على احترام حقوق الانسان ويكفي سورة الحجرات التي اشتملت على هذه المعاني ( يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) الحجرات 6 وفي( يا أيها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهمن ولاتلمزوا أنفسكم ولاتنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) الحجرات  11

وفي خطبة الوداع ( قال صلى الله عليه وسلم : ان دمائكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) .

ولم يقتصر الأمر على العقيدة والأخلاق بل تلعب العبادة دورا مهما في قضية حقوق الانسان لان العبادة تربط الانسان بخالقه وتخرجه من دائرة العبودية لغير الله وتعمل على تزكية النفس وترفعها عن ايذاء الآخرين بل انها تجعل الجميع سواسية ففي الصلاة يقف الرئيس والمرؤوس بجانب بعضهم وفي الحج الكل بلباس واحد لافرق بين ابيض أو اسود ولابين سيد ومسود وفي الصيام الجميع يجوع ويعطش فلا فرق بين غني أو فقير وكذلك فالعبادات تهذب النفس وتنهى عن الايذاء ( ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) فالفحشاء والمنكر مصطلحان عامان يدلان على كل قول أو عمل سئ بحق النفس أو بحق الآخرين .

وبذلك نجد أن النصوص بشكل عام الزمت السلم باحترام حقوق الانسان وبما أنها نصوص ربانية فهي ضمانة لخلوها من النقائص والأخطاء وهي السبيل الوحيد لضمان العدل والرحمة ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون ) البقرة 138

كما أن هذه النصوص لها قدسية عند السملم مما يحرم عليه الخروج عليها وهي طاعة اختيارية نابعة من النفس التي آمنت بالمنهج الرباني ( فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) النساء 65.

ولم تقتصر النصوص على دائرة المسلمين بل شملت غيرهم لتحصنهم من الاعتداء عليهم ( لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين ) الممتحنة 8

فهي نصوص لعدم الاعتداء طالما غير المسلم لايعتدي ودعوة الى البر والاحسان والقسط بالعدل فاي قيم أرقى من هذه القيم التي تدعوا لاحترام حقوق الانسان بغض النظر عن دينه .

كما أن الشريعة جعلت مسؤولية الحفاظ على الحقوق مسؤولية ثنائية فالفرد مسؤول والسلطة مسؤولة فلا يجوز أن تقوم السلطة بالتطبيق بينما الفرد لايطبق والعكس صحيح ايضا ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) التوبة 71.

وحقوق الانسان في الاسلام منحة الهية لايحق لبشر أن يحجبها أو يمتهنها أو ينتقص منها الا في حال قيام الانسان بتصرف يستدعي المحاسبة والرقابة وكل ذلك يكون بموجب قانون وليس بهوى نفس .

وحقوق الانسان في الاسلام وسطية معتدلة متوازنة فلا تطغى حقوق الفرد على حقوق الجماعة والعكس صحيح وضابط ذلك التقوى ذلك المفهوم الشامل الذي يجعل تصرفات المسلم تحت منظار المراقبة الذاتي .

والبعض تختلط عليه الامور فتراه يقول وأين هذا الدستور الذي يقنن قضايا حقوق الانسان فان هؤلاء غاب عنهم أن التشريع الاسلامي بما يحتويه من نصوص يعتبر دستورا متكاملا ومتوازنا لحقوق الانسان ويمكن لنا أن نشير الى بعض هذه الحقوق من خلال بعض النصوص :

- حق الحياة : حياة الانسان مقدسة لايجوز الاعتداء عليها الا بالحق ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) وحتى الانسان محترم حتى بعد موته ( قال صلى الله عليه وسلم : اذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه ) كما أمر بالاسراع في عملية الدفن .

- حق الحرية : وهي صفة تولد مع الانسان وتستمر معه وليس لأحد أن يسلبها ( قال الخليفة عمر ابن الخطاب متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا )

- حق العدل والمساواة : فالناس سواسية أمام الشريعة ( قال صلى الله عليه وسلم : لافضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر الا بالتقوى )

( وقال ايضا والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )

كما أن من حق كل فرد أن يتحاكم للشريعة أو يخاصم أي شخص حتى لو كان رأس  الدولة ومنواجب القضاء أن ينصفه وحادثة مقاضاة الخليفة علي مع يهودي دليل ناصع وحادثة والي مصر عمر ابن العاص مع القبطي دليل آخر على عدالة القضاء الاسلامي .

- وهناك حقوق اخرى ضمنتها النصوص  منها : حق الحماية من تعسف السلطة – حق الحماية من التعذيب – حق الفرد في حماية عرضه وسمعته – حقوق الاقليات – حق المشاركة في الحياة العامة – حق حرية التفكير والاعتقاد والتعبير – حق الدعوة والتبليغ – الحقوق الاقتصادية – الحق في الكفاية ضمن مقومات الحياة – حق التعلم – حق التنقل والارتحال

( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا )

( ان الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )

( ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا )

( لا اكراه في الدين )

( من آذى ذميا فقد آذاني )

( لكم دينكم ولي دين )

( قل هذه سبيلي أدعوا الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني )

( وسخر لكم مافي الأرض جميعا )

( ولاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل )

( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه )

( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة )

هذه هي شريعة الله الخالق الشاملة الكاملة والمتوازنة , بينما شرائع البشر الى اليوم يقتل الانسان باسمها وتدمر بلاد باسمها ويعتدى على مجتمع باكمله باسمها وما الوضع المعاش الا أكبر دليل على أن هذا التنظير والتسطير الا شعارات وجري وراء سراب .

فلا بديل للبشرية عن وحي السماء لنه خال من النقائص والهوى والنقائض وكل شئ دون شرع الله فهو خواء وافلاس

( ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) الاسراء  9

( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم ) النفال  24

( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فباي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ) الجاثية  6

تنويه : تمت الاستعانة ببعض المعلومات من خلال بعض الكتب والمراجع والبحوث والمواقع مجلة الأمة القطرية

عدة بحوث عن قضايا حقوق الانسان

ميثاق الامم المتحدة الخاص بحقوق الانسان

بعض كتب مقاصد الشريعة الاسلامية

                   

* كاتب سوري يعيش في المنفى