حديث الغلاء والاحتجاج

صلاح حميدة

[email protected]

موجة الغلاء تجتاح العالم، وتخرج الشّعوب للاحتجاج على هذا الواقع السّيّء، وبالطّبع يعود سبب هذا الغلاء لإدارات غير موفّقة وفاسدة في أغلب الأحيان، بل إدارات يحكمها الجشع والطّمع وغياب العدالة في توزيع الموارد والمداخيل العامّة، إدارات داست على جموع النّاس والفقراء.

في فلسطين المحتلة، وفي قطاع غزّة يعيش الفلسطينيون الفقر نتيجة الحصار من قبل الاحتلال الاسرائيلي منذ سنوات، وفي الضّفّة الغربيّة يعيش الفلسطينيون حالة من الغلاء الفاحش في كل شيء، فالأسعار ترتفع مثلها مثل تلك في دولة الاحتلال، كنتاج طبيعي لاتفاقيّة باريس التي ربطتنا مع الاحتلال، بينما دخل الفرد عندنا أقل بكثير من دخل الفرد في دولة الاحتلال، ففي دولة الاحتلال الحد الأدنى للأجور ألف وماية دولار تقريباً، بينما عندنا مايتا دولار تقريباً؟!! وللقارىء أن يتخيّل كيف يعيش المواطن الفلسطيني بهذا الراتب أو راتب أكثر منه قليلاً، بينما في دولة الاحتلال يعيش الفقير بمبلغ يعتبر ثروة بالنّسبة لنا، بل تعيش منه أربع عائلات فلسطينيّة؟!!.

وُعدنا بالعيش في سنغافورة ورغد العيش، ولكن هذا لم يتحقّق إلا لقلّة قليلة من الأغنياء، تخدعنا مظاهر المقاهي والمطاعم الفاخرة  في رام الله التي لا يدخلها إلا الأغنياء والأجانب وعلية القوم، بينما يعيش بقيّة الشّعب في فقر مدقع، وأغلب النّاس يعيشون على الدّين ويصرفون أكثر من دخلهم، فالفواتير تأتي بداية كل شهر وتلتهم أغلب الدّخل، والخضار وصلت أسعارها لدرجة الجنون، فحبّة البندورة وصل سعرها لما يقارب ربع دولار، فإذا كان اللحم لا يشترى، والخضار لا تشترى، وهناك توجّه لتصدير البيض وارتفاع سعره محلّيّاً، وبالتّالي لن يشترى أيضاً، وحبّتي الفلافل بربع دولار، وساندويش الفلافل بدولار ونصف إلى دولار، فكيف سيعيش النّاس؟.

هبّة الاحتجاجات على الأسعار وعلى اتفاقيّة باريس لم تحدث من فراغ، فالشّعب الفلسطيني وصل إلى حد لم يستطع فيه أن يعيش، والعيش هنا يعني الحد الأدنى من العيش، وسخط الناس يتوجّه لسلام فيّاض بعد اتفاقيّة باريس، ولكن لا بدّ من القول أنّ سلام فيّاض لم يوقّع اتفاقيّة باريس، ولكنّه سعى لترسيخها، ومنذ أتى لرئاسة الوزارة زادت الضّرائب والأسعار وبلغت الرّوح الحلقوم، ولم يعد من مفر أمام النّاس، فلا قدرة لهم على الحياة بكرامة وبغير كرامة، ولم يعد هناك رواتب، والتي كانت أهم عوامل تسويق سلام فيّاض شعبيّاً، فهو من سيجلب الرّواتب والرّخاء للشّعب، ووصلنا إلى مرحلة لم نعد فيها نحصل علىيهما معاً.

مأساتنا بدأت منذ توقيع اتفاقيّة أوسلو واتفاقية باريس فيما بعد، وإن استقال سلام فياض من منصبه فلن تحل المشكلة، فالمشكلة في أوسلو وما أفرزته من اتفاقيّات وأوضاع وأفخاخ أوصلتنا إلى طريق مسدود سياسيّاً واقتصاديّا، وانقسام داخلي، فما حاجتنا باتفاقيّة أفقرتنا، وأفقدتنا حقوقنا، وأدّت لانقسامنا داخليّاً، وفرّغتنا من الكثير من سمات الصّمود والتّحدّي والتّمسّك بالحقوق الثّابتة بالعودة والقدس وتحرير كل وطننا؟.

وجّه الشّعب الفلسطيني اصطدم بحائط واقع الاحتلال وفشل اتفاقيّة أوسلو، وزالت مساحيق تجميل أوسلو وما نتج عنها، فحتّى حكم ذاتي لم نحصل عليه، فأكراد العراق يعيشون في حكم ذاتي جلب لهم الرّفاه أفضل من باقي مواطني العراق، وأصبحوا مواطنين درجة أولى في وطنهم.

الحل لكل مشاكل الشّعب الفلسطيني أن يجتمعوا بقلوب صافية، وأن يتفقوا على خروج آمن من اتفاقيّة أوسلو المشأومة، فما دمنا لم نحصد إلا العلقم من هذه الاتفاقيّة ومن هذه السلطة، فإكرام الميت دفنه، ولتعد العلاقة بين الشّعب الفلسطيني والاحتلال إلى حالتها الطّبيعيّة، وليتحمّل الاحتلال مسؤوليّاته الدّوليّة والقانونيّة، لأنّ الوضع المعلّق هذا والاستمرار في إعادة تدوير اتفاقيّة أوسلو بات غير مقنع لقطاعات واسعة من الشّعب الفلسطيني، وقد يقود هذا الوضع إلى انفجار داخلي لا سمح الله.