ليتنا نغير ما بأنفسنا

كاظم فنجان الحمامي

ليتنا نغير ما بأنفسنا

كاظم فنجان الحمامي

[email protected]

مازلنا نهيم في وديان العصر الجاهلي. ونخيّم حول مضارب (سلول), و(هذيل), و(مخزوم), وتتقاذفنا أمواج التعصب القبلي والمذهبي والطائفي والقطري. فنغرق في مستنقع الحقد المدفون في ذاكرتنا العربية منذ القرن الهجري الأول. ونضطر احيانا لمغادرة واقعنا المؤلم, والتمرد عليه. فيصيبنا الاحباط ونحن نرى ما حققته الاقوام الأخرى من تقدم ورقي في الألفية الجديدة, فنشعر باليأس والقنوط, ونعود للاعتكاف ثانية في خنادق الجهل والتخلف. بينما بقية الأقوام يمتطون رياح التغيير, ويواصلون تحليقهم فوق محطات التاريخ بخطوات متسارعة, وايقاعات متناغمة مع دقات عقارب الساعة. فكان الزمن شاهدا على رحلات التغيير, التي انتزعتهم من محطات ماضيهم التعيس, ونقلتهم إلى محطات حاضرهم المزدهر. تمهيدا لترحيلهم نحو بوابات مستقبلهم المشرق. فالحاضر غرس الماضي. والمستقبل جني الحاضر. وما العيش الكريم إلا متوالية زمنية تستثيرها القوى العقلية المنطقية, وتستحثها الهمم المتوقدة بالعطاء الدائم, وتستنهضها النوايا الصادقة, المتولدة في براكين النفوس الراغبة بمغادرة محطات الجمود, وتعبر عنها اللهفة الحقيقية في الانتقال الى المحطات المستقبلية المنشودة.

وهي محطات متجددة على الدوام, ومفعمة بالنشاط والأمل والسعادة أعدت للأجيال القادمة. إذن يفترض بنا أن نخجل من انفسنا, ونحذو حذو الأمم والأقوام الأخرى, التي سبقتنا في هذا المضمار. وأن نساهم قدر المستطاع في بناء أوطاننا. وأن لا نكتفي بالتباهي بحضاراتنا العريقة, التي صنعها اجدادنا العظام في القرون الغابرة. بل يتعين علينا أن نتباهى بما سنصنعه نحن بأيدينا. و لنا عبرة في بلدان كثيرة, ليس لها حضارة, وليس لديها تاريخ مثل تاريخنا. لكنها صنعت لنفسها مجدا تليدا تتفاخر به بين الأمم. وهنالك بلدان أخرى عاشت منذ زمن خارج المدونات الحضارية. لكنها نهضت من سباتها الطويل, وسجلت تقدما مشهودا, نالت من خلاله شهرة واسعة بين الأمم. .

فالتفوق العلمي, والتقدم التقني, واحراز النجاح الدولي حق مستحق لأولئك الذين يسهمون في صنعه. ويسعون الى تحقيقه بعزم ثابت. أما نحن فقد تعودنا على الاسراف والتبذير, وهدر المال العام, والتقصير والاهمال, وتهميش أصحاب الكفاءات العلمية. فركبنا قطار الجهل حتى استقر بنا المقام في أتعس محطات التخلف. ومن المؤكد اننا تخلفنا كثيرا عن بقية الأمم. وصار التغيير نحو الأفضل من الضرورات الاستراتيجية, التي لا يمكن التراجع عنها. فالجميع يتغير بوتيرة متسارعة, إلا أعضاء المفكوكة (الجامعة) العربية. إذن لابد من الإعتماد على انفسنا. والأصرار على تحريك توربينات التغيير, التي تعتمد في تشغيلها على الوقود, الذي توفره عناصر المعادلة التالية :

(( الإرادة + المعرفة + العمل + الاستمرارية = التغيير ))

 ولو سألتني: متى نباشر بالتغيير ؟؟. ومن أين نبدأ التغيير ؟؟. .

لقلت لك: لن يكون لنا ذلك, إلا إذا بدأنا بأنفسنا. فالتغيير الحقيقي ينبع من أعماق النفوس المتلهفة للتغيير. وهذه هي  سمة من سمات الناجحين القادرين على التكيف مع جميع الظروف المحيطة بهم, و تطويعها لخدمة أهدافهم.. إذن علينا أن نغيّر ما بأنفسنا أوّلاً كما قال تعالى:

(( إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ))

فمتى نغيّر ما بأنفسنا حتّى يغيّر الله ما بنا ؟؟. والجواب هو: أن نتوكل على الله العلي القدير, ونتخذ قرارا فوريا حاسما بتغيير انفسنا نحو الأفضل. ونبدأ بمحاسبة انفسنا على كل ما اقترفناه من آثام وأخطاء وهفوات. ونستفيد من حكمة امير المؤمنين علي بن أبي طالب:

(( من حاسب نفسه ربح. ومن غفل عنها خسر ))

ثم ننظر إلى عواقب ما نقوم به من أعمال سيئه, سواء تجاه انفسنا, أو تجاه مجتمعنا, أو تجاه غيرنا. وأن نكف عن اللوم والتذمر, ونحاسب انفسنا بانفسنا. فنحن مازلنا نفضل مصالحنا الشخصية على مصلحة الوطن الذي ننتمي إليه. ومازلنا نكثر من التذمر والتشكي, من دون ان نخطو خطوة واحدة نحو إنهاء تقصيرنا وتصحيح هفواتنا. ومازلنا نحاول التحايل والالتفاف على الشرائع والقوانين. ومازلنا نرفع أصواتنا عالياً لفضح الآخرين, ونهمس عندما نخطئ أو نقصر. ومازلنا نذود في الدفاع عن الأفكار والمفاهيم البالية, ونعترض على التجديد والتحديث, ونعتبره خروجا على الأعراف والتقاليد. ومازلنا نصر على اشاعة الخلافات المذهبية, والعقائدية, والقبلية بيننا وبين اشقائنا الذين يعيشون معنا تحت سقف الوطن الواحد, ويستنشقون معنا من الهواء نفسه, ويشربون معنا من الماء نفسه, ويلتحفون بسماء واحدة, ويدفنون بجوارنا في تربة واحدة. ومازلنا نتنكر لتعاليم ديننا الحنيف, الذي أوصانا بإشاعة روح المحبة والتسامح والوئام والسلام بين الناس. لذا فأنّ أكبر معارك الحياة هي تلك التي تدور رحاها في أعماق أنفسنا. واستكمالا لهذه الخطوة لابد من تجاهل خلافاتنا, التى تفسد علينا حياتنا ومستقبلنا. وننشغل بما خلقنا الله تبارك وتعالى لأجله, وهو العبادة الخالصة, والصدق في المعاملة, والعمل الصالح. وتسخير طاقاتنا في خدمة المجتمع. فخير الناس من نفع الناس. ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. .

عندئذ نكون قد قطعنا الشوط الأول في رحلة التغيير الأيجابي. وصار بامكاننا أن نساهم بتغيير واقع الاسرة التي ننتمي إليها, وتحسين أوضاعها نحو الأفضل. بعد ذلك نتوسع في تطلعاتنا المستقبلية, ونشترك في تطوير مدينتنا, أو الارتقاء بمستوى قريتنا. إذن نحن بحاجة لتصحيح مساراتنا الحياتية, حاكما في رعيته, ورجلا في أهله وماله وعمله, وامرأة في حسن التربية لنفسها وأولادها. وبالصبر والمثابرة والارادة الصلبة يصل الإنسان لمبتغاه. .

ولاحظنا عند قيامنا بمتابعة وتحليل سلوك الناس في الدول المتقدمة. أنهم يتبعون المبادئ والقيم السامية, التي أقرها ديننا الحنيف منذ فجر الإسلام. وهي التحلي بالأخلاق الحميدة, والإستقامة في السلوك, والقدرة على تحمل المسؤولية, واحترام الأنظمة والقوانين, واحترام حقوق الناس وصيانة حرياتهم, وتجنب التبذير والاسراف, والسعي لتحقيق النجاح في العمل, واحراز التقدم, والدقة في المواعيد, والصدق في التعامل مع الناس, وإرساء قواعد العدالة والمساواة, والحرص على نظافة البيئة. واختيار الشخص المناسب لاداء العمل المطلوب. .

فليتنا نغير ما بانفسنا, ونصنع مستقبلنا بايدينا. ونسعى لتسلق سلم المجد والتفوق, ونستعيد مكانتنا المرموقة بين الأمم. فطريق الألف ميل يبدأ بخطوة صغيرة واحدة. لكنها خطوة تحتاج إلى الجرأة والإرادة والمعرفة والثبات...